القيمة والتقويمالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2021-05-29 08:30:14

د. مصطفى عبدالرؤف راشد

مدرس القيم وفلسفة الأخلاق - كلية الآداب - جامعة سوهاج - مصر

القيمة والتقويم*

 

ملخص:

تعرض المقالة في المقام الأول لمقدمة عامة عن بداية ظهور مصطلحا القيمة والتقويم في العلوم الاقتصادية وتحديدًا في علم الاقتصاد السياسي، ثم بينت لتطور المصطلحين في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي عند بعض علماء النفس الألمان، ثم تناولت بداية نضج المصطلحين وثقلهما في الأعمال الفلسفية خاصة عند الفلاسفة البريطانيين والأمريكيين.

ثم بينت المقالة الاستخدامات الفلسفية لمصطلحي القيمة والتقويم، والتي حُددت في ثلاثة استخدامات، وهي:

1 - تستخدم القيمة (بصيغة المفرد) بوصفها اسمًا مجردًا.

2 - تستخدم القيمة بوصفها اسمًا أكثر واقعية.

3 - تستخدم القيمة بوصفها فعلاً.

وقدمت أيضًا للنظريات الفلسفية التي تناولت مصطلحي القيمة والتقويم، وصنفتها إلى:

 1 - نظريات معيارية، تصدر أحكامًا حول القيمة والتقويم، وتخبرنا عن ماهية الأشياء الخيرة، أو ماهية الأشياء التي لها قيمة.... وهكذا.

 2 - نظريات ما بعد المعيارية، تعمل على تحليل القيمة والتقويم، ولا تصدر أحكامًا على أي شيء، ولا تخبرنا ما هي الأشياء الخيرة، أو ما الأشياء التي لها قيمة.

ترجمة النص

يستخدم مصطلحا القيمة والتقويم ومحتواهما بطريقة مربكة ومحيرة، رغم كونهما شائعان الانتشار في ثقافتنا المعاصرة، ليس فحسب في الاقتصاد والفلسفة، ولكن أيضًا في العلوم الاجتماعية والإنسانية الأخرى.

وقد استخدمت القيمة في بادئ الأمر بطريقة واضحة نسبيًا ومحددة الاستخدام، فكانت تعني القيمة ما يساويه الشيء أو ما يستحقه، بينما يعني التقويم تقدير ذلك الشيء وتثمينه، وهذا المعنى كان بشكل أساس في العلوم الاقتصادية أو شبه الاقتصادية، ولكن حتى عندما لم يكن الأمر كذلك، فما زالت تحتفظ القيمة بالمعنى نفسه، أي ما يستحقه شيء ما، ولكن ليس بالمعنى الذي يعنيه الشيء الجميل، أو الصدق، أو الصوابية، أو حتى الخيرية.

بدأ توسيع معنى المصطلحين واستخدامهما في علم الاقتصاد، وتحديدًا علم الاقتصاد السياسي - كما كان يسمى -، ثم أصبحت القيمة والتقويم مصطلحين تقنيين أساسيين لهذا الفرع من علم الاقتصاد يُدرس تحت عنوان "نظرية القيمة".

ثم بدأ الفلاسفة الألمان - وبشكل خاص "رودولف هيرمان لوتزا" (1817 – 1881م) و"البريخت ريتشل" (1822 – 1889م) و"فريدريك نيتشه" (1844 – 1900م) - في تناول فكرة القيمة والتقويم بمعنى أوسع وأشمل بكثير مما كانت عليه، وأعطوها الأهمية الأساسية في تفكيرهم.

ثم نضج هذا المفهوم في تسعينيات القرن التاسع عشر الميلادي (1980م) من خلال كتابات كل من: "ألكسيوس مينونج" (1853 – 1920م) و"كريستيان فون أهرنفلس" (1859 – 1932م)، - وهما نمساويان من أتباع الفيلسوف وعالم النفس النمساوي "فرانز برنتانو" (1838 – 1917م)- ومن خلال آخرين أمثال: "ماكس شيلر" (1874 – 1928م) و"نيقولا هارتمان" (1882 – 1950م)، وهما من الفلاسفة الألمان في القرن العشرين الذين تأثروا بـ"إدموند هوسرل" (1859 – 1938م) (الذي تأثر هو بنفسه بـ"برنتانو").

ثم أصبحت فكرة النظرية العامة للقيمة والتقويم ذات شعبية في القارة الأوربية وفي أمريكا اللاتينية، فكان لها بعض التأثير في بريطانيا العظمى، وقد تجلى ذلك في أعمال "برنارد بوزانكيت" (1848 – 1923م) و"ويليام ريتشي سورلي" (1855 – 1935م) و"جون إم ماكينزي" (1943م -  ) و"جون ليرد" (1887 – 1946م) و"جون فيندلاي" (1903 – 1987م)، ولكن كان التأثير هنا أقل من أي مكان آخر؛ لأن الفلاسفة البريطانيين تمسكوا بالمفاهيم التقليدية مثل: الخير والحق.

