أدب ما بعد الحداثة، رواية «طريق الحوت» نموذجًاالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2020-02-01 09:39:15

أماني الصيفي

مصر

الكتاب: روايه  "طريق  الحوت" 

المؤلف:  مروان الغفوري

الناشر:  دار أزمنة  للنشر والتوزيع

عدد الصفحات: 309  صفحة

تاريخ النشر: 2018

يعد الروائي اليمني/مروان الغفوري من الكُتَّاب متعددي الاهتمامات، فهو(شاعر، وروائي، وطبيب قلب) مما أَثْرَى أعماله الروائية بشكل خاص. فاستطاع أن يروي الواقع الثقافي والتاريخي على لسان شخصيات أعماله الروائية، بلغة مزجت بين (الشعر، والأدب، والمعلومات التاريخية، ونتائج الأبحاث العلمية المتعلقة بالبعد النفسي للأشخاص)، وبأسلوب أدبي يجمع بين (الحوار، والسرد) بطريقة مشوقة تجذب القارئ، وتُحفز عقله وعواطفه من بداية العمل، وحتى نهايته. وفي هذه الورقة سأتناول بقراءة أخر أعمال الغفوري الروائية «طريق  الحوت» على ضوء فكر وأدب ما  بعد الحداثة. وفيما يلي سأقوم أولًا بتقديم مختصر عن أدب ما بعد الحداثة. 

أدب ما بعد الحداثة:

ظهر هذا الجنس الأدبي كرد على أفكار وفلسفة عصر التنوير، والتي تمثلت أساسًا في تأكيد سطوة العلم وسيادة الإنسان على الطبيعة؛ لينتشر أدب ما بعد الحداثة بصورة واسعة، خصوصًا بعد الحربيين العالميتين، التي استعانتا بشكل أساسي بالعلم، ودعمتهما مركزية العقل. خلفت تلك الحروب وراءها دمارًا هائلًا للبشر والمنشآت، وهو ما دعا فئة من الكتاب لاستخدام الأدب والفن؛ لمعارضة الاتجاهات السياسية والفكرية السائدة. فقد جاء هذا التيار الأدبي؛ ليعكس توابع تلك الحروب على الحالة النفسية والفكرية في المجتمع، ومراجعة كل ما قامت عليه الحضارة الغربية الحديثة.

رغم أنه لا يوجد حتى الآن تعريف موحد لمصطلح (ما بعد الحداثة)، إلا أنه، كما يوضح (أدموند سميث) في كتابه «ما بعد الحداثة والخيال المعاصر» (1991)، يتم عمومًا وصفه من خلال استخدامه بطريقتين هما:

أوًلًا: أن يستخدم كحالة ثقافية كلية، سواء كان ذلك الوصف يحمل شحنات إيجابية أو سلبية.

أما الطريقة الأخرى: فهو استخدام مصطلح «ما بعد الحداثة»؛ ليعبر عن خصائص في النص، والتي يمكن استخلاصها من تحليل لأعمال (أدبية، وسينمائية، ومسرحية)  كأعمال جون بارث، سلمان رشدي، جون فاولز، السداير جراي، ألآن روب جريليت، والفرنسي امبرتو ايكو وجاريسية ماركيز). ومن أهم السمات المميزة  للنص الأدبي ما بعد الحداثي:

الوعي بالذات، التناص، تفكيك المركز، وترصيع  النص بمقاطع من  نصوص وأجناس أدبية مختلفة أو ما يطلق عليه  "الباستيج أو الكولاج"، التعددية، التشظي في  الزمان والمكان والذوات، والتناقض، وعري الجسد وتشيئ الأشخاص.

