أثر الحداثة في التوظيف الفني للتاريخ والتراثالباب: مقالات الكتاب
صبحة بغورة كاتبة من الجزائر |
هل وضع طغيان الحداثة حدودًا ضبابية بين محددات موجة التوظيف الفني للتراث والتاريخ، وبين الرغبة الجامحة للانطلاقة الفنية الحرة المشحونة بالقلق والاضطراب والذهول النفسي نحو تشكيل حيادية الفهم ونضج التأويل؟
خضعت مرحلة بداية الحداثة في القرنين التاسع عشر والعشرين حين صار العالم كله منساقًا للتحديث بعد تفشي أحلام اليقظة وانتشار تمحيص الذات بالاعتماد على التحليل النفسي وعلى مبادئ الديمقراطية في المجتمعات الحديثة فكانت في حد ذاتها بمثابة مرحلة التمهيد لمرحلة أخرى هي مرحلة ما بعد الحداثة التي أدت حسب اعتقاد العديد من المختصين إلى انهيار الحدود بين التاريخ والنظرية والسرد القصصي والنقد، ثم أسفر هذا الانهيار عن تدمير الحدود الأخلاقية والروابط الشخصية والانحطاط الذاتي. لقد وقع الاتفاق في الرأي على أن ما بعد الحداثة كان إفراطًا في محو الحدود بين الفنون والتاريخ بعد أن جرى تدمير واضح للقواعد بسبب تداخل الفنون التشكيلية بالدراما بالتعبير الجسدي بالموسيقى، فالتاريخ لا يعدو أن يكون سرديات كبرى، والماضي هنا لا يصبح كيانًا مستقلاً متاحًا للجميع بل يتجدد مع كل أثر من آثار الكتابة عنه ونتيجة للسرديات التي تنبثق عنه يصبح سردًا يرتبط ارتباطًا جذريًا بالفرضيات والأفكار والأشكال المعاصرة ثم يسعى عن غير وعي إلى تأكيدها والإقرار بشرعيتها، ومنه بدأ التشكيك خلال فترة ما بعد الحداثة في جدوى كافة النماذج التاريخية وجميع النظريات التي جاء بها الحداثيون منذ البداية لتجاوز الماضي، وكان واضحًا أن الحداثة ترفض الماضي باعتباره كيانًا خارجيًا لا يمكن قراءته وتفسيره.. ومن ثمة تجاوزه، لذلك سعى الحداثيون إلى طرح صورة الماضي باعتباره كيانًا مستقلاً بحيث لا يمكننا التعرف عليه بشكل مؤكد، ومن جهة أخرى لا نملك إلا أن نعيد بناءه من بين العديد من الصور المعاصرة وفقا لمخرجات الجدل المستمر حوله باعتباره فكرة مجردة.
لقد ارتبط المسرح منذ البدء بالشعر، وشكلاً معًا جزء مهما لتكوين الرؤى وتشكيل الذوق الجمالي، فأولى الحوارات في المسرح كانت شعرًا، وأولى القصائد التي خطت على الصفائح كانت درامًا شعرية أو شعرًا برؤية درامية ـ تراجيدية فاكتسبا أهميتهما في التاريخ الديناميكي الفعّال للإنسان، وبالرغم من أن المسرح نشأ في المعبد الديني والحكايات الأسطورية إلا أن الشعر كان ركيزته التراجيدية، فلا وجود حقيقي للمسرح ولا الشعر إلا في معالجتهما للموضوعات والأسئلة المصيرية الحائرة التي تقلق الإنسان والمجتمع.
وكذلك ارتبطت الفنون التشكيلية منذ فجر الحضارات القديمة بقضايا الإنسان ووثقت مفردات حياته وسجلت نشاطاته رسومًا ونقوشًا في جدران المعابد وأعمدة القصور تحكي وقائع تاريخية صورًا وأشكالاً وألوانًا صنعت فضاء دراميًا بصريًا، وأضفت شاعرية الصور كينونة لغوية أي لغة بصرية تضعنا في قلب الوجود الافتراضي ـ البصري والوجود غير الواقعي الذي تتحكم فيه حالة من الحلم الواعي بلغة الروح، وبما أن الشعر لازماني فهو يدلل على زمان ما خارج المكان وقد يتجاوزهما، والفنون الدرامية تدلل أيضًا على زمانه الذي يتجاوز المكان أو على مكان خارج الزمان وهذه الآنية تخلق التشابه بينهما وتدعم دورهما في سرد التاريخ وإحياء التراث، ومنه بدأ التوظيف البصري للصورة بنشوء ما يعرف بمسرح الصورة الذي اتخذ بُعدًا جوهريًا في استثمار الفضاء الجمالي للتراث لأقصى حد وشحنه بالدلالات التعبيرية.