وعلى العكس من ذلك لاقت فكرة النظرية العامة للقيمة والتقويم ترحيبًا ورواجًا في الولايات المتحدة الأمريكية قبل الحرب العالمية الأولى وبعدها مباشرة، وقُدمت الفكرة من خلال كل من: "هوجو مونستربرغ" (1863 – 1916م) و"ويلبر مارشال أيربان" (1873 – 1952م)، وقَبِلها "رالف بارتون بيري" (1876 – 1957م) و"جون ديوي" (1859 – 1952م) و"دي وايت هنري باركر" (1885 – 1949م) و"ديفيد برال" (1886 – 1940م) و"هوول وآخرون، ثم صُقلت من جديد - فيما بعد - على يد كل من: "ستيفن بيبر" (1891 – 1972م) و"بول وارن تايلور" (1923 – 2015م)، وبعد ذلك امتد النقاش المتعلق بمفاهيم القيمة والتقويم إلى نطاق واسع لتشمل علم النفس والعلوم الاجتماعية والإنسانية، وحتى في الخُطب العادية.

الاستخدامات الفلسفية

تعددت استخدامات القيمة والتقويم وتضاربت، حتى بين الفلاسفة أنفسهم، ولكن يمكن تصنيفها على النحو الآتي:

أولاً: تستخدم القيمة (بصيغة المفرد) أحيانًا كاسم مجرد بمعنيين، هما:

(1) تستخدم بالمعنى الضيق لتغطي – فحسب - المفاهيم التي يتم تطبيقها مثل: الشيء الجيد، أو الشيء المرغوب فيه، أو الشيء الذي يستحق الجدارة.

(2) تستخدم بالمعنى الواسع – بالإضافة إلى ما سبق – لتغطية جميع أنواع الصوابية، والالتزام، والفضيلة، والجمال، والصدق، والقداسة.

ويمكن تشبيه المصطلح بهذا المعنى بما يقع على الجانب الموجب لخط الصفر، وما على الجانب الآخر، أي الجانب السالب (السيء، والخطأ، وهلم جرا) يسمى بعديم القيمة. تشبه القيمة كذلك تعبير قياس "درجة الحرارة" الذي يحدده الترمومتر لتغطية المجال الكامل – زائد، وسالب، ووسط -، فما يوجد على الجانب الموجب يسمى قيمة موجبة، وما يوجد على الجانب السالب يسمى قيمة سالبة. 

وتعد القيمة باستخدامها الواسع هي الاسم العام لجميع أنواع المقاييس، أو المحمول المؤيد أو المعارضة، على عكس المقاييس الوصفية، ومعارضة للوجود أو الحقيقة.

فنظرية القيمة أو مبحث القيم هو النظرية العامة لجميع هذه المحمولات، وتشمل بما في ذلك جميع التخصصات المذكورة أعلاه، ويعد عمل "رالف بارتون بيري" المثال الكلاسيكي الإنجليزي لهذا الطريقة، ففي الاستخدام الأضيق، لا تغطي القيمة سوى أنواع معينة من المحمولات القياسية، التي تتناقض مع المحمولات الوصفية، حتى مع الخبر المقياسي الآخر، مثل: ما هو صائب والالتزام، وفي هذه الحالة تعد نظرية القيمة أو مبحث القيم جزءًا من علم الأخلاق، بدلاً من العكس، ويعد عمل "كلارنيس إرفينغ لويس" (1883 – 1964م) هو أفضل مثال على هذا النهج الضيق.

والفلاسفة الذين يأخذون بالنهج الأوسع للقيمة يصنفون أحيانًا "عوالم أو ممالك القيمة"؛ فمثلاً يضع كل من "بيري" و"تايلور" قائمة الثماني، وتتضمن: الأخلاق، والفنون، والعلم، والدين، والاقتصاد، والسياسة، والقانون، والعادات الاجتماعية أو الآداب، وعندما استخدمت القيمة بالمعنى الضيق، مُيز بين عدة معانٍ للمصطلح أو أنواع القيمة – يمكن تمييز المعنى الأضيق أيضًا من قبل أولئك الذين يستخدمون القيمة بالمعنى الأوسع -، وتتماشى هذه المعاني مع معانٍ أو استعمالات الخير، التي يفضل "جورج هنريك فون رايت" (1916 – 2003م) تسميتها بـ"أشكال" أو "تنويعات الخيرية".

ثم اقترح عدد من التصنيفات لأنواع القيمة أو أشكال الخيرية، فعلى سبيل المثال ميز "كلارنيس لويس" بين:

(1)  قيمة المنفعة أو الفائدة لبعض الأغراض.

