اغتصاب فلسطين: تدوين الانتداب

نشر بتاريخ: 2023-10-29

ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

 

الكتاب: "اغتصاب فلسطين: تدوين الانتداب"

المؤلف: بليك ألكوت

الناشر: tredition

تاريخ النشر: 10 أبريل 2023

اللغة: الإنجليزية

عدد الصفحات: 1437 صفحة (جزئين)

"بذل المؤلف جهداً استثنائياً في تحضير هذا السفر المكون من جزئين على مدار 1437 صفحة (بدون الملاحق) وضم إضافة إلى العديد من الوثائق الهامة تحليلاً دقيقاً وإضاءات مهمة."

لا ترقى الكثير من المؤلفات المتعلقة بفلسطين إلى هذا المدى. إذ نرى كافة الوثائق المعيارية هنا ولكن بتحليل جديد إضافة إلى الكثير من النوادر التي تمكن المؤلف من استخراجها والتي قد لا يتمكن الباحث العادي من معرفتها والتي ربما أصبحت طي النسيان.

استنفذت لجان التقصي في ثلاثينيات القرن المنصرم حظها من البحث مع ظهور كل دراسة لفلسطين تحت الانتداب. ولكن من يعرف محكمة بالين للتحقيق في شهر تموز/يوليو من عام 1920 والتي اكتشفت أن سبب الاحتجاجات المؤخرة في القدس وما حولها لم تكن ضد دين أو عرق محدد ولكن ضد الدعم البريطاني للحركة الصهيونية و"العدوان والرعونة" الصهيونية منذ إعلان بلفور عن وعده المشؤوم؟

لم تكن الحقيقة مستساغة لدرجة أن التقرير تعرض للطمس بناء على رغبة خاصة لأول مفوض سامي للانتداب البريطاني في فلسطين هربرت صموئيل، وهو صهيوني، مدعوماً من حكومة بلاده ولكن هذا التقرير لم ينشر لغاية عام 1968.

ومن النوادر الأخرى التي كشف عنها المؤلف الملاحظة السرية التي كشفتها صحيفة بريطانية في السبعينيات والتي أكدت أن المراسلات بين الشريف حسين والسير هنري مكماهون عامي 1915-1916 أفادت بأن فلسطين ستكون ضمن المنطقة الموعودة بالاستقلال العربي ولن تستثنى بسبب ادعاءات المنافسين الفرنسين كما روج البريطانيين لفترة طويلة فيما بعد.

يبدأ الكوت تاريخه برسالة كتبها عام 1899 يوسف ضياء الخالدي محافظ القدس إلى زادوك كان حاخام فرنسا الأكبر. لم يعترض في الخلاصة على الصهيونية كوسيلة لحل "المعضلة اليهودية" ولكن سكان فلسطين في الحقيقة والواقع لم يكونوا يهوداً ولا يمكن الاستيلاء عليها بدون المدافع والسفن الحربية.

وتساءل: "ولكن بأي حق يريدها اليهود لهم؟". وبعد 125 سنة لا يزال الفلسطينيون يرددون نفس السؤال ولا يعثرون على إجابة مقنعة إلى اليوم.

توضح الوثيقة معرفة الشعب الفلسطيني بمآرب الصهاينة منذ بداية الاستيطان ولم تنطلي عليهم التأكيدات الكاذبة التي قدمها زعماء المستوطنين. بالرغم من الترحيب بوجود اليهود كأفراد لهم نفس الحقوق كغيرهم من المواطنين ضمن دولة عربية مستقلة.

نشرت الكرمل يوم 7 تموز/يوليو عام 1914 "بياناً عاماً" حول الخطر الصهيوني وسألت قرائها: "أتريدون أن تصبحوا عبيداً للصهاينة الذين جاؤوا لطردكم من بلادكم ويدعون أنها بلادهم؟".

