الحب والمشاعر في الحجر الصحيالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2021-05-29 08:36:37

مي عاشور

مترجمة وكاتبة من مصر

ترجمتها عن الصينية: مي عاشور

ليلة 22 يناير 2020، في مدينة ووهان، كان مصير الجميع هو البقاء بلا نوم، بل كان صعب جدًّا أن يغفى أصلاً أي شخص.

كانت ليلة استثنائية. فعندما اقتربت الساعة من الحادية عشر ليلاً، تلقيت اتصالاً طارئًا من مكان عملي، يخبرني أنه بدءًا من الغد، سيُطبق حجر صحي شامل على سكان مدينة ووهان. مما يعني أن الناس سيحولون بيوتهم إلى أماكن للعمل، كانت المدة المقررة للحجر الصحي أربعة عشر يومًا، وهي أطول فترة حضانة لفايروس كورونا الجديد، وذلك للتأكد إذا كنت مصابًا به أم لا، ومن ثم، تصير عملية كشف وفرز المصابين بالفايروس يسيرة.

أخيرًا! أخيراً! أخيرًا طُبق الحجر الصحي!

كنت أضع يدي على قلبي من فرط القلق، ولكنني تنفست الصعداء في النهاية....  

فمن بديهيات وأسس الوقاية والعلاج من أي وباء متفشي هي "الأربع مبكرات"(1)، فعندما كُنت في الجامعة، وبصفتي طبيبة مختصة في الأمراض المعدية. كنت أحفظ "الأربع مبكرات" عن ظهر قلب، والتي من ضمنها: "الحجر الصحي المبكر"، وهو من أهم الخطوات التي تُحَجم تفشي الأمراض الشرسة.

رغم التطور العلمي في وقتنا الحاضر، إلا أن الحجر الصحي المبكر لايزال من أكثر الطرق التقلدية تأثيرًا وفاعلية منذ القدم وحتى يومنا هذا. والسبب بسيط جدًا، وكذلك معروف؛ وهو أن فايروس كورونا الجديد المنتشر، سيلتهم البشر، ولكن البشر سيختبئون منه، ولن يتركوا له فرصة النيل منهم!، فهو يعدي البشر عن طريق استخدامه لهم في الانتقال من شخص إلى أخر، وعزل الناس لأنفسهم، لن يسمح له باستغلالهم، وسيغلق في وجهه كافة السبل؛ وبالتالي ستنقطع سلسلة انتقال الفايروس، حتى تلاشيه.

بدأ الحجر، ومر منه يوم، وثلاثة، وستة، وعشرة، ولكن أثناء فترة الحجر، انقبض قلبي مجددًا. ربما قد ساعدني تخصصي، وجعلني أفهم ما يُسمى بالحجر الصحي المنزلي، بل وجعلني أطبقه بشكل صارم على نفسي؛ وفي الحال قسمت الأطعمة الموجودة في البيت لتكفي أربعة عشر يومًا، وكنت أتناول قدر منها يومياً، مع الالتزام بعدم تناول كميات كبيرة، وكذلك كنت امتنع قدر المستطاع عن الخروج لشراء الطعام. والسبب أيضًا بسيط؛ فلو ترك المرء الأمور للحظ، وجال بخاطره أنه لا بأس أبدًا من الخروج لمرة من أجل شراء الطعام، فسيكون هذا نفس تفكير الجميع أيضًا.