وتصف فئة كبيرة من النقاد في الغرب كل الأعمال الأدبية المعاصرة والصادرة في الغرب بأنها أعمال  أدبية ما بعد حداثية حيث أنها تروي ذلك الواقع الاجتماعي والفكري الذي تميزه السمات سابقة الذكر مستخدمة أسلوب أدبي خالف أسلوب الكتابة الكلاسيكية كما مارسها بلزاك وزولا مثًلا، إلا أن تلك السمات وهذا الأسلوب الأدبي لا يزال قليل الحضور في الرواية العربية. فهناك عدد قليل من الروايات التي يصنفها النقاد تحت مصطلح «أدب ما بعد الحداثة» مثل: روايات تستحضر شخصيات من الماضي؛ لتعالج أحداث ووقائع معاصرة، مستخدمه تشظي الزمان والمكان. مثل «الزيني بركات» الكاتب/جمال الغيطاني، وروايتي «أم  الزين  بن  شيخة  المسكيني» «جرحى السماء» و«لن تجن وحيدًا هذا اليوم». كذلك لرواية «فرانكشتاين في بغداد» للكاتب العراقي/أحمد سعداوي، والتي استخدم  فيها الكاتب «التناص، أو التناص المتجاوز»  وهو استحضار نص سابق ومحاكاته لإنتاج نص جديد، ورواية/صنع الله إبراهيم «الجنة» والتي يمزج فيها بين الواقع والخيال؛ ليصور هيمنة الواقع الاستهلاكي الذي يحيا به الإنسان المعاصر.

 وفيما يلي سأقوم بقراءة رواية «طريق الحوت» على  ضوء الفكر والأسلوب الأدبي ما بعد  الحداثي.

إعادة  بث  السحر  في  العالم:

 تقع أحداث رواية «طريق الحوت» في 309 صفحة وفيها تصور الإنسان المعاصر الذي أرهقته قيم العقلانية والحياة التكنولوجية التي دعته لكبت كل ما ينتمي لعالم الأسطورة والخرافة من ناحية، وحققت له أكبر قدر من اللذة، الكامن في الحصول على المزيد من الأشياء والسلع من ناحية أخرى بمجرد الضغط على زر للحاسوب. فنجد أمامنا شخصية الشرطية  «سيلفيا»  والتي تصورها الرواية وهي تغرس أقدامها في الطريق الطيني المؤدي لكنسية «نيكولاس»، رغبةً منها في تتبع خيوط حكاية، تبدو كـ«حقل من الفانتازيا» (ص: 98). كانت «سيلفيا» مدفوعة لهذا الطريق، بحياة قد أصابها الملل واللامعني، يقول الراوي: «لا تعرف سيلفيا الآن، وهي تتجول في المقبرة ماذا نريد أن تعرف؟ لقد سمعت كثيرًا، وتعرفت إلى مجموعة تبدو أقرب إلى قائمة شخصيات روائية ثرية بالألغاز. إنها تعيش حياة مستقرة بعض الشيء، وقادرة على الذهاب إلى أي متجر، وشراء الأشياء التي تريدها، لكن الملل يضربها من جهاتها الثمان الملل واللا معني». (ص: 124)، كما أنه في عالم سيلفيا كل شيء يمكن الحصول عليه، بمجرد الضغط على زر الحاسوب، حتى وإن كان المطلوب علاقة حميمة.

هنا وعلى الرغم من أن تلك التكنولوجيا التي أنجزتها الحداثة الغربية، قد ترى  كسحر في حد ذاتها، إلا أنها أيضًا قضت على سحر آخر، وهو: «الانتظار والندرة». تقول سيلفيا: «إن أكثر ما يخفيها هي تعلم جيدًا، هو: أنها قادرة على أن تحصل على كل شيء تريده، لم تعد لديها من طموحات كبيرة، وتفتقر كليًّا إلى الحرمان، يمكننا استنتاج ذلك ببساطة. إذا اكتشفت الحرمان، فكرت مرارًا، ستعثر على السعادة». (ص: 125).

العلاقات السطحية:

تعد الحياة المدنية، والتأكيد على التحرر من كل قيد للعلاقات (القبلية أو العشائرية) الذي تميزت بها الحياة (الريفية والبدوية) من أهم ما سعت الحداثة إلى إنجازه؛ لتحقق استقلالية الفرد وتحرره، ولكننا هنا مراجعة لهذا المنجز، على أثر ما تركته الحياة المدنية على نفسية الإنسان المعاصر، نتيجة لتفكك العلاقات الإنسانية، وتسطيحها. فهنا نجد «سيلفيا» التي تفتقد الحياة البسيطة وقوة العلاقات الأسرية في القرية، فلا تجد أمامها سوى عالم الروايات، لتجد فيه بعض الدفء  المتخيل. يقول الراوي:

«داخل الروايات تعثر «سيلفيا» على الحياة الاجتماعية المفقودة: (العمة، والخالة، وابنة الأخت، والجد، ودجاج القرية) لقد أصبح العالم كله بالنسبة للموظفة التي اسمها «سيلفيا» مجرد فيري تيل قصة متخيلة تشتريها».

