الهجرة: آلية العمل الحقيقية

نشر بتاريخ: 2023-11-18

ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

مراجعة: دانييل تريلينج

الكتاب: "الهجرة: آلية العمل الحقيقية"

المؤلف: د. هاين دو هاس

الناشر: Penguin Books، بريطانيا

تاريخ النشر: 2023

اللغة: الإنجليزية

عدد الصفحات: 464 صفحة

سأبدأ مراجعتي لهذا الكتاب بهذا السؤال: كيف تعاملت الحكومة البريطانية منذ الانتخابات الأخيرة مع قضية الهجرة بقسوة أم بلطف؟

قد تعتمد الإجابة على ميولك السياسية ولكن الحقيقة لا تزال أكثر تعقيداً. إذ وضعت حكومة جونسون وسوناك نهاية للتنقل الحر ضمن الاتحاد الأوروبي ووعدت بترحيل طالبي اللجوء غير المرحب بهم إلى رواندا. ومن ناحية أخرى فإن صافي الهجرة-أي الفرق بين عدد الأفراد القادمين للعيش في المملكة المتحدة والأفراد المغادرين قد وصل إلى رقم قياسي يزيد عن 600000 شخص في العام المنصرم.

ووفق ميولك السياسية قد يبدو ذلك أشبه بنفاق تقليدي محافظ بينما يقول عالم الهجرة المميز الدكتور هاين دو هاس إنه تناقض يسري بين الحكومات عبر الغرب بغض النظر عمن يتولى زمام السلطة. ومنذ الحرب العالمية الثانية ووفق دراسة بيانات كبرى من 45 دولة أجراها هاس ورفقاؤه تنحو سياسات الهجرة للتحول إلى سياسات يغلب عليها الطابع الليبرالي. وفي الوقت ذاته ارتفعت دفاعات الحدود على هيئة الجدران العازلة والمراقبة والحملات ضد تهريب البشر إلى حد كبير. مثلاً ارتفعت ميزانية وكالة الحدود في الاتحاد الأوروبي في الفترة ما بين 2012 و2022 من 85 مليون يورو إلى 754 مليون يورو.

وتنبع المفارقة، وفق هاس، من التزام الحكومات الغربية بأشكال الليبرالية الاقتصادية ولكنها تحاول في الوقت ذاته الموازنة باستمرار بين ثلاثة مطالب متنافسة فيما بينها. الأول هو البقاء منفتحة على الأسواق العالمية والتي تتطلب درجة من الهجرة لسد النقص في المهارات المحلية. والثاني حماية حقوق المهاجرين القادمين للعمل والدراسة والاستقرار. والثالث احترام رغبة المواطنين الراغبين بالحد من الهجرة وحتى تخفيضها.

وتكمن المشكلة في استحالة تطبيق أكثر من مطلبين في آن معاً. فإذا قمنا بالحد من حق الأفراد بالعمل والاستقرار فإننا سنحدث اضطرابا في سلاسة أداء الاقتصاد. (خذ مثلاً مشكلة نقص عدد سائقي الشاحنات في بريطانيا لنقل السلع في عيد الميلاد قبل عامين.) بينما يُنظر إلى فتح الحدود من ناحية أخرى على أنه انتحاراً سياسياً.

لذلك تلجأ الحكومات غالباً إلى القيام عوضاً عن ذلك بحملات رمزية-والتي تكون مؤذية وعقيمة-إزاء بعض أشكال الهجرة. أو كما يصفها الدكتور هاس: "أفعال فجة من الاستعراض السياسي والتي تخفي ورائها الطبيعة الحقيقية لسياسات الهجرة."

ويكاد أن يكون هذا النهج متسقاً بين شتى الحكومات اليمينية منها واليسارية ولكنها أحدثت جدلاً سياسياً مسموماً حيث ينقسم المشاركين فيه إلى معسكر "مؤيدين" أو معسكر "معارضين" للهجرة والذي يحول بيننا وبين رؤية الهجرة على حقيقتها.

