في روايتها «جثث أنيقة».. مينا كانداسامي تمزج سحر الهند بالواقع البريطانيالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2021-05-29 12:57:00

مي مصطفى

مترجمة مصرية

الكتاب: "جثث أنيقة"

المؤلف: مينا كانداسامي

الناشر: Context

تاريخ النشر: 23 ديسمبر 2019

اللغة: الإنجليزية

عدد الصفحات: 112 صفحة

ولدت الكاتبة الهندية مينا كانداسامي عام 1984 لأبوين من التاميل كلاهما أستاذ جامعي. بدأت حياتها كمترجمة، ثم كتبت المقالات السياسية، عندما بدأت تكتب الرواية كانت تميل لاختيار الموضوعات السياسية التاريخية، فهي أكثر الموضوعات إلحاحًا وضغطًا بالنسبة لها، تكتب أعمالها الأدبية باللغة الإنجليزية، تترجم الشعر والنثر من التاميلية إلى الإنجليزية. وفضلًا عن أعمالها الأدبية تنشغل كانداسامي بالقضايا السياسية المعاصرة المتعلقة بالفساد والعنف وحقوق المرأة.

تعتبر واحدة من أبرز الحقوقيات النسويات في الهند، وتشير إلى نفسها باعتبارها نسوية ماركسية، حيث تعمل بشكل وثيق على قضايا الطبقة الاجتماعية والجنس، وكيف يضع المجتمع الناس في قوالب نمطية على أساس هذه الفئات. انتقدت كذلك الكثير من الأساطير الهندوسية والتاميلية. حصلت على شهادة الدكتوراه في اللغويات الاجتماعية.

نشرت ديوانها الأول "اللمس" عام 2006.

وديوانها الثاني "السيدة المناضلة" عام 2010.

في عام 2015 تم ترشيحها لشخصية العام في آسيا من جامعة جنوب آسيا في الأدب عن روايتها "إلهة الغجر". وهي روايتها الأولى، كتبتها في 2014، تناولت من خلالها المذبحة التي تعرض لها 44 عاملًا زراعيًا فقيرًا في قريتها تاميل سنة 1968، بعد إضرابهم عن العمل من أجل زيادة أجورهم، فتم حبسهم في كوخ وحرقهم أحياء.

حصلت "إلهة الغجر" على مراجعات كثيرة لكنها لا تقارن بحال بما حققته روايتها "عندما ضربتك" وهو ما أحبطها "عندما أخبرني الناشرون أن رواية (عندما ضربت) حققت نجاحًا كبيرًا على العكس من (إلهة الغجر) أرجعوا ذلك إلى طبيعة الرواية وحكيها عن حياة امرأة، ما يجعل من السهل على القراء التعايِش مع القصة، وتفهم حياة البطلة. وهو ما وجدته سببًا شديد الغرابة وأقرب للنكتة، أن يتعاطف المرء مع حياة امرأة ولا يتعاطف أو يتفهم أمرًا كالنضال من أجل زيادة الأجور في زمن كهذا"

لديها حضور منتظم ومؤثر على وسائل التواصل الاجتماعي مثل الفيس بوك وتويتر. كانت روايتها "عندما ضربتك: أو، صورة للكاتبة كزوجة شابة" أول رواية تدعم حركة Me Too على مواقع التواصل الاجتماعي لكشف وقائع الاغتصاب وفضح قمع نساء الهند جنسيًا، كما دخلت القائمة القصيرة لجائزة المرأة للخيال عام 2018 التي يمنحها معهد الأدب المعاصر في لندن وتحتفي بالإبداع الأدبي النسائي حول العالم "من عوامل نجاح هذه الرواية أن كل شخص اعتبرها كسيرة ذاتية له"

فالرواية صورة مرعبة لعزلة الراوية وإساءة معاملتها على يد زوجها "أن تعيش في مجتمع يتوقع من المرأة أن تقضي حياتها منقادة وصامتة".

ترى كانداسامي أن "نكأ الجروح هو جزء أصيل من عملية الكتابة" وبهذه الطريقة تكتب "عليك أن تكتب، وتبقى مخلصًا للخط الذي اخترته لنفسك، ولا تنشغل بأمور مثل أن تصل لما يسمونه بالعالمية".

اللغة عندها أداة وموضوع في آن"الإنجليزية هي لغتي الثانية، لذا يتوجب عليَّ أن أفكر ثم أعيد التفكير، لأتأكد من كون تلك المفردات هي التي أريد قولها بالفعل" تتعامل مع لغتها بحرص بالغ "جئت للرواية من أرضية الشعر، لو كان هناك أشياء تستطيع قتل القصيدة فإنها تلك الأشياء الزائدة.. زائدة عن المعنى.. زائدة عن اللغة حتى، وهكذا أتعامل مع السرد، هناك مراجعة ذاتية صارمة جعلها الشعر جزءًا من تركيبتي، مصفاة ضيقة جدًا لما أريد أن أقول فقط"

نصها الأخير هو رواية "جثث أنيقة" نوفمبر 2019 "اعتقدت أن علىَّ كتابة شيء أستطيع من خلاله الإمساك بالأشياء التي تلهمني جميعًا، أردت أن أحكي، لكن ليس علىَّ أن أكون الراوي الأصلي هذه المرة، سوف أختبئ خلف شخصين آخرين وأحكي ما أحبه وأصدقه"

تأتي هذه المراجعة لروايتها "جثث أنيقة" في إطار تعريف القارئ العربي بمشروعها.

