حول التمشكل .. ميشيل فوكوالباب: مقالات الكتاب
حسام جاسم بغداد |
حول التمشكل(1) ..ميشيل فوكو
ميشيل فوكو (2)
ترجمة: حسام جاسم
لم تكن نيتي [في هذه المحاضرة] التعامل مع مشكلة الحقيقة، ولكن مع مشكلة قائل الحقيقة (الراوي)، أو قول الحقيقة بوصفها نشاطًا. أعني بهذا، أنه بالنسبة لي، لم يكن الأمر يتعلق بتحليل المعايير الداخلية أو الخارجية التي من شأنها أن تمكن اليونانيين والرومان، أو أي شخص آخر، من إدراك ما إذا كانت المقولة او التصريح حقيقيًا أم لا.
كان الأمر بالنسبة لي هو محاولة اعتبار قول الحقيقة نشاطًا محددًا، أو دورًا.
ولكن حتى في إطار هذه المسألة العامة المتعلقة بدور راوي الحقيقة في المجتمع، كانت هناك عدة طرق ممكنة لإجراء التحليل.
على سبيل المثال، كان بإمكاني مقارنة دور ومكانة رواة الحقيقة في المجتمع اليوناني، والمجتمعات المسيحية، والمجتمعات غير المسيحية، كدَور النبي بصفته راويًا للحقيقة، ودَور الوحي بصفته راويًا للحقيقة، ودور الشاعر والفقيه والواعظ، وما إلى ذلك. لكن، في الواقع، لم يكن في نيتي إجراء وصف اجتماعي للأدوار المختلفة الممكنة لرواة الحقيقة في المجتمعات المختلفة.
ما أردت تحليله هو كيف أن دور راوي الحقيقة كان يمثل إشكالية (problematized) مختلفة في الفلسفة اليونانية (4). وما أردت أن أوضحه لكم هو أنه إذا أثارت الفلسفة اليونانية مشكلة الحقيقة (problem of truth) من وجهة نظر معايير التصريحات الحقيقية (الصادقة) والمنطق السليم، فإن هذه الفلسفة اليونانية نفسها قد أثارت أيضًا مسألة الحقيقة من وجهة نظر قول الحقيقة بوصفها نشاطًا.
وقد أثارت أسئلة مثل: من القادر على قول الحقيقة؟
ما هي الشروط المعنوية (الاعتبارية) والأخلاقية والروحانية التي تخول شخصًا ما لتقديم نفسه على أنه راويًا للحقيقة وان يتم اعتباره كذلك؟
ما هي المواضيع المهمة لقول الحقيقة؟ (عن العالم؟ عن الطبيعة؟ عن المدينة؟ عن السلوك؟ عن الرجل؟)
ما هي عواقب قول الحقيقة؟
ما هي آثارها الإيجابية المتوقعة على المدينة، وحكام المدينة، والفرد؟، .....إلخ.
وأخيرًا: ما هي العلاقة بين نشاط قول الحقيقة وممارسة السلطة؟
فهل ينبغي أن يتزامن قول الحقيقة مع ممارسة السلطة، أم ينبغي أن تكون هذه الأنشطة مستقلة تماما وأن تظل منفصلة؟
هل يمكن فصلهما، أم أنهما يتطلبان بعضهما البعض؟(5)
يبدو أن هذه الأسئلة الأربعة حول قول الحقيقة بوصفها نشاطًا - من القادر على قول الحقيقة؟، وعن ماذا؟، وما هي العواقب؟، وما هي العلاقة بالسلطة؟ - قد ظهرت كمشاكل فلسفية في نهاية القرن الخامس حول سقراط (Socrates) (6)، خاصة من خلال مواجهاته مع السفسطائيين (Sophists) (7) حول السياسة والبلاغة (الخطابات) والأخلاق.