أوصلتنا التطورات المتسارعة للتكنولوجيا والمعلوماتية إلى مرحلة ما بعد الحداثة بشكل مضطرب حيت استحالة التناسق وحرية التأويل، وحيث التخلي عن الرؤية المطمئنة للعالم بوصفه كيانًا منطقيًا، إنها تنفي تفاؤل الحداثة ومنطقها، وتدافع عن حرية الفرد وروح السخرية والتهكم، وتطالب بالتجاور والتزامن لا بالتناسق بالعيش المشترك، ومحو الحدود بين الفنون، أي الاتجاه نحو اتحاد الذوق الكوني الجمالي في نفس الوقت، أنها مرحلة موت التراث التي تلي بعد ذوبان مقومات الشخصية المميزة للأمم في ثقافة علمية حيث يموت المؤلف ولا يعدو النص كونه فسحة متعددة الأبعاد تختلط وتتصارع مع كتابات ليس لها أصل.
حب المكان الذي نشأ فيه الإنسان هو ميل فطري يحقق له نوعًا من التوازن الداخلي، وهو دليل على الأصالة والتمسك بالجذور، ولطالما شكّل المكان جزء من الحضارة الإنسانية التي تربطه مع الإنسان والزمان، والمتوارث من التراث المادي عبر فترات التاريخ ينشئ علاقة الإنسان بالمكان حيث طاف الأجداد وتركوا على جدرانه ملامحهم حتى صار بإمكان الأبناء تشخيصهم والعيش بين جنباته، وتعمق الأحداث التاريخية والذكريات الوجدانية الحنين إليه، فالارتباط الوجداني بالمكان جزء هام في تشكيل وجدان الفرد والأمة فتتهيج العواطف أمامه لأنها ترتبط بتواريخ خاصة لا يمكن إغفالها، وثراء التراث عامل لتحول الارتباط إلى اندماج حيث تتلاشى الحدود بين المكان والأنا بهوية المكان مما يؤدي إلى حالة من الرضا والانسجام، ومنها تنطلق مخيلة المبدع والمفكر والفنان نحو عوالم أخرى حيث يتراكم المخزون الثقافي ويعود بنا الاستغلال الفني للتاريخ والتراث إلى الماضي في عملية يكون من أبرز ايجابياتها إحياء الانتماء وتأكيده، ولكن بالمقابل يتخوف البعض من سلبياتها المتوقعة بدعوى أن فيها تعطيل لآلة الزمن والتطور، وقد يؤدي إلى فشل مشاريع التنمية وتنامي ظاهرة التكدس السكاني وتصحر الأراضي والجفاء الثقافي بسبب الحساس بالغربة والتغرب إن أجبر الإنسان على الرحيل ويصعب الأمر أكثر على خاصة على محدودي الثقافة والتعليم من أفراد هذه المجتمعات لأنهم يرون أنفسهم امتدادًا للتاريخ والجغرافيا والجذور، بل قد تبلغ سيطرة الأماكن عليهم درجة الارتباك معها مضمونها أكثر من شكلها، وهنا تبرز فرضيتين: أنه ليس بالضرورة أن يكون كل قديم أثرًا مخلدًا، وليس كل مخلد يقدس بالبقاء. وثانيًا أنه بتعظيم الهدف وبتدعيم قوى النفس وقدرات الذات بأحلام المستقبل يمكن التغلب على مشاعر الغربة، خاصة وأن الاعتماد على وسائل الإعلام والاتصال التكنولوجية في نقل الأخبار والأحداث من واقع الأماكن أصبح متاحًا حيثما ذهبنا.
