بلاغة الإعجاز القرآني من منظور الجرجانيالباب: مقالات الكتاب
د. نجلاء الحداد أستاذة باحثة في مجال البلاغة وتحليل الخطاب-المغرب |
ملخص البحث:
يعنى هذا البحث بدراسة أسرار بلاغة الإعجاز القرآني التي حيّرت البلاغيين وقسمتهم إلى فئتين اثنتين، انتصرت الأولى للفظ والثانية للمعنى، وهو الأمر الذي حاول عبدالقاهر الجرجاني الذي الحسم فيه، وذلك من خلال "نظرية النظم" التي تولدت عبر دمج النحو والبلاغة.
مقدمة:
يشكل القرآن الكريم المعجزة التي أبهر بها محمد صلى الله عليه وسلّم العرب. ذلك أنه تحدّى الإنس والجن بأن يأتوا بمثل القرآن: (قُل لَّئِنِ ٱجۡتَمَعَتِ ٱلۡإِنسُ وَٱلۡجِنُّ عَلَىٰٓ أَن يَأۡتُواْ بِمِثۡلِ هَٰذَا ٱلۡقُرۡءَانِ لَا يَأۡتُونَ بِمِثۡلِهِۦ وَلَوۡ كَانَ بَعۡضُهُمۡ لِبَعۡضٖ ظَهِيرٗا).
وقد اختلف العرب في كشف سرّ نظمه المعجز وبلاغته الفائقة، ومن ذلك النقاد والبلاغيون الذين اختلفوا في دراستهم لمسألة بلاغة الإعجاز، لينقسموا إلى فئتين اثنتين، انكبت الأولى على دراسة أسرار جمالية ألفاظ القرآن وحسن جرسها وتجانس حروفها، بينما انشغلت الثانية في التفكير في حسن المعنى وأثره، وهو الخلاف الذي حاول عبدالقاهر الجرجاني الحسم فيه من خلال دلائله. وسنتتبع كيفية تناوله قضية بلاغة الإعجاز بالدرس والتحليل ولكن قبل ذلك لا بد من الوقوف على تفاصيل الدراسات التي أنجزت قبله بدءًا من الجاحظ الذي أثر في مجموعة من البلاغيين بعده والذين اكتفوا بترديد ما توصل إليه.
أولاً: بلاغة البيان وأثرها على دارسي إعجاز القرآن
إنّ أول كلمة تصادفنا في مسير بحثنا عن جمالية بلاغة الإعجاز القرآن هي كلمة البيان والذي جاء في الذكر الحكيم نفسه، في معرض ردّه عز وجلّ عن قول بعض الملاحدة إنّ ما أتى به محمد (صلى الله عليه وسلم) من القرآن شعرًا. يقول الله عز وجلّ في الآية الثامنة والستين من سورة يس: (وَمَا عَلَّمۡنَٰهُ ٱلشِّعۡرَ وَمَا يَنۢبَغِي لَهُۥٓۚ إِنۡ هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ وَقُرۡءَانٞ مُّبِينٞ )2
وتفيد هذه الصفة الأخيرة دلالة الوضوح والظهور سواء عند المفسرين أم اللغويين والبلاغيين. ففي تفسير الجلالين للفظ نجد "قرآن مبين: مظهر للأحكام وغيرها"3
وفي معجم تاج العروس لمرتضى الزبيدي نقرأ:
"أبان الشيء اتّضح وأبنته: أوضحته، واستبان الشيء: ظهر، واستبنته عرفته، وتبيّن الشيء ظهر، وتبينته (...) وقال الجوهري التبيين: الإيضاح، وأيضا الوضوح"4.
وفي السياق نفسه يذهب الجاحظ (255هـ) في تعريفه البيان "والبيان اسم جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتَك الحجاب دون الضمير، حتى يفضي السامع إلى حقيقته، يَهجم على محصوله كائنًا ما كان ذلك البيان، ومن أي جنس كان الدّليل؛ لأن مدار الأمر والغاية التي إليها يجري القائل والسامع، إنما هو الفهم والإفهام؛ فبأي شيء بلغت الإفهام وأضحت المعنى فذلك هو البيان في ذلك الموضع"5.
