ريمي كوفير وكتاب: «تاريخ عالمي للأجهزة السريّة»

نشر بتاريخ: 2016-02-05

فكر – المحرر الثقافي:

عرف العالم منذ الأزمنة القديمة حتى اليوم اللجوء إلى الأجهزة السرية وممارسة عمليات جمع المعلومات حول الأشخاص كما حول مختلف المواضيع. ومن الأشكال التقليدية في الأزمنة القديمة يتم الاعتماد اليوم على الثورة الرقمية التي انتجت الكثير من المعطيات الجديدة في هذا الميدان.

والباحث الفرنسي الأكثر شهرة في المسائل المتعلّقة بعالم الأجهزة السريّة ريمي كوفير، يكرّس كتابه الأخير لتقديم «تاريخ عالمي للأجهزة السريّة»، كما جاء في عنوانه. تجدر الإشارة إلى أنها المرّة الأولى التي تتم فيها محاولة تقديم تاريخ شامل للأجهزة السريّة في عمل واحد.

هل التجسس هو أقدم مهنة في العالم؟. «كلاّ» يجيب مؤلف الكتاب. ثم يؤكّد مباشرة أنها إحدى أقدم المهن في العالم. ويشرح أن البحث عن معلومات تتعلّق بالعدو يرجع إلى أقدم الحروب التي عرفتها البشرية. ويحدد القول ان مثل تلك الممارسة عرفتها الحرب بين اليونانيين والفرس.

كما يشير أن اليونان القديمة هي التي اخترعت «الخطوط السريّة والوثائق المرموزة».

يبدأ «ريمي كوفير» تأريخه للأجهزة السريّة في العالم انطلاقًا من «شبكات المخبرين» التي أنشأها الإمبراطور الفارسي «سيروس» وحتى منظومات جمع المعلومات الإلكترونية ــ الرقمية التي يشهدها الوقت الحاضر. وهذا ما يعبّر عنه بتاريخ «3000 سنة من قصص العملاء السريين».

ويشرح أنه إذا كان التجسس يضرب جذوره في التاريخ القديم للعالم وصولاً إلى اليونانيين والرومان والصينيين فإنه أخذ اليوم صفة العالمية عبر عمليات التجسس «المعولمة» حسب آخر التقنيات الخاصّة بالاستماع على الاتصالات الهاتفية في جميع أصقاع الأرض. ولا يتردد المؤلف في إبداء قلقه بهذا الصدد من أن يغدو «العالم كلّه خاضعاً للمراقبة».

وما بين المرحلتين، تلك التي تعود للتاريخ القديم وهذه الحالية المعاصرة التي تجد أدواتها المثالية في التكنولوجيات الرقمية، يشرح المؤلف على مدى العديد من الفصول آليات التجسس وجمع المعلومات مع «بروز جهاز الاستخبارات البريطاني» في ظل حكم الملكة اليزابيت الأولى و«المعركة التي خاضها جواسيس لويس السادس عشر من أجل الدفع نحو استقلال أمريكا عن التاج البريطاني»..

ثم «حرب الظل الفرنسية ــ البريطانية في زمن الثورة الفرنسية وبعدها في ظل إمبراطورية نابليون» و«ازدهار الأجهزة السريّة التابعة للقيصر الروسي».

لكن يبقى التركيز الأكبر من قبل المؤلف هو على القرن العشرين بكل ما عرفه من تقنيات جديدة للتواصل، ومن إيديولوجيات متنافرة..

ومن حروب بينها حربان عالميتان. وهو يصفه أنه قرن زاخر بـ«الأبطال» و«الخونة» و«الهاربين» و«المؤامرات والدسائس» و«الرسائل المشفّرة» وغير ذلك من «مفردات وأدوات» عالم الأجهزة السريّة. والقول في المحصّلة أن تاريخ الأجهزة السريّة في القرن العشرين يلقي الكثير من الضوء على تاريخ العصر الراهن.

ويكرّس المؤلف العديد من صفحات هذا الكتاب لدور الأجهزة السريّة خلال الحرب العالمية الأولى ــ الحرب الكبرى كما يطلقون عليها ــ ثم خلال الحرب العالمية الثانية. الفكرة الرئيسية التي يطوّرها «كوفير» بالنسبة لفترة الحربين العالميتين تتمثّل في دخول مكوّنات المجتمع المدني في المساهمة بعمليات التجسس، وخاصّة دور النساء إلى جانب «الجواسيس المحترفين».

أمّا فترة الحرب الباردة التي أعقبت نهاية الحرب العالمية الثانية فقد تميّزت بـ«حرب الجواسيس» بين المعسكرين الغربي بزعامة الولايات المتحدة والشرقي ــ الشيوعي ــ بقيادة الاتحاد السوفييتي السابق. حرب الجواسيس تلك استمرّت، كما يشير، حتى عام 1991 وانهيار المعسكر الشيوعي وتفكك الاتحاد السوفييتي. ويعتبر المؤلف فترة الحرب الباردة أنها كانت بمثابة «العصر الذهبي» للنشاطات الاستخباراتية والتجسس العلمي والاقتصادي.

الفصل الأخير من الكتاب مكرّس للتأريخ لعالم الأجهزة السريّة في فترة ما بعد الحرب الباردة. ومن خلال عملية بحث دؤوب في ملفات العالم الذي يدرسه يصل المؤلف إلى نتيجة مفادها أنه في عالم اليوم «تقضم العولمة الكثير من سيادة الدول..

وبالتالي يغدو من الأكثر صعوبة بالنسبة لأجهزة الاستخبارات أن تقوم بفتح هذا الميدان المرتبط تحديداً بالدولة عبر الفصل بين ما ينبغي أن يكون سريّاً للغاية ويتعلّق بقوّة الدولة، وما يمكن أن يكون خاضعاً للشفافية ويعرفه العموم». هذا في الوقت الذي غدا فيه التجسس «رقمياً» وعبر تكنولوجيات «تتقدّم بقوّة».

و«تاريخ عالمي للأجهزة السريّة»، عمل فريد وثمرة سنوات طويلة من البحث والتنقيب في «عالم الاستخبارات» الذي يصعب النفوذ إليه.


عدد القراء: 3102

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-