إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط العثمانية

نشر بتاريخ: 2018-03-02

المحرر الثقافي:

 

الكتاب: إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط العثمانية: الحداثة، البيروقراطية الإمبريالية، الدولة الإسلامية

المؤلف: جيم إمرينس

الناشر: I.B.Tauris

السلسلة: مكتبة الدراسات العثمانية (31 كتابًا)

تاريخ النشر: 15 ديسمبر 2011

عدد الصفحات: 208

 

أصبح النقاش القوميّ عن انهيار الإمبراطورية العثمانية أمرًا مألوفًا منذ قيام الدولة التركية الحديثة. وفي مواجهة هذا السرد، يسبر كتاب "إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط العثماني" أغوار الطرق المتباينة المؤدية إلى الحداثة خلال القرن التاسع عشر.

وفي حين ركز المؤرخون بشكل تقليدي على تفسيرات أحادية لتتبُّع العثمانية خلال القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، يجادل المؤلف بأن الإطار الإقليمي يمثل أداة تحليلية أفضل، إذ يكشف مسارات بديلة للحداثة.

ويعتبر الكتاب دراسة تاريخية تحليلية، تستعرض كافة المناطق الآسيوية التي كانت تنضوي تحت راية الإمبراطورية العثمانية لأكثر من مائة عام، في محاولةٍ لرصد التنوع داخل الساحة العثمانية.

من أجل ذلك، لم يبحث المؤلف في المصادر الأولية، المتاحة داخل الأرشيفات الإمبريالية والقومية والإقليمية والاستعمارية، والتي تركز على مكان أو إطار زمني معين. بدلاً من ذلك، استخدم الكاتب معظم الآداب المتاحة حول الإمبراطورية العثمانية واستكمالها بقراءات واسعة من العلوم الاجتماعية والتاريخ.

وإجمالا، يقدم الكاتب إجابات حديثة على مجموعة متنوعة من الأسئلة الهامة المتعلقة بماضي الإمبراطورية العثمانية في الشرق الأوسط، ومنها: كيف كانت طبيعة حكم الإمبراطورية العثمانية، التي وفَّرت شرعية أيديولوجية، ورغم ذلك لم تستطع كبح جماح الانهيار الإمبراطوري؟ كيف أضفى الإسلام الشرعية على الدولة العثمانية، وكيف لعب دور الأيديولوجية الاعتراضية؟

وفي سياق سعيه للمقارنة بين مختلف مناطق الإمبراطورية، يتطرق الكاتب إلى ثلاث مسارات بارزة ومتزامنة يرى أنها أسهمت في تشكيل الإمبراطورية العثمانية، هي:

(1) علاقات السوق في المناطق الساحلية.

(2) البيروقراطية الإمبريالية في مدن وسط الأناضول وسوريا وفلسطين.

(3) شبكات الثقة الإسلامية في المناطق الحدودية داخل شبه الجزيرة العربية.

موضحًا أن كلاً من هذه المسارات يتمتع باقتصادات سياسية وترتيبات اجتماعية مختلفة إلى حد كبير، وكذلك علاقات متنوعة مع الدولة العثمانية والعالم الخارجي، بما يمثل مسارات متباينة للحداثة في الشرق الأوسط.

ويلفت الكتاب إلى أن المناطق الساحلية ارتبطت بالشبكات العالمية، وعززت التحالفات مع الطبقة المتوسطة، وصاغت أشكالًا جديدة من الصراع السياسي. فيما كانت مدن كـ "أزمير" و"سالونيك" تمثل بيئات متعددة الأعراق والأديان، تتسم بمناخ عام مميز ومجموعة متنوعة من الاتصالات العالمية، وهو ما أدى إلى ابتعاد الساحل عن السيطرة الإمبريالية الفعالة.

في المقابل، كان الداخل العثماني أبعد عن التعلق بعالم الإمبراطورية، ولم تكن الأناضول وسوريا وفلسطين معرضة لأي تهديد أجنبي، وكان وجود الأسواق العالمية محدودًا جدًا، وهو ما أدى إلى هيمنة التحول الذي تقوده الدولة والقيم المحافظة.

وهكذا يمكن القول بأن هذه المناطق الداخلية كانت تنتمي سياسيًا واجتماعيًا وماديًا للعالم العثماني، حيث كانت الإمبراطورية قادرة على تشكيلها وفقًا لأولويات الدولة العثمانية والكتلة الإسلامية بالمناطق الحضرية.

وعلى عكس المنطقتين المشار إليهما آنفًا، كانت الحدود العثمانية تتسم بالاضطراب السياسي والتخلف الاقتصادي والتفرق الديموجرافي، وكانت عاجزة عن التواصل مع النخبة المحلية أو تحويل المنطقة من خلال المؤسسات الإمبريالية.

ورغم التطورات اللاحقة في القرن العشرين، حافظ الساحل على إطلالته العالمية، وأبقى الداخل على هويته المحافظة، أما الحدود فكانت مقاربتها ممزوجة بالتمرد.

وبنسج هذه التطورات معًا، يقدم الكاتب صورة مختلفة عن روايات الدولة المركزية، ويرى أن فهم العالم العثماني السابق وإرثه يجب أن يبدأ من استكشاف المسارات الإقليمية والتاريخية؛ وهو بذلك يقدم مقاربة جديدة لفهم تاريخ هذا العالم.

وبينما انهارت الدولة العثمانية خلال الحرب العالمية الأولى، لكن هذا النموذج ثلاثي المسار الذي يطرحه المؤلف يمكن تتبعه فيما يتجاوز العصر العثماني، بل وفيما يتجاوز تركيا ذاتها.

وكما يقول المؤلف: "حتى في وقت لاحق خلال القرن العشرين، حافظت المنطقة الساحلية على رؤيتها العالمية، وأبقت المنطقة الداخلية على هويتها المحافظة. وقد اجتمعت عدة طبقات من المسار ذاته، أو من مسارات متنافسة، في كل الدول ما بعد الحقبة العثمانية. ولعل هذا ساهم في نقص الشرعية، هذا العامل الذي كان كثيرًا ما يستشهد به كسبب لعدم الاستقرار المستمر في الشرق الأوسط".


عدد القراء: 3070

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-