الحركة الصهيونية خلال الهولوكوست.. تسليح الذاكرة لخدمة الدولة والأمة
ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو
مراجعة: ازا وينستانلي
الكتاب: "الحركة الصهيونية خلال الهولوكوست.. تسليح الذاكرة لخدمة الدولة والأمة"
المؤلف: توني جرينستين
الناشر: المؤلف، توني جرينستين Tony Greenstein
تاريخ النشر: 2022
اللغة: الإنجليزية
عدد الصفحات: 546 صفحة
يفتتح توني جرينستين كتابه الجديد بملاحظة شخصية: "خامرتني الشكوك بالحركة الصهيونية منذ نعومة أظفاري".
وجرينستين هذا، هو ابن حاخام يهودي أرثودوكسي، ناشط متضامن مع القضية الفلسطينية ويكن للحركة الصهيونية عداء لا يفتر ولا يهين.
يشرح جرينستين كيف آل به الحال لرفض الأيديولوجية التي تأسست عليها إسرائيل. "أجد صعوبة في مساواة الماركسية وهي الأيديولوجية السياسية العالمية التي تؤمن بوحدة الطبقة العاملة والمضطهدة بالصهيونية تلك الأيديولوجية الاقصائية".
شارك في مناظرة مدرسية ولعب دور "نصير الشيطان وأثناء تلك العملية أصبح على قناعة برفض الصهيونية" ولم يندم على ذلك القرار قط.
تعززت شكوكه الأولية بعد إدراكه أن زعماء الصهيونية الأمريكان قد اعترضوا على دخول اللاجئين اليهود القادمين لأمريكا من أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية. وكان ذلك بداية لمشروع مدى الحياة: البحث عن تعاون الحركة الصهيونية مع الفاشية.
كتب جرينستين عن هذا الموضوع على مدار سنوات عديدة في مدونته القيمة والضخمة ويساهم دورياً في موقع الانتفاضة الالكترونية.
يتحدث بإسهاب عن الوضع المزرى لدور النشر البريطانية مما دفعه إلى نشر الكتاب بنفسه. وسبقه في الثمانينيات كتاب ليني برينر الذي يتحدث عن نفس الموضوع بعنوان "الصهيونية في عصر الطغاة" والذي نشره الناشر الأسكتلندي المتنور كريستوفر هيلم.
ولذلك يكسر هذا الكتاب "الحركة الصهيونية خلال الهولوكوست "حاجز الصمت الطويل في عالم النشر. ويشير جرينستين في هذا الكتاب إلى كتاب برينر وينتقده في بعض الأحيان.
يقوم جرينستين بتحديث وضع الحكاية ويوفر منظوراً أكثر شمولية من منظور برينر كما يضيف فصلاً مميزاً لتاريخ التوافق العقائدي الصهيوني مع الفاشية الأوروبية.
ويشرح كيف "استشهدت الزعامة النازية بالمصادر الصهيونية لتصديق ادعائها بأن اليهود لا يمكنهم الاندماج" ويستشهد بقول المؤرخ الإسرائيلي ادوين بلاك "لم يكن من السهل على اليهود الألمان تفنيد الادعاءات النازية عندما تقوم مجموعة من بني جلدتنا بنشر إدانات متطابقة... أصبحت الصهيونية أداة بيد المعادين للسامية."
يتحدث جرينستين عن حوادث معروفة مثل اتفاقية الهافارا –وهي اتفاقية بين الصهاينة وألمانيا النازية لنقل اليهود الألمان إلى فلسطين – وخيانة ريزسو كاسزيتنر وهو أحد الزعماء الصهيونيين الهنغاريين.
قام كاسزيتنر بتسليم الجالية اليهودية الهنغارية البالغ عددها نصف مليون شخص لمعسكرات الموت النازية مقابل المرور الأمن لنفسه ومجموعة صغيرة من النبلاء اليهود الذين سُمح لهم بالاستيطان في فلسطين (وهي قضية تحدثت عنها بإسهاب في موضع آخر.)
ويتألق كتاب جرينستين عندما يتحدث في أحد الفصول عن رودولف فيربا وبروتوكولات أوشويتز.
دخلت بروتوكولات أوشويتز كأدلة لاحقاً في محاكمات نورمبيرج وكانت أول إفادة لشهود عيان من داخل أسوأ معسكر حرق نازي. وكانت شهادة كل من رودولف فيربا وألفريد ويتزلر المعتقلان اليهوديان الذين تمكنا من الهرب في نيسان من عام 1944.
حاول فيربا وويتزلر تحذير يهود هنغاريا من "التجهيزات القائمة على قدم وساق للتخلص من أخر جالية يهودية متبقية في القسم الأوروبي الواقع تحت الاحتلال النازي." وهذا دليل دامغ على أن المعسكرات لم تكن مجرد معسكرات تجميع تستخدم العمالة المستعبدة ولكنها كانت تقوم بالقتل المنظم لملايين الأفراد.
ولسوء حظ يهود هنغاريا أن كان زعيمهم في ذلك الوقت ريزسو كاسزيتنر الذي تحالف في السر مع النازيين. وبعد عدة سنوات أصبح كاسزيتنر مسؤولاً حكومياً رفيع المستوى ومرشحاً برلمانياً للحزب الإسرائيلي الحاكم ماباي ولكنه واجه في النهاية ما يمكن تسميته محاكمة للرأي العام في قضية تشهير.
دأب كاسزيتنر على الدفاع عن نفسه بالقول إنه كان يقوم بواجبه لصالح الحركة الصهيونية ووفق تعليماتهم وثبت لاحقاً صدقية ذلك الادعاء.