وأود أن أقــول إن تـمـشكـل الحقيقة (problematization of truth) - الذي يميز كلٌ من نهاية الفلسفة ما قبل سقراط (Pre-socratic philosophy)8 وبداية نوع الفلسفة التي لا تزال لنا حتى اليوم - حيث إن تمشكل الحقيقة هذا له جانبان، ناحيتان رئيسيتان.
يهتم أحد الأطراف بالتأكد من أن عملية التفكير صحيحة في تحديد ما إذا كان التصريح حقيقيًا (أو يهتم بقدرتنا على الوصول إلى الحقيقة).
ويهتم الجانب الآخر بالسؤال: ما هي أهمية قول الحقيقة بالنسبة للفرد والمجتمع؟، وفي معرفة الحقيقة؟، وفي وجود أشخاص يقولون الحقيقة؟، وكذلك، بجانب معرفة كيفية التعرف عليهم؟.
ومع هذا الجانب الذي يهتم بتحديد كيفية التأكد والضمان من حقيقة (صحة) التصريح، لدينا أصوله في التراث (التقليد) العظيم للفلسفة الغربية الذي أود أن أطلق عليه (تحليلات الحقيقة) (analytics of truth).
وعلى الجانب الآخر، فيما يتعلق بمسألة أهمية قول الحقيقة، ومعرفة من يستطيع قول الحقيقة، ومعرفة سبب وجوب قول الحقيقة، فلدينا أصول (جذور) ما يمكن أن نطلق عليه الحالة (الحرجة) (critical) في الغرب. وهنا سوف تتعرفون على أحد أهدافي في هذه المحاضرة، وهو بناء جينيالوجيا enealogy) 9) للموقف النقدي في الفلسفة الغربية.
حيث يشكل ذلك، الهدف العام لهذه المحاضرة.
من وجهة النظر المنهجية، أود أن أشدد على الموضوع التالي. كما لاحظتم، فقد استخدمت كلمة (التمشكل) (problematization)(10) بشكل متكرر في هذه المحاضرة دون تزويدكم بشرح لمعناها.
أخبرتكم بإيجاز شديد، أن ما كنت أنوي تحليله في معظم أعمالي لم يكن سلوك الناس (وهو شيء ينتمي إلى مجال التاريخ الاجتماعي (social history)(11)، ولا الأفكار في قيمهم التمثيلية.
ما حاولت القيام به منذ البداية هو تحليل عملية (التمشكل) - التي تعني: كيف ولماذا أصبحت أشياء معينة (السلوك (behavior)، الظواهر phenomena12، الأساليب (processes) مشكلة (problem)(13).
لماذا، على سبيل المثال، تم وصف أشكال معينة من السلوك وتصنيفها على أنها (جنون) بينما تم إهمال أشكال أخرى مماثلة تمامًا في لحظة تاريخية معينة؛ ونفس الشيء بالنسبة للجريمة والانحراف، ونفس السؤال يطرح عن تمشكل الجنسانية (problematization of sexuality).
فسّر بعض الناس هذا النوع من التحليل على أنه شكل من أشكال (المثالية التاريخية) (historical idealism)(14، لكنني أعتقد أن مثل هذا التحليل مختلف تمامًا. لأنني عندما أقول إنني أدرس (تمشكل) الجنون أو الجريمة أو الجنسانية، فهذا ليس وسيلة لإنكار حقيقة مثل هذه الظواهر.
على العكس من ذلك، حاولت أن أظهر أنه كان على وجه التحديد وجود بعض الأشياء الحقيقية القائمة في العالم والتي كانت هدفًا للتنظيم الاجتماعي في لحظة معينة.
السؤال الذي أطرحه، هذا هو:
كيف ولماذا جمعت أشياء مختلفة جدًا في العالم معًا، وتم وصفها وتحليلها ومعاملتها ومعالجتها، على سبيل المثال، على أنها (مرض عقلي)؟
ما هي العناصر ذات الصلة (بتمشكل) معين؟ وحتى لو لم أقل أن ما يوصف بأنه (الفصام) (schizophrenia) يتوافق مع شيء ما حقيقي في هذا العالم، فهذا لا علاقة له بالمثالية (idealism)(15).
