قتال المرور.. فجر عصر السيارات في المدينة الأمريكية
المحرر الثقافي:
الكتاب: "قتال المرور.. فجر عصر السيارات في المدينة الأمريكية"
المؤلف: بيتر دي نورتون
الناشر: دار "ميت برس" للنشر التابعة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا الأمريكي
تاريخ النشر: 21 يناير 2011
اللغة: الإنجليزية
عدد الصفحات: 396 صفحة
يستهلّ نورتون عرضه لكتابه بالقول إن الشائع اليوم هو اعتبار السيارات تمثل الحرية، ويستدرك "لكن لدى العديد من الأمريكيين في عشرينيات القرن الماضي، كان السائق والسيارة طغاة يحرمون الآخرين من حريتهم".
وناقش المؤلف جهود صناع السيارات في إعادة تشكيل النقاش حول السلامة المرورية، حيث حذر تشارلز هيز، رئيس نادي شيكاغو للسيارات، من أن الدعاية السيئة عن حوادث المرور يمكن أن تؤدي قريبًا إلى "تشريع يقيّد تشغيل السيارات بقيود لا تطاق تقريبًا"، وكان الحل إقناع سكان المدينة بأن "الشوارع مصممة لتمشي عليها المركبات بالأساس".
وهكذا سيتعين على المشاة فيما بعد تحمل مزيد من المسؤولية عن سلامتهم الشخصية، ولكن اللوائح القانونية وحدها لم تكن فعالة، فمنذ عام 1915 حاولت المدن تخطيط ممرات المشاة بخطوط مرسومة، لكن معظم المشاة تجاهلوها.
وأفاد أحد خبراء السلامة في مدينة كانساس آنذاك بأن الشرطة عندما حاولت إبعاد المشاة عن الطريق، وكثير منهم من النساء، بدؤوا يطالبون الشرطة بالتنحي جانبًا، وذكر أن النساء استخدمن في إحدى الحالات مظلاتهن في مواجهة رجال الشرطة؛ لذلك خففت الشرطة تنفيذ القانون.
رأى سكان المدينة السيارات ليس فقط باعتبارها تهديدًا للحياة ومصدرًا للإعاقات الجسدية، ولكن أيضًا كاعتداء على حقوقهم الراسخة في شوارع المدينة.
أوضح رجل من بروكلين أن "الراجل، بوصفه مواطنًا أمريكيًا، يستاء بطبيعة الحال من أي تدخل في حقوقه الدستورية"، وأكدت العادات والتقاليد القانونية الأنجلو-أمريكية حق المشاة غير القابل للتصرف في الشارع.
وفي شيكاغو عام 1926، كما هو الحال في معظم المدن، "لم يوجد شيء في القانون" يمنع المشاة من استخدام أي جزء من الطريق، في أي وقت أو في أي مكان من الطريق بحرية. وفي عام 1913، رأت محكمة الاستئناف في نيويورك أن من "المعروف" أن "الحجم الكبير والوزن الكبير" للسيارات يمكن أن يجعلها "خطرًا جسيمًا"، ومن ثم فإن مسؤولية الحفاظ على سلامة الشوارع تقع بشكل كبير على عاتق سائقي السيارات.
وفي محكمة المرور بمدينة نيويورك عام 1923، أوضح أحد القضاة أنه "لا أحد لديه أي حق أصيل في تشغيل سيارة على الإطلاق"، وبدلًا من ذلك، "رأت المحاكم أن الحق في تشغيل السيارة هو امتياز تمنحه الدولة، وليس حقًا، ويمكن تقييد هذا الامتياز بأي قيود تشعر الدولة بأنها ضرورية، أو قد يُسحب بالكامل".
وهكذا اعترفت الشرطة والسلطات القضائية في تلك الحقبة بالحقوق التقليدية للمشاة في الشوارع، وأوضح أحد القضاة أن "شوارع شيكاغو تنتمي إلى المدينة، وليست ملكًا لقائدي السيارات"، ودافع البعض عن حق الأطفال في الطريق، وبدلاً من حث الآباء على إبقاء أطفالهم بعيدًا عن الشوارع هاجم قاضي من فيلادلفيا سائقي السيارات لاغتصابهم حقوق الأطفال، وحاضر في السائقين في قاعة المحكمة مشتكيًا "لن يمر وقت طويل قبل حرمان الأطفال من أي حقوق في الشوارع".