فلو خرجت تلك الأعداد الغفيرة لهذه المدينة الكبيرة، في فترة الحجر الصحي، ستنتشر موجة أشرس من العدوى على نطاق أوسع، وبذلك ستكون قد ضاعت سدى جهود إغلاق المدينة. ولكن ما يستدعي الخوف أن الناس يكسرون الحجر الصحي، بحجة الحب والمشاعر. مثلاً، نشر عدد كبير من الناس كلمات مؤثرة تحرك المشاعر عبر تطبيقات الويتشات، التكتوك، ومدونة وي بوه: الأسواق مازالت تبيع الخضروات، ياله من حب لا حدود له. نَصَب البائع بضاعته، لبيع الخضروات للناس رغم الظروف؛ فهذا شكل من أشكال حب الحياة. الخروج من أجل أسرتك لشراء الطعام لهم، هو تصرف يرمز إلى حب كبير معطاء، ومُكلل بالشجاعة. لم يكتف الشجعان الجهلاء الفاقدين للشعور بالخطر بنشر تعلقاتهم، بل كانوا يخرجون لشراء الطعام.  ومنهم من كان يخرج لمرة واحدة فقط، فيصاب بالفايروس؛ فشخص واحد ينقل العدوى إلى العديد من الناس. واليوم هو اليوم العاشر للحجر الصحي، والوباء مازال يتفشى!. رأيت بنفسي على شبكات التواصل العديد من العبارات والصور المعبرة عن الحب للناس، نشرها الذين يظنون أنفسهم أذكياء، ويتلاعبون بالمشاعر والكلمات، ولا يدركون مغزى الحجر الصحي؛ فكانت النتيجة أنه تجسد أمام عيني مشاهد بائسة مأساوية، حتى أنني عجزت عن البكاء من فرط هولها، وكان يتملكني شعور قاتم بالانزعاج والكدر، شيء يشبه ملامسة ضي القمر المنعكس من الماء ليلاً على ملابس داكنة السواد.

الحب والمشاعر، كلاهما شيئًا عظيمًا، ولكن استغلالهما والتلاعب بهما أمر غير لائق بالمرة، وخاصة في تلك اللحظات العصيبة. فلتستفيقوا يابشر! من أجل سلامة حياتكم وحياة عائلتكم، والبشرية كلها.  فمساهمتك ستكون بسيطة جدًا؛ هل تستطيع أن تغلق فمك وتتحكم في قدميك؟، هل يمكنك أن تساهم في الوقاية من الوباء؟ على سبيل المثال: تتواصل مع إدارة الحي أو أمن البناية، لتنسيق شراء الطعام بشكل جماعي، فإن موظفي سيارات التعقيم يقومون بتوصيل السلع مباشرة إلى الأحياء، وينتظرون حتى يخلو المكان من الناس والسيارات، وبعد ذلك يسلمون كل شخص طلبه بشكل منفصل، وعن طريق الدفع الإلكتروني. فيمكننا أن ننجح ونجتاز كل هذا، بتعاون الجميع سويًّا، والوقاية عن طريق التعقيم الشديد، وعدم الاختلاط عند شراء الأطعمة والخضروات. إن الحجر الصحي حرب، وفي الحرب ينبغي أن ننحي جانبًا كل من الحب والمشاعر الغبية المغيبة، باخسة الثمنّ، بل ونتحمل الحجر الصحي القاسي حتى نهايته، وحينها سيكون ظفر البشر ممكنًا!

تشه لي: كاتبة صينية معاصرة، ومن أبرز الكاتبات الصينيات، ولدت سنة 1957. تسكن مدينة ووهان(2) -المدينة التي انتشر فيها فيرس كورونا العام الماضي-عضو اتحاد الكتاب الصينيين. تسلط الضوء في معظم أعمالها على مدينة ووهان. تحولت العديد من روايتها إلى مسلسلات وأفلام. ويقال على روايتها "حياة مضطربة" أنها رائعة "الرواية الواقعية الجديدة".

الهوامش:

(1) الأربع مبكرات: الاكتشاف المبكر، التقرير المبكر، الحجر المبكر، العلاج المبكر.

(2)  مدينة ووهان عاصمة مقاطعة خوبي، وتتكون من ثلاث أجزاء رئيسية ووتشانغ، خان كو، خان يانغ، والذي يطلق عليهم بلدات ووهان الثلاث.

 

 

ملحق 夜光杯

Yê guang bei

https://mp.weixin.qq.com/s/9U03P8JABOR1-UyRrlnGZg


عدد القراء: 2508

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-