المدرسة وبرنامج المحادثة شات جي بي تي (ChatGPT)الباب: مقالات الكتاب
عبد السلام اليوسفي المغرب |
ترجمة: عبد السلام اليوسفي
أي معنى لاكتساب المعرفة في عصر يستطيع فيه الذكاء الاصطناعي، في أي وقت، إنتاج عروض وبحوث وخطط دروس مبتكرة؟ المدرسة مطالبة برفع هذه التحديات، وإلا سوف يعهد بها إلى الجهات الفاعلة الخاصة التي تمتلك هذه التكنولوجيا.
يكتشف الجمهور الواسع برنامج المحادثة شات جي بي تي (ChatGPT)، وها هو الافتتان به، والقلق منه، آخذان في الظهور. يستطيع هذا البرنامج، باعتباره روبوت محادثة، توليد نصوص من "النوع البشري"، حسب قول المصممين. وكما هو الحال مع أي تكنولوجيا جديدة (الآلات الحاسبة إبان ظهورها، والإنترنت، والهواتف الذكية، وما إلى ذلك)، توجد المدرسة اليوم في خطوط الدفاع الأولى. لكنّ فرادة برنامج المحادثة شات جي بي تي، هذا الابتكار الذي ينعته البعض منذ الآن بأنه مدمر، هي أنه يدفعنا إلى طرح أسئلة جوهرية حول مستقبل لما نتوافق على تحديده جماعيًا على أنه تربية. لقد نشأ وعي إيجابي: لا يمكن اختزال الذكاء الاصطناعي في ابتكار تقني صرف؛ إذ إنه يؤثر في مجتمعاتنا على نطاق واسع. لقد أصبحنا مع ظهور برنامج المحادثة شات جي بي تي، على وجه الخصوص، على وعي بالسرعة الحادة التي يحدث بها التغيير التكنولوجي، وهو ما يستدعي منا مواجهتها. ترى إلى أي حد يمكن للمدرسة أن تواكب هذه التقلبات مواكبةً مسؤولةً؟
يحل برنامج المحادثة شات جي بي تي بعالم مدنس في أغلبه؛ بالنسبة إلى الكثيرين، ما كان في السابق يعد خيالاً علميًا، يبدو الآن في متناول اليد. كان الذكاء الاصطناعي والخوارزميات موجودين بالفعل في حقل التربية، ولكن بطريقة أكثر غموضًا أو بدائيةً في الاستعمالات اليومية. على النقيض من ذلك، يعطي برنامج المحادثة شات جي بي تي اليوم الانطباع بأن المرء يتواصل مع آلة قادرة، من تلقاء نفسها، على "الفهم" و"الإبداع". الأمر لا يتعلق بمعرفة ما إذا كان الذكاء الاصطناعي يستطيع الحلول محل الأستاذ، لكن بالأحرى التساؤل حول نماذج المعرفة والمهارات التي يتعين على المدارس تعزيزها في عصر الذكاء الاصطناعي؛ يستطيع برنامج المحادثة شات جي بي تي إنجاز الواجبات والعروض، أو حتى تصميم خطة الدرس. وفي كل مرة تزداد هذه الإنجازات أصالة، وتتجدد من خلال ما تتعلمه الخوارزمية. في حين ينمو مجتمع المستخدمين نموًا هائلاً ويقدر عددهم اليوم بالملايين بعد بضعة أشهر فقط، من ظهور هذا البرنامج.
إن التحدي الأول الذي يواجه المدرسة هو إزالة مفعول "الصندوق الأسود" لهذه التكنولوجيا، مع الإقرار بالتحديات التي تنذر بها(1). ويقع على عاتق المدرسين مهمة تعيين وتعزيز المهارات التي لا يمكن، أو لا نريد، تفويضها للذكاء الاصطناعي وذلك بالاعتماد على ممارساتهم التربوية ومعرفتهم ووعيهم النقدي. ولكن، إذا كانت هذه المهمة، ربما هي أنبل ما يتوجب علينا القيام به، فإنها بالمقابل تنجز بإيقاع سريع مزعزع للاستقرار. وسواء كان المدرسون في مواجهة أنظمة جديدة للحقائق أم المعلومات، فإن أمامهم بالفعل الكثير مما ينبغي القيام به، بينما نحن بالكاد نقدر آثار التقلبات الأنثروبولوجية في العقود الأخيرة داخل مجتمعاتنا ومدارسنا (آثار الرقمنة على القراءة أو الكتابة، على سبيل المثال). ولا يسعنا اليوم إلا التكهن أو توقع الطريقة التي يمكن بها لهذا الضرب من الابتكار التكنولوجي إعادة خلط أوراق الممارسات التعليمية، أو حتى أهداف التعلم.