لقد شكّل الموروث الشعبي المكتوب والشفاهي معينًا لا ينضب كمضمون أصيل لعمل دائم من أجل إعادة التراث إلى الواجهة الأدبية والثقافية في العديد من دول العالم على خلفية اعتباره تعبيرًا حقيقيًا عن هوية الشعب، واستخلص دعاة الحداثة من ثراء المخزون الثقافي المتنوع المتوارث قيما دينية وتاريخية وحضارية وشعبية اشتملت على الفنون والأقوال المأثورة من شعر وموسيقى وغناء ومعتقدات وقصص وحكايات وأمثال وعادات، ومهارات يدوية، لقد استغل المبدعون التراث بأشكاله المتعددة يصيغون به أو يستمدون منه نصوصًا، فقفز التوظيف الفني للتاريخ بالتراث من مجرد قطعة من الماضي إلى جعله حوارًا مع عناصر استطاعت أن تصمد مع الزمن. لقد تمكنت الحداثة من استخدام مواد التراث لنقل رؤى وأفكار معاصرة، وبذلك لم يعد توظيف التراث فنيًا عملاً ناضجًا ما لم تحمل الموضوعات التراثية أبعادًا معاصرة، فالحداثة لا تعني رفض التراث ولا القطيعة مع الماضي بقدر ما تعني السمو بطريقة التعامل مع التراث إلى مستوى مواكبة التقدم وحداثة المضمون، وحداثة الرؤية والهدف، ويؤكد الكثير من المهتمين أن الحداثة هي ما تنزع عن التراث طابع النسبية والتاريخية. وكما ساهم التراث في خلق الامتدادات الروحية والنفسية للنصوص الفنية من خلال تنشيط العمل على الذاكرة لزيادة فعالية النص، فقد تمت الاستفادة أيضًا من التراث من أحداث وافعال وشخصيات وموضوعات ساهمت في تطوير بنية النص الفني ووفرت للكتاب مادة غنية لتقديم نصوص معاصرة غنية فلم يتحول الحديث عن التراث كالبكاء على أطلال أمجاد ماضية ولم يعد التراث وسيلة لنقد الحاضر، وإنما لنقد الماضي، والتفاعل الإيجابي مع تحديات المستقبل، لقد حوّلت الحداثة الفنية شكل تقديم التراث باعتباره لحظة حية يعيد المفكر المبدع والمثقف الفنان قراءتها بصيغ جديدة مفتوحة، ويسعى إلى التواصل والتفاعل مع التراث الإنساني واستثماره كأداة لتطوير معارفه ، فالتجريب على التراث هو العمل على درم الهوة التيس تفصل التراث عن الواقع، ومد الجسور بين جميع الثقافات والتجارب المحلية والعالمية.
ــ إن الإشكالية المطروحة في موضوع استلهام معاني الأبعاد الحضارية للتراث هي معرفة مدى حدود المبدع في التعامل مع المادة التراثية، وكيفية الخروج منها من خلال الخطاب الفني، وما هو هامش المادة التراثية التي يمكن أن يعمل عليها المبدع الأدبي والفني، ثم ما هو جوهر الصدق في الإبداع الفني؟ وهل الكاتب مقيد بشخصيات التراث، أم يمكن إدراج شخصيات في صور أخرى معاصرة؟ نتناول الموضوع من عدة زوايا ترتبط بعدد من الإشكاليات:
الأمر يتعلق بإشكالية المصداقية، أي مصداقية استلهام التراث التي ترى الأوساط المختصة أنها تتحقق ليس فقط في ارتباطها بالمتغير السياسي والاجتماعي ولكن في ارتباطها بالقيم الكبرى، وهذا انطلاقًا من فرضية أن المبدع ليس محققًا أو مؤهلاً لتصنيف التراث أو ناقلاً للمادة التراثية، ولتحقيق مصداقية التراث لا بد أن يكون المبدع في حالة وعي تام باللحظة التاريخية التي أبدع فيها العمل الذاتي من جهة، والعمل الفني من جهة أخرى مع توخي الواقعية في إبداع العنصر الذاتي في اي من أشكاله المرتبطة بالأزمنة.
