دولة الإرهاب: كيف قام الإرهاب بتأسيس إسرائيل الحديثة

نشر بتاريخ: 2023-11-20

ترجمة: إبراهيم عبدالله العلو

مراجعة: رود سوتش

الكتاب: "دولة الإرهاب: كيف قام الإرهاب بتأسيس إسرائيل الحديثة"

المؤلف: توماس سواريز

الناشر: مطبعة غصن الزيتون

تاريخ النشر: 2016

اللغة: الإنجليزية

عدد الصفحات: 288 صفحة

تسعى كتب الدعاية الإسرائيلية لإعادة تصوير الكفاح الفلسطيني كسؤال يتمحور حول الإرهاب وليس الأرض. ولكن بعض وسائل الاعلام المخلصة وقفت سداً منيعاً أمام هذا المجهود لتصوير الفلسطينيين كإرهابيين وأحدثت مقداراً من الوعي بين بعض الديموغرافيات.

ولكن كيف نشأ الإرهاب في فلسطين وما هي تداعياته من الناحية التاريخية والمعاصرة؟

يلقي توماس سواريز إضاءة جديدة على تلك الأسئلة في كتابه: "دولة الإرهاب" ويقوم بذلك عبر تمحيص بعض الوثائق السرية المهملة والتي رفعت عنها السرية من الأرشيف البريطاني القومي الذي يغطي فترة الانتداب البريطاني على فلسطين ما بين عام 1920 و1948.

تتلخص فرضية سواريز الأساسية بأن الإرهاب الصهيوني "قام بتشكيل مسار الاحداث خلال الانتداب وإن إرهاب الدولة الإسرائيلي لا يزال يشكل مسار الاحداث حتى الآن".

يحذر المؤلف بأنه يدين بلا تحفظ الإرهاب الفلسطيني ضد المدنيين ويعترف بأن بعض تلك الأفعال قد دُفعت نحو معايير وحدود متطرفة بسبب عدم تكافؤ القوة وكرد فعل على محاولات إخضاع الشعب الفلسطيني ونهب موارده وأرضه ومقدراته.

استهدف الإرهاب الصهيوني منع الفلسطينيين العرب من ممارسة حقهم بتقرير المصير ويرى سواريز أن تعرض المعتدي للمقاومة لا يمكن تفسيره بدفاع عن النفس كمبرر لأعمال العنف التي يرتكبها وإلا "يمكن تصنيف كافة أشكال العدوان كمبرر ذاتي".

لا يعتبر سواريز مؤرخاً محترفاً ولكن كتابه "دولة الإرهاب" حظي بالإطراء من شخصيات عديدة مثل المؤرخ الإسرائيلي ايلان بابيه الذي اعتبره عملاً بطولياً و"أول تحليل شامل وبنيوي" للعنف الذي استخدمته الحركة الصهيونية قبل وبعد تأسيس إسرائيل. وبالفعل تثير معرفة سواريز وسعة إدراكه الاعجاب ويضم الكتاب ما يقرب من 700 ملاحظة تستند بشكل رئيسي إلى مصادر أصيلة.

يمكن وصف الكتاب بأنه تأمل متعمق لأغوار التاريخ. ويبدو ذلك جلياً على الخصوص في الفصول الافتتاحية التي تغطي الفترة المفضية إلى الانتداب البريطاني وإصدار وعد بلفور عام 1917 الذي تعهدت فيه بريطانيا "بوطن قومي" لليهود في فلسطين.

يقدم سواريز تحليلاً دقيقاً لجذور الايدولوجية الصهيونية ويظهر دوافعها العرقية ونزعاتها الاستعمارية نحو العرب ومحاولاتها تطبيق السيطرة السياسية والدينية والثقافية على الشعب اليهودي. وبمعنى ما يفضح سواريز الصهيونية السياسية كشكل من أشكال معاداة السامية ونوعاً من الحكم الاستبدادي.

تأخذ المعاملة السيئة لليهود من قبل الصهاينة حيزاً مهماً يسري عبر سرد سواريز. حاول أوائل الزعماء الصهاينة تصوير اليهود "كعرق" و"قومية" بدلاً من أفراد لهم هوية عرقية وإيمانية. وأصر زعماء الصهاينة من أمثال دافيد بن جوريون على "إلزامية استقرار اليهود في فلسطين".

 يذكر سواريز أحد المعارضين الأوائل للصهيونية وهو المؤرخ والصحفي البريطاني اليهودي لوسيان وولف الذي أدان الصهيونية واعتبرها" استسلام شامل لافتراءات معاداة السامية" والتي ستؤدي إلى تراجع كفاح اليهود الساعين إلى المساواة في بلدانهم العديدة.

ويلاحظ وولف في تأييد لهذا الادعاء أن آرثر جيمس بلفور الذي كان وزيراً للخارجية البريطانية في زمن الإعلان الذي يحمل اسمه دفع للوعد بـ "وطن قومي" لليهود عبر معاداة السامية التقليدية: إذ حاول عام 1905 عندما كان رئيساً لوزراء بريطانيا منع اللاجئين اليهود الهاربين من مذابح روسيا القيصرية من الهجرة إلى بريطانيا معتبراً إياهم "شراً لا شك فيه".

