إرث الإمبراطورية: بريطانيا والصهيونية وتأسيس إسرائيل

نشر بتاريخ: 2023-11-03

ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

 

الكتاب: "إرث الإمبراطورية: بريطانيا والصهيونية وتأسيس إسرائيل"

المؤلف: د. جاردنر تومبسون

الناشر: دار الساقي. لندن.

تاريخ النشر: 28 يناير 2020

اللغة: الإنجليزية

عدد الصفحات: 352 صفحة

يبدو أن الخسارة المؤخرة لحزب العمال البريطاني، في خضم محاولات حثيثة لتشويه سمعة زعيمه جيريمي كوربن وإظهاره بمظهر المعادي للسامية، تجعل ظهور كتاب المؤرخ جاردنر تومبسون "إرث الإمبراطورية" ملائماً تماماً.

لو فاز كوربن فسيصبح أول رئيس وزراء يتنصل من وعد بلفور المشؤوم عام 1917 والذي منح موافقة بريطانيا الاستعمارية على تأسيس "وطن قومي" لليهود في فلسطين.

ولا شك أن تهم معاداة السامية لفقت زوراً لكوربن إذا أخذنا بعين الاعتبار الروابط بين الصهيونية والاستعمارية البريطانية ومعاداة السامية الحقيقية.

يوثق هذا الكتاب كيفية قيام هذا المزيج الغريب من الأيديولوجيات والتعصب بانكار حق الشعب الفلسطيني بتقرير المصير. يغطي تومبسون الفترة الممتدة منذ ولادة الصهيونية في عام 1897 لغاية تأسيس إسرائيل عام 1948 ويصر المؤلف على أن " أصول إسرائيل ربما زرعت في فترة الحرب العالمية الأولى"(1914-1918).

ولكن هل نحتاج كتاباً آخر عن وعد بلفور؟

إليكم المزيد.

-"ظل بلفور: قرن من الدعم البريطاني للصهيونية وإسرائيل" لدافيد كرونين عام 2017 في الذكرى المئوية للوعد.

وشهد العام ذاته إعادة نشر كتاب "فلسطين الحقيقة: القصة الداخلية لوعد بلفور 1017-1938 " ج.م. جيفريس وهو صحفي بريطاني عاصر تلك الأحداث.

وقبل ذلك كتاب "وعد بلفور: أصول الصراع العربي الإسرائيلي" للكاتب جوناثان شنير عام 2010.

ومن خلال التفحص المفصل للفترة ما بين عام 1918 و1948 مع التركيز على سؤالين جوهريين يدرس تومبسون قضية معتبرة لما يسميه "مراجعة تصحيحية جديدة مستنداً إلى الأدلة لما حدث عندما كانت بريطانيا مسؤولة عن فلسطين".

يشير تومبسون إلى أن الحافز الذي دفعه لكتابة هذا الكتاب مناقشة في مجلس اللوردات البريطاني في الذكرى المئوية للوعد والتي تميزت "بنبرة طاغية من الفخر غير المنتقد" للوعد والتجاهل شبه التام للفلسطينيين باستثناء قلة من النقاد.

سمي الوعد نسبة لوزير الخارجية البريطاني اللورد آرثر جيمس بلفور الذي أسهم في صياغته وتطبيقه وأصبح الوعد مثالاً كلاسيكياً لمحاولة قوة استعمارية أوروبية فرض الشروط على مستقبل أرض غير أوروبية بدون استشارة السكان الأصليين الذين يشكلون الغالبية العظمى من السكان.

وانجز ذلك عبر التصديق على مشروع استعماري استيطاني والذي كان في ذلك الوقت مرفوضاً أو متجاهلاً من قبل معظم الناس التي ادعت الحركة الصهيونية أنها تتحدث نيابة عنهم.

أرست معاداة السامية وشكلاً من أشكال عشق السامية، أو التقدير للثقافة اليهودية والتي اختص بها الشعب اليهودي، الأساس لوعد بلفور.

وبصفته رئيساً لوزراء بريطانيا ترأس بلفور تمرير قانون الحلفاء لعام 1905 والذي سعى أساساً لمنع اليهود الهاربين من الاضطهاد في أوروبا الشرقية من دخول بريطانيا.

يكتب تومبسون "كان وعد بلفور علامة فارقة على تعبير "ليس في عقر داري" وهو اختزال يرى الهجرة اليهودية كمشكلة يمكن حلها من خلال إيجاد "وطن قومي" في مكان آخر.

لم تمر الأبعاد المعادية للسامية ضمن الوعد دون ملاحظة في ذلك الوقت وخاصة من قبل الوزير اليهودي الوحيد في الحكومة البريطانية ادوين مونتاجو حيث قال "إن سياسة حكومة جلالته معادية للسامية." حاجج مونتاجو بصخب ضد التوصية الصهيونية بأن الشعب اليهودي يشكل أمة. وحذر من أن هذا المفهوم سيودي إلى ضغط متزايد لطرد اليهود من بريطانيا أو حرمانهم من حق التجنيس.

عبر مونتاجو أيضاً عن الادراك بأن فلسطين كانت وقتها مسكونة بغالبية مسلمة ومسيحية وأدرك أن الوعد سيؤدي إلى طردهم من فلسطين.