ترى هل ما يزال من المناسب تكليف التلاميذ بأنواع معينة من التمارين في المنزل؟ وهل يجب تقويم تلك التمارين بالطريقة نفسها؟ ألا يجب أن نعزز الممارسة داخل الفصول من خلال إجراء تقويمات على مدار الحصة الدراسية؟ لقد بات ضروريًا، أكثر من أي وقت مضى، إعطاء ومشاركة معنى التقويمات والتمارين حتى يفهمها التلاميذ على أنها لحظة بناء للذات، وليست مجرد إنتاج خاضع للتنقيط. وعلاوة على ذلك، ستصبح مكانة الشفهي، باعتباره حوارًا مدعومًا بالحجج أكثر قيمة. ومن المتوقع أن يكتسب الحوار والمشاركة الوجدانية والتبرير والتعارض في وجهات النظر قوة جديدة. ويمكن أن يصبح وضع المدرس أكثر شرعية، بحيث سيتميز عن الآلة، من خلال تأكيد مكانته، باعتباره مرجعًا وضامنًا للصدقية.
إن إمكانات الحلول، القابلة للنقاش، آخذة في الظهور، ولكن من السابق لأوانه تحديد مدى ملاءمتها أو مجالات تطبيقها في التربية. سيحتاج المثل الأعلى للمصاحبة بين الآلة والتلميذ أو المدرس إلى سنوات من الممارسة والخطأ والإبداع والإعداد، في وقت تطالب فيه المجتمعات من المدرسة بالفعل الحفاظ على بناء اجتماعي ومشترك عالق في هذا التنامي السريع للعالم. والسؤال المطروح أمامنا هو: ماذا نريد أن ينقله هذا البناء من عالم الأمس واليوم؟ هذا سؤال فضفاض، ولكنه بحكم التعريف عابر لكل تربية. من وجهة النظر هذه، فإن المدرسة تستفيد، على الأقل، من عامل الزمن والخبرة التي ينطوي عليها هذا التفكير. إن امتلاك ناصية هذه التكنولوجيا، وتجريبها، والاقتصاد في استعمالها، أمورٌ ضروريةٌ في ظل عمليات الانتشار الجديدة للذكاء الاصطناعي، حتى لا يصبح التلاميذ والمدرسون مجرد مستخدمين فقط، بل فاعلين كذلك. ولهذا السبب، لا يجب أن تتوافق العمليات الأساسية في التربية مثل "المحادثة" أو "التفكير" أو "الإبداع" أو "الحل" مع إمكانيات السيبرنيطيقا فقط. يجب على المدرسة أن تسمح دائمًا للأفراد بتنكب السبل المطروقة والابتعاد عن المعايير الجديدة التي تُعرّض استقلالية الفكر للخطر. على سبيل المثال، يجب الإعلاء، أكثر من أي وقت مضى، من شأن الخصوصية الشاعرية والإبداعية عند التلاميذ لمواجهة التوقع والتقييس الخاص بالنماذج التكنولوجية. كما سيقع على عاتقها مسؤولية إتاحة الفرصة لكل شخص، كي يتفردن ويتميز مع المحافظة على المشترك. السؤال المطروح هو معرفة ما إذا كانت مجتمعاتنا ستسمح بذلك وتمنح المدرسة هذه الإمكانية؟ لأن وضعنا في الاعتبار التوقعات حول ما يجب أن نتعلمه ونحافظ عليه في المدرسة، في ظل التقدم التكنولوجي، هو بالتأكيد ما سيقلل من عدم المساواة في الغد، أو يزيد منها.
في الواقع، ويجب قول ذلك، إن هيمنة الشركات الخاصة على ما يشرط مستقبل الثقافة والتعليم هو مشكلة. وبما أن خوارزمية برنامج المحادثة شات جي بي تي ليست مفتوحة المصدر، فإن من المستحيل حاليًا الإحاطة إحاطة واضحة بالتحيزات والجوانب الأيديولوجية لهذه الخوارزمية أو ببساطة المصادر التي تستقي منها المعلومات.
وتستعد شركة مايكروسوفت لاستثمار مليارات الدولارات في هذا السوق الجديد، وقريبا جدا سيتم دمج هذا الذكاء الاصطناعي في مجموعات الوسائل التعليمية أو في شكل اشتراكات مدفوعة. وحينئذ سيثار سؤال البيانات وحمايتها، ناهيك عن حقيقة أن المستخدمين أنفسهم هم الذين "يغذون" تعلم الذكاء الاصطناعي، فيسمحون، بالتالي، بتطوره وتقدمه.
وكي لا تضطر المدرسة إلى إنكار الذكاء الاصطناعي أو رفضه، يبدو أنها مطالبة بأن تتعلم كيف "تتعامل معه". إن ظهور هذا الذكاء يلزمها بتحمل المسؤولية. لكن من مصلحتها الإبقاء عليه، باعتباره مشكلة مفتوحة، واحتواءه، بوصفه مشكلة من بين مشاكل أخرى. ومن المؤمل أن تكون المدرسة قادرة على الحد من نزعات الهيمنة لديه من خلال الاعتماد على ممارساتها ومواردها التراثية، مع الحفاظ على ما هو إنساني وتعزيزه.
الهوامش:
1 - Voir Pierre-Carl Langlais, « ChatGPT : comment ça marche ? » [en ligne], Sciences communes, 7 février 2023.
رابط المقال:
https://esprit.presse.fr/article/nicolas-leger/l-ecole-face-a-chatgpt-44570
تغريد
اكتب تعليقك