«ملحمة المفكرين الفرنسيين»: كتاب يغطي عمر الفكر الفرنسي

نشر بتاريخ: 2018-10-20

المحرر الثقافي:

الكتاب: ملحمة المفكرين الفرنسيين

المؤلف: فرانسوا دوس

الناشر: Gallimard

تاريخ النشر: 6 سبتمبر 2018

عدد الصفحات: 624 صفحة

غطى مؤرخ فرنسي في كتاب من جزءين عمر الفكر الفرنسي بين 1944 و1989، إذ ظهر خلال تلك العقود مئات الأدباء والمسرحيين والشعراء والفلاسفة، الذين انتشرت أفكارهم في العالم قاطبة.

عرف عن فرنسا في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية أنها كانت المرتع الخصب للفلسفة والنظريات والأفكار الجديدة التي كانت تدور حولها نقاشات وجدالات فكرية لا تنتهي.

برز في تلك الفترة مئات الكتاب والأدباء والمسرحيين والشعراء والمفكرين والفلاسفة، الذين انتشرت أفكارهم في مناطق أخرى من العالم، ومنهم جان بول سارتر وسيمون دو بوفوار ورولان بارت وميشيل فوكو وألبير كامو وكلود ليفي شتراوس وريمون

آرون وفرانسوا مورياك… وغيرهم كثيرون

كل هؤلاء دعاهم المؤرخ والفيلسوف الفرنسي والكاتب فرانسوا دوس إلى حفل عنونه “ملحمة المفكرين الفرنسيين”، ويقع في جزءين ضخمين، يضمان أكثر من 1300 صفحة، غطّى بهما ما وصفه بعمر الفكر الفرنسي بين 1944 و1989.

هذا العمر، كما حدده فرانسوا روس، قصير بشكل صادم، إذ لم يتجاوز 45 عامًا، وبدأ في عام 1944 عندما اندحرت النازية وخرج الحزب الشيوعي الفرنسي من تجربة الاحتلال والحرب قويًا. فيما سعى اليمين إلى لملمة نفسه وتحسين صورته. أما اليسار غير الشيوعي، فراح يبحث عن نهج آخر. وكانت الفكرة الأساسية وراء كل شيء هو السعي إلى خلق حياة أفضل.

سياسة وفكر

يظهر جليًا لمن ينظر إلى تلك الفترة من بعيد بأن كل المفكرين والكتاب والفلاسفة والأدباء والشعراء وحتى كبار الصحافيين كانوا متأثرين بأوضاع العالم وأوروبا السياسية، وكان ذلك أمرًا طبيعيًا في زمن تحوّلت فيه حرب حقيقية ساخنة، فقد فيها ملايين الأشخاص حياتهم إلى حرب باردة بين كتلتين تقاسمتا العالم. وخصص الكاتب لهذه المرحلة التي انتهت في رأيه في عام 1968 الجزء الأول من الملحمة.

شهدت هذه الفترة الكثير من الأحداث، منها حرب الجزائر والحرب الكورية وحرب فيتنام والمجمع الفاتيكاني الثاني وظهور ما يدعى بالعالم الثالث، وانتشرت الوجودية، التي أثارت الكثير والكثير من الجدل… إلخ.

وكانت فرنسا قد خرجت من الحرب العالمية الثانية بجروح عظيمة وبفكر مشوّش داخليًا وعالميًا، وهو ما ساهم في بروز العديد من المفكرين الذين أرادوا إعطاء معنى لوجودهم ووجود العالم من حولهم.

ما بعد 1968

أما الجزء الثاني فيغطي الفترة بين 1968 و1989. إذ شهد عام 1968 اضطرابات مدنية هائلة عُرفت بأحداث مايو، رافقها إضراب شمل عموم البلاد للمرة الأولى في تاريخ فرنسا، وشارك في هذه التحركات عمّال وموظفون وطلبة جامعات اعتصموا في كلياتهم وفي المعامل، حتى توقفت حركة الاقتصاد تقريبًا. فيما ثارت مخاوف من قيام ثورة حقيقية أو حرب أهلية.

وقد تركت هذه الأحداث أثرًا كبيرًا على المجتمع الفرنسي، وغيّرت الكثير من الأفكار، ورافقتها حركة أدبية وفنية ضخمة.

قرنان على الثورة

أما في عام 1989 فقد احتفلت فرنسا بمرور قرنين على ثورتها الشهيرة، التي رفعت شعارات إنسانية “حرية، إخاء، ومساواة” راجت لاحقًا في كل مكان. وفي تلك السنة أيضًا سقط جدار برلين، ليعلن موت التجربة الشيوعية.

