# وظيفتك_وبعثتك تكامل تنموي داخلي وخارجيالباب: مقالات الكتاب
هند مبارك الدوسري الرياض |
طورت وزارة التعليم رؤية منهجية تكاملية للمرحلة الثالثة لبرنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي (# وظيفتك-وبعثتك) تقوم على دراسة الاحتياج الفعلي من الموارد البشرية في سوق العمل السعودي.
وتمثل هذه المنهجية أنموذج للتخطيط الإستراتيجي للمسارات الوظيفية. والتخطيط الإستراتيجي للمسار الوظيفي هو الربط بين الاحتياجات الوظيفية في التخصصات التي تحتاجها منظمات قطاعات الدولة والطموحات المجتمعية والتنظيمية والفردية. ويتطلب تخطيط المسارات الوظيفية في منظمات قطاعات الدولة مراعاة: توجهات الدولة الإستراتيجية، والتطور المُستدام، وتصميم ورسم المسارات الوظيفية الملاءمة لاحتياجات المنظمة الفعلية، وتعزيز التنافسية، والتوازن بين الفرص الوظيفية الحالية والمستقبلية عبر اكتشاف وتقييم الفرص الوظيفية، على أن يسبق ذلك أنظمة وتشريعات مرنة تسمح بالتخطيط الفعّال للمسارات الوظيفية. ولذا يُعدّ مشروع (# وظيفتك-وبعثتك) تنظيمًا عصريًّا لحوكمة تخطيط المسارات الوظيفية، وسيلبي شاغر (13000) وظيفة تخصصية في قطاعات الدولة. ومن مؤشرات الرضا والإنجاز عن هذا المشروع الإقبال الكبير عليه، وتمديد مدة التسجيل، حيث بلغ عدد المسجلين (11608) وفق آخر إحصائية.
وكما تم التنسيق من قبل وزارة التعليم مع قطاعات الدولة المختلفة لتحديد حاجاتها من تخصصات الابتعاث، وعقد شراكات لتوفير الاحتياجات من طلبة المرحلة الثالثة لبرنامج الابتعاث لتوظيفهم بعد تخرجهم وعودته. فيمكن زيادة نسبة كفاءة وفاعلية مخرجات المشروع، بأن يتسع نطاق التخطيط له استهداف طلبة التعليم العام بمراحله المختلفة - وألا يقتصر على خريجيهم- وبما يعكس منطق النظام، وترسيخ فلسفة تعزيز قيم العمل مبكرًا ضمن هيكلة متكاملة من الخطط، عبر تبني منحى تعليمي ينمي الميول والاتجاهات المهنية الطلابية المبكرة لهذه الاحتياجات الوظيفية، ويعزز القوة الاقتصادية بتنمية الكفاءات البشرية عبر مقاعد الدراسة مبكرًا. ويُمكن مخططي السياسات التعليمية وصنّاع القرار من مأسسة التخطيط الفعّال والمبكر للمسارات الوظيفية في مراحل التعليم العام وتنظيم تشريعاته.
ويتطلب ذلك بدايةً تبني منحى تعليمي تقوم فلسفته على دعم ركائز الاقتصاد القائم على المعرفة الخمس، وهي: النظام والأداء الاقتصادي والاجتماعي القائم على المعرفة وإداراتها، والعلوم والتقنية والابتكار، والتعليم والعمالة المعرفية، وتقنية العلوم والاتصالات.
وتعد العلوم والتقنية والابتكار إحدى ركائز الاقتصاد المعرفي لأنها أساس صناعة المستقبل التنموي، وحيث إن إحدى الفئات الرئيسية الست لمؤشرات الخطة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار هي: الموارد البشرية. فبوجود عجز في تلبية احتياجات القوى العاملة الوطنية والمؤهلة في تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، فإن من تبعات هذا العجز هو انخفاض المؤشرات الاقتصادية في العلوم والتقنية والابتكار. ومن أسباب هذا العجز طرق التدريس التقليدية، وقلة كفايات المعلمين في دعم إكساب الطلاب مهارات القرن الواحد والعشرين، وإنتاج المفكرين القادرين على حل المشكلات خاصة عبر تخصصات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات.
