التطور الدلالي للمصطلح الإعلاميالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2023-05-31 22:52:15

د. ميسون عبدالجبار داود

الجامعة المستنصرية - بغداد

المقدمة:

كانت البشرية في مشوار تحضرها تتهادى، وبين الفينة والأخرى يبرُز مختَرَع يُسرِّع تلك الوتيرة، ثم يعود الحال إلى ما كان عليه.

ومع انبلاج فجر العصر الجديد، وظهور وسائل الاتصال الحديثة، انطلقت البشرية في مسيرة تقدمها كالسهم أو تكاد، انطلاقًا شمل جميع الأصعدة، وهذا الانطلاق احتاج إلى تغطية إعلامية تتلاءم معه وتواكبه، فتطورت وسائل الإعلام شكلاً ومضمونًا وتقنية؛ وكان أحد أشكال التغيير، هو لغة الخطاب الإعلامي.

ومع انفجار المخترعات، وما يصاحبها من صراعات رافقت التوسع المعرفي، احتاج الخطاب الإعلامي إلى استحداث مصطلحات جديدة، لظروف جديدة لم يعاصرها الإعلام القديم.

وهذه الورقة البحثية تلقي الضوء على تطور بعض المصطلحات الإعلامية، وما له من أثر في صناعة المحتوى الإعلامي.

التمهيد

1 - الدلالة لغةً:

"دلَّه على الشيء يَدُله دلًا ودلالة فاندل: سدَّده إليه"(1).

قال ابن الأعرابي: "دلَّ يَدُلُّ إذا هدى"(2)؟

أما الدلالة اصطلاحًا: "هي كون الشيء بحالة من العلم به العِلم بشيءٍ آخر"(3).

"لذلك يمكن القول بأن الدلالة هي المعنى، ودلالة أي لفظ هي ما ينصرف إليه هذا اللفظ في الذهن من مهنة مدرك أو محسوس، والتلازم بين الكلمة ودلالتها أمرٌّ لا بُدَّ منه في اللغة ليتم التفاهم بين النَّاس"(4).

2 - تغيير المعنى: التطور الدلالي

وانطلاقًا من أن قائمة الألفاظ منتهية مهما كثُرتْ وأنّ المعاني مفتوحة غير محدودة؛ فإنَّ تطور معاني الكلمات أو تغيرها أو انتقالها أظهر ما يكون في تطور النظام اللغوي، وهذا لا يعني أنّ التطور في صورة الكلمات غير واقع، ولكنّه يظل أقل بكثير من التطور في الجانب الدلالي، وهذه ظاهرة شائعة في كلّ اللغات، وذلك لأنّ العوامل الاجتماعية والتغيرات الحياتية التي تواكبها اللغات تفرض ذلك.

إذ "لا تبقى دلالة المفردة على ما عُرفتْ به في تاريخ وضع المعنى للفظ، بل أنّ موضوع دلالة الألفاظ هو من المتغيرات التي تشهدها كل لغات العالم، وذلك بسبب التطور الدلالي والاستعمالات المجازية وتغير المواقف الكلامية بين مستعملي اللغة، وانحدار المعنى أو ارتفاعه"(5).

ونحن في هذا البحث نحاول أن نستقصي بعض المصطلحات الإعلامية، ونلحظ تطوراتها الدلالية.

3 - المصدر الصناعي:

"هو كل لفظ جامد أو مشتق، اسم أو غيره، زيد في آخره ياء مشددة، بعدها تاء تأنيث مربوطة ليدل على معنى مجرد"(6).

4 - التعريب: إنزال اللفظ المعرب على أوزان عربية حتى يكون عربيًا أو بمنزلته(7).

المبحث الأول: المصطلح المفرد

المصطلحات المتداولة في اللغة الإعلامية قد تكون مفردة أو مركبة، وسوف نختار مجموعة من أبرز المصطلحات المفردة أولاً، وبعدها نختار مجموعة من المصطلحات المركبة، ثم مجموعة من المصطلحات المعربة.

مصطلحنا الأول هو الحارس، وقد يرد مركبًا، فيُقال: حارس البوابة.

وإذا تتبعنا لفظ حارس في المعجمات اللغوية نجد معناها على النحو التالي: حَرَسَه يَحْرِسُه: حَفِظَه(8).

والحارس لفظ عام، فقد يكون الحارس حارسًا للسجن أو حارسًا لمدرسة ما، أو حارسًا لمؤسسة حكومية .... الخ.

أمّا الحارس أو حارس البوابة اصطلاحًا: فهو مصطلح يُطلق على أي شخص يلعب دور تصفية الأفكار والمعلومات، والإبقاء على بعضها للنشر.

فبعد أن كان الحارس عامًا، صار خاصًا، وهذا يُطلق عليه في اللغة تضييق الدلالة، أو تخصيص الدلالة، وهو نوع من التغيير الدلالي الذي يُصبح فيه معنى الكلمة أقل شمولًا من معناه السابق.

