صوت الغزالي وقِرطاس ابن رشد
المحرر الثقافي:
الكتاب: "صوت الغزالي وقِرطاس ابن رشد"
المؤلف: مدحت صفوت
الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
صدر حديثًا للباحث المصري مدحت صفوت، عن سلسلة التراث الحضاري لدى الهيئة المصرية العامة للكتاب دراسة جديدة عن أبي الوليد ابن رشد بعنوان "صوت الغزالي وقِرطاس ابن رشد"، ملحق بها دراسة ابن رشد الشهيرة "فصل المقال".
الصورة النمطية السائدة عن فيلسوف قرطبة هو "التقدمي" و "التنويري" المغاير والنقيض للإمام أبي حامد الغزالي، لكن مدحت صفوت يرى في دراسته النقيض مما سبق، فضلاً عن كشفه لعمليات الامتطاء الأيدلوجي التي مارسها المفكرون العرب للتراث العربي بصفة عامة ولتراث ابن رشد على نحو خاص. وخصّ المؤلف ثلاثة من هؤلاء المفكرين هم: الراحلان محمد عابد الجابري وعاطف العراقي ومراد وهبة، الذي اتهمه صفوت بالأصولية العلمانية، وتنميط ابن رشد والحديث عن فيلسوف متخيل، فضلاً عن أن كتاباته عن التعددية يولي فيها جانبًا كبيرًا للسلطة السياسية والسلطة الدينية الرسمية تحديدًا "الأزهر"، ويفضل أن يشاكس الجماعات الدينية الهامشية، على حد قول المؤلف.
وترصد الدراسة كيفية مطاردة شبح الإمام أبي حامد الغزالي لابن رشد، وكيف سكن المؤلفات الرُشدية، ليس فقط في "تهافت التهافت" وإنّما في "فصل المقال" و "مناهج الأدلة" أيضًا. ويصفه الباحث بـ "شبح يحرك مؤشر الرشدية ويضع مسار نقاشاتها، وربما المنطلقات وأحيانًا النتائج، ليبدو المختلف عليه هو عملية المعالجة، وطرائق التعاطي مع المعطيات، ليموت ابن رُشد بعد أن تقلصت مساحات نفوذه، ويبقى الغزالي واقعًا وشبحًا".
ويبين صفوت أن كل ما حاول تقديمه هو فهم ابن رشد، فالحاجة الرئيسة الآن هي الإحاطة برؤيته وفلسفته أولاً في إطار زمنه وسياقه التاريخي بالقرن السادس الهجري، ثم نقد الرُشديةِ، أو حتى نقضهما وتقويضهما على النحو الذي يسمح بتجاوزهما وتخطيهما، وتقديم رؤية راهنة تكون ابنةً للسياق الحضاري والثقافي الذي نعيش فيه.
ويشدد المؤلف على أن ابن رشد عانى من التقول عليه مثلما عانى في محنته ونكبته مع الخليفة المنصور الموحديّ، وكانت الجريرة الجديدة في العصر الحديث بسبب "التنوير" والمحاباة لابن رُشد وليس "الجمود". فعندما احتاج التنويريون العرب إلى آباء يؤسسون لهم حداثتهم المنشودة، راحوا يفتشون عن مساند تاريخي لأفكارهم فوقعوا في شرك ليّ عنق الخطابات التاريخية وانتزاعها من سياقها، فصار أبو ذر الغفاري شيوعيّاً ماركسيّاً، وابن خلدون مفسراً مادياً للتاريخ، والمُعتزلة عقلانيّةً تقدميّةً تُدافع عن العدالة الاجتماعيّة، وابن رشد عقلانياً تنويرياً سابقاً لزمانه ومكانه وسياقه التاريخي.
"ابن رشد ليس نقيضاً للغزالي"، هكذا انتهى الباحث مدحت صفوت في إصداره الجديد، معتمدًا في قراءة الغزالي وابن رشد على استراتيجيات التفكيك، مؤكدًا أن الاستدعاء الرئيس لابن رُشد وكتابه الشهير "فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من اتصال" للفهم ومعرفة الرُشدية من كتاباتها لا من الصور المُتخيلة التي رسمها كثيرٌ من باحثيّ ومفكريّ العصر الراهن.
ويقول المؤلف: "لا مانع أن نوجّه نحو الموروث الرُشدي معاولَ الهدم، أو نستفيد من استراتيجيات التفكيك بالرؤية التي طرحها جاك دريدا.
يلفت إلى إنه فضّل أدوات جاك دريدا في قراءة ابن رُشد، محاولًا وضع علامات الاستفهام حول خطابه، والأسئلة المشروعة عن تناول الفكر العربي المعاصر حول ابن رُشد والرشدية، ومدى تعبيره بدقة عن الرؤية الرشدية، وهل أدى إلى إنتاج صورة متخيلة عن أبي الوليد؟
وإذا كانت الإجابة بنعم، لماذا اخترع المفكرون العرب هذه الصورة الرشدية؟ وما الحاجة التي دفعتهم إلى ذلك؟ مستأنسًا في طريق البحث بمقولة "الشبحية" كما بينها جاك دريدا ليكشف عن أشباح سكنت خطاب ابن رُشد وتحكمت في منطلقاته ومساراته ومعطياته، وأحيانًا نقاط الوصول.
مدحت صفوت ناقد أدبي وباحث في تحليل الخطاب، عمل كمحاضر زائر في جامعة كوبنهاغن -الدنمارك، وحاضَر في عدد من المراكز البحثية المصرية، يكتب في المحاور النقدية ونقد الخطاب الديني الأصولي، له كتاب صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب بعنوان "السلطة والمصلحة... استراتيجيات التفكيك والخطاب العربي"، وله قيد الطبع "جناية الفقهاء: تمارين على طرح الأسئلة".
تغريد
التعليقات 1
لكم أنه مقال رائع احسنت
اكتب تعليقك