قراءة في كتاب: الحجاج في التواصلالباب: مقالات الكتاب
د. الحسين الرحاوي باحث في مجالي: البلاغة والمسرح - المغرب |
الكتاب: الحجاج في التواصل
المؤلف: فيليب بروطون
المترجم: محمد مشبال/عبدالواحد التهامي العلمي
الناشر: المركز القومي للترجمة
سنة النشر: 2013
عدد الصفحات: 150 صفحة
من المعلوم أن مصطلح "قراءة" يفيد تعدد زوايا النظر في التعامل مع النص الأدبي، على اعتبار أن هذا النص قد برز في سياق، وأن له هيكل، ومكونات، تتفاعل فيما بينها داخل محيط يستمد منه مقوماته.
وعلى ضوء ذلك، ونحن أمام كتاب قيم-نقر ومنذ البداية-بصعوبة الإمساك بكل الأفكار المضمنة فيه، وكذا الإحاطة بعوالمه وأسراره ومكنوناته. فللكتاب الذي بين أيدينا "الحجاج في التواصل" مكانة خاصة داخل حقل العلوم الإنسانية، وذلك راجع إلى أنه يعد من بين أهم الإسهامات الغربية التي قرنت بين البلاغة والحجاج، بتصور مخالف لما هو سائد، إذ نجد فيليب بروطون يقترح تصنيفًا جديدًا للحجج يختلف عن التصنيفات الحديثة المتداولة، فقد اعتمد على أربعة أصناف من الحجج، نذكر منها: الحجج التي تستند إلى السلطة، والحجج التي تستدعي افتراضات مشتركة، والحجج التي تقوم على عرض الواقع وتأطيره، والحجج التي تستدعي تماثلاً.
أسهم هذا الكتاب في ضخ دماء جديدة في شرايين حقل البلاغة الجديدة، لا نقصد ههنا البلاغة التي تهتم بالصور والوجوه الأسلوبية "البلاغة المختزلة" ولكن قصدنا تلك التي صاغها أرسطو وهو ينظر إلى طبيعة الخطاب التواصلي الشفهي، أو كما صاغها بيرلمان وهو ينظر إلى مختلف الخطابات عبر الصحف والمجلات والبرامج التلفزيونية والإعلانات... التي يحاول من خلالها الخطاب استثمار الدرس البلاغي بآلياته المختلف.
يتألف الكتاب من مائة وخمسين صفحة من الحجم الكبير، ويتضمن سبعة فصول بالإضافة إلى تقديم للمترجمين ومقدمة وخاتمة للمؤلف الأصلي، وقد ذيل الكتاب بدليل ببلويوغرافي ومعجم المصطلحات المستعملة في الحجاج إلى جانب أهم المفاهيم بالإضافة إلى أسماء الأعلام.
وتتوزع فصوله حول القضايا التالية:
الفصل الأول: حقل البلاغة.
الفصل الثاني: أصناف الحجج.
الفصل الثالث: دور الاتفاق المسبق.
الفصل الرابع: حجج السلطة.
الفصل الخامس: حجج الاشتراك.
الفصل السادس: حجج التأطير.
الفصل السابع: حجج التماثل.
في المقدمة المخصصة للمترجمين تم تسليط الضوء على المسار العام والتحولات الكبرى التي عرفتها البلاغة، منذ ظهورها في أثينا والتي ارتبطت فيها بالإقناع وقضايا الدفاع عن الملكية، وإلى غاية تواري وتقهقر الجانب الإقناعي الحجاجي فيها وسيادة الأسلوب وإلى حين الرجوع القوي لها، وخاصة مع ظهور كتاب "المصنف في الحجاج" لبيرلمان وتيتيكا.
وعن انحسار البلاغة يتحدث رولان بارث: بالفعل فلقد تطور اسم الأسلوب كثيرًا، فمنذ نشأة البلاغة أو الخطابة كان هذا القسم غائبًا في صناعة كوراكس وكانت نشأته حينما صمم جورجياس على تطبيق المعايير الجمالية الواردة من الشعر على النثر، كان أرسطو قليل العناية به مقارنة بأمور الخطابة الأخرى هي الحجج الصناعية أو غير الصناعية وعلى وجه الخصوص تطور هذا القسم مع اللاثينين أمثال شيشرون وكلينتينيان ... وانتهى الصنف الوحيد من بلاغة المحسنات والصور.