كلمتنا الثانية هي الترويج، "روَّج الشيء، وَروَّج به: عجَّل، وروَّجته ترويجًا: نفَّقته كالسلعة والدراهم"(9).

والترويج في الاصطلاح: هو الأنشطة الرامية إلى بيع التجزئة السريع للسلع باستخدام تجميعها مع سلع أخرى، أو عبر تقنيات عرضها بصورة جذابة، أو تقديم عينات مجانية منها، أو تجربتها مباشرةً أمام المستهلكين، أو تخفيض سعرها، أو تقديم عروض خاصة تشملها، وغيرها من الأساليب.

نلاحظ هنا مصطلح الترويج قد غادره معناه اللغوي الضيق إلى معانٍ متعددة، وآفاقٍ جديدة، وهذا يُطلق عليه التوسع الدلالي وهو عكس تضييق الدلالة، وفيه يصبح معنى الكلمة أوسع، وأكثر شمولًا من معناه السابق.

مصطلحنا الثالث هو النسوية، وهذه الكلمة غير موجودة في معجمات اللغة؛ لأنها مصدر صناعي، والمصادر الصناعية لم تظهر إلَّا في وقتٍ متأخر، ومعناها في الاصطلاح: مجموعة من الحركات الاجتماعية والسياسية والأيدلوجيات التي تهدف إلى تعريف وتأسيس المساواة السياسية والاقتصادية والشخصية والاجتماعية بين الجنسين.

ومثله مصطلح الذكورية فهو مصدر صناعي أيضًا، ومعناه اصطلاحًا: مجموع السلوكيات والأفكار والقوانين والتفسيرات التي من شأنها سيطرة الذكور في مجتمعٍ ما على الإناث.

وهنا يتبين لنا شيء جديد، هو أن الإعلام قد يستحدث مصطلحات غير موجودة في اللغة.

فالتطور الدلالي هنا استحداث بخلاف النوعين السابقين.

المبحث الثاني: المصطلح المركب

المصطلح المركب الأول هو: القرية العالمية، والقرية في اللغة هي: المصر الجامع، وكل مكانٍ اتصلت به أبنية واتخذ قرارًا، وتقع على المدن وغيرها"(10).

قال الله تعالى: (وَتِلۡكَ ٱلۡقُرَىٰٓ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡ لَمَّا ظَلَمُواْ وَجَعَلۡنَا لِمَهۡلِكِهِم مَّوۡعِدٗا ) سورة الكهف: 59.

أما القرية العالمية في الاصطلاح: فقد ذكرها للمرة الأولى مارشال ماكلوهان، وهذا المصطلح يصف كيف يتم تقليص العالم إلى قرية، عن طريق التكنولوجيا الإلكترونية، وحركات المعلومات الثورية، انطلاقًا من كل رقعة على الأرض إلى كل رقعة أُخرى.

وبعد المقارنة بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي يتبين لنا أن المصطلح انتقل من معناه الضيق إلى معنى مهيمن، فقد اختزل العالم الكبير في قرية صغيرة، كل من فيها يعرف ما يجري مع الآخر.

مصطلحنا الثاني هو صناعة الخبر: والصناعة في اللغة: حرفة الصانع، وكل علم أو فن مارسه الإنسان حتى يمهر فيه ويصبح حرفة له(11).

وحين يضاف كلمة صناعة يتحدد معناها؛ كأن يُقال: صناعة الطابوق، وصناعة الطائرات والصناعات الغذائية ... الخ.

ونلحظ أن الصناعة ترتبط دائمًا مع أشياء ملموسة، أو حسيَّة.

أما صناعة الخبر: فهي عملية تحرير الخبر داخل الجريدة أو وسائل الإعلام الأخرى.

وهذه الإضافة مختلفة تمامًا عن الإضافات الحسيّة، فهي إضافة لشيء معنوي وهو (الخبر)، فتطور المصطلح هنا نقله من معناه الحسيّ إلى معنى معنوي جديد، يسلط الضوء على المجهود الذي يبذله الإعلامي، وهو مجهود لا يقل شأنًا عن المجهود الذي يبذله صاحب أي حرفة، بل ربما يفوقه بكثير.

المصطلح الثالث تضارب الآراء: والتضارب في اللغة هي المسايفة، أي التدرب بالسيوف واستعمالها(12).

أما تضارب الآراء فهو اختلاف في الرأي حول قضية معينة، وهذا المصطلح أيضاً حصل فيه انتقال من المعنى الحسيّ إلى المعنى المعنوي، فهو انتقال كبير في الدلالة من الملموس إلى المحسوس.

والمصطلح الرابع هو لغة الجسد: واللغة تطلق عادة على اختلاف الكلام في معنى واحد(13).

واللغة: "أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم"(14).

أما لغة الجسد: فهي مجموع الحركات التي يقوم بها الشخص غالبًا بدون شعور واعي، لها مدلولات هامة في الجانب التواصلي النفسي.

