قراءة فنية لفيلم ( قلم المرايا ) نص خالد اليحيا وإخراج بدر الحمودالباب: فنون
عوني صادق مصر |
قراءة فنية لفيلم (قلم المرايا) نص د. خالد اليحيا وإخراج بدر الحمود. وأنا أشاهد الفيلم ترددت في ذهني الآية الكريمة: (نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) سورة الأنبياء آية 104 منذ البداية يضع الفيلم منطقية على أساس مسلمتين (علميتين) يبنى عليهما التسلسل المنطقي للأحداث، المسلمة الأولى ليست كل الأكاذيب (العلمية) حقيقة، نعم .. توجد بعض الأكاذيب (العلمية) حقيقة، فقد قدم جاليليو حياته من أجل إصراره على ما اعتبر في عصره كذبة وصلت حد الهرطقة وهي حقيقة دوران الأرض حول الشمس .. المسلمة الثانية (ليست كل الحقائق حدثت بالفعل) فهناك الكثير من الحقائق في طور التشكل في رحم الغيب ......
بداية لقد خلقنا الله بقدرات مهما بلغت من تطلع وطموح للوصول إلى الحقيقة بكل جوانبها، ستظل إنجازاته محدودة مهما بلغت من آفاق، وعبر رحلته الفكرية لامس قدرًا يسيرًا من بعض الحقائق التي مع مرور الأيام فقدت جدواها بعدما استنفذت غايتها ..
فيلم (قلم المرايا) ينطلق بنا نحو المستقبل، وهل من الممكن أن يحدث ذلك ؟! من الناحية العلمية .. نعم، فقيمة الزمن وزيادة الأبعاد المكانية تطرح سؤالاً يكسر فكرة الزمن ذاتها التي توافقت مع الساعة البيولوجية في داخل كل الكائنات الحية، وصنعت إحساسنا به، والسؤال هو (هل تؤدى زيادة الأبعاد الزمكانية إلى فتح المداخل المؤدية إلى الماضي، وأيضًا إلى المستقبل؟!) علميًّا نعم من الممكن أن يحدث ذلك، فالعالم الذي نعيش فيه والذي يتكون من أكثر من أربعة أبعاد زمكانية، وبدون الغوص في نظرية الوتر التي تحدد أن وحدات البناء الأساسية للكون ليست جسيمات على شكل نقاط، ولكن أوتار متذبذبة متناهية الكتلة/الطاقة، ويؤكد علماء نظرية الوتر أن الأبعاد الفضائية الكبيرة، إما إن تكون دقيقة بدرجة مذهلة بحيث لا تزال غير ملحوظة حتى الآن أو كبيرة ولكن ملتوية بدرجة لم نصل بعد إلى تكوين نظرية عنها، فالفضاء متعدد الأبعاد، مما يفترض إننا نعيش في مستقبل فضاءات أخرى والرسالة التي أرسلتها سفينة الفضاء الأمريكية إلى العالم من الصعوبة بمكان وصولها إلى كائنات فضائية تفترض تصوراتنا حتى الآن أنها لن تلحق بنا، أو نلحق بها نحن، فهي تعيش في زمن مختلف قد يكون ماضيًا بالنسبة لنا أو يسبقنا بملايين السنين، فالفضاء الذي نعيش مجرد ذرة فيه متعدد الأبعاد بدرجة تتجاوز قدرتنا حتى اللحظة بملايين السنوات الضوئية على احتواء قدر يسير من إمكاناته، يقول بايس هاينريتش من جامعة هاواى: «إذ كان الأمر كذلك فمن اليسير وجود طرق مختصرة عبر الفضاء متعدد الأبعاد، وهذه الطرق المختصرة هي ما تجعل السفر عبر الزمن ممكناً، (إلى الأمام وإلى الخلف) فالكون المفترض أنه جزيرة ذات أربعة أبعاد، ويطلق عليه البران يتجول في الفضاء من عشرة أبعاد، هذا الكون ينحني نحو الخلف على نفسه في بعد أضافي ضخم» ..... يأتي فيلم (قلم المرايا) ليؤكد فكرة السفر عبر الزمن، بهدف البحث عن قيمة الماضي والإمساك بإنجازاته الإبداعية والحضارية، وعلى رأسها القلم والكتاب، وعبر دوائر سحرية يربط الواقع بالخيال في دوائر سحرية تغمرها تفاصيل من علم البروج والتنجيم والفلك، ويغوص بنا في المستقبل بعد 40 سنة من طباعة أخر كتاب ورقي، كتب د. خالد اليحيا نصًّا فيه متانة حرفية عالية معتمدًا على قصة بسيطة، هي في الأساس نظرية افتراضية، بوجود قلم شارك في كل الإبداعات الإنسانية، وكانت مهمة السيناريو الذي صنع (اليحيا) حبكته بحذق يحسد عليه، هي البحث عن هذا القلم، الذي يحتوي على طاقة سحرية، وقد حافظ المخرج بدر الحمود على إيقاع الأحداث معتمدًا على إطار هوليوودى متضمنًا في المتن بعض التفاصيل الصغيرة التي يؤكد من خلالها إسهامات الحضارة الإسلامية العربية في الحضارة العالمية، وقد اعتمد على جذور علم الفلك والتنجيم من منكب الجوزاء والشعرى اليمانية، ذات الصلة المباشرة بنماذج فكرية لها انتماءها واعتبارها في الحضارة الغربية، وهذه التوقعات العلمية التي يتناولها الفيلم، من أن الكتاب سيكون آثرًا بعد عين، وسيكون حنين الأجيال القادمة إلى الكتاب والقلم، الفيلم ضمن حبكته الدرامية في البحث عن قلم المرايا وربطه بقدرته على الإبداع الذي شكل تراثًا إنسانيًّا، كما ذكرت، ولكن برغم حنيننا إلى الكتاب الورقي والقلم فسوف تأتى الأجيال القادمة بإبداعها الخاص الذي يعبر عن قيمها الفنية التي ترتبط بأحلامها وصبواتها وطموحاتها .. وإلى فيلم ممتع يفجر فينا قيما وأفكارًا جديدة. بقيت ملاحظة جانبية لا بد أن أشير لها وهي اعتماد البطل (الذي يمثل الأنا) على بروفيسور أمريكي (يمثل التشكيل الحضاري الغربي) لمساعدته في الوصول إلى سر قلم المرايا وقد اعتبر أنا ذلك مغازلة للآخر، وكان من الممكن الاستعاضة بحكيم عربي.
تغريد
اكتب تعليقك