يستند هاس إلى سنوات عديدة من الخبرة كعالم اجتماع وجغرافيا والذي تولى مناصب مرموقة في جامعة أوكسفورد وامستردام مما يجعل هذا الكتاب تصحيحاً حاسماً لهذا التشوه ويسعى لمنح القارئ أدوات لنقاش أكثر معرفية في المستقبل.

يهدف هاس لاستقراء الهجرة كظاهرة عالمية وليس من منظور الدول الغربية التي تستقبل المهاجرين من دول أخرى. وبالرغم من الصورة التي تنشرها وسائل الإعلام والقائلة بأننا نعيش في عصر غير مسبوق من الهجرة، حيث تقوم جموع الفقراء في العالم بالتوجه لاقتحام الغرب، ولكن ذلك ليس واقعياً. إذ بقيت مستويات الهجرة العالمية مستقرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ويشكل المهاجرون الدوليون حوالي 3% من سكان العالم.

يشكل اللاجئون نسبة ضئيلة تقارب 0.3% ويقترح هاس أن تلك النسبة الضئيلة ستدفع بمناصري اللجوء للتفكير ملياً حول ادعاءات "أزمة اللجوء العالمية".

كانت الهجرة في الماضي وسيلة الأوروبيين لبلوغ العالم الجديد وطريقة الامبراطوريات الأوروبية القديمة لنقل العمال الملزمين بالعمل من مستعمرة إلى أخرى ولكن وجهة السفر تغيرت اليوم. ينتقل معظم الأفراد باتجاه الغرب من عديد من الدول أكثر من أي وقت مضى. يعترف هاس بأنه تحول ولكنه ليس تحولاً خارجاً عن السيطرة أو لم يسبق له مثيل. (في الولايات المتحدة على سبيل المثال تبلغ نسبة المهاجرين حوالي 14% من السكان وهي نفس النسبة قبل قرن من الزمان). لا يغادر الأشد فقراً البلاد: وعموماً تنتج الهجرة من التنمية الاقتصادية حيث يكتسب السكان التعليم والوسائل اللازمة للانتقال بحثاً عن العمل.

وثمة مكون آخر في نقاش هاس إذ يدعونا إلى التوقف عن التفكير بالهجرة بمعايير التكاليف والارباح. بالطبع تساعد الهجرة في جسر الهوة المتمثلة بنقص العمالة ولكنها ذات تأثير ضئيل على أسواق العمل وتذهب الأرباح غالباً إلى أصحاب العمل. تساعد التحويلات على تحسين أوضاع الجماعات المتبقية في أرض الوطن ولكن عوائدها تتساوى مع خسارة الأفراد المغادرين في المقام الأول. وبالطبع يقترح هاس أنه من المفيد التفكير بالهجرة كحقيقة من حقائق الحياة. وبالتالي فإن التساؤلات الاجتماعية والسياسية التي ترفعها مثل حق العمل أو الأولويات الاقتصادية أو الهوية الوطنية تهمنا جميعاً. ووفق تعبيره:" فإن أي نقاش حقيقي حول الهجرة سيكون لا محالة نقاشاً حول نوع المجتمع الذي نرغب بالعيش في كنفه."

المؤلف:

الدكتور هاين دو هاس: عالم اجتماع وجغرافي هولندي. عاش وعمل في هولندا والمغرب وبريطانيا. يعمل أستاذاً لعلم الاجتماع في جامعة أمستردام. عضو في معهد الهجرة الدولي في جامعة أوكسفورد. ركزت أبحاثه على العلاقة بين الهجرة والتحول والتنمية الاجتماعية في بلدان المنشأ وبلدان الهجرة. إضافة إلى عمله أستاذاً للهجرة والتنمية في جامعة ماسترخت.

من مؤلفاته:

-عصر الهجرة: تنقل السكان دولياً في العالم الحديث (2020).

-أسطورة الغزو (2008)

-الديناميكيات الداخلية لسياسات الهجرة (2010)

-جدوى سياسات الهجرة (2013)

-تأثير التأشيرات على عمليات الهجرة (2017)

-الهجرة الدولية (2005)

-الهجرة والتنمية (2010)

-عولمة الهجرة (2014)

-الهجرة البشرية: الأساطير والهستيريا والحقائق (2014)

 

المصدر:

The guardian


عدد القراء: 892

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-