الإنترنت وشعرية التناص في الرواية العربية
المحرر الثقافي:
الكتاب: "الإنترنت وشعرية التناص في الرواية العربية"
المؤلف: د.محمد هندي
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
في كتاب "الإنترنت وشعرية التناص في الرواية العربية" يرى الباحث د.محمد هندي أن عصر الفضاءات الافتراضية أسهم في نشوء إبداع فني لم يكن موجوداً من قبل، هو المتعلق بالأدب الافتراضي أو الرقمي أو التفاعلي أو المعلوماتي، أيّا كان المسمى، فالإحالة واحدة إلى فضاء الحاسوب المتصل بالإنترنت واستثماره إبداعياً.
ويهدف الكتاب إلى بيان ما أضافته شبكة الإنترنت إلى هذه "التناصية" في الرواية العربية، خاصة وأن البنية التناصّية كانت موجودة في الرواية التجريبية في مرحلة ما قبل الإنترنت، بجانب الكشف عن جماليات التناص الموضوعية والشكلية في التجارب المقدَّمة، وذلك بعد أن أصبح التناص محوراً أساسياً في تشكيل الفعل القصصي بأبعادِه الواقعيةِ والدرامية، ولم يعد توظيفه لمجرد الاقتباس أو الزخرفة الشكلية، وإنما بهدف حمل دلالة موضوعية وفنية تختلف باختلاف الرؤى التأليفية.
ويتضمن الكتاب مجموعة من التجارب السردية العربية المعاصرة التي حاولت محاكاة الإنترنت في بنيتها الداخلية على المستويين الموضوعي والشكلي، ومن بين هذه الروايات؛ "شات" للكاتب الأردني محمد سناجلة.
ويتحدث الباحث عن البواكير الإبداعية التي حاولت الاقتراب من هذا الفضاء الافتراضي، وهو ما يعني أنها كانت تتضمن في ثناياها أبعاداً فنية وقضايا أيديولوجية متعددة يمكن للقارئ بشتى صوره ومختلف أيديولوجياته أن يجد فيها معيناً خصباً يفيده في حقله الأكاديمي أو المعرفي الخاص.
ويؤكد هندي أنه مع التقدم التكنولوجي في العصر الحديث وتغير المفاهيم، كان لزاماً على الإبداع مواكبة هذا التقدم في أشكال تعبيرية تناسبه، فنحن نعيش الآن -كما يقول شاكر عبدالحميد- في عالم ما بعد الواقع، عالم الفضاء التكنولوجي، والواقع الافتراضي، والفضاء اللانهائي، الذي يتحكم فيه الكمبيوتر والإنترنت والتكنولوجيا الافتراضية، ومن ثمَّ لا مجال لفنان عصر التكنولوجيا الحديثة، والبرمجيات الذكية، والعوالم الافتراضية أن ينغلق ويعتكف في برجه، ليتمسك بتقنياته وأشكال تعبيره نفسها، غير مهتمِّ بما يَجِدُّ ويتجددُ حوله ومن هنا ظهرت علاقة جديدة بين الإبداع والتكنولوجيا، ما أُطلِق عليه "الأدب الافتراضي".
ويضيف بأن الحاسوب المتصل بالإنترنت يعدّ من بين أشكال التكنولوجيا الرقمية، ووجد في فضاء الإنترنت ساحة رحبة، وعالماً من الأحلام الذي حَلم بالتحليق فيه بحرية دون أي قيود، فهو عالم وصفه "جون بيري بارلو" -أحد مؤسسي الحدود الإلكترونية- بقوله إنَّنا ننشئ عالماً قد يدخله الجميع دون تمييز أو تفضيل بسبب العِرق أو القوة الاقتصادية أو القوة العسكرية، أو محل الميلاد، مكاناً يستطيع أيّ شخص في أيّ مكان أن يعبّر عن معتقداته.
ويشير إلى أن هذا العالم هو عالم يمزج بين الإنسان والإنترنت، حيث أصبح الإنسان يتعامل مع واقع معلّق في الهواء، بلا هوية أو حضور مادي، وكان نتيجة ذلك أن ظهرت واقعية جديدة تصوّر حياة الإنسان الافتراضي، الذي بدأ في التّشَكُّل والظهور، وقد استمدَّت مشروعية وجودها من عنصرين رئيسين؛ أحدهما يتعلق بكائن مادي تحوّل إلى كائن رقمي افتراضي، والآخر يتعلق بالبيئة التقنية الافتراضية التي شكّلتها شبكة الاتصالات (الإنترنت)، لنكون أمام واقعية افتراضية تمزج بين الإنسان والتكنولوجيا الرقمية ممثلة في صورة "الإنترنت"، وهو ما أكّده الروائي محمد سناجلة بقوله: "بدخول الإنترنت والهواتف المحمولة التغتْ المسافة، وتقارب الزمن... فلا زمان ولا مكان قادر على أن يفصل الإنسان عن أخيه الإنسان، حتى أمسى العالم كله ليس قرية صغيرة كما كان شائعاً في العصر التكنولوجي، بل أصغر من حجرة صغيرة في بيت، أصبح العالم شاشة، مجرد شاشة زرقاء".
ويرى الباحث أن الواقعية الافتراضية جَددت من حيث علاقتها بالرواية الورقية تجديداً بنيوياً في نسيج النص السردي، فقد أتاحت للمضمون الروائي حرية تعبيرية غير معتادة بعيدة عن سلطة الرقيب سواء الفني أو الأخلاقي، وهذا ما أعطى المضمون خصوصية تتفق مع عالمه الافتراضي المنفتح، والذي يجعل من الصعب تحديد الرواية في معنى واحد.
تغريد
اكتب تعليقك