(2) قيمة خارجية أو قيم وسيلية، أو الخير بوصفه وسيلة لشيء مرغوب أو جيد.

(3) القيمة المتأصلة أو الخيرية، مثل القيمة الجمالية للعمل الفني في إنتاج خبرات خيرة من خلال التأمل أو ما هو مسموع.

(4) القيمة الجوهرية، بوصفها خيرة أو مرغوبا فيها إما بوصفها غاية أو في ذاتها، التي سبق تصورها في كل من (2) و(3).

(5) قيمة المساعدة أو المساهمة، أو القيمة التي تسهم بها خبرة أو جزء من الخبرة، والتي تشكل جزءًا منها، ليس بوصفها وسيلة أو موضوعا.

فمثلاً، يمكن أن تكون عصا الخشب مفيدة في صنع الكمان، وقد يكون الكمان جيدًا بشكل خارجي من خلال كونه وسيلة للموسيقى الجيدة، وقد تكون الموسيقى جيدة بطبيعتها، إذا كان الاستماع إليها ممتعًا، وقد تكون خبرة الاستماع جيدة في جوهرها أو لها قيمة، إذا كانت ممتعة في ذاتها، ويمكن أن تكون كذلك خيرة بشكل مساعد أو مساهم، إذا كانت جزءًا من أمسية جيدة أو عطلة نهاية أسبوع جيدة.

ومع ذلك، هاجم "ديوي" التمييز بين الوسيلة والغاية، مع تأكيده على فكرة القيمة الكلية أو الخيرية ككل – الخيرية عندما تكون كل الأشياء معتبرة -. أما بالنسبة لقائمة "لويس" عن أنواع القيمة، فإن بعض الكتّاب مثل السير "ويليام ديفيد روس" (1877 – 1917م) أضاف القيمة الأخلاقية، أو نوع القيمة أو الخيرية التي تمثل الإنسان الفاضل بدوافع خيرة أو إلى صفات مستحسنة أخلاقيًا في الشخصية.

وميز "فون رايت" بين عدة أنواع من تصنيفات القيمة، على النحو الآتي: الخيرية الوسيلية، مثل: هذه سكين جيدة. والخيرية الفنية، مثل: هذا سائق جيد. والخيرية النفعية، مثل: النصيحة الخيرة. وخيرية اللذة أو التلذذ، مثل: هذا العشاء جيد. وخيرية الرفاهية، مثل: خير الإنسان. كما أشار إلى الخيرية الأخلاقية، إلا أنه عدَّها نموذجًا فرعيًا من الخيرية النفعية، في حين أنكر "روس" ذلك.

ثانيًا: القيمة كاسم أكثر واقعية – فعلى سبيل المثال – عندما نتحدث عن القيمة أو القيم – غالبًا ما تستخدم:

(1)  للإشارة إلى شيء مقيم أو مثمن، أو ما حكم عليه بوصفه شيئًا ذا قيمة، أو ما يعتقد أنه خير أو مرغوب فيه.

وتشير تعبيرات "ما له قيمة" و"نسق قيمتها" أو "القيم الأمريكية" للإشارة إلى ما يعتقد به رجل أو امرأة أو الأمريكان بأن حاصل على القيمة أو ما يعتقدون أنه خير. تستخدم هذه العبارات أيضًا للإشارة إلى ما يعتقد به الناس أنه صائب أو ملزم أو حتى إلى كل ما يعتقدون أنه حقيقي. ويكمن وراء هذا الاستخدام الواسع النطاق الافتراض الخفي القائل إنه لا يوجد شيء حقيقي له قيمة موضوعية؛ لأن القيمة تعني شيئًا مُقدرًا، أي موضوع تقدير، والوسائل الخيرة هي عبارة عن فكرة خيرة.

(2) يستخدم مصطلح القيمة أيضًا ليعني ما له قيمة أو ما يمكن أن يكون له قيمة أو الخير، بوصفه معارضًا لما هو معتبر بوصفه خيرًا أو ما له قيمة.

ووفقًا لذلك، فالقيم تعني: "الأشياء التي لها قيمة"، أو "الأشياء الخيرة" أو "الخيرات"، وكذلك بالنسبة لبعض المستخدمين الأشياء التي تكون صحيحة أو ملزمة أو جميلة أو حتى حقيقية.

وفي كل من الاستعمال (أ) و (ب) يمكن تمييز الاختلاف بين أنواع القيم، بما يتماشى مع الأنواع المختلفة للقيمة أو أشكال الخيرية المذكورة أعلاه. وأصبح من الواضح كذلك بشكل شائع التمييز بين القيم المادية والروحية أو بين القيم الاقتصادية والأخلاقية والجمالية والإدراكية والدينية.