لأنني أعتقد أن هناك علاقة بين الشيء الذي يمثل الإشكالية وعملية التمشكل. فالتمشكل هو حل لموقف ملموس حقيقي.
هناك أيضًا تفسير خاطئ مفاده أن تحليلي لتمشكل معين لا يخضع لأي سياق تاريخي، كما لو كانت عملية عشوائية قادمة من أي مكان.
ولكن في الواقع، برغم ذلك، فقد حاولت أن أبين، على سبيل المثال، أن التمشكل الجديد للاعتلال أو المرض الجسدي في نهاية القرن الثامن عشر كان مرتبط بشكل مباشر جدًا بتعديل في مختلف الممارسات، أو بتطوير رد فعل اجتماعي جديد للأمراض، أو للتحدي الذي تطرحه إجراءات معينة، وما إلى ذلك.
لكن علينا أن نفهم بوضوح شديد، فعلى ما أعتقد، أن تمشكل معين ليس تأثير أو نتيجة أو تبعات لموقف أو سياق تاريخي، ولكنه حل (إجابة) يقدمه أفراد محددون (على الرغم من أنك قد تجد نفس الحل الوارد في سلسلة من النصوص، وعند نقطة معينة قد يصبح الحل عام جدًا لدرجة أنه يصبح أيضًا مجهول).
وعلى سبيل المثال، فيما يتعلق بالطريقة التي تمت بها تمشكل (قول الحقيقة) (الباريسيا) (parrhesia) في لحظة معينة (16)، يمكننا أن نرى أن هناك إجابات سقراطية-أفلاطونية محددة للأسئلة:
كيف يمكننا التعرف على شخص ما على أنه قائل للحقيقة ويتحدث بصراحة (باريسيان للمدينة)؟
ما هو التدريب (التأهيل) المناسب للحصول على قائلين جيدين للحقيقة؟
- الحلول التي قدمها سقراط أو أفلاطون. فهذه الحلول، ليست حلول جماعية لأي نوع من اللاوعي الجمعي.
واعتبار، أن الحل ليس تمثيلًا أو تأثيرًا لموقف ما، لا يعني أنه لا يجيب على أي شيء، أو أنه مجرد حلم نقي، أو (مناهض للإبداع والاستحداث).
فالتمشكل هو دائمًا نوع من الإبداع والاستحداث.
لكنه إبداع بمعنى أنه، في ظل حالة معينة، لا يمكنك الاستدلال على أن هذا النوع من التمشكل سيتتابع.
بالنظر إلى تمشكل معين، يمكنك فقط فهم سبب ظهور هذا النوع من الحلول كرد على بعض الجوانب الملموسة والمحددة من العالم.
حيث هناك علاقة بين الفكر والواقع في عملية التمشكل.
وهذا هو السبب الذي يجعلني أعتقد أنه من الممكن إعطاء تحليل لتمشكل معين كتاريخ للحل، - الحل الأصلي، المحدد، والوحيد للفكر - لموقف معين.
وهذا النوع من العلاقة المحددة بين الحقيقة والواقع هو الذي حاولت تحليله في مختلف تمشكلات الباريسيا.
هوامش المترجم:
1. المصدر الأصلي للنص والذي تمت الترجمة منه:
FOUCAULT, M. (1988). ON PROBLEMATIZATION. History of the Present, (4), p 16- 17.
2. ميشيل فوكو (Michel Foucault) / (1926–1984) مؤرخ وفيلسوف فرنسي، ارتبط اسمه بالحركات البنيوية وما بعد البنيوية. تجاوز تأثيره الواسع مجال الفلسفة ليمتد أيضًا على نطاق واسع في تخصصات العلوم الإنسانية والاجتماعية.
