خريطة أمريكا الجديدة
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو
الكتاب: " خريطة أمريكا الجديدة"
المؤلف: الدكتور توماس بارنيت
الناشر: BenBella Books
تاريخ النشر: 26 سبتمبر 2023
اللغة: الإنجليزية
عدد الصفحات: 256 صفحة
أثار توماس بارنيت الكثير من الاهتمام على المسرح السياسي عام 2005 عندما نشر كتاب "خريطة البنتاغون الجديدة" حيث حظي الكتاب بالكثير من النقاش والمتابعة لمفهوم "الفجوة غير المدمجة"، وهي المنطقة من العالم الواقعة على امتداد خط الاستواء، والتي غابت عن عولمة الاقتصاد العالمي. ولدّت تلك المنطقة في ذلك الوقت معظم أعمال التمرد والإرهاب والصراعات المنخفضة الحدة.
عاد بارنيت اليوم لتحديث لتلك النظريات مفترضاً أن تلك المنطقة ستبقى مضطربة ولكن التغير المناخي في هذه المرة سيقود ذلك الاضطراب.
وزاوج تلك الفرضية مع تحليله لتغيرات مستقبلية مفصلية في الديموغرافيات العالمية ليرسم صورة جديدة لما يجب أن تقوم الولايات المتحدة بتغييره في سياستها الخارجية والداخلية كي تساهم بل وتزدهر في البيئة الاقتصادية والأمنية العالمية المستجدة.
يتفحص بارنيت سبعة محاور أو ما يطلق عليه مسمى "الخطوط العريضة" لشرح فرضيته حول تلك التأثيرات وطريقة عملها لتوليد تحولات جذرية في بنى القوى العالمية حيث تُجبر الولايات المتحدة على المنافسة مع الصين المتحفزة، ولكن الأقل سكاناً، على الأسواق والنفوذ في تلك المنطقة غير المستقرة.
ركزت فرضياته السابقة على المنطقة المضطربة المتمركزة حول خط الاستواء وما حدث هناك بسبب العنف القبلي والديني والعرقي والذي حل محله اليوم مفهوم "لاجئو البيئة" الذي خلق دولاً فاشلة انتجت بدورها هجرة عريضة نحو النصف الشمالي من الكرة الأرضية حيث سيجعل التغير المناخي المناطق القريبة من القطب الشمالية، والتي لم تصلح سابقاً للعيش، أكثر ملائمة للاستقرار والاستثمار الاقتصادي.
ويقول: سيمثل هؤلاء اللاجئين زيادة كبيرة في الطبقة الوسطى العالمية لو سمح لهم بدخول الولايات المتحدة وكندا لمليء تلك المناطق الشاغرة وتوفير مصدر جديد من السكان لرفد تلك المجتمعات المسنة.
ولكن ما لم يوضحه هو كيفية دمج تلك الملايين من اللاجئين اجتماعياً واقتصادياً. وبينما يعرض بارنيت مقولات كبرى بأن هذه الموجة من الهجرة نحو الشمال، والتي لا يمكن إيقافها، يجب أن تحظى بالترحيب ولكنه لا يبحث التحديات المهولة لإدماج ملايين اللاجئين في تلك الاقتصادات والتي لا تزال تتعافى من الآثار الاقتصادية للوباء العالمي.
ولكن بارنيت يصيب كبد الحقيقة عندما يقول إن “سياسة الطفل الواحد" في الصين قد آتت أكلها وستحدث أثراً مبرماً على النمو الاقتصادي الصيني المذهل. إن نهضة الهند السريعة وعدد سكانها الذي سيتجاوز قريباً عدد سكان الصين، والزيادات السريعة بالاستثمار الأجنبي والحضور المؤكد على المسرح العالمي سيتحدى بلا ريب الصين في مناطق المحيط الهندي ووسط آسيا. سيحدث الأثر الأكبر على التراجع الصيني على الحزب الشيوعي الحاكم بسبب الضغوطات الاجتماعية لسكان يشيبون وحيث يدعم عدد أقل من العمال عدداً متزايداً من المتقاعدين مما يثير المخاوف وحيث يرى الزعيم الصيني نافذة توشك على الاغلاق بسرعة لإنجاز الهدف الأهم لسياسته الخارجية أي إعادة تايوان.
تمنح الأقسام التي يتحدث فيها باريت عن الرؤى التنافسية للولايات المتحدة والصين أفضلية صينية مهمة بسب النهج المنظم الصبور لاستخدامها ما يدعى "مبادرة الحزام والطريق" لتأسيس امبراطوريات اقتصادية فعلية في منطقة الفجوة تلك وخاصة في أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
ولكن الإدراك المتصاعد بأن الصين تقوم بإعادة بناء نظام امبريالي مبني على الرشوة والفساد بين المسؤولين الحكوميين واستخدام الدين السيادي كسلاح للسياسة الخارجية لن يمنحها فرصة لكسب أي حلفاء حقيقين في المستقبل.
يقول بارنيت في نهاية الكتاب "لم أرغب بتقديم أي خطة مفصلة لتنفيذ الاستراتيجية الكبرى التي قدمتها هنا." وللأسف فإن فرضياته شديدة الاتساع والصعوبة بحيث يفرض تطبيقيها ضمن المناخ السياسي الراهن تحديات كبرى.
فاقم الإغلاق الشامل، بسبب وباء كوفيد في الولايات المتحدة والعالم، الأثار المستديمة على سلاسل التوريد العالمية وخلف الانطباع بين ملايين الأمريكيين أن العولمة لم تحقق الوعود الكبرى التي بشرت بها في الثمانينيات والتسعينيات. وإذا رافقنا أزمة اللجوء الراهنة، والتي لا يظهر علائم على انحسارها أو حتى الاعتراف بها في العديد من الدوائر السياسية، يصعب رؤية مدى تقبل أي حزب أو حركة سياسية استراتيجيته الكبرى لخلق نمط أمريكي على غرار الاتحاد الأوروبي.
ربما تصبح هذه الخريطة الجديدة حقيقة تدريجية مع مفاقمة التغير المناخي لظروف الإرهاب والحروب العلمانية والقبلية والجريمة الدولية. وسنرى مصداقية الرغبة السياسية لأوروبا وكندا والولايات المتحدة باستيعاب ملايين من "لاجئي المناخ" اقتصادياً وثقافياً ومدى تحققها على أرض الواقع. عرض باريت أفكاراً عظيمة في هذا المجلد ولكن الشيطان يكمن في تفاصيل تطبيق تلك الاستراتيجية الجديدة الكاسحة وتوصياتها والتي لا يقدم منها سوى النزر اليسير.
المؤلف:
د. توماس باريت. باحث عسكري وجيواستراتيجي. حائز على شهادة الدكتوراه من جامعة هارفرد. عمل أستاذاً في جامعة تنسي.
من مؤلفاته:
-خريطة البنتاجون الجديدة (2004)
-مخطط العمل: مستقبل جدير بالتحقيق (2005)
-خريطة أمريكا الجديدة (2023)
-السياسات الرومانية والألمانية الشرقية في العالم الثالث (1992)
-القوى العظمى: أمريكا والعالم بعد بوش (2009)
المصدر:
تغريد
اكتب تعليقك