يتمحور سرد "إرث الإمبراطورية" حول سؤالين جوهريين:

أولاً سبب أهمية فلسطين للإمبراطورية البريطانية في عام 1917؟

وثانياً لماذا حافظت الاستعمارية البريطانية على وفائها للصهيونية حتى في إطار صحوة المقاومة العربية الموحدة مثل الثورة الأساسية في الثلاثينات.؟

يجيب تومبسون على السؤال الأول بالقول إن الوعد كان "ضرورة في زمن الحرب" و"قصة الصدف والاحتمالات". لم تكن فلسطين في عهد اسكويث رئيس الوزراء البريطاني ما بين1908-1916 "أولوية استراتيجية."

يشكك المؤلف بالسجلات التاريخية التي تقول أن بريطانيا تعاونت مع الصهيونية في عهد اسكويث. برزت أهمية فلسطين بعد صعود دافيد لويد جورج إلى سدة رئاسة الوزراء في شهر كانون الأول من عام 1916 المتزامنة مع الهزائم العسكرية التي هددت بريطانيا بخسارة الحرب.

تركن قضية تومبسون للمصادفات والاحتمالات مع لويد جورج وهو صهيوني مسيحي نال إطراء حاييم وايزمن أحد أبرز القادة في الحركة الصهيونية.

أقنع وايزمن لويد جورج بأن "اليهود في كل من روسيا والولايات المتحدة كانوا مهمين لبلادهم التي لا تزال في الحرب". سيدفع الوعد بأرض ميعاد يهودية باليهود للضغط على قيصر روسيا للبقاء في الحرب ويضمن الانخراط الكامل للولايات المتحدة في تلك الحرب. وبالمختصر باع وايزمن لويد جورج ما كان حقيقة استعارة معادية للسامية بخصوص قوة اليهود الدولية.

يقرر تومبسون أن الدوائر البريطانية الحاكمة خسرت مقابل الموقف الصهيوني على أسس إيديولوجية. إذ قبلت مبدأ أن اليهود يمثلون أمة في المنفى عانت من الاضطهاد في الشتات وبالتالي تستحق العودة إلى فلسطين. ولكن ذلك يتسق تماماً مع الاعتقادات المعادية للسامية بأن التحالف مع الحركة الصهيونية منح بريطانيا تفوقاً استراتيجياً في الحرب بسبب قوة ونفوذ اليهود.

تستحضر العبارات التي استخدمها الزعماء الانجليز في تلك الفترة والتي أوردها تومبسون القومية البيضاء التي تشع من إدارة دونالد ترامب. خذ على سبيل المثال اعتقاد بلفور أن الهجرة اليهودية إلى بريطانيا تمثل "غزواً" وأن اليهود لن يندمجوا قط بالمجتمع البريطاني لأنهم شعبان لا يلتقيان.

يستشهد تومبسون برؤى مماثلة عبر عنها ونستون تشرشل في عام 1920 عندما كتب في هيرالد الأحد المصورة" هددت مؤامرة دولية كبرى لليهود الدوليين بتدمير الحضارة الأوروبية ولكنها انتهت بتبجيل الصهيونية كمثال جديد بسيط وواقعي ومتيسر".

لماذا حافظت بريطانيا على ولاءها المطلق للحركة الصهيونية في أعقاب الحرب العالمية الأولى وبالرغم من المقاومة العربية؟

يجيب تومبسون على هذا السؤال عبر استحضار التغيرات في السياسة البريطانية –من تقرير لجنة بيل الذي اقترح تقسيم فلسطين مروراً بالوثيقة البيضاء عام 1939-والتي وعدت بدولة مستقلة ذات أغلبية عربية.

ولكن في النهاية لم تدين أي من تلك السياسات دور بريطانيا الاستعماري أو تتبنى حق الفلسطينيين بتقرير المصير والذي رفضه بلفور جملة وتفصيلاً. يشعر تومبسون بالفزع لعدم حدوث “تغيرا براجماتياً للسياسة في فلسطين "إذا أخذنا بعين الاعتبار المقاومة التي واجهها الانجليز من الثورات الفلسطينية.

لقد غابت الإمبراطورية البريطانية وأصبحت الشمس تغيب اليوم في الفناء الخلفي للملكة المتحدة. وفي أعقاب الحرب العالمية الثانية اضطرت بريطانيا للتخلي عن إمبراطورتيها والاعتراف –خاصة بعد أن وبختها الولايات المتحدة لدورها في أزمة السويس عام 1956-بأنها لم تعد سوى تابع ثانوي لأمريكا وهو الدور الذي لا تزال تؤديه بكل أمانة وإخلاص.

لا شك أن الاعتذار الذي قد تقدمه حكومة كوربن لو قيض لها الفوز بالحكم قد أصبح بعيد المنال. ولكن ثمة بارقة أمل بأن الولايات المتحدة وبريطانيا ستنهيان في يوم من الأيام دورهما غير الرسمي كمغتصبين لفلسطين.

المؤلف:

د. جاردنر تومبسون: أستاذ التاريخ في كلية دولويتش البريطانية. حائز على شهادة الدكتوراه حول الحكم البريطاني الاستعماري لأوغندا من جامعة لندن.

من مؤلفاته الأخرى:

-حكم أوغندا: الحكم البريطاني الاستعماري وموروثه.

-الديموقراطية الأفريقية: أصولها وتطورها في أوغندا وكينيا وتنزانيا.

-تاريخ نقدي لروديسيا الجنوبية.

المصدر:

The Electronic Intifada


عدد القراء: 814

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-