الإمبريالية البريطانية

وصل الصهاينة إلى فلسطين على ظهر الإمبريالية البريطانية. قام البريطانيون بتسليحهم وحمايتهم على كافة المستويات. وشغلوا مناصب رفيعة في الإدارة المحتلة مع الصهاينة. ولم يكتفوا بالمطالبة بفلسطين فحسب. اعتقد نورمان بنتويتش المعين "كمدع عام" أن "الحضارة اليهودية" كانت قادرة على التوسع لتشمل الدول الموعودة لليهود في العهد القديم "من البحر الأبيض المتوسط إلى الفرات ومن لبنان إلى النيل". (166)

كتب هربرت صموئيل عام 1915 عن أمله في أن الشعب اليهودي سيتنامى ليصبح أغلبية ويحظى بحكم ذاتي في فلسطين. ولكن كيف خطر له ذلك الاعتقاد عندما لم يشكل اليهود آنذاك سوى 7 إلى 8% من السكان.

ولكنه لم يقل، وربما لم يرغب بالقول، إن الحل المحتمل الوحيد بالنسبة للصهاينة لم يكن سوى التهجير أي طرد الفلسطينيين.

ومنع تشريع الهجرة الذي سنه صموئيل الفلسطينيين من ابداء الرأي عمن يحق له الاستقرار في أرضهم.

يتابع المؤلف المسار خطوة خطوة بما في ذلك كافة المعاريض والاعتراضات والمذكرات والمؤتمرات والوفود التي قدمها الفلسطينيون للدفاع عن قضيتهم. ولكنهم لم يحصلوا على شيء بالرغم من تعاطف كبار المسؤولين في الحكومة البريطانية وفي البرلمان والصحافة والشرطة في فلسطين.

وثمة مؤشرات على أن مارك سايكس كان يراجع تفكيره قبيل وفاته بالأنفلونزا الاسبانية عام 1919(104) ولكن مهما كانت الخلافات فإن موجز القول يفيد بالتزام بريطانيا بالصهيونية بالرغم من تأثير ذلك على موقفها عبر الشرق الأوسط برمته.

فرضت بريطانيا الصهيونية على السكان عبر السماح بهجرة اليهود الجماعية وتسليح الصهاينة وفي الوقت ذاته نزع السلاح من الفلسطينيين واستخدام كافة الأسلحة المتوفرة لسلطة الاحتلال من أجل قمع المقاومة.

قُتل آلاف الفلسطينيين عندما ثاروا ضد الاحتلال في ثلاثينيات القرن المنصرم وفشلت كافة المحاولات للتفاهم مع البريطانيين.

عانت قرى بأكملها من الاعدامات والعقاب الجماعي كجزء من "حضارة بريطانيا المقدسة". وأطاح البريطانيون برؤوس القيادة اللازمة للمواجهة اللاحقة مع الصهاينة وقاموا نيابة عنهم بكافة الأعمال القذرة.

لم تفلح المحاولات لإنشاء وكالة عربية ولجنة نصح على غرار الوكالة اليهودية لإنها تطلبت قبول الفلسطينيين بالاستيطان الصهيوني. كانت السياسة البريطانية معادية للديموقراطية ولم تمنح الحكم الذاتي إلا بعد وصول اليهود إلى نسبة أغلبية السكان.

وكما علم الإنجليز، وربما دون الاعتراف بذلك، لم يكن بالإمكان الوصول إلى تلك النقطة دون إخراج الفلسطينيين من أرضهم. لم يكن الصهاينة، في ظل العيش تحت الحماية البريطانية، جوهر المشكلة بل البريطانيين أنفسهم. وكما أخبر أحد الفلسطينيين بعض الباحثين "كانوا أسوأ من اليهود...والإنجليز هم سبب نكبتنا."(1023).

علمت الحكومة البريطانية أن المشكلة تكمن بالاستعمار وتفضيل شراء وتأجير الأراضي للصهاينة على حساب الفلسطينيين. قرر الإنجليز، بعد أن استوعبوا ما كان ظاهراً منذ البداية، في لجنة بيل عام 1937 تقسيم وتهجير الفلسطينيين من الأراضي الخصبة المخصصة للصهاينة.

 حرب في الأفق القريب

تراجعت الحكومة البريطانية في عام 1939، ومع بوادر حرب أوروبية في الأفق، عن الوعود الافتراضية المفتوحة التي قدمتها للصهاينة عبر العقدين الماضيين. أوصت وثيقة بيضاء بعدم التقسيم وعوضاً عن ذلك دولة مستقلة عبر فلسطين تضم "وطناً قومياً" لليهود. لن يكون هناك دولة يهودية. وستحدد الهجرة اليهودية بـ 75000 شخص على مدار 5 سنوات ومنح الغالبية العربية الحق بتحديد عدد القادمين في المستقبل.