معنى هذا أنه مع البلاغة اللاتينية بدأت البلاغة تسير في اتجاه الاختزال، في قسم الأسلوب أو ما يسمى بالعبارة بدأ الجانب التجنيسي والتزيني يطغى ويهيمن وهو ما سنجده مع شيشرون في كتابه "الخطيب" حيث اهتمامه الكبير بالأداة اللغوية والأسلوب وهذا ما دفعه إلى التمييز بين أجناس الخطابة المختلفة على أساس معيار الأسلوب، ورتبها وصنفها حسب هذا المعيار منها: الأسلوب المتدني، والأسلوب المتوسط، والأسلوب الرفيع. بل ولقد ذهب أبعد من ذلك إذ نجده يميز بين أسلوب الخطيب الذي اعتبره غير أسلوب الشاعر... فلكل واحد مما ذكر أسلوبًا خاصًا به، فمن هنا إذن بدأ مسلسل الاختزال وقد بلغ الأمر درجة حذف البلاغة من المقررات التعليمية الدراسية في فرنسا خاصة في القرن التاسع عشر.
فقد تحدث جيرار جنيث عن ما أسماه "البلاغة المختزلة" غير أن دواعي الاختزال قد تعددت ولعل من أسبابه سطوة الاتجاه الرومنسي (الصدق) والمنطق الصوري، وكذلك العقلانية الديكارتية الطافحة.
وقد ظل هذا الوضع مستمرًا حتى ظهرت حركة جديدة تزعمها الفيلسوف البلجيكي بيرلمان، بفضل هذه الحركة أعيد للبلاغة أوجها وإشعاعها بحيث ظهرت في هذا السياق أسماء كثيرة مثل: "ميشيل مايير، ريبول... والقارئ المتتبع لهذا المسلسل لا شك أنه سيلحظ أن أغلب المؤلفات التي ظهرت في هذه المرحلة تلامس بلاغة الحجاج سواء في امتداده الفلسفي أو القانوني...
وبذلك فقد تم القطع مع العقلانية الديكارتية التي أثبتت وأعلنت فشلها في التعامل واحتواء مجموعة من القضايا التي تنفلت من قبضة الحساب، وبعد هذا التدرج فالمساحة والحيز الذي يشتغل فيه هذا الكتاب أو غيره من الكتب التي تصب في الاتجاه نفسه، والمنتمية إلى مجال العلوم الإنسانية هو جانب الاحتمال والرأي.
فكما هو معلوم وخلال العقود الأخيرة مما عمق ورسخ ضرورة الاهتمام بحقل البلاغة، ذلك التحول الكبير الذي حدث في نظريات النص، نظرية التلقي، تداولية النص، السيميائيات... والتطور الذي عرفه ميدان الاتصال عمومًا...
وكتاب "الحجاج في التواصل" يصب هو الآخر في هذا الاتجاه: اتجاه المصالحة بين البلاغة والنظرية الحجاجية، بشكل مبسط وبتوجه إجرائي تحليلي مما جعله أقرب إلى الطالب الجامعي والمهتم عمومًا بتحليل الخطاب.