واجهت إشكالية التأصيل العديد من التحديات منذ بداية تفتح الوعي القومي والسياسي أهمها الاحساس بالضعف أمام التقدم الغربي، وفي هذا تؤكد الأوساط الجامعية أن التعامل مع التراث ليس من وجهة نظر سكونية مصدرها الماضي الذي انتهت وظيفته، وإنما من موقف حركي مستمر يساهم في تغير التاريخ، والرأي الغالب أن الفكر الإنساني هو خليط من موروثات تراثية فرضت وجودها من جدلية التأثر/التأثير والمعنى أن كل ما لا يؤكد وجوده وقدرته على الاستمرارية في حركة التاريخ لا يعتبر أصيلاً.
اقتضت إشكالية اللغة اللجوء إلى التأسيس هوية المسرح المتميز عن الآخر بتوظيف التراث الشعبي واستعمال لغة ثالثة، لغة فنية درامية نابعة من الفنون التقليدية وقريبة من الوجدان الشعبي المحلي من أجل التأصيل، لقد تم التأسيس بنجاح للغة مسرحية عربية نابعة من ثقافة الشعب ومعبرة عن هويته وتراثه، برغم أن استسهال اللغة الشعبية وتقديمها على أنها اللغة التراثية خلق إشكالية كبرى هي تعبير عن الإشكالية اللغوية بين الفصحى والعامية التي ترتبط بالخشية من فقدان العمل الفني شعبيته وجماهيريته وبين الإضرار باللغة عندما يجري الاعتماد كليًا على اللفظ العامي.
عرف التوظيف الفني للأحداث التاريخية والمواقع التراثية والأثرية في الوطن العربي تطورًا تكنولوجيًا فنيًا كبيرًا في طرق العرض ومظاهر الإبهار الصوتي والضوئي، وقد أكسب التوظيف الفني الجيد للأحداث في مواقعها الأصلية قيمة فنية كبرى ومصداقية عالمية هامة. فبرنامج "الصوت والضوء" المقدم على مسرح أهرامات الجيزة في مصر حيث يحكي أبو الهول التاريخ الفرعوني باللغات العربية والفرنسية والانجليزية قد أضفي بعدًا ثقافيًا وسياحيًا هامًا في المنطقة.
وهو نفسه الأمر بالنسبة لمهرجان "تيمقاد" الدولي السنوي بولاية باتنة في الجزائر حيث الآثار الرومانية التاريخية، ومهرجان "قرطاج" في تونس.
وأيضًا مهرجان "بعلبك" الدولي في لبنان حيث تهتز الهياكل والأعمدة العملاقة على أنغام حفل يمثل الاستثناء في الحياة الفنية اللبنانية، داخل معبد باخوس والأعمدة الستة لمعبد جوبيتر المصنفة من قبل اليونسكو موقعا للتراث العالمي.
هذا بالإضافة إلى مهرجان جدة التاريخي الذي يُعدّ أول مهرجان ثقافي من نوعه يُقام في جدة، حيثُ ينقل الزوار ضمن فعالياته المتنوعة إلى حقبة زمنية بعيدة كانت قد تعاقبت تقاليدها ومراسمها على المملكة العربية السعودية خلال وقت مضى، ولعلّ أهمّ ما يُميز فعالياته الثقافية استحضارها للماضي إنسانًا ومكانًا ليُجسد ما مرت به عروس البحر الأحمر، ويعرض إرثها التاريخي. ومهرجان سوق عكاظ تُشرف إمارة منطقة مكة المكرمة على تنظيمه، ويُقام في مدينة الطائف، حيثُ يُمثل مشروعًا ثقافيًا وحضاريًا يضم في ثناياه مجموعة من المسابقات الثقافية، إلى جانب مسابقة الخط العربي، ومسابقة لوحة قصيرة، إضافة إلى الأمسيات الشعرية المميزة، والندوات الثقافية المتنوعة والاحتفالات الشعبية.