ويفكر بعض الفلاسفة خاصة أولئك الذين تأثروا بـ"شيلر" و"هارتمان" في تأسيس محمول عام للقيم، مثل "اللون" الذي يضيف قيمة أكثر تعينًا تشير إلى "الأحمر" أو "الأصفر"، تسمى محمولات القيمة الأكثر تعينًا بـ"القيم"، فمثلما لا يعني "اللون" شيئًا له لون، ولكن يعني لونًا معينًا مثل الأحمر، فكذلك القيمة لا تعني شيئًا له قيمة، ولكن تعني نوعًا معينًا للقيمة، مثل قيمة اللذة أو قيمة الشجاعة.

يسمي هؤلاء الفلاسفة الأشياء الخيرة خيرًا أو حامل القيمة، وليس القيمة، وبما أن قيمة الصفة تعني ببساطة "امتلاك القيمة" أو "وجود الخير"، بمعنى آخر أو ربما أفضل "امتلاك قدر كبير من القيمة"، وينطبق على هذا معظم ما سبق، مع مراعاة ما يلزم من تعديل.

ثالثًا: تستخدم القيمة كذلك كفعل في تعبيرات مثل "يقيم" أو "قيم / ثمن" أو "تقويم"، والتقويم كلمة مرادفة بشكل عام إلى تقويم أو تقدير، عندما تُستخدم بفاعلية (أي بصيغة المبني للمعلوم) لتعني فعل التقويم، وليس بشكل سلبي (أي بصيغة المبني للمجهول) ليقصد بها نتيجة هذا الفعل.

ولكن في بعض الأحيان يستخدم التقويم والتقدير للإشارة إلى نوع معين فحسب من تقييم القيمة، أي يتضمن التأمل والمقارنة، وفي كلتا الحالتين فإن التقويم قد يكون مستخدمًا بمعانٍ أوسع أو أضيق، ويتوافق هذا مع الاستعمالات الواسعة والضيقة للقيمة.

فبالنسبة لـ "ديوي" و"ريتشارد ميرفن هير" (1919 – 2002م) يغطيان الأحكام المتعلقة بما هو صائب أو ما هو خاطئ أو ما هو ملزم أو ما هو عادل، بالإضافة إلى الأحكام المتعلقة بما هو خير أو ما هو شر أو ما هو مرغوب فيه أو ما يستحق الاهتمام والاعتبار. ومن وجهة نظر "لويس"، فإن التقويم يغطي الاستخدام الأخير فحسب، ويستخدم تعبير "حكم القيمة" في كلتا الطريقتين.

وهناك مجموعة من الكتّاب ميزوا بين نوعين رئيسين في المناقشات المعيارية بين التقويم والوصف، فـ"تايلور" على سبيل المثال صنف أحكام الصواب والخطأ بالإضافة إلى أحكام الخير والشر تحت مصطلحي التقويم والأحكام؛ وذلك باستخدام "ما ينبغي أن يكون" "ما يجب" تحت الأحكام الوصفية، بينما وضع آخرون أحكام الصواب والخطأ تحت أحكام الوصف.

أما "ديوي" ميز باستمرار بين معنيين لتقويم القيمة، وهما:

(1) يقيم أو يثمن، أو يميل إلى، أو تقدير شيء ما أو يتعلق بشيء، أو يحتفظ به في الذهن.

(2) يثمن أو يقدر أو يقدر، وهذا المعنى يتضمن التأمل والمقارنة، بينما المعنى الأول ليس كذلك.

في المعنى الأول يعد "ديوي" الرغبة المجردة  أو الميل شكلاً من أشكال التقويم – وغالبًا ما يتبعه آخرون في هذا الأمر-، ولكن بعض الكتاب يحصرون التقويم أو "تقدير القيمة" على الأشياء التي لا تكون مجرد موضوع للرغبة أو الميل، ولكن موجودة في الأشياء التي يمكن الحكم عليها بالخير أو على الأشياء التي تمتلك قيمة، حتى "بيري" الذي رأى أن عبارة (ص خير)، مساوية لعبارة (ص تمتلك قيمة إيجابية)، ومساوية كذلك لعبارة (ص موضوع لأي اهتمام ملائم)، يصر على أنه يجب علينا التمييز بين الرغبة (ص) والحكم على (ص) بأن له/لها قيمة، التي من شأنها الحكم على (ص) بوصفه شيئًا مرغوبًا فيه.

