ما حاجتنا إلى فلسفة الحداثة وليورغان هابرماس؟الباب: مقالات الكتاب
محمد بن الظاهر باحث من مراكش |
الحــداثة (modernité) نـقـيض الـقـدْمة، والمحدث هو الأمر المبتدع، وذلك في قولنا (العالم محدث) أي له صانع وليس بأزلي، وعامة تعبر عن سياق التطور التاريخي والمجتمعي الشامل والذي انخرطت فيه بلدان أوروبا، وقد ظهر لفظ "الحديث" في القرن 14م، لكن لم تأخد شحنتها إلا في سنة 1850م، على يد كل من (جيرارد دو نيرفال Gérarde de Nerval) و(شارل بودلير Charles Baudelaire).
إنه من العسير الإحاطة بمفهوم الحداثة ومشاكلها وفلسفتها وصراعها مع التيار المسمى تجاوزًا "ما بعد الحداثة"، لدى من الضرورة الرجوع إلى منبعه الأصل وأخد الحيطة من الإسقاط واللصق العقيم.
بهذا التأطير المقارباتي لمفهوم الحداثة سنعرج إلى أهم أعلام المدرسة الفركنفورت ومنظر الحداثة الكبير (يورغان هابرماس Jürgen Habrmas)، فيلسوف وعالم اجتماع ألماني معاصر يعد من أهم منظري المدرسة الفرنكفورت النقدية وأشهر ممثلي النظرية النقدية الاجتماعية المعروفة في حقل الفلسفة المعاصرة، فرغم الثقل العلمي لأفكار الجيل الأول (هوركهايمر، أدورنو، فروم، ماركوزه...)، إلا أن هابرماس أبان عن نفسه في المشهد الثقافي كفيلسوف الجمهورية الألمانية الجديدة بحد تعبير وزير الخارجية الألماني يوشكا فيشره. إذن ما حاجتنا به؟.
إن هدف فلسفة هابرماس هو تأسيس لأخلاق تواصلية تقوم على أساس الاعتراف بالآخر والتحاور معه دون ادعاء أي طرف بامتلاكه للحقيقة، وعلى رغم من اتسام مشروعه بنقد النتائج المذمرة التي أفضت إليها صيرورة العقلانية، إلا أنه يؤكد تمسكه بالمشروع الحداثي والتنويري، ففي دفاعه عن الحداثة يشير إلى أن ما صاغه مفكرو الأنوار لم ينجز بعد، حيث قال في كتابه "الحداثة وخطابها السياسي": "[...] لدى الفلاسفة الذين يشكلون اليوم ما قد يدعي مؤخرة عصر التنوير، فهم لا يثقون إلا بجزء من أجزاء هذا المشروع، التي انقسم إليها العقل".
حاول هابرماس إعادة الثقة في الحداثة الغربية بالكشف عن منطق آخر في التطور يمثل عقلانية تواصلية، ويكشف هابرماس عن فرع آخر في العقلنة هي العقلانية التواصلية الاجتماعية.
إن المثقف العربي صفر اليدين من آليات البحث والنقد الموضوعي، وعاجز عن طرح أسئلة كبرى تنم عن وعي حقيقي ودراية تعكس مدى تمكنه، وأُسقِط جانب من جوانب النقد الأصلية وهي التقويم، وتوجيه الأصبع لمكامن الزلل والخلل والعيب، لكن الجملة التي تليق بوضعه الآن هي (نقد مجاملاتي)، نقد قاتل، يزرع في النفوس نزعة ذاتية، وهم الوصل للقمة، لكن واقع النقد العربي يحتضر على حد تعبير محمود الغيطاني في كتابه "زيف النقد ونقد الزيف" (دار فضاءات).
إنها دعوة إلى قراءة تفكيكية لمعالم المشروع الحداثي الهابرماسي. يقول محمد سبيلا "افترض أن لفكر هابرماس، ولتحليلاته حول الحداثة وأسسها الفلسفية، أهمية كبيرة وفائدة جلية للفكر العربي والمعاصر. أولاً أنه يقدم للفكر العربي مادة فكرية ثرية حول الأسس الفلسفية للحداثة[...] ثانيًا أن هناك ميلاً في الثقافة العربية المعاصرة وبخاصة في مجالات الأدب والفن إلى تبني أفكار ما يسمى تجاوزًا "ما بعد الحداثة" [...] ثالثًا يستفيض هابرماس في تتبع وتطوير فكرة هيغل حول الحاجة إلى الفلسفة (مجلة فكر وفن، عدد 92، السنة التاسعة والأربعون2010).
الحداثة ليست فقط استلابًا أو تشيئًا وقمعًا...، بل تحرير من سجن المقدس والانفكاك من المرحلة اللاهوتية، هي تواصل ونقاش.
تغريد
اكتب تعليقك