عرف فوكو بدراساته الناقدة والدقيقة لمجموعة من المؤسسات الاجتماعية، منها على وجه الخصوص: المصحات النفسية، المشافي، السجون، وكذلك أعماله فيما يخص تاريخ الجنسانية. وقد لقيت دراساته وأعماله في مجال السلطة والعلاقة بينها وبين المعرفة، إضافة إلى أفكاره عن (الخطاب) وعلاقته بتاريخ الفكر الغربي، لقي كل ذلك صدى واسعًا في ساحات الفكر والنقاش.
في عام 1983، قام فوكو بتدريس محاضرة في جامعة كاليفورنيا بيركلي حول ممارسات قول الحقيقة (المصارحة) (parrhesia) في اليونان القديمة وروما. واختتم المحاضرة، التي أجراها باللغة الإنكليزية، بهذه المناقشة المنهجية. النص مأخوذ من نسخة منقحة من أشرطة المحاضرة، التي نشرها جوزيف بيرسون (دون مراجعة نهائية من قبل فوكو) في جامعة نورث وسترن. توجد نسخة من المنشور في أرشيف فوكو في باريس.
لمعرفة المزيد، يرجى مراجعة المدخل الفلسفي لميشيل فوكو في موسوعة ستانفورد للفلسفة
https://plato.stanford.edu/entries/foucault/
3. حسام جاسم: كاتب وباحث من العراق.
حيث تظهر هذه الترجمة لأول مرة باللغة العربية (يعتبر هذا العمل، الثالث لي في ترجمة أعمال ميشيل فوكو الغير مترجمة إلى العربية، حيث سأحرص على نقل ما لم ينقل إلى الآن من أعمال فوكو إلى العربية).
4. إشكالية (problematized)/ تدل على جملة من المسائل التي يطرحها علمٌ في سياق فكروي معيّن، وبالتالي فإن إشكالية ما تتحدد دائمًا في الأفق الفكري الذي انتجها. وأيضًا هي التوسع في مشكلة عن طريق التأمل أي أن تحليل الشعور بالواجب مثلاً هو إشكالية أخلاقية. وفي المنطق التقليدي، القضايا الإشكالية هي المرتبطة بعلاقة الإمكان خصوصًا فيما يتعلق بقياس أرسطو المقامي، مثل (يمكن لكل البيض الا يكون منقطًا)، و(يستطيع بعض الناس لمس أصابع أقدامهم). قد يكون الإمكان منطقيًا أو ماديًا أو إبستيمولوجيًا. وغالبًا ما يكون مداه غامضًا. وقد تستخدم الكلمة بالأسلوب الألماني بوصفها اسمًا يشير إلى مجموعة من المشاكل او أسلوبًا في فهمها. يرادف هذا المصطلح، البحث في موضوع معين ولكنه مع ذلك بحث في منتهى الانفتاح، أي ان كل الحلول هي منذ البداية ممكنة.
لمعرفة المزيد راجع:
• هندرتش، تد. (2021). دليل أكسفورد في الفلسفة، الجزء الأول، (ترجمة نجيب الحصادي). ط1. هيئة البحرين للثقافة والآثار. مملكة البحرين، المنامة. ص 150.
• خليل، خليل احمد. (1989). معجم مفاتيح العلوم الانسانية. دار الطليعة. بيروت. ص 388.
• ديديه، جوليا. (1992). قاموس الفلسفة، (ترجمة فرنسوا ايوب وآخرين). ط١. دار لاروس. باريس. ص 38.
5. لمعرفة المزيد حول الموضوع راجع:
• فوكو، ميشيل. (2022). السلطة والقيم الأخلاقية والمثقف: حوار بواسطة مايكل بُيس، (ترجمة: حسام جاسم). مؤسسة مؤمنون بلا حدود.
• فوكو، ميشيل. (2022). شجاعة الحقيقة، (ترجمة الزواوي بغورة). مؤمنون بلا حدود. المغرب، الرباط.