وهكذا، فقد يتم استخدام كلمات مثل القيمة والتقويم بطرق متنوعة، حتى عندما نستخدمهما بعناية وحذر شديدين – وهذه الحالة للآسف ليست متوفرة دائمًا داخل الفلسفة وخارجها -، لذلك فينبغي على المرء عند استخدام المصطلحات اختيار مخطط واضح ومنهجي والسير عليه باستمرار؛ نظرًا للغموض وعدم الدقة التي تثيرها المصطلحات في كثير من الأحيان، ومن المفضل استخدام القيمة والتقويم في معناهما الأضيق وليس على الإطلاق، مع الالتزام بمصطلحات أكثر تقليدية مثل: الخير والحق، واستخدام مرادفهما في اللغة الإنجليزية يكون أفضل، كلما كان ذلك ممكنا.

النظريات الفلسفية

صُنفت النظريات الفلسفية للقيمة والتقويم – سواء استعملت بالمعنى الواسع أو المعنى الضيق، وسواء صنفت بشكل تقليدي أو في مفردات قيمة جديدة – إلى صنفين وهما:

(1) نظريات معيارية: تصدر أحكامًا حول القيمة والتقويم، وتخبرنا عن ماهية الأشياء الخيرة؟ أو ماهية الأشياء التي لها قيمة؟ أو ماهية الأشياء السيئة أو الضارة؟ وهلم جرا.

(2) نظريات ما بعد المعيارية: تعمل على تحليل القيمة والتقويم والخير، ولا تصدر أحكامًا على أي شيء، ولا تخبرنا عن ماهية الأشياء الخيرة؟ أو ماهية الأشياء التي لها قيمة؟ وبدلاً من ذلك، فإنها تعرف ماهية الخيرية والقيمة، وما يعنيه القول إن شيئًا ما خيرًا أو حاصلاً على القيمة.

وفي بعض الأحيان يقدم الفلاسفة تعميمات وصفية حول ما يتم تقييمه أو ما يمكن اعتباره خيرًا في بعض الثقافات أو مجموعة من الثقافات، ونظريات تفسيرية "توضيحية" حول لماذا هذا الأشياء مُقيمة على هذا النحو؟ أو معتبرة على هذا النحو؟ مثل ما قدمه كل من: "ديفيد هيوم" و"موريتز شليك" و"إف. سي. شارب" و"جون لاد".

ومع ذلك، يعد هذا – عادةً - عاملاً مساعدًا في مناقشاتهم حول الأسئلة المعيارية أو ما بعد المعيارية، إلا أن النظريات الوصفية والتفسيرية في حد ذاتها تنتمي إلى مجال الأنثروبولوجيا وعلم النفس وعلم الاجتماع، ولا تنتمي إلى مجال الفلسفة، ولكن في الآونة الأخيرة، أكد العديد من الفلاسفة التحليليين أن النظريات المعيارية - على الرغم من أهميتها - لا مكان لها في الفلسفة الأصيلة؛ لأن نظريات القيمة والتقويم يجب أن تقصر على التساؤلات ما بعد المعيارية.

أولاً: النظريات المعيارية: في المفهوم الأوسع، يجب أن توضح النظرية المعيارية للقيمة – على الأقل في الخطوط العامة – ما الأشياء الخيرة؟ وما الأشياء السيئة أو الضارة؟ وما الأشياء الأفضل؟ وما الأشياء الأحسن؟ وتُبين كذلك ما الأشياء الصائبة؟ وما هو ملزم؟ وما الأشياء الفاضلة؟ وما الأشياء الجميلة؟

أما في مفهومها الضيق، فتتناول النظريات المعيارية للقيمة في المقام الأول، وبشكل أساسي مسألة: ما الخير في ذاته أو الخير بوصفه غاية أو ما القيمة الجوهرية، إلا أن هذه الطريقة هوجمت من قبل "ديوي" باستمرار، وهي لا تسأل كذلك عن ماهية الخيرية أو القيمة الجوهرية، ولكن تسأل عن: ما الخيرية أو ما الأشياء التي تمتلك القيمة في ذاتها، وما الذي يجب اعتباره غاية سعينا، أو بوصفها معيارًا للقيمة الجوهرية.

أجابت بعض النظريات عن هذه التساؤلات بأن الغاية أو الخير هو اللذة أو المتعة، أو بدلاً من ذلك يرون أن مقياس القيمة الجوهرية هو التلذذ أو الاستمتاع، وبتعبير أدق يقولون إن الخبرات وحدها تكون خيّرة جوهريًا، وأن جميع الخبرات الخيّرة جوهريا تكون ملذة، والعكس صحيح، وأنها خيّرة جوهريًا؛ لأنها ملذة فقط.

هذه هي نظريات أنصار مذهب اللذة في القيمة، التي يعتقد بها هؤلاء المفكرون، أمثال: "أبيقور"، و"هيوم"، و"جيرمي بنثام"، و"جون ستيوارت مل"، و"هنري سدجويك"، و"فون أهرنفلس"، و"مينونغ"(في البداية)، و"شارب".

