أدب تويترالباب: مقالات الكتاب
رفيدة جمال ثابت مترجمة وباحثة ماجستير الأدب الإنجليزي - جامعة حلوان |
مما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي تغلغلت في حياتنا اليومية بشكل غير مسبوق. فمع كل منشور وتغريدة يغدو ملايين من الناس أكثر اتصالاً وتفاعلاً. فيقرؤون ويكتبون وينقدون ويتفاعلون ويفسرون الكلمة المكتوبة أكثر من أي جيل مضى. لا عجب إذًا أن تطبيق تويتر ليس مجرد نوع جديد وموجز من الكتابة، بل ويحظى كذلك بجمهور جديد يلتهم هذه الكتابة.
بدأ تطبيق تويتر في عام 2006، وظهرت أولى روايات تويتر في عام 2008. والمقصود بأدب تويتر أو (Twitterature) استخدام خدمة التدوين المصغر لنشر ألوان أدبية مثل القصائد أو الروايات أو القصص القصيرة أو حتى الحِكَم، وذلك عن طريق حساب فردي أو عدة حسابات مشتركة. على سبيل المثال يستطيع الكاتب الاستعانة أحيانًا بمتابعيه للمشاركة في كتابة رواية. ويصل عدد الكلمات والرموز المسموح بها لنشر تغريدة على تويتر إلى 280 حرف ورمز كحد أقصى، مما يمثل تحديًا إبداعيًا.
من الصعب تحديد بداية ظهور مصطلح أدب تويتر، لكنه اشتهر مع صدور كتاب (أدب تويتر: أعظم كُتب العالم تُحكى عبر تويتر)، والذي نشره ألكسندر أسيمان وإيميت رينسين في عام 2009. في هذا الكتاب تمكن المؤلفان، وهما من خريجي جامعة شيكاغو، بتلخيص روائع الأدب العالمي الكلاسيكي في تغريدات مكونة من 140 حرفًا أو أقل. على سبيل المثال لُخصت مسرحية (في انتظار جودو) للكاتب صامويل بيكيت في تغريدة كالآتي:
مازلنا ننتظر. نحاول عدم التفكير في الموقف المجازي المُحبِط الفظيع الذي ألفينا أنفسنا فيه.
بالإضافة إلى رواية تويتر (twovel)، هناك مصطلحات مثل قصة تويتر (twiction) أو (tweet fic)، وروايات تشويق تويتر (twiller) والتغريد الزائف (phweeting). ويعتبر أدب تويتر كتابة تجريبية. فأحيانًا يرغب بعض المؤلفين في معرفة مدى تأثير هذا الوسيط على طريقة القص أو كيفية انتشار قصة عبره. وفي الغالب يكون مؤلف الرواية أو القصة مجهول للقراء. فحساب تويتر يمكن أن يكون شخصية في إحدى القصص أو اسم مستعار. ويخلق إخفاء الهوية جوًا من الصدق والأصالة.
هناك قصص تتكون من 140 حرفًا وهي تناسب تغريدة واحدة. مثل تغريدات (جيمس مارك ميلر)، و(شون هيل) و(ارجون باسو). في عام 2009 قام تويتر برعاية مهرجان الرواية، والذي ظل يُقام سنويًا وانتهى في عام 2015. وقد نشر كُتّاب مشهورون قصصًا كاملة في تغريدة واحدة. على سبيل المثال:
"بدأ العلاج فعال حتى لاحظت أنني كنت المريض، ولست الطبيب. وازداد الأمر سوءًا حينما اكتشفت أنني لم أكن سوى المقعد".
رواية تويتر هي شكل أدبي آخر يمكن أن تمتد لمئات التغريدات على مدار عدة أشهر، في حدود تغريدة أو اثنتين يوميًا. وعلى الأغلب يتم الحفاظ على السياق باستخدام وسم أو هاشتاج خاص، وعن طريق البحث باستخدام هذا الوسم تظهر قائمة من التغريدات المتاحة في السلسلة. على سبيل المثال رواية (أماكن صغيرة)، والتي كتبها (نيكولاس بيلاردس) باستخدام حسابه (smallplaces@)، بدأت في 25 إبريل من عام 2008 وانتهت في 8 مارس 2010، باستخدام 30 ألف كلمة تقريبًا:
"الهاتف مغلق. فتحته. أضاء ببطء الغرفة كشمعة مرتعشة".
رواية (الصندوق الأسود) التي كتبتها (جينيفر إيجان)، نُشرت للمرة الأولى في 500 تغريدة تقريبًا في عام 2012. ورواية (النوع الصحيح) للروائي الشهير ديفيد ميتشل، نُشرت للمرة الأولى بمعدل حوالي 300 تغريدة في أسبوع واحد في عام 2014. ويعتبر كتاب (حكم إلكترونية) أول كتاب يؤلف ويُنشر بأكمله على تويتر، والذي كتبه جون رودريك باستخدام تغريدات فردية بين ديسمبر 2008 ومايو 2009.