لكن تلك السنوات شهدت أيضًا تبدد الأوهام والآمال بمستقبل زاهر مشرق، لا سيما بعدما أصيب الفكر الفرنسي الملتزم بصدمات متلاحقة، كانت أهمها أحداث بودابست في عام 1956، عندما دخلت الدبابات الروسية العاصمة المجرية لقمع ثورة على السوفيات.

بدءًا من تلك اللحظة وقعت قطيعة بين عدد كبير من الأدباء والمفكرين مع الحزب الشيوعي، بل تخلى عنه عدد منهم ممن كانوا منتمين روحيًا وفكريًا إليه. وكان هذا الحدث في واقعه حالة صدام مع كل الأفكار الإنسانية التي كانوا يؤمنون بها.

واعتبارًا من ذلك التاريخ أعيد توزيع الأوراق من جديد، لكن تكرار تلك الأحداث في ما يُدعى بـ”ربيع براغ” في عام 1968 عمق الشرخ، وحوّله إلى صدع واسع بين المفكرين والنظرية الشيوعية. حتى لويس آراغون، الذي كان من أشد الملتزمين أبدى أعراض إصابته بهزة عظيمة.

انتقالة

شهدت ستينيات القرن الماضي تطور النزعة الاستهلاكية، فبدأت أمور تتغير، ويعاد ترتيبها من جديد، وظهرت أفكار جديدة، وفكر مادي جديد تمثل في الموجة الجديدة التي كانت حركة سينمائية سعت إلى فرض اُسلوب وفكر جديدين، ثم الرواية الجديدة التي ثارت على السرد التقليدي. وفي تلك الفترة أيضًا شهدت البنيوية فترة ازدهارها، كما تطورت وتبلورت، وحركة المساواة بين الجنسين، وظهرت فروع جديدة وغير مسبوقة في مجال العلوم الإنسانية، حتى إن العديد من الفلاسفة تخلوا عن فرعهم، وراحوا يدرسون الأنثروبولوجيا وغيرها من الفروع الحديثة التي تلقي نظرة مختلفة على المجتمع وأصوله ودوافعه وطرق تطوره.

وكان المثقفون بالمرصاد للتغيرات والتقلبات المجتمعية: رولان بارت تابع ملامح التغيير وإشاراته، فيما تابع ميشيل فوكو حركة التاريخ وأخطائه وعيوبه.

موسوعة

شهد الكاتب فرانسوا دوس كل هذه الأحداث والتغيرات، وعاشها من الداخل، ونقل إلينا في ملحمته الكثير من التفاصيل، بما في ذلك شتائم أطلقها جان كانابا الستاليني حتى العظام على ألبير كامو، عندما وصفه بـ”خادم البرجوازية”، وعلى مارغريت دورا، التي منحها صفة “كلبة حراسة لدى الرأسمالية”.

يضم كتاب دوس أسماء المئات من الشخصيات الفرنسية التي عاشت وشاركت في كل الاضطرابات والجدالات والتقلبات والتجديدات وحتى المجلات الفكرية والفلسفية وما كانت تنشره لكبار الصحافيين، كما خصص جزءًا من ملحمته لكتب مهمة صدرت خلال تلك الفترة وللتيارات الفكرية والفلسفية التي ولدت واستمرت أو ماتت، ومنها الوجودية والبنيوية واليسارية، ثم لمذاهب ما بعد الحداثة والألسنية والتحليل النفسي والأنثروبولوجيا وحتى التاريخ نفسه. وكان ذلك هو العصر الذهبي للعلوم الإنسانية في فرنسا وكان أيضًا عصر احتضار الماركسية.


عدد القراء: 3811

التعليقات 1

  • بواسطة شليم محمد رقادي من الجزائر
    بتاريخ 2018-10-20 14:53:59

    على ضوء هذه الدراسة نستنتج أن الحياة الفكرية للمجتمع الفرنسي بدأت تتفتح ذاتيا على نفسها،وتتجه نحو بناء الإتجاهات و المذاهب الفكرية بعيدا عن النزعة الأرستقراطية التي هيمنت على العلاقات الإجتماعية.فأظهرت هذه الدراسة عمر الفكر الفرنسي الذي وصل بالعلوم الإنسانية إلى زمن الحداثة،و عرفت معه العلوم المساعدة نقلة نوعية استحدثتها الضرورة و الحتمية الفكرية........يتبع/شليم م ر

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-