وهناك بعض النظريات التي تشبه إلى حد كبير مذهب اللذة، حيث يقال: إن الغاية أو الخير ليست لذة، ولكنها شيء مماثل، مثل: السعادة أو الرضا أو الشعور بالرضا "الطمأنينة"- باستخدام تعبير "لويس"-، والأمثلة على هذا النوع من النظريات موجودة في كتابات "ديوي" و"لويس" و"باركر" و"بي رايس" و"براند بلانشارد".

ولكن هناك نوعان من النظريات المضادة لمذهب اللذة، بعضها يوافق على أنه يوجد في التحليل النهائي شيء واحد فقط أو خير أو فعل الخير، ولكنهم ينكرون أن يكون هذا الشيء في اللذة، أو أي نوع آخر من الشعور، فـ "أرسطو" رأى أن "اليودايمونيا" السعادة هي فعالية ممتازة، بينما رأى كل من "أوغسطين" و"توما الأكويني" السعادة في التواصل مع الإله، أما "بنديكت دي سبينوزا" فرآها في المعرفة، بينما رآها "فرانسيس هربرت برادلي" في تحقيق الذات، أما "نيتشه" فقد رآها في القوة.

وهناك مجموعة من الفلاسفة أكثر تعددية ممن ذُكروا في الفقرة السابقة، أمثال: "أفلاطون"، و"جورج إدوارد مور"، و"ديفيد روس"، و"ليرد"، و"شيلر" و"هارتمان"، و"بيري"، وهؤلاء يعتقدون أن هناك عددًا من الأشياء التي تكون خيرة أو تصنع الخير في ذاته، وهم مختلفون في حصر قوائمها، ولكن هذه القوائم تشتمل في نهاية الأمر على اثنين أو أكثر مما يلي: اللذة، والمعرفة، والخبرة الجمالية، والجمال، والصدق، والفضيلة، والتناغم "الانسجام"، والحب، والصداقة، والعدالة، والحرية، والتعبير عن الذات. وبالطبع فإن أنصار مذهب اللذة والمفكرين أنصار مذهب الواحدية الآخرين قد يقدرون مثل هذه الأشياء بوصفها خيرًا جوهريًا، ولكن فقط إذا كانت ملذة أو محققة ذاتيًا أو ممتازة.

ثانيًا: النظريات ما بعد المعيارية: قد يكون مجال النظريات ما بعد المعيارية أيضًا شاملاً (بالمعنى الواسع)، وقد يكون محدودًا (بالمعنى الضيق)، ولكن كلا النوعين سيطرح أسئلة متشابهة وسيقدم إجابات مماثلة، وقد ذكرت أسئلتهم وإجاباتهم بشكل معلن في الصيغ الشكلية أو المادية، أو اللغوية وغير اللغوية، ولكن لن تصنف هنا.

وقد طرحت النظريات ما بعد المعيارية سؤالاً أو مجموعة أسئلة حول طبيعة القيمة والتقويم: ما الخيرية أو ما القيمة؟ ما معني أو استخدام الخير؟ ما التقويم؟ ماذا نفعل أو نقول عندما نصدر حكم قيمة؟ ويتفرع منها سؤالاً فرعيًا عن ماذا تكون القيمة الأخلاقية، وما يكونه التقويم الأخلاقي، وكيف تختلف عن القيم غير الأخلاقية والتقويم غير الأخلاقي، إن وجدت؟

وهناك سؤال آخر أو مجموعة أخرى من الأسئلة تتعلق بتبرير أو صحة أحكام القيمة والنظريات المعيارية: هل يمكن تبريرها أو إثباتها بأي قدر من اليقين من خلال أي نوع من التحقق العقلاني أو العلمي؟ وهل يمكن أن تظهر أية صلاحية موضوعية بأي طريقة؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف؟ وما هو منطق العقل في هذه الأمور، إذا كان هناك واحد؟ ويندرج تحتها أيضًا سؤال فرعي وهو: ما منطق التبرير الأخلاقي أو التفكير الاستنتاجي؟ وإذا كان هناك واحد، فهل هو مميز بأي طريقة ممكنة؟ ويمكن الذهاب أبعد من ذلك؛ فهناك مستوى أعلى من هذه الأسئلة، وهي: ما طبيعة النظرية ما بعد المعيارية، وكيف يمكن الدفاع عنها؟ فكثيرًا ما نوقشت هذه المشكلة الأخيرة، وكذلك الأسئلة الفرعية التي ذكرناها للتو في القرن العشرين وما قبله، ولكن لن تُبحث هنا. 