ويبدو أن الجاحظ تناول مسألة الإعجاز القرآني من زاويته المعتزلية؛ حيث جعل فصاحة اللسان قاعدة من قواعد البيان، فـ"كلما كان اللسان أبين كان أحمد، كما أنه كلما كان القلب أشدّ استبانة كان أحمد"6.
إلى جانب الفصاحة، اهتم الجاحظ بجمالية اللفظ ورصانته ورشاقته وسلامة مخارج الحروف وملاءمته للمعنى الوارد في سياقه؛ ذلك أن ألفاظ الذكر الحكيم وردت مطابقة لمقتضى الحال:
يقول الجاحظ "ألا ترى أن الله تبارك وتعالى لم يذكر في القرآن الجوع إلا في موضع العقاب أو في موضع الفقر المدقع والعجز الظاهر. والناس لا يذكرون السّغب ويذكرون الجوع في حال القدوة والسلامة. وكذلك ذكر المطر، لأنك لا تجد القرآن يلفظ به إلا في موضع الانتقام. والعامة وأكثر الخاصة لا يفصلون بين ذكر المطر وبين ذكر الغيث. ولفظ القرآن الذي عليه نزل أنه إذا ذَكَر الأبصار لم يقل الأسماع، وإذا ذكر سبع سموات لم يقل الأرضين ولا السّمع أسماعا (...) وفي القرآن ألفاظ لا تكاد تفترق كالصلاة والزكاة والجوع والخوف، والجنة والأرض، والرغبة والرهبة، والمهاجرين والأنصار، والجن والإنس"7
وقد قاده اهتمامه بالتوازن في الإيقاع الصوتي إلى اعتبار النظم سرّ إعجاز القرآن الكريم لتأثير ظواهره البديعية على نفوس السامعين، ومن ذلك السجع المرّصع في قوله تعالى: (إِنَّ ٱلۡأَبۡرَارَ لَفِي نَعِيمٖ 13 وَإِنَّ ٱلۡفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٖ )8
وقوله كذلك ( وَٱلنَّجۡمِ إِذَا هَوَىٰ 1 مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمۡ وَمَا غَوَىٰ )9 كما أشار كذلك إلى الاقتباس واللغز والأسلوب الحكيم، وعرض تأويلاً لبعض الصور البيانية الواردة في الذكر الحكيم، ليردّ بذلك على مزاعم الملاحدة إزاء بعض الآيات الكريمة، ووقف على الدلالات الدقيقة للاستعارات والتمثيلات والتشبيهات الواردة في ثنايا الآيات الكريمة، "حيث اعتبر الآية الكريمة: (إِنَّ ٱلَّذِينَ يَأۡكُلُونَ أَمۡوَٰلَ ٱلۡيَتَٰمَىٰ ظُلۡمًا إِنَّمَا يَأۡكُلُونَ فِي بُطُونِهِمۡ نَارٗاۖ وَسَيَصۡلَوۡنَ سَعِيرٗا ) من باب المجاز، وقوله عز وجل: ( أَكَّٰلُونَ لِلسُّحۡتِۚ ) من باب التشبيه"10.
لقد اهتم الجاحظ بدقة بتأليف اللفظ القرآني وجمال نظمه، لدرجة أنه قدّمه عن المعنى لاعتباره أن المعاني مطروحة في الطريق وأن الشأن في إقامة الوزن وتخيّر اللفظ وسهولة المخرج وكثرة الماء11.