6. سقراط (Socrates)/ (399-470)ق.م فيلسوف اثيني، معلم افلاطون، وهو أحد أهم الشخصيات في تاريخ الفلسفة لكنه أيضًا أحد أكثرها مدعاة للحيرة، هو مهم بسبب علاقته بأفلاطون التي كانت حاسمة في تطور الأخير، ومن ثم وبشكل غير مباشر في تطور الكثير من الفلسفة اللاحقة، ومحير لأنه لم يكتب شيئًا بنفسه ومن ثم فإنه يطرح تحدي إعادة تشكيله من شواهد الآخرين. فنحن نعرفه من خلال محاورات أفلاطون، وفيها يصور افلاطون سقراط يناقش دومًا وهو يرتدي لباسًا خشنًا يجوب الشوارع حافي القدمين. كان سقراط ناقدًا لا يرحم آراء الناس ولا يهادن الاستبداد فأنشأ نمطاً جديدًا قدر له ان يصبح المثال الثابت لحكمة نابعة كلها من الذات. لمعرفة المزيد راجع:
• هندرتش، تد. (2021). دليل أكسفورد في الفلسفة، الجزء الأول، (ترجمة نجيب الحصادي). ط1. هيئة البحرين للثقافة والآثار. مملكة البحرين، المنامة. ص 784.
• ديديه، جوليا. (1992). قاموس الفلسفة، (ترجمة فرنسوا ايوب وآخرين). ط١. دار لاروس. باريس. ص 266.
7. السفسطائيين (Sophists)/ نبعت من مصطلح (سفسطة) وهي نوع من الاغاليط لا تشكل خطأ في الاستدلال، او حجة فاسدة فحسب، بل تشكل نوعًا من التكتيك في البرهنة يستخدم بطريقة غير منصفة للحصول على أفضل ما يمكن الحصول علية من الطرف الآخر. وهم كانوا نوعًا محددًا من المعلمين في اليونان القديمة، في القرنين الرابع والخامس قبل الميلاد. تخصص العديد من السفسطائيين باستخدام أدوات الفلسفة والبلاغة، لكن أيضًا في المقابل سفسطائيون آخرون علّموا مواضيع كالموسيقى والرياضة البدنية والرياضيات.
لمعرفة المزيد راجع موسوعة ستانفورد للفلسفة
https://plato.stanford.edu/entries/sophists/
8. الفلسفة ما قبل سقراط (Pre-socratic philosophy) تشمل كل من المنظرين اليونانيين المبكرين، من ذوي الاهتمامات الكوزمولوجية او الفلسفية، الذين نشطوا قبل نهاية القرن الخامس ق.م، باستثناء السوفسطائيين، وصفة الفلسفة ما قبل سقراط هو البحث في الطبيعة عن عنصر يفسد الكون حيث أرادوا الحصول على تفسيرات موجزة تطرح عبر حدود مجردة تمامًا واستخدموا مبدأ السبب الكافي مرشدًا لهم في ذلك. من أهمهم طاليس، وانكسيمانس، وانكسيماندرس، وزينون.
راجع، هندرتش، تد. (2021). دليل أكسفورد في الفلسفة، الجزء الثاني، (ترجمة نجيب الحصادي). ط1. هيئة البحرين للثقافة والآثار. مملكة البحرين، المنامة. ص 182.
9. جينيالوجيا (genealogy)/ هو دراسة العائلات وتاريخ العائلة وتتبع سلالاتهم. يتم فيها تسجيل او وصف علاقات الانحدار القرابي. يستخدم علماء الأنساب المقابلات الشفوية والسجلات التاريخية والتحليل الجيني والسجلات الأخرى للحصول على معلومات حول الأسرة ولإثبات القرابة والنسب لأعضائها. غالبًا ما يتم عرض النتائج في مخططات أو كتابتها كسرد. لقد أخذ تأريخ فوكو للحقيقة اسم جينيالوجيا، فهذه الأخيرة تعد الأداة التي تسمح للفلسفة بأن تلتقي بالتاريخ؛ بجعل الفلسفة التي تتخلى عن منطلقاتها الميتافيزيقية، والدفع بالتاريخ إلى أن يكون اهتماما بما يحدث فعلاً في جميع مستوياته المختلفة. من هنا تظهر الجينيالوجيا وسيلة لتقويض الميتافيزيقا باعتبارها إنتاجًا للحقيقة، من خلال نقد لمنطلقاتها، وإعادة النظر في الأساس المفاهيمي الذي تستند إلى الأزواج. ولعل أهمية البحث الجنيالوجي، كتقويض للميتافيزيقا، تظهر في وصفه للواقع الإنساني، كواقع يتشكل من الصراعات والمصالح، ومن ثمة الهيمنة، والرغبة في التملك.