وردًا عن السؤال الأول أو مجموعة الأسئلة، هناك بعض الفلاسفة يعتقدون أن مصطلحات مثل القيمة والخير تتوقف على ملكات أو خصائص معينة، وأننا في أحكام القيمة نعزو هذه الخصائص إلى الموضوعات أو أنواع الموضوعات (بما في ذلك الأنشطة والخبرات)، وعلى الرغم من أننا قد نتخذ مواقف مؤيدة (إيجابية) ورافضة (سلبية) نحوها، فإن أحكام القيمة وفقًا لهذا السبب تعد أحكامًا وصفية أو واقعية، بمعني أننا ننسب خصائص حقيقية أو كاذبة إلى الأشياء، وبالتالي فهم إما إدراكيون أو وصفيون في نظرية القيمة.

ومن بين هؤلاء الطبيعيين الذين يضيفون أن الخاصية المعنية هي خاصية طبيعية أو تجريبية، والتي يمكن تعريفها، فيدعي "أرسطو" و"فون أهرنفلس" و"بيري" أن القيمة هي خاصية علائقية، لكونها موضوعًا للرغبة أو المصلحة (نظرية الاهتمام في القيمة)، بينما رآها "باركر" في إشباع "إرضاء" الرغبة (نظرية اهتمام أخرى في القيمة)، واعتقد "لويس" و"رايس" (بالإضافة إلى "مينونغ" في وقت مبكر من حياته)، أنها في نوعية حضور أو ما هو ممتع أو الاستمتاع بأية طريقة أو بأخرى (النظرية الانفعالية في القيمة). أما "جورج سانتيانا" فيعتقد أحيانًا في هذه الآراء، وأحيانًا أخرى يعتبر القيمة كيفية طبيعية لا يمكن تعريفها أو تحديدها، ويعزوها إلى ما نرغب فيه أو نستمتع به.

أما الفلاسفة الإدراكيون الآخرون فيرون أن القيمة أو الخير هي خاصية ميتافيزيقية، لا يمكن ملاحظتها من خلال أي تجربة عادية وليست موضوعا للعلم التجريبي، ومن أكثر الأمثلة على التعريفات الميتافيزيقية أن تكون حقيقية بالفعل عند الأفلاطونيين الجدد، أو مثالية من الناحية الأنطولوجية عند المثاليين الهيجليين، أو كونها متمثلة في إرادة الإله عند اللاهوتيين.

وما يزال بعضهم الآخر يؤكد على أن الخيرية أو القيمة الجوهرية هي خاصية غير طبيعية أو غير تجريبية، ولا يمكن تعريفها أو تحديدها، وتختلف عن جميع الخصائص الوصفية أو الواقعية الأخرى، حتى إنهم يصفونها بأنها غير وصفية أو غير واقعية، ويسمى هؤلاء بالفلاسفة الحدسيين أو غير الطبيعيين، ومنهم على سبيل المثال: "أفلاطون"، و"سدجويك"، و"مور"، و"روس"، و"ليرد"، و"شيلر"، و"هارتمان"، و"مينونغ"، فهؤلاء جميعا يعتقدون أن القيمة تنتمي إلى كيانات أو موضوعات مستلقة عن ما نرغب فيه أو نستمتع به أو نقدره، حتى إنها مستقلة عن الموقف الإلهي تجاهها – كما يفعل بعض المنظرين الميتافيزيقيين والطبيعيين أيضًا -، فيزعم كل من "مينونج" و"شيلر" و"هارتمان" و"هال" أن القيمة هي حدس يأتي من خلال العواطف، على الرغم من أنها موضوعية، بينما رأى كل من "سدجويك" و"مور" و"ليرد" وأخرين أنها موضوع حدس عقلي.

أما في منتصف القرن العشرين، فقد اتخذ كثير من المفكرين، سواء من الفلاسفة التحليليين أو الوجوديين موقفًا مفاده: أن مصطلحات القيمة لا تعني خصائص معينة، سواء كانت طبيعية أو غير طبيعية، وأن أحكام القيمة ليست عبارات منسوبة إلى خاصية معينة، ولكنها نوع آخر من المعنى أو الوظيفة. لذلك سمى هؤلاء المفكرين بـ"الإدراكيين أو اللاوصفيين"، ورؤيتهم الإيجابية متنوعة، فيجادل بعض منهم في أن أحكام القيمة هي تجسيد كلي أو أساسي للتعبير عن: الموقف، أو الانفعال، أو الرغبة، أو الوسائل؛ وذلك لاستحضار ردود أفعال مماثلة في حالات أخرى، ومن هؤلاء على سبيل المثال: "ألفريد جولز آير"، و"برتراند رسل"، و"تشارلز ستيفنسون".

بينما رأى آخرون أن هذا المضمون لمصطلحات القيمة والأحكام غير كافٍ، وأن أحكام القيمة يجب أن تكون فكرة عن: الإرشادات أو التوصيات، أو ببساطة مجرد تقويمات، وليست أي شيء آخر، ومنهم على سبيل المثال: "هير"، و"تايلور"، و"ستيفن إيدلستون تولمين"، و"باتريك نويل-سميث"، و"روي وود سيلارز"، و"جيمس أوبي أورمسون".