مدن السيارات الحديثة
وقبل أن تصبح المدينة الأمريكية مدينة سيارات إلى حد كبير، عبر المشاة الأمريكيون الشوارع أينما أرادوا، وساروا فيها، وتركوا أطفالهم يلعبون فيها، ولكن تلك الصورة اختلفت مع الوقت؛ ففي واحدة من أولى حملات السلامة في الشوارع المنظمة حديثًا في عام 1914، كان على غرفة التجارة في نيويورك أن تطلب من المشاة عدم "عدّ الشارع مكانًا للزيارة" وعدم "تقليم الأظفار على مسارات سيارات الشارع"، وفي ظل هذه الظروف بدت "مدينة السيارات" احتمالاً قاتمًا.
ويقول الكاتب إن التحول لم يكن تطورًا طبيعيًا، ولا أثرًا جانبيًا للتقدم التكنولوجي، ولا نتيجة اختيار أغلبية ديمقراطية، ولا إفراز سوق حرة. وعلى الرغم من الموروثات الثقافية والقانونية التي تعود إلى قرون مضت، طورت مجموعات مصالح السيارات بيئة داعمة لطرق جديدة لمكافحة حوادث المرور والازدحام، لقد كان جهدا بُذل على 3 جبهات؛ شملت القوانين، والأعراف الاجتماعية، والمعايير الهندسية، وغالبًا ما كان أنصار العصر الجديد يقدمون موقفهم متلبسين بخطاب الحرية.
وصاغت مجموعات المصالح -التي تمثل أصحاب السيارات ومصنّعيها- مفاهيم خطابها من المثل الأمريكية للحرية السياسية والاقتصادية، وقيم الفردانية. وفي رأي المؤلف، كان النضال صعبًا وأحيانًا شرسًا، واستلزم تنظيمًا وطنيًا، ومناخًا سياسيًا ملائمًا، وثروة كبيرة، وجهودا وتضامن أقلية متنامية من سائقي السيارات في المدينة. وبحلول عام 1930، بفضل هذه الجهود، أعادت مجموعات مصالح السيارات تعريف شارع المدينة، ومثل كثير من تحولات "مطالب الرأسمالية" لم يعرض الأمر على خبراء ليقرروا فيه.
في النموذج الجديد، تم تقييد حركة المشاة، ولم يعد مخططو المرور يحمّلون سائقي السيارات مسؤولية الازدحام؛ كان هدفهم الجديد تسهيل تدفق السيارات، إما عن طريق تقييد المستخدمين الآخرين أو عن طريق إعادة بناء طرق المدينة لمصلحة السيارات، وتم التعامل مع الطرق الحضرية الجديدة بوصفها سلعًا استهلاكية يشتريها المستخدمون ويدفعون ثمنها ويكون توفيرها حسب الطلب. وعلى هذا الأساس، وعلى مدى العقود الأربعة التالية، تم تحويل المدينة لاستيعاب السيارات بل لإعطائها الأولوية.
وأصبحت إعادة بناء المدن لمواكبة عصر السيارات الطريقة الأساسية لمكافحة حوادث المرور والازدحام، وهكذا صارت "مدينة عصر السيارات" نوعًا جديدًا من المدن؛ مدينة معدّة لضيافة السيارات، لكن جاءت حقب الازدحام المروري بدءًا بسبعينيات القرن الماضي لتشهد نكوص المخططين على أعقابهم بعد أن أدركوا المشكلة الجديدة؛ ليحاولوا إغواء السائقين للخروج من سياراتهم واستخدام المواصلات العامة لتخفيف الزحام، وهو الاتجاه الذي ما زال حاضرًا حتى الآن.
في كثير من الأحيان، اتخذت الصحافة نفس الرأي. جادلت صحيفة المدينة الرائدة في سيراكيوز، نيويورك، بأن عبء السلامة يقع بشكل صحيح على عاتق سائقي السيارات. "الجمهور، في الغالب، ليس في حاجة ماسة إلى تحذيرات مستمرة من مخاطر الشوارع." وزعمت صحيفة نيويورك تايمز في عام 1920 أن حقوق المشاة في الشوارع كانت واسعة للغاية بحيث "من حيث القانون والأخلاق ليسوا ملزمين" بممارسة "كل الرعاية الممكنة". تكمن الحصة الأكبر من المسؤولية (الأخلاقية والقانونية) على عاتق سائق السيارة: "يحق للسائقين عناية أكبر من المشاة"، حسبما زعمت الصحيفة.
تغريد
اكتب تعليقك