ليس تعارض الجينيالوجيا مع التاريخ كتعارض نظرة الفيلسوف العميقة المتعالية مع نظرة العالم الضيقة والمحدودة، بقدر ما هو تعارض مع العرض التاريخي الميتافيزيقي للدلالات المثالية والغائيات غير المحددة، إنه تعارض مع البحث في الأصل.
لمعرفة المزيد راجع،
• إدريس هواري. (2008). جينيالوجيا الحقيقة عند فوكو. مجلة حكمة
• فوكو، ميشيل. (2008). جنيالوجيا المعرفة، (ترجمة احمد السطاتي، وعبد السلام بنعبد). دار توبقال. الدار البيضاء، المغرب. ص 64.
10. التمشكل (problematization)/ عملية صوغ الإشكاليات في نسق مفهومي متماسك علميًا أو فلسفيًا.
استخدمت في الترجمة كلمة التمشكل لأنها الأنسب من حيث المعنى والدلالة والتي تختلف دلالتها عن الإشكالية او المشكلة في النص الفلسفي.
راجع، خليل، خليل أحمد. (1989). معجم مفاتيح العلوم الإنسانية. دار الطليعة. بيروت. ص 388.
12. التاريخ الاجتماعي (social history)/ هو مجال الدراسة التاريخية الذي يتناول تاريخ تطور وتشكل التشكيلات الاجتماعية في مجتمع الدولة أو المنطقة الجغرافية التي تتناولها الدراسة أو الشعب أو الأمة.
تحدد المؤرخة لويز تيلي، وهي من أحد أشهر المؤرخين الاجتماعيين، مهام التاريخ الاجتماعي على النحو الآتي: أولًا؛ توثيق التغييرات الهيكلية الكبرى، ثانيًا؛ إعادة تجارب الناس العاديين ضمن سيرورة تلك التغييرات؛ وثالثًا؛ الربط بين الاتجاهين.
13. الظواهر (phenomena)/ او مذهب الظاهرتية، تقر أن المواضيع المادية قابلة للرد للخبرات الحسية، أو أن إقرارات الموضوعات المادية يمكن تحليلها عبر اقرارات ظاهرتية تصف الخبرة الحسية. حاول أبرز أشياع هذا المذهب في القرن العشرين، أي.جي. آير، وسي.آي. لويس، كل بطريقتة تبيان كيف ان إقرار الموضوع المادي لا تضمن ركونًا إلى اي شيء باستثناء المحتويات الحسية او المعطيات الحسية او الخبرة الحسية بشكل عام. ولكن هناك مشكل أساسي يواجه الظاهرتية وهو النسبية الإدراكية.
راجع، هندرتش، تد. (2021). دليل أكسفورد في الفلسفة، الجزء الأول، (ترجمة نجيب الحصادي). ط1. هيئة البحرين للثقافة والآثار. مملكة البحرين، المنامة. ص 862.