ولأجل هذه المبررات المهنية والاقتصادية ظهرت توجهات تعليمية حديثة، ومنها منحى تعليم (STEM) التكامليScience, Technology, Engineering, Mathematics . وتتضح المبررات المهنية في بُعد التخطيط الإستراتيجي بتوفير فرص وظيفية واسعة عبر تعليم STEM من خلال تأهيل الخريجين بالمهارات المطلوبة لسوق العمل في تخصصات مجالاته العلمية. وبالنسبة للجانب الاقتصادي فإذا أقررنا بأن الابتكارات لا تخرج عن كونها ضمن مجالات STEM أو تتداخل فيما بينها أو تتكامل. من ثم سيكون التركيز على تعليم STEM رافد قوي للاكتشافات العلمية والابتكارات التكنولوجية، وتعزيز المنافسة العالمية في عصر ترقى فيه المجتمعات وتتقدم بقدر محصولها من الإنتاج العلمي والتقني.
وتعليم STEM هو توجّه تطبيقي لدمج مجالات العلوم والتقنية والهندسة والرياضيات. وتدريسها عبر نموذج مترابط في نسق تكاملي واحد، يوفر سياقات تدريسية واقعية لمحاكاة العالم الطبيعي، عوضًا عن تدريسها منفصلة.
والسبب وراء اختيار هذه المجالات المعرفية الأربع كون العلوم والرياضيات تشكل العلوم الأساسية الحياتية، بينما التقنية والهندسة هي الجوانب التطبيقية لتلك المعارف والعلوم، بما يحقق معنى للتعلّم.
وظهر تعليم STEM للمرة الأولى في الولايات المتحدة الأمريكية بالتسعينيات من قبل المنظمة القومية الأمريكية للعلوم (NSF)، ثم تزايد الاهتمام به لارتباطه بالجوانب السياسية وتعزيز القوة الاقتصادية التنموية من حيث توفير القوة العاملة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. كما أن مناهج STEM ليست موجهة فقط لتعلّم العلوم، وإنما هي موجهة أيضًا لتنمية ميول الطلاب تجاه هذه التخصصات مبكرًا، ولمعالجة مشكلة شاعت في السنوات الأخيرة على نطاق واسع تُعرف بـ "STEM Pipeline"، المتمثلة في نقص عدد الطلاب الذين يتابعون دارستهم في مجالات STEM العلمية، بسبب تسربهم مبكرًا مما يسمى "بأنبوب STEM" حين يفقد كثير من الطلاب الاهتمام بالعلوم والرياضيات في سن مبكرة. وأظهرت إحصائيات دراسة تتبعية في أمريكا إلى أنه بعام 2001 بلغ عدد طلاب الصف الثالث متوسط أكثر من أربع ملايين في أمريكا، تخرج منهم من الثانوية 2.8 مليون، والتحق بالجامعة 1.9 مليون، وبلغ عدد الخريجين الجامعيين 1.3 مليون، وعدد المتخصصين منهم في مجالات STEM 167000.
وتستثمر الولايات المتحدة الأمريكية ما يقارب ثلاث مليارات دولار في برامج فدرالية مرتبطة بتعليم STEM، وتصميم برامج STEM التعليمية لجميع المراحل التعليمية ( من رياض الأطفال وحتى التعليم الثانوي). وأسس تصميم هذه البرامج تعتمد على التربية الهندسية والتكنولوجية والبيئية، واستهداف قضايا ومشكلات العالم الحقيقي في سياقات مجتمعية، والتأكيد على دور الهندسة ( من منظور كيفية عمل الأشياء)، والاسترشاد بعملية التصميم الهندسي (عملية التصميم كطريقة لحل المشكلات)، وتطوير أفكار متعددة الحلول لها، وتصميم نماذج أولية للحلول واختبارها، للوصول إلى تصميم هندسي، ومنتج مادي تقني. وتتيح بيئة STEM احتمالات ثرية لحلول مبتكرة. وهذا ما يميز تعليم STEM تركيزه على دمج الهندسة في جميع المراحل التعليمية من رياض الأطفال وحتى الثانوية.
فإن تم تبني مثل هذه المناحي التكاملية في مراحل التعليم العام سيساعد ذلك في اكتساب خريجي طلاب التعليم المهارات اللازمة لبدء الحياة المهنية، وتشكيل اتجاهات الطالب المهنية، ومهارات سوق العمل ما قبل مرحلة التعليم الجامعي، وترسيخ ثقافة الإنتاجية، وتحقيق التكامل التنموي الداخلي والخارجي مع رؤية وتوّجه وزارة التعليم لمشروع (# وظيفتك_وبعثتك).
تغريد
التعليقات 1
مقال رائع يؤكد على أهمية الربط بين التعليم والوظيفة والتعليم والنمو الاقتصادي وأهمية تنمية التوجهات الإيجابية للطلاب نحو العلوم والرياضيات والهندسة والتقنية من خلال stem شكرا للكاتبة
اكتب تعليقك