إشكالية استلهام الموروثات الشعبية عملية تخضع لقدرات الأديب ومواهب الفنان الذاتية في استلهام موضوعه، إذ تبقى مسؤولية المبدع عند اقتباس عناصر أو موضوعات من المأثورات الشعبية في مدى استخدامه هذه العناصر استخدامًا جيدًا وصحيحًا تبعًا لوظيفتها الأساسية في الإبداع الشعبي، بأن يتعرف أولاً على معانى ودلالات وخلفية الموضوعات الشعبية، والانتباه جيدًا إلى مدى أصالة المواد المستخدمة في الأعمال الفنية المحدثة حتى لا تدفع الحماسة المفرطة والانفعال الفني إلى استخدام عناصر وموضوعات شعبية وإن كانت في حقيقتها إبداع شعبي أصيل ولكن استخدامها في غير موضعها وبخلاف موضوعها يمكن أن يقلل من قيمتها أو يغير من دلالتها أو يفسد وظيفتها.
وعلاقة المسرح ـ السينما ـ التلفزيون بالتراث قديمة منذ أرسطو إلى توفيق الحكيم ذلك لأن المسرح هو أحد الفنون الأدبية الأدائية الذي يعتمد أساسًا على ترسيخ الأفكار وعرضها أمام الجمهور في ظرف زمني محدد بتوظيف السينوغرافية التراثية وتقنياتها ومكوناتها الجمالية فتحضر الذاكرة بأشكالها الفطرية وظواهرها الدرامية وتمضي في سبيل التواصل بين الأجيال.
إذن يمكننا أن نقول أن لفظ الحداثة يتعلق بتوجه عالمي نحو تكييف المفاهيم الثقافية والقيم الإنسانية السائدة في المجتمع مع تلك التي أوجدتها الحياة الصناعية الحديثة، ومنها استخدم الفنانون مواد جديدة وتقنيات مغايرة لتجسيد هذا التوجه في انجاز أعمال فنية خدمت التاريخ وأعادت تثمين التراث بالشكل الأفضل الذي يعكس الحقائق جلية وينعش الذاكرة الوطنية ويجدد الآمال المجتمعية بدء من الواقعية إلى التجريدية، لذلك يشمل لفظ الحداثة العديد من الأساليب، ولكن البعد العالمي لمفهوم الحداثة وضعنا في حالة صدام مع المبادئ الأساسية المفروضة لتحديد مضمون الفن الحداثي وكان منها رفض القيم الفنية التاريخية المحافظة مثل التصوير الواقعي للموضوعات، والالتزام بالمنظور، والاهتمام بالابتكار والتجريب في الأشكال والخطوط والألوان مع الميل إلى التجريد والتركيز على العملية الفنية ذاتها، ومن خلال هذه المبادئ يمكننا ملاحظة أن الحداثة تبدو في أغلب الحالات متأثرة بأجندات سياسية داخلية وخارجية كثيرًا ما تتعارض مع القيم الاجتماعية والاعتبارات الوطنية لأنها مرتبطة أساسًا بمحاولة التعتيم على الأفكار التاريخية المحظورة أو بكبح الرغبات الاجتماعية في التقدم والمساواة والتطلع الإنساني نحو تحديد وتحقيق الرؤى البشرية المثالية للحياة ومستقبل المجتمع.
وعلى جانب آخر يؤكد العديد من المهتمين بأن من خلال التعمق في أبعاد هذا الموضوع يتضح أن العلاقة بين التراث والحداثة علاقة واقعية وموضوعية، أي أن تناول التراث بمعزل عن الحداثة يفقد أي عمل فني معناه الحقيقي، وهذه الرؤية تضع معيارًا يحدد وجود هذه العلاقة ويقدر قوتها ،كما أنها تبني جدار صد أمام الاجتهادات المضللة والتصورات الخاطئة بزعم إنضاج الرؤى، ويشدد ذات العاملين في هذا الحقل على ضرورة المزاوجة بين ما هو تراثي وما هو حداثي لإنشاء موازنة تفاعلية تضمن استمرارية حيوية العقل وانتعاش النفس واستعادة قدرة الذات لمواجهة المتغيرات واستنباط المعاني من دوام الوجود، فمهما تطورت حياة الإنسان يبقى معتمدًا في أغلب تفاعلاته على موروثه الذاتي والمجتمعي، ومنه نفهم أن توظيف التراث في العمل الفني هو التكامل الذي يضمن ديمومة التفاعل الإيجابي مع مختلف الرؤى بروح متجذرة ومنفتحة والتوفيق بينهما هو التحدي الحقيقي.
تغريد
اكتب تعليقك