دانييل ليبرمان وكتاب « تاريخ الجسد الإنساني.. وتتطور الأمراض»

نشر بتاريخ: 2015-09-23

فكر – المحرر الثقافي:

من المقولات الشائعة إن هناك العديد من الأمراض الجديدة التي تغزو الجسد الإنساني، والتأكيد أنها لم تكن موجودة في الحقب القديمة من المسار التاريخي الإنساني. الأمثلة المعاصرة التي قد تبرز إلى الذهن بهذا الخصوص كثيرة وليس أقلّها شيوعاً البدانة المفرطة والسكري من الفئة الثانية والاضطرابات العصبيّة.

لكن دانييل ليبرمان أستاذ علوم الحياة في جامعة هارفارد له رأي آخر. وهو يعلن عن قناعته الثابتة أن الغالبية العظمى من الأمراض الشائعة اليوم تعود بالأحرى إلى التبدّلات الثقافية التي عرفتها المجتمعات الإنسانية. وهو يرى أن «الجسد الإنساني» لم يكن مهيئاً لمثل تلك التبدّلات.

نقرأ: «إن البشر أصبحوا أكثر فأكثر حساسية حيال الأمراض الجديدة. وهذا يعبّر عن تطور في ثقافتهم أكثر مما هو تطوّر في بنيتهم الجسدية». ونتيجة للسلوكيات التي فرضتها الثقافات الجديدة «أصبحنا أكثر بدانة ونعاني من قدر أكبر من الأمراض المزمنة. وهناك مصادر آلام جديدة تنتشر في العالم الذي نعيش فيه».

ثم إن سكان البلدان التي هي بطور النمو مثل الهند والصين ــ الصاعدة اليوم ــ أصبحوا أكثر فأكثر مثلنا، أي مثل سكّان الغرب. وبصدد مثل هذا التشابه يشرح المؤلف تعاظم بعض الأمراض في البلدين المذكورين. نقرأ «هذا المرض ــ السكري من الفئة الثانية ــ متواجد بقوّة في الصين والهند ذلك أن نمط التغذية على الطريقة الغربية شاع في مختلف مناطق العالم».

ولا يكتفي مؤلف هذا الكتاب ــ أستاذ علوم الحياة في جامعة هارفارد بتوصيف ما يعاني منه أبناء الأجيال الحالية على مستوى ما أكسبته سلوكيات الثقافات الحديثة الجسد الإنساني من تبدّل على صعيد البدانة المفرطة وما رافقها من أمراض وعلل مزمنة، لكنه يلقي نظرة على ما يمكن أن تؤول له الأجيال القادمة في نفس المضمار الصحّي.

وهو يجد مرجعيته في رؤيته المستقبلية بهذا المجال لدى فيلم للرسوم المتحركة يرسم صورة «كاريكاتورية» لحال الإنسانية لاحقا حيث انه ذات يوم «لن يعود هناك من يستطيع أن يمشي خطوة واحدة بدون آلة».

لكن الصورة النقدية والمتشائمة التي يرسمها المؤلّف لثقافة اليوم من حيث آثارها السيئة على الجسد الإنساني وما جلـبته من آلام وأمراض، فإن هذا لا يعني أنه يدعو إلى نوع من العودة إلى العصر الحجري وإلى حقبة الصيد والقنص.

ذلك أنه لا ينبغي نسيان أن متوسّط أمل الحياة ازداد في البلدان المتقدّمة بحوالي 30 سنة بالقياس إلى جيل الأجداد. وأن الأطفال أصبح أملهم بتجاوز سن الطفولة وهم بصحّة جيدة قد ارتفع عشرة أضعاف. لكنه يشرح أن ظواهر قلّة النوم والقلق والانهيار العصبي هي في أحد تعبيراتها الأساسية نوع من «عدم التأقلم البيولوجي مع الوسط المحيط».

ما يخلص له المؤلف هو أن المطلوب اليوم هو تغيير في سياسات التصدّي للأمراض بحيث تتم معالجة الأسباب الكامنة وراء الانتشار الكبير لأمراض تعود للبدانة المفرطة ولغيرها من ممارسات الثقافات المعاصرة حيال الجـسد، وليس الاكتفاء بمعالجة الأعراض المرتبطة بهذا المرض أو ذاك. هذا في الوقت الذي تتركّز الجهود اليوم على معالجة الأعراض فقط.

والكتاب سيكون له بالتأكيد مكانة خاصّة بالنسبة لمسائل الصحّة والرعاية الصحيّة. أما الرسالة الأخيرة التي يوجهها المؤلف ــ الأستاذ في جامعة هارفارد فيمكن تلخيصها بالجملة الشائعة في كل مكان ويعني مضمونها أن «درهم وقاية خير من قنطار علاج».


عدد القراء: 3359

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-