ولكن، سواء أكانت أحكام القيمة مبررة أم مبرهن عليها، فهل تعتمد - إلى حد كبير - على القضية المأخوذة في الإجابة عن الأسئلة المتعلقة بمعنى الخير، فبعض أحكام القيمة تكون مشتقة أو ثانوية، فمثلا انظر إلى الاستنتاج الاستدلالي الآتي: (كل ما هو ممتع خير)، المعرفة ممتعة، (إذا، المعرفة خير).

أما الإجابة عن السؤال الحقيقي حول تبرير أحكام القيمة الأساسية أو غير الاشتقاقية:

(1)  من وجهة نظر الحدسيين، لا يمكن تبرير مثل هذه الأحكام من خلال الحجة أو البرهان، فهي لا تحتاج إلى ذلك؛ لأنها معروفة بشكل حدسي أو واضحة بذاتها.

(2) يمكن إثباتها من وجهة نظر الطبيعيين إما عن طريق الدليل التجريبي (من وجهة نظر بيري، من خلال الدليل التجريبي حول ما هو مرغوب)، أو من خلال المعنى ذاته للمصطلح المتضمن (بالتحليل أو من خلال التعريف).

(3) يمكن إثباتها من وجهة نظر الأكسيولوجيين الميتافيزيقيين أو اللاهوتيين إما بحجة ميتافيزيقية أو عن طريق الوحي الإلهي أو من خلال التعريف.

أما بالنسبة إلى الفلاسفة غير الإدراكيين، فلديهم الكثير من وسائل الإقناع، لذلك يمتلكون آراء مختلفة حول التبرير، فيؤكد بعض العاطفيين المتطرفين أو بعض الوجوديين أن أحكام القيمة الأساسية تعسفية وغير عقلانية، وغير قادرة على أي تبرير، أمثال: "آير" و"جون بول سارتر"، ويعتقد بعضهم أنه توجد اصطلاحات صالحة ذاتيًا وداخليًا، مثل: "الأشياء الملذة خيرة"، والتي تستدعي حجتنا من اعتبارات معينة إلى استنتاجات حول: ما الخير؟ مثل: "تولمين". ولا يزال يجادل بعضهم – بطرق مختلفة – في أن المواقف والتوصيات والالتزامات، من الممكن أن تكون أحكام قيمة عقلانية أو مبررة، ولو لم يكن بالإمكان إثباتها بشكل استقرائي أو استنباطي، كما عند: "هير"، و"تايلور"، "جون نيميير فيندلاي"، ويمكن إيجادها كذلك في نقطة محددة عند "ستيفنسون".

 

(*) Frankena, William: Value and Valuation, Encyclopedia of Philosophy, Ed: Donald Borchert, Vol.9, 2nd ed, Detroit: Macmillan Reference USA, 2006, pp.636 -641.

(*) ويليام فرانكينا (1908 – 1994م): فيلسوف أخلاقي معاصر، ولد في "مانهاتن" في ولاية "مونتانا" في الولايات المتحدة الأمريكية، حصل على درجة الليسانس من كلية "كالفين"، ثم تقدم للحصول على درجة الماجستير والدكتوراه من جامعة "هارفارد"، شغل منصب أستاذ كرسي الفلسفة في جامعة "ميشيغان""Michigan" من عام 1947 : 1961م، وكان عضوا في مؤسسة "أخبار الفلسفة" Philosophy News التي سقطت بعد وفاته بعام، وأدى "فرانكينا" دورا مهما وحاسما في الدفاع عن الحريات الأكاديمية الأساسية، وكان عمله الرئيس منصبا على دراسة الأخلاق ونظرية القيمة العامة، والعلاقة بين الدين والأخلاق، حيث قدم وعرض للعديد من فلاسفة نظرية القيمة، ومنهم على سبيل المثال "ستيفن بيبر". ومن أهم مؤلفاته الفلسفية: 1 - كتاب "الأخلاق" الذي نشر في العام 1988م. 2 - مجموعة من المقالات حول "وجهات نظر حول الأخلاق" التي نشرت في عام 1976م. 3- مقالة بعنوان "القيمة والتقويم" المنشور في موسوعة الفلسفة المجلد التاسع.

See: Honderich, Ted : The Oxford Companion to Philosophy, Oxford University Press, New York, 1995, p.298.

العنوان الأصلي للمقالة:

Value and Valuation

نشرت في Encyclopedia of Philosophy، المجلد التاسع، الطبعة الثانية، 2006م، ص 636: 641.


عدد القراء: 2768

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-