نرى جليًا انتقال الكلمة من معناها الحقيقي إلى معنى مجازي جديد، والمجاز في اللغة: هو صرف اللفظ عن معناه الظاهر إلى معنى مرجوح مع وجود قرينة.

وهنا نلمح تطورًا دلاليًا جديدًا، لم نلمحه في الكلمات السابقة، وهو الانتقال من الحقيقة إلى المجاز، وهذا الانتقال توسع بلا شك، فبعد أن كانت اللغة محصورة في الكلام، صار المعنى أوسع مع المجاز.

المبحث الثالث: المصطلح المعرب

المصطلح السياسي هو واحد من أكثر المصطلحات ورودًا في لغة الإعلام، وأحيانًا كثيرة نقف أمام الكثير من هذه المصطلحات عاجزين عن فهم معناها؛ لأنّ القسم الأكبر منها دخيل بدون تعريب؛ أو دخيل معرب، نحو: الليبرالية: وهي فلسفة سياسية أو رأي سائد تأسسَ على أفكار الحرية والمساواة، وهو مأخوذ من اللفظ الإنكليزي Liberalism.

ومثله الديمقراطية: وهي شكل من أشكال السلطة يعود فيه القرار إلى الشعب، واللفظ مأخوذ من الإنكليزية Democracy.

ومثله البراكماتية: وهي طريقة للتعامل مع المشكلات بشكل عملي بدلًا من الاعتماد على المبادئ النظرية، وهي مأخوذة من Pragmatism في الإنكليزية.

ونحو الفدرالية: وهي شكل من أشكال الحكم تكون السلطات فيه مقسمة دستوريًا، وهو أيضًا مأخوذ من Federalism بالإنكليزية.

وهذا الإدخال للمصطلحات الإنكليزية إلى العربية يضعنا أمام مأزق حقيقي، فبعد برهة من الزمن سنجد أنفسنا عاجزين عن فهم نشرات الأخبار والحوارات السياسية التي تدور في نطاقها، وقد يرى البعض أنَّ دخول المصطلحات الغربية إثراءً للعربية والأمر ليس كذلك؛ لأن التساهل في ذلك سيقود إلى ضياع الهوية العربية.

نتائج البحث

 التطور الذي يشهده المصطلح الإعلامي تطور كبير وهائل، ففيه توسيع للدلالة أو تضييق لها، وفيه انتقال من الحقيقة للمجاز، وفيه اقتراض مصطلحات من لغات أُخرى، وبعض ذلك من شأنه أن يثري لغة الإعلام، أما بإضافة مصطلحات جديدة لم تعرفها العربية سابقًا، وإمَّا بالاختصار، فمصطلح واحد يغني عن جملٍ كثيرة، وإمَّا بالصبغة الحضارية الجديدة، ولكن بعضها قد يكون ذا خطر على لغة الإعلام وعلى العربية عمومًا ألا وهو الدخيل؛ فذلك معول هدم للعربية إن لم تتظافر الجهود لإيجاد حل لهذه المعضلة.

الهوامش:

1 - لسان العرب 11/248-249.

2 - تهذيب اللغة 14/48.

3 - الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة 79.

4 - أسباب تعدد دلالة المفردة القرآنية 24.

5 - مباحث في علم اللغة واللسانيات 167.

6 - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك 3/210.

7 - ينظر: دراسات في فقه اللغة 1/322.

8 - يُنظر: تاج العروس 15/531.

9 - تاج العروس 5/600.

10 -المعجم الوسيط 2/732.

11 - المصدر نفسه 1/525.

12 - ينظر المعجم الوسيط 1/468.

13 - ينظر تهذيب اللغة 8/172.

14 - الكليات 1/796.

المصادر والمراجع:

1 - أسباب تعدد دلالة المفردة القرآنية في كتب التفسير وإعراب القرآن الكريم، إسراء عبدالقادر الغاني، أطروحة دكتوراه، جامعة بغداد، 1430هـ - 2009م.

2 - أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك، جمال الدين ابن هشام، تح: يوسف الشيخ محمد البقاعي، دار الفكر.

3 - تاج العروس من جواهر القاموس، محمد بن محمد الزبيدي، دار الهداية.

4 - تهذيب اللغة، محمد بن أحمد الأزهري، أبو منصور، تح: محمد عوض مرعب، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 2001.

5 - الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة، زكريا بن محمد الأنصاري، تح: د. مازن المبارك، دار الفكر المعاصر، بيروت، ط1، 1411.

6 - دراسات في فقه اللغة، د. صبحي إبراهيم الصالح، دار العلم للملايين، ط1، 1379هـ - 1960م.

7 - لسان العرب، محمد بن مكرم بن علي، جمال الدين ابن منظور، دار صادر، بيروت، ط3، 1414هـ.

8 - مباحث في علم اللسانيات، د. رشيد عبدالرحمن العبيدي، 1421هـ - 2001م.

9 - المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، دار الدعوة.


عدد القراء: 1396

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-