ويضيف سواريز ملاحظة في غاية الأهمية عندما يقول "إن معظم ضحايا" الاغتيالات المنظمة التي اقترفتها الميلشيات الصهيونية في فلسطين إبان الانتداب البريطاني كانوا من اليهود لأن الميلشيات اعتبرت الجنود افراد الشرطة من البريطانيين اليهود خونة. وبقيت تلك الحالة حتى فترة الحرب العالمية الثانية عندما كانت بريطانيا في صراع بين الحياة والموت مع المانيا النازية.

يؤكد الكتاب أن معظم الأعمال الإرهابية استهدفت الفلسطينيين المدنيين العرب. انخرط كل من الجناح العمالي والاصلاحي من الحركة الصهيونية بأعمال الإرهاب وتعاونا فيما بينهما لتنفيذ تلك الهجمات الإرهابية والتي تصاعدت في أعقاب الحرب العالمية الثانية وبلغت ذروتها في الهجوم الشهير على فندق الملك داوود في القدس في تموز من عام 1946 والذي أدى إلى مقتل 41 فلسطيني عربي و28 بريطانياً و17 يهودياً وأمريكيين وروسي ومصري.

ويصر سواريز على أن خطة الأمم المتحدة لتقسيم فلسطين عام 1947 كانت استسلاماً لهذا الإرهاب. ويختلف في هذا الاستنتاج عن غيره من المؤرخين بما فيهم توم سيجيف الذي يقول في كتابه "فلسطين واحدة موحدة: اليهود والعرب تحت الانتداب البريطاني (1999) أن الإمبراطورية البريطانية المنهكة والمفلسة كانت تعتزم مغادرة فلسطين بغض النظر عن الإرهاب الصهيوني.

وفي تقدير سيجيف أن الانسحاب البريطاني كان نهاية محتومة وأن إرهاب الميليشيات الصهيونية من الطرفين مثل منافسة فيما بينهم "للسيطرة على الدولة التي ستنشأ حديثاً".

ويضيف "لم يكن البريطانيين هم الأعداء بل العرب".

وتظهر الاعتداءات الإرهابية العديدة ضد المدنيين الفلسطينيين خلال النكبة عامي 1947-1948، مثل مذبحة دير ياسين، بشكل جلي في الفصول الأخيرة من كتاب سواريز. تحول الإرهاب الميليشياوي مع إيجاد إسرائيل عام 1948 إلى إرهاب الدولة المنظم والرسمي.

يستحضر سواريز لغة أورويل المواربة بأن الدولة تتداول بشأن الأعمال الإرهابية عبر مقارنة رد فعل الرأي العام العالمي على مذبحة دير ياسين في نيسان عام 1948 مع القتل العنيف الأكثر دموية الذي حصل في قرية الدوايمة في تشرين الأول من عام 1948 بعد إعلان إسرائيل عن تأسيس دولتها.

راح ضحية تلك المجزرة وفقاً لمختار القرية 145 فرداً واعتبرت "عملية عسكرية" في ذلك الوقت وفق سواريز رغم اعتبار الكثير من المفكرين مؤخراً أنها شاهداً من شواهد إرهاب الدولة.

يخصص سواريز حيزاً مهماً للجهود الصهيونية الرامية لإحباط جهود الناجين من الهولوكوست الراغبين بالهجرة إلى دول أخرى غير فلسطين وخطف الناجين الشباب من اليهود من منازل الرعاية في أوروبا ونقلهم إلى فلسطين. ويعتمد في ذلك على كتاب يوسف جرودزينسكي الشهير "في ظلال الهولوكوست: الصراع بين اليهود والصهاينة في أعقاب الحرب العالمية الثانية"(2004).

يستحضر سواريز أيضاً إرهاب العلَم الزائف في مصر والذي صمم خصيصاً لكسب تأييد الولايات المتحدة لإسرائيل. ومن أشهر تلك الحوادث التي كادت أن تنسى قيام الوحدة الإسرائيلية 131 بتفجيرات إرهابية ضد الأهداف المدنية في الإسكندرية والقاهرة حيث استهدفت دور السينما التي يرتادها أغلبية من المواطنين الأمريكيين والبريطانيين والتي كشفت عنها نشرة وكالة الاستخبارات الأمريكية عام 2005 واعتبرتها عملية مقنعة وفاشلة.

كما يشير إلى اللوم المخزي للناجين من الهولوكوست والذي صبه المسؤولين الصهاينة والإسرائيليين على أفعال العقاب الجماعي التي قامت بها سراً القوات العسكرية الإسرائيلية مثل مذبحة قرية قبية في الضفة الغربية عام 1953 والتي نفذتها الوحدة 101 بقيادة اريل شارون.

يعتبر كتاب "دولة الإرهاب" دليلاً شاملاً لإرهاب الصهيونية ودولة إسرائيل ويلقي الضوء على الأحداث الراهنة اليوم.

وكما يستنتج سواريز" يعتبر الإرهاب الوسيلة الوحيدة التي يمكن من خلالها إخضاع وإذلال وتهجير السكان الأصليين. وهذه هي الحقيقة المجردة للصراع الإسرائيلي الفلسطيني اليوم."

المؤلف:

توماس سواريز. مؤرخ وباحث بريطاني. من مؤلفاته:

- كتابات على الجدار: تواريخ فلسطين الشفاهية. (2019)

- اختطاف فلسطين (2022).

- فلسطين: بعد 60 سنة. (2010).

- دولة الإرهاب (2016).

 

المصدر:

Electronic intifada


عدد القراء: 915

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-