. مشكلة (problem)/ يطلق مصطلح مشكلة على أي سؤال مطروح سواء في المجال النظري أو في المجال العملي، فهي "مسألة نظرية أو عملية، يجادل فيها ولا يوجد بالنسبة إليها رأي واضح، المشكلة أمر متنازع عليه، ويقوم على علاقة مع أمور أخرى في ارتباط برهاني. المشكلة مسألة موضوعة للبحث والنقاش والجدل"، ولكي نفهم المشكلة يجب أن نميز أولاً بين: الإشكال (problematic) وبين المشكلة (Problem). أما الإشكال، مصدر يعني الالتباس والغموض، أشكل أي التبس، وأشكل الشيء اختلط فيه، واختلط الفهم فيه وعليه. فهو صفة تطلق على كل شيء يحتوي في داخل ذاته على تناقض، وعلى تقابل في الاتجاهات، وعلى تعارض عملي. والمشكلة هي طلب هذه الإشكالية بوصفها شيئًا يحاول القضاء عليه، هي الشعور بالألم الذي يحدثه هذا الطابع الإشكالي، وبوجوب رفع هذا الطابع وإزالته؛ هي تتبع هذه الإشكالية كما هي في ذاتها أولاً، ثم محاولة تفسيرها تفسيرًا يصدر عن طبيعة الشيء المشكل وجوهره. فكأن المشكلة تتضمن إذاً شيئين: الشعور بالإشكال، ومحاولة تفسير هذا الإشكال.
14. المثالية التاريخية (historical idealism)/ تؤمن بأن للمؤثرات الفكرية والروحية شأنها في تحديد شكل الوقائع الأولى للحياة الاقتصادية وهي تقابل المادية التاريخية.
15. المثالية (idealism)/ في الفلسفة، المثالية هي المجموعة المتنوعة من الفلسفات الميتافيزيقية التي تؤكد أن (الواقع) بطريقة أو بأخرى لا يمكن تمييزه أو فصله عن الفهم و/أو الإدراك البشري؛ إنه بشكل ما مجبول في العقل، أو مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالأفكار.
16. (الباريسيا) (parrhesia)/ ظهر المصطلح لأول مرة في الأدب اليوناني، عندما استخدمه يوربيديس،
ويمكن العثور عليه في النصوص اليونانية القديمة من نهاية القرن الخامس قبل الميلاد حتى القرن الخامس الميلادي. الالتزام بقول الحقيقة من أجل الصالح العام، حتى مع المخاطرة الشخصية.
وفقاً لفوكو، الباريسيا هي أحد المبادئ الأساسية في ديموقراطية أثينا، وتقترن مع فارق كبير بالأيسونوميا والإيسيجوريا اللتان يمكن ترجمتهما على نحو تقريبي بالمساواة أمام القانون، والمساواة في حق التحدث إلى الاجتماع العام لمواطني أثينا. ورغم أن لكافة المواطنين في أثينا الحق في الحديث (أيسيجوريا)، إلا أن قلة من الصفوة، الأعلى مكانة من ذوي السمات الشخصية والأخلاقية المميزة، هم من كان يحق لهم مُخاطبة الاجتماع العام. فبينما كانت (الأيسجوريا) للجميع على الأقل رسمياً، اقتصرت الباريسيا على قلة محددة. وتتكون تلك القلة من الذين يطمحون إلى الصعود طبقيًا في المجتمع عبر محاولة الحظوة بالاعتراف بمكانتهم حتى يتثنى لهم تولي أمر المدينة عبر ممارستهم للباريسيا. إن لعبة قول الحقيقة بمثابة إطار مُصمم لاختيار الصفوة من بين المتنافسين. ولهذا يرى فوكو أن للديموقراطية القديمة علاقة مزدوجة بالنخبة السياسية: فمن ناحية، يتم منح الحق في الحديث إلى الجميع (أيسيجوريا). ومن ناحية أخرى، لا يستطيع الجميع أن يتحدثوا (الباريسيا).
لمعرفة المزيد راجع، لارسن، ساين. (2014). ملاحظات حول مفهوم "باريسيا" عند ميشيل فوكو: "قول الحقيقة" بين الديمقراطية وحُكم الذات، (ترجمة: نصر عبد الرحمن). موقع قراءات.
تغريد
اكتب تعليقك