أما «فون هافون» والذي أعتاد أن يكون محاطًا بنساء من طبقات ومِهَنٍ مختلفة؛ لتقديم المتعة الجنسية لهن، ولكنه يعجز أن يجد واحدة  بينهن لديها الرغبة أو الوقت لتسأله عن (تاريخه، وآماله، وآلامه).

 تواريخ مهمشة  وروايات مضادة:

تطرقت الرواية بطريقة فنية وبأسلوب مبدع أيضًا، لنقاش محتدم حول روايات التاريخ، وما تم تزييفه من قِبَلِ مَنْ كان لهم سلطة الكتابة، وامتلاك المؤسسات الثقافية الموجهة للخطاب في المجتمع، فعلى خلاف الرواية الأصلية التي تركها «كارستين نيبور» العائد الوحيد من الرحلة الاستكشافية، تذكر الرواية قصة سائس الخيول «بيرغين» في كناية عن الأشخاص المهمشين، الذين يساهمون في كل عمل يتم إنجازه في أي حضارة، ولكن طالما تم تهميشهم، بل ونكرانهم من قِبَلِ مَنْ يملك سلطة التأريخ.

كما أن رواية الشخصية المتقمصة للرسام «باورنفايند» التي تحاول التشكيك في صحة ما دَوَّنَهُ «كارستين نيبور» حول مرض وموت كل أعضاء الرحلة، تُعَدُّ أيضًا بمثابة محاولة لهدم الأسطورة التي نُسجت حول شخصية «كارستين نيبور» وبالمثل كل الشخصيات  التي تم الاحتفاء بها و" تقديسها" عبر  التاريخ.

 نسبية الحقائق:

على خلاف ما تقوم عليه الرواية الحداثية من تقديم ثنائيات متقابلة: (العلم مقابل الجهل، التنوير مقابل الخرافة، الحقيقة مقابل الزيف، الخير مقابل الشر) يقيم  الغفوري هنا رؤية فكرية ومعمارًا فنيًّا مخالفًا تمامًا. فلا تنوير خالٍ من الخرافة، ولا حقيقة مطلقة، بل إن لِكُلٍّ حقيقتُه الثقافية التي لا تنفيها ولا تمحوها بالضرورة حقيقةُ الآخر. فالرواية تقدم ما تعتقده الكاهنة «أورسولا» على هيئة حقيقة مسيحية، وكذلك تستحضر الحقيقة من وجهه نظر إسلامية في الرواية التي تقدمها شخصية «حورية كامل» وروايات أخرى لكل شخصية من شخصيات الرواية دون صدام، بل إن ما يسود شيء أقرب إلى التسامح بوجود حقيقة أخرى، وليس بالضرورة الاعتراف بها كحقيقة، لذلك يبدو أن استحضار الاقتباسات من الكتب المقدسة هنا بمثابة جزء من تاريخ الأشخاص، دون التركيز على أيدلوجية أو دوغمائية.

السخرية في مواجهة  الميتافيزيقا:

يبدو أن التساؤل عن وجود قوى خارج حدود الإنسان والحياة بعد الموت ظلت تطارد الرواية ما بعد الحداثية، كما كانت في الكتابات الكلاسيكية. إلا أن النص ما بعد حداثي لم يَسْعَ  لتقديم حل قاطع لتلك المسائل الهامة، التي سعى العقل الحداثي لإيجاد إجابة علمية عقلانية لها. بل إنه يتعامل مع تلك التساؤلات بطريقة ساخرة وبحس يغلب عليه الكوميديا السوداء. فهنا مثًلا شابٌ روسيٌّ يكتب على سياج محيط بدير الكنيسة بعد هبوب العاصفة من اتجاه هولندا «الرب موجود ويعيش في هولندا» فتحاول الراهبة «أورسولا» محو تلك الكلمات دون  الرد عليها، وعندما تعجز عن  محوها تنزع عنها غطاء رأسها، وتغطي به كلمة «هولندا». لكن حجابها ما يلبث أن يطير، لِيَعْلَقَ بشجرة بلوط في مقبرة، قبل أن ينتهي كرباط لركبة امرأة في إحدى الغرف المحيطة بالكنيسة.