تنامى الغضب الشعبي في إسرائيل بين الناجين من الهولوكوست مما دعا حزب ماباي إلى تنحية كاسزيتنر عن قائمة المرشحين في الانتخابات المقبلة وطالب البعض بإعدامه بتهمة الخيانة.
تنفست حكومة ماباي الصعداء عندما قام أحد أعضاء الشرطة السرية لشين بت بقتله قبل أن يخضع للعدالة.
لم يكن النظام راغباً وقادراً على تجريم نفسه.
غطى كتاب برينر هذه الحقبة التاريخية الدنيئة بشكل مستفيض. ولكن انتقاد جرينستين الأساسي للكاتب الأمريكي أنه لم يأخذ بعين الاعتبار بروتوكولات أوشويتز وإخفاء كاسزيتنر لها.
ويعني ذلك تسليم كاسزيتنر وأزلامه ليهود هنغاريا إلى معسكرات الاعتقال ليواجهوا مصيرهم المحتوم. ويستطرد جرينستين بالشرح: "وصل كاسزيتنر إلى سلوفاكيا في نهاية شهر نيسان/أبريل من عام 1944 وتسلم نسخة من شهادات الهاربين من أوشويتز ولكنه قام بقمعهم.
لقد علم بالضبط ما الذي يفعله النازيين في معسكرات الاعتقال ولكنه قام متعمداً بالتغطية على المذبحة من أجل حماية مفاوضاته مع الزعيم النازي ادولف ايخمان. سمحت تلك المفاوضات لكاسزيتنر وعائلته وثلة من النبلاء اليهود بمغادرة البلاد بأمان. ونتيجة لتلك الصفقة أرسل معظم يهود هنغاريا لمعسكرات الموت.
استقلوا القطارات وفق نصيحة كاسزيتنر ولكنهم خدعوا من قبل زعمائهم وتعرضوا للقتل.
ويضيف جرينستين "طُمست البروتوكولات من التأريخ الصهيوني ونشرت مذكرات فيربا في عام 1963 بمعظم اللغات باستثناء اللغة العبرية".
وفي فصل مميز آخر يتحدث جرينستين عما يسميه "العرقلة الصهيونية للنجدة".
مع بوادر الهولوكوست لم تبدي الزعامة الصهيونية (في فلسطين والخارج) أي رد فعل إزاء الجهود الرامية لإنقاذ يهود أوروبا من الحتف النازي الآزف وواجهتها بالازدراء.
والأسوأ من ذلك معارضة الصهاينة لتلك الجهود. ويقارن جرينستين بعض التعليقات المرعبة للزعماء الصهاينة المعاصرين.
إذ يقول أحدهم "هل سنخلط مرة ثانية بين الصهيونية واللجوء الذي سيهزمها؟..... الصهيونية ليست حركة لجوء". ويقلق آخر "من أن الشتات اليهودي سيقوض الدولة اليهودية لأن سرعة النجدة قد تؤدي بالعالم إلى القبول بحل مؤقت. يجب أن نركز بشدة على الأيديولوجية الصهيونية المتطرفة".
خشي دافيد بن غوريون (الذي أصبح أول رئيس وزراء إسرائيلي) في عام 1938 من أن الخُلق اليهودي سيؤدي إلى انقاذ اللاجئين الأوروبيين اليهود وإيوائهم في دول غير مستوطنته الاستعمارية الناشئة في فلسطين:" إذا خير اليهود بين انقاذهم من معسكرات الاعتقال وبين المساعدة للذهاب إلى فلسطين فإن الشعور اليهودي بالشفقة سيطغى وبالتالي ستندحر الصهيونية من القائمة".
برزت الحاجة للقيام بشيء ما للحيلولة دون حدوث تلك الكارثة. وبالتالي حدث شيء ما. استعرض الدبلوماسيين الصهاينة ومناصريهم عضلاتهم. ضغط حاييم وايزمن زعيم المنظمة الصهيونية (ولاحقاً أول رئيس لإسرائيل) على وزير المستعمرات البريطاني السير مالكوم مكدونالد لرفض دخول الأطفال الألمان اليهود الهاربين من الاضطهاد النازي في ضوء برامج كريستالناخت.
وكتب مكدونالد لاحقاً "صعقني توجه وايزمن الذي أصر على نقل الأطفال إلى فلسطين وكان يصر فلسطين ويرفض أي مكان آخر."
ولحسن الحظ لم تكن لجنة اليهود البريطانيين قد وقعت تحت سيطرة الصهاينة بعد. "ولو وقعت لأصبح أطفال كندرترانسبورت مجرد إحصائية مريعة".
وفي الوقت ذاته احتل نشطاء الصهاينة في الولايات المتحدة مكاتب المجموعة اليهودية غير الصهيونية التي قامت بتجميع طرود الطعام لمساعدة اليهود المتضورين جوعاً في حواري بولندا.
يصعب استيعاب الكثير من تلك الحوادث المرعبة مما يجعل مطالعة الكتاب أمراً مؤرقاً.
يكمن ضعف هذا الكتاب في عجز جرينستين عن العثور على ناشر وبالتالي محرر مخلص يختزل شيئاً من صفحاته التي جاوزت 500 صفحة والتي شابها بعض التكرار الممل.
المؤلف:
توني جرينستين: ناشط بريطاني يساري ومعاد للفاشية وأسس حملة التضامن مع فلسطين ووقف في البرلمان البريطاني ممثلاً لتحالف الاشتراكية الخضراء. طرد من حزب العمال البريطاني بتهمة معاداة السامية.
المصدر
تغريد
اكتب تعليقك