وطنٌ على الغدرِ عسيرالباب: حياتنا

نشر بتاريخ: 2015-08-24 00:33:37

د. نسرين الحميد

جامعة الأميرة نورة بنت عبد الرحمن - الرياض

"تفجير انتحاريُّ في مسجد لقوات طوارئ عسير "

 

 هكذا قرأناه عنوانًا لكنه أشاع شعورًا موحشًا هناك في الخبر مالا يتوافق مع نسيج وحدتنا وديننا! 

من نكث نسيج الأفكار؟ وأحال الأخوة  في نظر الآخر فجار؟ من غلغل في دمهم صوت التفجير وأزاح عن العقل التفكير. من دبر كيدًا بنفوسٍ بعض الأبناء ما أنجسه من تدبير! حينما يتسلل للمسجد من ينوي القتل... لا نعلم كيف دخل إلى بيت الله، بعد أن سمع الأذان، كأنه يقول  لمن فيه: "لكم دينكم ولي دين" دخل إلى محطِّ جباه الراكعين الساجدين، لا ليسجد، بل لينثر أشلاءه لم يجد له رداءً  يواري سوءة فكره فتدثر بالدين!

 من علمه نسف الدين! من اختطف طريقه وقاد جسده كي يمزق أجساد المصلين!

طاقةٌ ضلت الطريق وابنٌ عقّ بلده، ومزّق بالديناميت جسده، اخترق الظلام عقله وتوسّدتْه آثام الغادرين تجرّد إلّا منها وسهل عليه أن يمتطي قسوة ذنبه. موقفٌ مسرفٌ بالوحشة وتفاقمٌ في تغييب الفكر وتجريدٍ تامٍّ تخطى مظاهر الإنسانية. إغترابٌ موحش وعميق على أرض الوطن وعقوق فاحش ومركّبٌ لروابط لا يمكن أن يتم إخفاءها مع الحزام الناسف،  توارت عن أنظار  المجرمين وظهرت بأبشع منظر اقترافٌ لحرمة المسجد وحرمة المصلين وحرمة الدم غيلةً لمرابطين!

حرماتٌ فوقها فوق بعض وظلماتٌ فكرية متلاطمة الغرق يكتنف الظلاميون على تعدد درجات السواد في عقولهم فمن ينجو منهم من فكرٍ واجف لن ينجو من  أن يلف جسده بحسام ناسف!

هل تناقص الأعداء كي تبكي أجساد جنودنا دمًا على وقع تطاير جسد أحد أبنائه!

 الوطن كالجسد الطاهر قد يتكون فيه بعض الورم ويتألم حتى يلفظه بشتى الأشكال وإن تضخم الورم لن تكفيه المهدئات ولن يزول إلا بسكين الجرّاح طبيبٌ لا يبالي بقطع الجلد وتتغلغل آلته الدقيقة الحادّة بين اللحم والعظم وإن تمزّق ما بينهما من أورده من أجلِ أن ينتزع مصدر الألم ويلفظه بعيدًا وتقتفي إبرته بعد ذلك آثار الجرح كي تقفله في مشهد وداعٍ لقطعة تعفنت من هذا الجسد ستنسى مع الأيام وتلتئم  الجراح العميقة وتشفى  ويبقى على الأديم ندبات جرح لن تختفي لتذكرنا بتلك الآهات الصدرية حين انتزعته ذات يومٍ من بين اللحم والدم كي يتطهر الجسد ويشفى أما الشهداء اصطفوا للصلاة في مشهد ختام ووداع واستشهدوا في أجمل وقفةٍ بين يدي الله واحتضنهم الوطن  في يومٍ ماطر ضمّ رفاتهم، في حزنٍ يعيد لنا مشهد الأم الباكية عند وداع أبنائها ولم يتبق لنا بعد هذا الوداع إلا أن نعود إلى المساجد لله ذاكرين بأن يحفظ المولى لنا ديننا وأمننا وليبقى وطننا :

وطنٌ على الغدر عسير

 

  لم يشُقُّوا  صفّنا  فـاســْتأْســدت

                                      في  بيوتِ  الله .. هاتيك القُرود

لم  ينالــُـوا  منك  إلّا  سـاجداً

                                     بئستِ  الـغيلةُ  في  وقتِ السُّجود

بئـستِ  الأجــسـادُ بــاتت آلـةً

                                     لِيُدار  الفكر  من خـلفِ  الحدود

 جُرِّدتْ  إلا  من  الرِّجسِ الـذي

                                     لفّها  فــانفـجرت   نفس  الكــنود

 وطـني  يفـديـك  شــبلٌ  مـــؤمنٌ

                                     ســـاجِــدًا  مــات  وجُنديٌّ  يـــذود

 هــم أشـــدّاءُ على مـن خـــانـنـــا

                                     رحــمــاءٌ  بيـنـنا،  غـيـثٌ  يــجُــــود

 شــهــد  الـحـدُّ  جنوباً  بأســهُــم

                                     وعــباد  الله  في  الأرضِ  شــهـود

وعـلى  أكـتـافــهـــم   بـــات   لــنــا

                                     أمــلُ  الكــهــلِ  وأحــلامُ الـــــورود

كل  مــا فــيـنـا  عــســيرٌ  و لــظى

                                     نخلةٌ  الأحساءِ  أو  سيفُ  النُّفود

إن  يمــسُّـــوا  بحــرنــا  أغرقـهـم

                                     وصـحــاريـنـا  مــفـازات  الـحقود

وطني   يـفـديك   شـــبلٌ   مؤمنٌ

                                     ســاجِدٌ  مـــات  وجُــنـديّــاً  يـــذود

 هم     رجالٌ   إن   غفونا  لـم  تنم

                                     أعينٌ  للسّـهـلِ  فــرســان  النُّجود

وطـــنٌ  نـغــفُـــوا  عـلى  أيكــــتِـــِــهِ

                                     يتّقي  يقْــظــتــنا  عـنـد  الــرُّقُـــود

لـيـس    يــفــديــه   جـبـانٌ    خـائنٌ

                                     يرتــدي  الــدين  بِمـِنْــهـاجِ  يـهُود


عدد القراء: 5023

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 1

  • بواسطة مها السمنان من المملكة العربية السعودية
    بتاريخ 2015-08-26 07:36:23

    شكرا د.نسرين لكلماتك الندية التي اختزلت الوصف و المشاعر والالام و المواقف في تلك الكلمات التي كشفت الغطاء عمن جعل الدين من الحيل التي يكتسيها وقت ما شاء و اين ما شاء ، كلماتك اعادت لنا ألم الموقف فكيف بمن هم فقدوا اولئك الشهداء ، مقال بمنتهى الروعة تميز باحتراف الكلمة و جمال الوصف و فن اختزال الفكرة بمعطياتها ، سلمت يمينك و ما خطت ، واسال الله جل في علاه ان تزول الغمة و تنهض الامة و نسعد بأمننا و استقرارنا في ظل مليكنا ووطننا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-