بجانب الأعمال الأدبية الفردية على تويتر هناك كذلك الأعمال الجماعية. الروائي المعروف نيل جايمان هو من صك مصطلح "رواية تويتر التفاعلية" (interactive twovel)؛ والتي فيها تعاون متابعوه على حساب تويتر في كتابة رواية. وكانت التغريدة الأولى له:
كانت سام تمشط شعرها حينما أنزلت الفتاة في المرآة فرشاة الشعر وابتسمت قائلة: «لم نعد نحبك بعد الآن».
ثم طلب من متابعيه استكمال القصة تحت وسم #bbcawdio. وقد نُشرت التغريدات التفاعلية الناتجة في كتاب صوتي بعنوان: (قلوب ومفاتيح ودُمًى) وكان المؤلف (نيل جايمان ومغردون).
لا يقتصر أدب تويتر على مجرد نشر رواية أو قصة، بل يستخدم العديد من الكُتّاب التطبيق بطرق إبداعية؛ فينشئون حسابات لأبطال قصصهم، والتي تتفاعل مع المتابعين، ويستعينون بروابط لصفحات ويب خارجية، ويستفيدون بأكبر قدر ممكن من النص التشعبي (hypertext) عن طريق بناء ما يشبه لعبة الواقع البديل. على سبيل المثال، خلال فعاليات مهرجان تويتر للرواية في عام 2014، روت إيليوت هولت قصة على تويتر عبر إعادة نشر تغريدات الشخوص الذين كانوا شهود عيان على جريمة قتل في حفلة وغردوا عنها، ثم اُستخدمت تغريداتهم بعد ذلك بصفتها جزءًا من التحقيق.
من بين الأشكال الشعرية الأدبية المناسبة لتويتر شعر الهايكو؛ وهي قصائد مختزلة مكثفة. ويمكن إيجاد الكثير من الأمثلة باستخدام هاشتاج #Haiku:
نتوق إلى معنى
قلوبنا تنبض إلى أن ننام
الحب هو كل ما تبقى منا
لم يعد النشر الورقي التقليدي هو الوسيط الوحيد للانتشار بالنسبة للكاتب، فقد غدت المدونات المصغرة مثل تويتر وتمبلر مكانًا للكتابة والسعي إلى الانتشار وتحقيق النجاح. وقام العديد من المؤلفين والناشرين وبائعي الكتب المستقلين وحتى نوادي الكتاب بإنشاء حسابات على تويتر، للاستفادة من توسعه وتشعبه. لقد خلق تويتر طرقًا جديدة ومبتكرة من التفاعل والتواصل بين المؤلفين والقراء. على سبيل المثال، كسب مات ستيوارت جمهورًا عريضًا وآلاف المتابعين على تويتر وحقق شهرة واسعة حتى أنه وجد ناشر يتبنى قصته وينقلها من الواقع الافتراضي إلى صفحات كتاب. نشر ستيوارت روايته (الثورة الفرنسية) على تويتر، بمعدل تغريدة جديدة كل 15 دقيقة. ويقول عن تجربته: «من الرائع أن يتبنى الناشرون قصة ممتازة وطرق إبداعية للتواصل مع القراء».
تقول كات لي، التي تعمل وكيلة أدبية للكُتّاب الذين ينشرون أعمالهم عبر الإنترنت، أن التسويق الرقمي للمؤلف يساعد في النهاية على بيع الكتاب. «أي شيء يفعله المؤلفون هو أمر مهم، وبالتأكيد إضافة لهم وللناشرين على حد سواء. إنهم بذلك يشيدون قاعدة شعبية لهم. عندما أنظر إلى مدونات التدوين وتمبلر وتويتر، مهما كانت مسمياتها، أراها منصات أخرى لاكتشاف الموهبة».
ولكن تبقى هناك عدة أسئلة مطروحة للنقاش. هل يمكن اعتبار أدب تويتر أدب حقيقي أو محاولات إبداعية جادة تستحق الأخذ بعين الاعتبار؟ بل وتستحق النشر الورقي؟ وإذا انتقل أدب تويتر من الفضاء الافتراضي إلى الفضاء الورقي هل يُطلق عليه أدب تويتر؟ وهل يجب أن تكون التغريدات متصلة بالإنترنت لكي تُصنف بأنها أدب تويتر؟
المصدر:
• ثورة أدب تويتر، موقع اندبندنت
• أدب تويتر، إيزابيل ويلكنسن، دايلي بيست، 14 يوليو 2017.
https://www.thedailybeast.com/twitterature?ref=scroll
• من هيمنجواي إلى أدب تويتر: أدب الكلمة القصيرة، مايكل رودينK مجلة النشر الإلكترونية، عدد 2، مجلد 14، 2011.
https://quod.lib.umich.edu/j/jep/3336451.0014.213?view=text;rgn=main
تغريد
اكتب تعليقك