طريق العلم وكتاب: «من الذرّة المتخيّلة إلى الذرّة المكتشَفة»
فكر – المحرر الثقافي:
إلى أي مدى يمكن اعتبار النظريات العلمية تدل على حقائق؟ قد يبدو مثل هذا السؤال نوعًا من التشكيك بالحقائق العلمية. لكن يكفي تصفّح تاريخ العلوم لمعرفة أن الكثير من النظريات السابقة كانت بمثابة حقائق قبل أن تأتي نظريات جديدة تتعارض معها إلى هذه الدرجة أو تلك، وقد تتناقض معها كليًا في بعض الحالات.
هكذا مثلاً سادت القناعة «العلمية» لفترة طويلة من الزمن أن الأرض مسطّحة وأن الشمس تدور حول الأرض وأن الذرّات مجرّد أوهام. ثم استجدت نظريات تقول عكس السابقة عليها. وهكذا أظهرت تلك النظريات أنها تتسم بقدر من النسبيّة فيما تنصّ عليه من «حقائق».
بكل الحالات للنظريات العلمية آثارها العميقة على المجتمعات المعنية بها. هذا في سياق زمني تتعاظم فيه مكانة العلم في المجتمعات التي يطلقون عليها توصيف «الحديثة». وليست قليلة هي الحالات التي يعتمد فيها البعض على «النظريات العلمية» لتأكيد رأي ما بينما يمكن أن يقوم آخرون بالتأكيد على «نسبيّة»، ربما نفس الرأي، وباسم العلم.
هذه المسائل كلّها وأسس السلطة التي يقوم عليها العلم ومكانته في المجتمعات الحديثة وتأثيره عليها ومسيرة اكتشافاته من السابق حتى العصر الحالي هي موضوع كتاب الباحثين الفيزيائيين «هوبير كريفين» و«آن غروسمان»، الأستاذين في جامعة السوربون، الذي يحمل عنوان: «من الذرّة المتخيّلة إلى الذرّة المكتشَفة» وعنوان فرعي مفاده: «في مواجهة النسبية».
تجدر الإشارة أن الفيزيائي الفرنسي «اتيين كلاين» هو الذي يحرر مقدّمة هذا العمل. وكما يشير عنوانه يحاول فيه المؤلفان الفيزيائيان مناقشة مختلف الحجج والبراهين والوقائع والمسالك والمنعطفات والمحاكمات المنطقية التي ساهمت في إضاءة السبيل الذي سلكه الفيزيائيون للوصول إلى اكتشاف الذرّة على يد بيير وماري كوري اللذين أعطيا أسمهما للجامعة «باريس السادسة»، التي يمارس فيها المؤلفان اليوم مهنة تدريس مادّة الفيزياء.
إحدى نقاط الانطلاق التي يتبنّاها المؤلفان للدخول في تحليلاتهما تتمثل في تقديم مختلف الآراء الشائعة حول مكانة العلم. هكذا يشيران إلى أن البعض لا يترددون في تحميل «مختلف الآثام» للعلم على خلفية القول إنه يعبّر «عن آراء» مثل بقيّة الآراء وبالتالي «كل إنسان لديه حقائقه» والآراء كلّها «قابلة للنقاش». بل والإشارة أن القائلين بمثل هذه الآراء «ينفون موضوعية العلم».
ويشير المؤلفان أنهما رافقا ما يسميانه «الفرضية الذريّة»، على اعتبار أنّها «المفهوم الجنيني»، منذ اليونان القديمة والعلماء الأوائل الذين كانوا وراء «الذرّة المتخيّلة» وما سمح بعد مسار طويل بـ«الوصول إلى» الذرّة المكتشفة «وإلى صياغة» النظرية العلمية الذريّة «المثبتة» اليوم.
وفي مواجهة المقولات النسبية التي تقلل من قيمة الاكتشافات العلمية يشرح المؤلفان أن المعارف العلمية هي «نتاج عملية بحث طويل يتم المزج فيه بين ما هو نظري بحت وما هو تجريبي». والانتهاء إلى القول إن طريق العلم لم تنته و«غير قابلة للانتهاء» وأنها طريق شاقة وصعبة.
تغريد
اكتب تعليقك