وبعد مقدمة المترجمين التي رسمت الإطار العام الذي يسلكه الكتاب، نصادف ومنذ (ص17) مقدمة الكتاب التي افتتحت بتساؤلات عدة تلفت النظر إلى ضرورة وأهمية الحجاج في العملية التواصلية، وقد طرح بروطون سؤالاً هو كالآتي: هل يمكن أن نصف مجتمعًا بأنه مجتمع ديموقراطي وهو لا يوفر الكفاية التواصلية لمواطنيه؟
يميز بروطون بين فعلي الحجاج والتطويع باعتبارهما وجهين متعارضين مع الإقناع، فالإقناع عنده هو إحدى جهات القول الأساس للتواصل الذي يكون القصد منه إما التعبير عن إحساس أو عن حالة أو عن نظرة أو يكون القصد منه هو الإخبار... وسيستأنف بروطون من (ص20 إلى 24) الحديث عن أفول البلاغة واختزالها وكذلك الحديث عن البلاغة الجديدة ودور الفيلسوف بيرلمان في بعثها وعن تصوره للحجاج –أي بيرلمان – فالحجاج عنده هو "إقناع المستمع ويكون ذلك بترتيب الحجج وتكييفها مع هذه الغاية." وأن الهدف منه ليس إقامة الدليل على صدق النتيجة انطلاقًا من صدق المقدمات كما هو الشأن بالنسبة للبرهنة بل إن هدفه هو نقل التصديق الممنوح للمقدمات والنتائج، بمعنى آخر ضبط انخراط العقول في التقبل.
وفي الفصل الثاني: يرى بروطون بأن الحجاج يرتبط ارتباطًا وثيقًا باللغة البشرية، وأنه أساس للديموقراطية، مشيرًا بذلك إلى ميلاد البلاغة في القرن الخامس قبل الميلاد وحمولتها الحجاجية البرهانية لأنها نشأت في كنف الدفاع عن الملكية.
فالحجاج إذن هو محور الحديث في هذا الفصل ومادام كذلك فقد خصه بثلاث تعاريف منها مثلاً: أن الحجاج يفيد التواصل وأيضًا أن الحجاج ليس إقناعًا مفروضًا وهنا يحدث قطيعة مع التطويع أي التأثير القسري أيضًا الحجاج معناه البرهان.
مشيرًا في الوقت نفسه إلى ضرورة تجديد الآليات وتحصين النظرية بفعل النمو السريع للغة ولصيغ التواصل، كما حدد مستويات عديدة للحجاج معتبرًا أنه من الضروري التمييز بينها ومن ذلك:
• رأي الخطيب: ينتمي إلى مجال المحتمل.
• الخطيب: ينقل الرأي إلى المتلقي.
• الحجة التي يدافع عنها الخطيب: يتعلق بالرأي الذي يتشكل لأجل الإقناع.
أعطى بروطون أهمية بالغة للاتفاق المسبق معتبرًا إياه بأنه أساسي في الحجاج، والاتفاق المسبق عنده يتحقق بواسطة تحديد نقطة الارتكاز انطلاقًا من موضوع مقبول من المتلقي سلفًا، وقد أخذ يشرح هذا الاتفاق موازاة مع ما ورد في النص وهذا هو عمق الطابع الإجرائي التطبيقي الذي تحدثنا عنه والذي ميز توجه الكتاب بشكل عام.
مع تخصيصه للحجج التي تحدثنا عنها سابقًا بفصول مستقلة يقلبها بالشرح الكافي والوافي، ومن ذلك نجد في الفصل الرابع حديثًا عن حجة السلطة وفي الفصل الخامس حجج الاشتراك وفي الفصل السادس يتحدث عن حجج التأطير والفصل السابع عن حجج التماثل.
وفي خاتمة هذا العمل القيم يقر المؤلف فيليب بروطون بأنه رغم كل هذا العرض الزاخر لم يستوف جميع مظاهر الحجاج، بحيث ركز فيه على نقطتين أساسيتين الأولى متعلقة بالدور الذي يضطلع به الاتفاق المسبق في الحجاج، كاشفًا بذلك عن الدافع الذي جعله يؤلف هذا الكتاب معتبرًا أنه من الضروري أن نعيد للكلام قلبه النابض: الحجاج.
الهوامش:
1 - فيليب بروطون: الحجاج في التواصل، ترجمة محمد الوالي- عبدالواحد التهامي العلمي، المركز القومي للترجمة، العدد2338، ط. الأولى 2013
- 2Barthes «l’ancienneétoriquecommunication». no 4. Seuil. 1964
- 3Genette Gérard. Rhétorique rt enseignemen. Figure 2. Edition de Seuil.1969
تغريد
اكتب تعليقك