الترجمة وتصحيح التصورات النمطية عن العربالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2020-10-01 19:55:31

يوسف أمرير

المغرب

من المعروف أن الغرب، كان ولا يزال، يتمثل العرب وثقافتهم وَفق مجموعة من التصورات المسبقة. ولا جدال في أن لفعل القراءة أهمية بالغة في تكوين هذه التصورات وترسيخها في ذهن المتلقي الغربي بمعزل عن صحتها أو لا. وعليه، أضحت الترجمة حاجة ضرورية تطرح كوسيلة لتجاوز التباين الحاصل بين واقع الحضارة العربية من جهة، وتمثلات الإنسان الغربي لهذه الحضارة من جهة ثانية، كما أن كل "ثقافة تكتفي بذاتها وتعزف عن الترجمة يصح أن توصف بأنها شبه ميتة"، وهذا ما يجعلنا نشير إلى أن الترجمة ليست عملية فكرية وثقافية فقط، وإنما هي قرار سياسي ومجتمعي وخطة قومية وثقافية ولغوية لها خلفية موجهة وتطمح لتحقيق غايات معينة. في هذا السياق تبرز تساؤلات عدة لعل أهمها: هل للترجمة دور في التأثير على معارف الأفراد والجماعات واتجاهاتهم وسلوكياتهم؟ وما مدى قدرة ترجمة الأعمال الأدبية والعلمية والفكرية للعرب على تغيير التصورات النمطية للغرب؟

لقد كانت الترجمة ولا تزال أساس المثاقفة بين الشعوب والحضارات؛ فمنذ زمن طويل وهي تحظى بأهمية بالغة لما لها من قدرة على تقليص الحدود بين الشعوب وثقافاتها؛ فهي التي تمهد لتجاوز العزلة والتقوقع الداخلي وتفتح آفاقًا متعددة للتواصل والتفاعل من الآخر. إن الترجمة آلية هامة للانفتاح على الآخر (الغرب) والتثاقف معه، وتتمثل أهمية الترجمة من خلال مستويات عدة يمكن تحديدها فيما يلي:

 أولاً، كون الترجمة وسيلة مركزية تمكننا من التفاعل مع الآخرين؛ فهي لا تمكننا من التعرف على الآخر فقط، بل إنها الطريقة المثلى لفهم الذات، حسب أدونيس، حيث "إن تطور العلاقات ما بين الشعوب، نوعا وكما، يؤكد أن الآخر لم يعد مجرد طرف للحوار والتفاعل والتبادل، وإنما تخطى ذلك إلى أن يكون عنصرًا من العناصر التي تكون الذات". وعليه، فإن محاولة ترجمة الأعمال الأدبية والعلمية والفكرية للعرب من شأنه أن يساهم في تغيير الصور النمطية التي راكمها الغرب على العرب وثقافتهم منذ أمد طويل.

ثانيًا، كون الترجمة من متطلبات التقدم الفكري وحاجة ضرورية لتطوير البحث العلمي؛ حيث تسعفنا على الاطلاع على آخر ما استجد في ميادين العلم والفكر والثقافة، ومن ثم فهي جسر للتواصل مع الثقافات المختلفة والحضارات المتعددة سيما وأننا في زمن العولمة الذي يعرف انفجارًا معرفيًا على جميع المستويات.

ثالثًا، المكانة الاعتبارية الهامة للترجمة في الثقافة العربية؛ إذ نجد نماذجًا هامة لأعمال مترجمة ساهمت في ازدهار حقول معرفية متنوعة فلسفية وأدبية وعلمية، وهذا شأنها في جميع الثقافات، كيف لا وهي وسيلة الاتصال بين الشعوب، والقناة التي تساعد على نقل المعرفة وتبادل الأفكار والمفاهيم بين الحضارات وشعوبها. ورغم هذه الأهمية إلا أن الترجمة في العالم العربي ما زالت تعتريها مجموعة من النقائص؛ إذ لا مجال للمقارنة بينها وبين ما يقوم به الغرب في هذا المجال فما يترجم في العالم العربي قليل جدًّا ولا يرقى إلى المستوى المطلوب لا من ناحية الكم ولا الكيف.

رابعًا، أهمية المثاقفة باعتبارها دراسة للتصورات الناتجة عن اتصال ثقافتين تتأثر وتؤثر إحداهما في الأخرى وهذا ما تقتضيه الحياة المعاصرة التي تنحو إلى الحوار والتفاعل بين الشعوب والحضارات.

إن الترجمة إذن، أصبحت مطلبًا حضاريًا وفكريًا لا جدال فيه؛ لأجل تحقيق حوار الحضارات وتصحيح المغالطات والأفكار المسبقة بين الشعوب. غير أن الترجمة يجب أن لا تتم هكذا اعتباطًا، وإنما يجب أن تخضع لمجموعة من المحددات والضوابط نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر:

- تحديد نوعية الأعمال المقترحة المترجمة وهذا يفرض وجود رؤية وتخطيط وراء الترجمة؛ إذ هي حاجة ثقافية وحضارية أوسع وأعقد من أن تترك لاجتهادات فردية، ومن ثم يجب تشجيع الترجمة في إطار مراكز ومشاريع بحثية تقوم على رؤية استراتيجية محددة وتتوخى تحقيق أهداف واضحة.

- حسن اختيار الأعمال الموجهة للترجمة بحيث تكون أعمالاً حاملة لخلفية العرب الثقافية ومعبرة عن عاداتهم وتقاليدهم وهويتهم وقيمهم وسلوكياتهم. ويراعى في اختيار هذه الأعمال الاتجاه نحو الأفق "الذي يضيف إلى آفاق هذه اللغات أشياء أخرى تزيدها معرفة بالإبداع العربي وتزيدها غنى في تكوينها الثقافي، سواء ما اتصل بقلق الإنسان وجودًا ومصيرًا، أو بمشكلات الحياة، أو العلاقة مع العلم والأشياء، أو الرؤى الخاصة بالدين والذات والآخر واللغة والتعبير، وفي هذا ما يجعلنا نحيد عن الترجمة التي تندرج في المسار السياسي الإعلامي الاجتماعي تلبية لرغبة الآخر في النظر إلى العرب لا نظرة الندية الإبداعية، بل نظرة من يسعى للتشهير بهم أو لإبقائهم سجناء الصورة الإمبريالية صورة التخلف والتبعية".

- إسناد فعل الترجمة لباحثين مختصين في الترجمة يكون لديهم إلمام معرفي وثقافي ولغوي باللغة التي يراد أن تترجم إليها الأعمال الفكرية والأدبية والعلمية العربية.

- الزيادة في عدد الأعمال المقدمة للترجمة من العربية وإليها.

ننتهي مما تقدم إلى أن الترجمة حاجة ضرورية للانفتاح على الآخر ومسايرة المستجدات على جميع الأصعدة من جهة، والعمل على التعريف بالثقافة العربية من جهة ثانية. ولا ريب في أن الترجمة بذلك ستساهم بشكل كبير في تغيير الصور النمطية عن العرب وثقافتهم. ومن ثم وجب علينا الاهتمام بها لما لها من دور في نقل ثقافتنا بكل مكوناتها للآخر دون ارتباط بأي خلفية إيديولوجية. وعليه، فإن سؤال الترجمة يحتاج إلى نقاش خاص يروم تحقيق التجديد والتطوير.


عدد القراء: 4066

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-