أهوال السياسة الهندية تمتزج مع الحياة المحلية في لندن. حكاية واحدة مبتكرة تدمج الواقع بالخيال

يسمي السرياليون في باريس لعبة الرسوم المتتالية (بالجثة الأنيقة) حيث يبدأ الشخص الأول برسم جزء من الجسد على ورقة ويطوي الرسم الذي يخصه ثم يمرر الورقة للشخص الذي يليه فيكمل الرسم بدوره ثم يمررها للذي يليه وهكذا حتى حين تُفرد الورقة يظهر المخلوق الذي شكله الجميع. رواية مينا كانداسامي القصيرة المبتكرة تلعب على هذه التقنية. كل صفحة منقسمة إلى عمودين. إلى اليمين قصة تكشف عن زوجين من لندن: "مايا" الفتاة الإنجليزية و"كريم" المخرج التونسي. وإلى اليسار تعلق كانداسامي على معالجتها الإبداعية، على حياتها الخاصة مع الكثير من الوثائق السياسية عن الأهوال التي تحدث في بلدتها الأصلية في الهند.

"مايا" و"كريم" يشاهدان الأفلام، يتشاجران ويناقشان آباءهما المروعين. في الجزء الخاص بهما تقترب الكاتبة من علاقتهما بشكل وثيق يكشف عن كل هنة من هنات تلك العلاقة. كانداسامي شاعرة أيضًا ويتضح ذلك في لغتها المكثفة الذكية. لكن بالرغم من أنهما يمتلكان نصف الرواية، مائة صفحة، فإنهما يظلا مراوغين. اكتسب الحكي عنهما وزنًا إضافيًا عبر التعليقات التي وثقت كانداسامي من خلالها نضالها ورؤيتها للأحداث السياسية عن بعد، رؤية أصدقائها يُقتلون ويُعتقلون.

نشأت الكاتبة في تاميل نادو وأصبحت ناشطة يسارية لكنها تعيش الآن في لندن. يتمثل قلق كانداسامي في غيابها عن المعركة وهذا القصور في الخيال: "انشغالي وهمي الحقيقي هم المضُطهدون والمُستغلون وحتى الآن أمارس إبداعي تحت سقف الرأسمالية. أجلس هنا ألعب مع الشكل والتنسيق والخطوط".

إنها تتوق إلى الخيال كملاذ ممكن لكنها تقر بحاجة الشاهد على تلك الأحداث لتحمل عبء الواقع. "جثث أنيقة" تفعل الأمرين: من ناحية تمثل قصتها المحلية حالة هروب بينما تمثل تعليقاتها الممتلئة بالثورة عملاً توعويًا. تسرد كانداسامي حكايات اغتصاب الفتيات الصغيرات بدقة. أحصت العديد من أشكال المعارضة التي بسببها يغتال الناس في الهند.

في نهاية الرواية وبهدوء يصير الجزآن وحدة واحدة. يعود "كريم" إلى تونس لمساعدة أخيه الذي تم اعتقاله عن طريق الخطأ. وتشعر "مايا" بواجب الانضمام إليه متجاوزة الحدود الضيقة للعلاقة والوطن. هذا الجزء بسيط للغاية. توقفت ملاحظات كانداسامي كما لو كانت قد قررت أن على حلولها الخيالية مواجهة الظلم السياسي.

تفسر كانداسامي في مقدمتها كيف أنشأت هذا البناء المزدوج ومن أين أتى. في روايتها الأخيرة "عندما ضربتك" اعتمدت على خبرتها من زواجها المؤذي، لكنها غضبت من النقاد الذين أطلقوا على تلك الرواية "مذكرات" لذا حاولت أن "تكون القصة جزءًا من حياتي بقدر ما أستطيع" غير أن كل تأثير "يكون مذكورًا وموثقًا".

السرد عندها لا يبدو أنه جزء منها. في الحقيقة "مايا" و"كريم" مازالا هذا الثنائي اللندني المتعلم المحب للفن. صحيح أن "كريم" مخرج لكن كانداسامي أظهرت أنه من المتوقع منه أن يحكي قصصًا بعينها كما لو كان روائيًا مهاجرًا. تُقر كانداساني بحاجتها لأن تعطي شخصية "مايا" من روحها. حينما تقوم -هذه الأم الشابة- بجعل شخصيتها تحبل "لا أستطيع جعلها أنا، ثم مرة أخرى لا أستطيع أن أنتمي لها لو لم أتشارك معها في أي شيء".

لا يعني هذا أن "جثث أنيقة" تجربة فاشلة، بل هي تجربة ساحرة وسنكون شهودًا على عمل الكاتب وهو يخرج على الورقة. هذه المهارة في الكولاج الذي صنعته كانداسامي هي التي سمحت لها أن تفصل بين السرد الروائي والذكريات بهذه الصراحة بينما هما مجدولان في حميمة.


عدد القراء: 2271

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-