تهرب الإنجليز في مؤتمر لندن لمناقشة الوثيقة البيضاء من تقديم الالتزامات المطلقة. سيكون في دولة فلسطين المستقلة ضمانات للأقليات. وما لم يوافق الفلسطينيون على حماية وطن قومي لليهود بالمنظور البريطاني، وما يحتمله ذلك المعنى، ستعتبر بريطانيا نفسها معفية من أي التزام بدولة فلسطينية مستقلة. (1109).

وضعت الوثيقة البيضاء نهاية للانخراط الصهيوني الإيجابي مع بريطانيا. استشاط الصهاينة غضباً وقاموا بعض اليد التي أطعمتهم ردحاً طويلاً من الزمن. لم تقتصر أهداف مسلحيهم على المدنيين الفلسطينيين في الأسواق وشملت الجنود البريطانيين. وقامت عصابة شتيرن باغتيال وزير الدولة البريطاني للشرق الأوسط لورد مويون في القاهرة.

وبعد أن أوصلت بريطانيا الصهيونية إلى هذا الحد تحولت القيادة الصهيونية إلى الولايات المتحدة لاستكمال السعي إلى تأسيس الدولة.

أغاظ الدعم الأمريكي في نهاية الحرب، لهجرة يهودية واسعة النطاق، الحكومة البريطانية والتي تعين عليها التعامل مع العواقب ولذلك نفضت أيديها وسلمت المسألة للأمم المتحدة.

الولايات المتحدة

تمتع الصهاينة في الولايات المتحدة بدعم إعلامي مفتوح وضمن البيت الأبيض والمحكمة العليا. ووفق تعبير القاضي لويس برانديس المتحمس للدفاع عن الصهيونية حتى قبل عام 1917 "مثل المفهوم الكلي للصهيونية كدولة يهودية تراكماً مستقبلياً مؤكداً كوسيلة للتعامل مع مشكلة عالمية وليس مجرد التخلص من جماعة متواجدة سلفاً."(156). وكان ذلك منتظراً أي التخلص من الفلسطينيين.

لم يتمكن الصهاينة من الوصول لأي شيء لولا الدعم البريطاني ولولا تهديد البيت الأبيض لوفود الأمم المتحدة الهشة عام 1947 لما تمكنت الجمعية العمومية من تمرير قرار التقسيم. وكان ذلك بعكس ما يفترض بها تمثيله. وقوض اعتراف ترومان لاحقاً بالدولة اليهودية في فلسطين-لأسباب انتخابية-السياسة الخارجية الأمريكية التي حاولت على مدار الأشهر السابقة تأجيل التقسيم وتأسيس لجنة أممية لإدارة فلسطين.

نستخلص من هذا التدوين الجمعي الالتزام الثابت للفلسطينيين رجالاً ونساءً شباناً وشيباً وفلاحين ومثقفين بحقوقهم وقضيتهم. لقد دافعوا عنها وقاتلوا من أجلها وماتوا في سبيلها وسجنوا بسببها كل يوم على مدار قرن من الزمن ولا أظن أنهم سيتخلون عنها في يوم من الأيام.

يمتاز هذا الكتاب بجزئيه بعرض شفيف ونظم محكم وتحليل أريب وتقريض لكل وثيقة. ويضيف إضافة قيمة لمكتبة (وحاسوب) كل مهتم بالمأساة الفلسطينية. وقام بليك ألكوت بعمل رائع عبر سبك هذه الحقائق بأبهى حلة.

مراجعة: الدكتور جيريمي سولت: أستاذ متخصص بالتاريخ الحديث للشرق الأوسط قام بالتدريس في جامعة ملبورن الأسترالية وجامعة البوسفور في اسطنبول وجامعة بلكنت في أنقرة.

ومن كتبه كتاب: تدمير الشرق الأوسط (2008). تاريخ الفوضى الغربية في أرض العرب (دار نشر جامعة كاليفورنيا).

المؤلف:

 بليك ألكوت: اقتصادي وناشط بيئي ويرأس حملة الدولة الديموقراطية الواحدة في فلسطين وهي منظمة بريطانية. يعيش الآن في زيوريخ. سويسرا.

المصدر:

Palestine chronicle


عدد القراء: 869

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-