في مكان آخر يعلق أحد أشخاص الرواية على مسألة «ما بعد الحياة الدنيا» فيكتب قاصدًا «كارستين نبيور»:

«سبق أن كتب على ظهر التمثال من قبل: «أخبرني كيف وجدت الفردوس؟» وبعد أن طاف بالمدينة وعاد، وجد أن أحدهم قد مسح سؤاله. أدركه الغضب فأخرج طبشورته وكتب: «أخبرني كيف وجدت الجحيم؟».

مأساة الإنسان ما بعد الحداثي هنا (كما يصورها الغفوري): هي مأساة «أورفيوس» كما صورها «إيهاب حسن» كرمز الفنان الذي يستسلم لمصيره المأساوي كـ(مبدع ممزق الأوصال)، فلا يجد أمامه سوى العزف على قيثارة بلا أوتار بعد انهيار كل الحقائق، وفشله في مواجهة قوى الطبيعة. فهنا «كارستين نيبور» مع رفاقه،  ينتظر العاصفة حاملًا جيتاره؛ ليعزف في مواجهة العاصفة مقطوعات، لا تُعزف أصلًا على الجيتار، بل على البيانو!

هذا الحس الساخر دون السعي لإيجاد حلول، أو مواجهة تلك الإشكاليات بجدية، هو ما جعل المفكر الألماني «يورجن هبرماس» يصف  هذه التيار بأنه «نزعة محافظة».

البناء الأدبي ما بعد حداثي في رواية «طريق الحوت»:

 تتسم هذه  الرواية بالتمرد علي قواعد الرواية الكلاسيكية، وهي: (المكان، والزمان، والحدث) وخصوصًا فيما يخص التتابع الخطي للزمن، فالأحداث التي تبدأ في عام (2014) سرعان ما تعود بنا لشخصيات، تسكنها أرواح فريق عاش في القرن الثامن عشر، ثم تنتهي الأحداث بتواجد الزمنين في آنٍ واحدٍ.

أما فيما يخص الشخصيات: فلا نستطيع تقسيم الأشخاص لشخصيات ثانوية، وأخرى رئيسية كما في  الروية  التقليدية، بل يمكن القول بأن الشخصيات نالت أقساطًا متساويةً للحضور في الرواية. رغم أننا يمكن أن نضيف كُلًا من الكلب «جنرال» والكلبة «قديسة» لتصنيف الشخصيات الثانوية.

وجميع الشخصيات هنا تتطور وتمتد بتطور الرواية، وخصوصًا شخصية الشرطية التي تسلحت بروح المغامرة، لذلك جاءت أحداث الرواية مشحونة بعنصر المفاجأة، أو لِنَقُلِ الصدفة والعفوية، التي أراد لها الكاتب أن يكون لها السلطة في الرواية، فبالرغم من كل الترتيبات والإعدادات لأكثر من عامين، إلا أن كل تلك الترتيبات ستتحكم فيها مصادفة هبوب عاصفة، ورؤية الراهبة لـ«قبس عمانؤيل»، ليعود بنا الكاتب  لروح

فلسفة ما بعد الحداثة، والتي تُغَلِّبُ الصدفة والعفوية على التصميم والترتيب.

السرد والأسلوب  الأدبي:

حضر السرد هنا بصورة رائعة، تجلت في شكل القصة الشارحة:

Metafiction فالرواية تشرح لنا رواية أخرى حدثت قبل أكثر من قرنين من الزمان، تلك القصة ما تلبث أن تأخذ شكل قصص صغرى للأشخاص المعاصرين، مكونة سردًا محكم البناء، فإذا كان النص الأدبي يشتمل في بنائه على ثلاث ذوات هي: (الذات الممثلة لشخصيات الرواية، والذات المؤلفة للرواية، والذات المتلقية للرواية) فإنه يمكن القول بأن الشخصيات الممثلة للرواية قد لعبت تلك الأدوار الثلاثة، فهي ممثلة لأشخاص الرواية الأصلية لفريق الرحلة الاستكشافية «إذ تقمصت تلك الشخصيات الحية شخصيات الفريق العلمي» ومتلقية للنص، فهؤلاء الأشخاص معهم النص، ويقومون بقراءته كمتلقٍ. وكذلك فتلك المجموعة مؤلفة للنص، من خلال إضافة التعديلات على النص الأصلي، بما يتناسب مع قراءة النص وتمثيله، في ضوء الحياة المعاصرة ومستجداتها.

كما أنه في السرد لم يمتلك شخص واحد بعينه سلطة السرد، فإلى جانب قيام الراوي بضمير الغائب بدور الحَكَّاء، فقد قام كل من الأشخاص التسعة بل والكلبين (جنرال، وقديسة) بدور الحَكَّاء أيضًا في معظم أجزاء الرواية؛ ليروي لنا كل منهم روايته «تاريخه»، فاستحضر كل منهم تجربته الشخصية ومشاعره من قبس روحه وذاكرته الخاصة، سواء كان ذلك على شكل حوار مع الآخرين، أو جاء كـ«مونولوج» يستحضر فيه الشخص ما يجول بنفسيته من مخاوف، وما يحمله ضميره من تأنيب على أخطاء ارتكبها في  الماضي. وهنا اتسقت تلك البنية الروائية تمامًا مع فكر ما بعد الحداثة، الذي يتوغل في النفسية، ولا يترك مجالًا لِتَحَدُّثِ أَيِّ فرد بلسان فرد آخر، فلكلٍّ تاريخُه الخاص، وهمومه، ومشاعره الناتجة عن وقائع تجاربه الخاصة به.

 التناص: 

برع الكاتب في استخدام الرموز في الرواية فمثلًا: «الظلام الدامس، وغضب الرب في الجنوب» قد يكون كناية عن الجهل بهذه البلاد، والخطر الذي يهدد الحضارة الغربية قادمًا من (الجنوب)، ومدججًا بتفسيرات دينية.

 وعبارة «الظلام الدامس» تستدعي إلى الأذهان الرواية القصيرة «قلب الظلام» والتي كتبها الكاتب البولندي الإنجليزي «جوزيف كونراد» في عام (1902)، والتي تروى أحداث رحلة بحرية إلى الكونغو، في قلب إفريقيا في أوج عهد الإمبراطورية الإنجليزية، وفترة الاستكشافات العلمية والرحلات للشرق.

 تطابقت شخصية «مارلو» (بطل رواية  قلب  الظلام) مع " كارستين  نبيور" من حيث الاهتمام، فالثاني  عالم الخرائط، وكذلك كان «مارلو» مولعًا بالخرائط. كما أن أحداث كلتا الروايتين «قلب الظلام» و«طريق الحوت» ترويان رحلة بحرية تقوم من أوروبا حيث «النور» إلى العالم الشرقي «المظلم»، ويجد أبطال كلتا الروايتين أنفسهم في مواجهة مع الطبيعة وسطوتها، فيموت عدد من الأبطال بسبب إصابتهم بالأمراض كـ«الملاريا»، كذلك يحاول «مارلو» كشف الأغراض الاستعمارية والإمبريالية، وجشع المستعمر، والتشكيك في أخلاقية أبطال الرواية حتى يطال التشكيك شخصية الراوي «مارلو» نفسه، والذي يصف نفسه بأنه كان «محبًا لتلفيق القصص». وكذلك تنتهي كل من أحداث الرحلتين إلى الشرق، دون تعارف أي منهما على الآخر وثقافته - وخصوصًا لاختلاف اللغة.

وأخيرًا يمكن أن نقول أن الغفوري قد نجح في استخدام الأسلوب الأدبي ما بعد الحداثي لمساءلة الحداثة الغربية والغوص في نفسية الإنسان المعاصر، من خلال استخدامه لتقنيات وأدوات أدبية مناسبة تمامًا، وبأسلوب فني ينسجم تمامًا مع الجو الشبحي، الذي يقوم عليه البناء السردي، وقد أثقل تلك المهارةَ والقدرةَ الإبداعيةَ ثقافتُه الغريزية وتجربتُه الحياتية.

مروان الغفوري (1979) شاعر وكاتب  وروائي  يمني.

صدرت له عدة أعمال من بينها: «نبوءة يثرب» (2006) وهو ديوان شعري، وعدد من الروايات منها: «الخزرجي» (2013)، و«جدائل صعدة» (2014)، و«تغريبة منصور الأعرج» (2015)، و«كود بلو» (2008) التي صدرت في كتابة ثانية بعنوان «هروب الفتى عاري الصدر» (2016).

 


عدد القراء: 6414

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-