وسرعان ما قسمت مسألة تبئير اللفظ على المعنى الدارسين في القرن الرابع إلى تيارتين اثنين، واحد لفظي يتزعمه إلى جانب الجاحظ قدامة بن جعفر (337هـ) في "نقد الشعر" وأبو هلال العسكري (395هـ) في "الصناعتين"، والذي اعتبر الإبداع الأدبي صناعة آلية شأنها شأن باقي الحرف الصنائعية، فضلاً عن الرماني (386هـ) الذي قال إن البلاغة تتجلى في "إيصال المعنى إلى القلب في أحسن صورة اللفظ"12، وقسم البلاغة إلى عشرة أقسام وهي: الإيجاز والتشبيه، والاستعارة، والتلاؤم، والتجانس، والفواصل، والتصريف، والتضمين، والمبالغة، وحسن البيان. وهي كلها مباحث بيانية وبديعية. والخطابي (388هـ) الذي لا تقل وجهة نظره عن الرّماني.
وفي القرن الخامس نجد الباقلاني (403هـ) يذهب في السياق نفسه؛ والذي يعتبر شوقي ضيف كتابه مجرد شرح لما قاله الجاحظ من جمال النظم القرآني، وما قاله الرماني من أنه في المرتبة الرفيعة من البلاغة والبيان، علاوة على القاضي عبد الجبار (415هـ) الذي يعتبر أن العرب لم يعارضوا القرآن الكريم لتعذر ذلك عليهم، وذلك نظرًا لفصاحة الألفاظ وجزالتها وحسن المعاني. ليصل إلى أن التفاضل يكمن في ضم الألفاظ على طريقة مخصوصة، " ولابد مع الضمّ من أي يكون لكل كلمة صفة، وقد يجوز في هذه الصفة أن تكون بالمواضعة التي تتناول الضم، وقد تكون بالإعراب الذي له دخل فيها، وقد تكون بالموقع، وليس لهذه الأقسام الثلاثة رابع"13.
وتجذر الإشارة إلى التيار الثاني المعنوي الذي قاده كل من عبدالعزيز الجرجاني (392هـ) في "الوساطة بين المتنبي وخصومه" والآمدي (370هـ) في موازنته بين أبي تمام والبحتري اللذين ركزا على الكشف عن المعنى القائم في ذهن المتلقي.
ثانيًا: دور الجرجاني في البت في الخلاف حول سر الإعجاز القرآني
اعتمد كل من الجاحظ والخطابي والروماني والقاضي عبدالجبار على المعيار اللفظي في دراستهم للإعجاز القرآني، ذلك أنهم تعمقوا في دراسة فصاحة اللفظ وكشف أسرار جماله وتجانس حروفه بغض النظر عن علاقته بالألفاظ التي تليه من جهة، وبالسياق النصي الذي وردت فيه من جهة ثانية. وهذا ما جعل عبدالقاهر الجرجاني (471هـ) يؤلف كتابه "دلائل الإعجاز" الذي جاء بالأساس للرد على مزاعم كل من أنصار المعنى الذين أهملوا الألفاظ واقتصروا على معاني الكلم المفردة، أنصار اللفظ الذين اقتصروا على مبحث الفصاحة في دراستهم للإعجاز القرآني، ونخص بالذكر القاضي عبدالجبّار الذي اعتبر الفصاحة أساس الإعجاز القرآني حينما قال "ولذلك لا يصح عندنا أن يكون اختصاص القرآن بطريقة في النظم دون الفصاحة، التي هي جزالة اللفظ وحسن المعنى"14.
والتي تظهر بضم الكلمات إلى بعضها البعض.
يعتبر الجرجاني أن سر الإعجاز القرآني لا يكمن في اللفظ ولا في الإيقاع ولا في المعنى، ولا في الصور البلاغية من استعارة وتشبيه ومجاز، وفصّل القول في كل عنصر من هذه العناصر على حدة.
اللفظ:
لا يمكن أن يكمن سر الإعجاز في اللفظ، لأن القرآن ورد بألفاظ متداولة لا تخرج عن أوضاع اللغة –حروفًا وأوصافًا-؛ ذلك أن التأثير الصوتي للألفاظ على الأسماع والقلوب بمعزل عن المعنى لا يشكّل سوى ضرب من التخيل والتوهم، فاللفظ "يكون فصيحًا من أجل مزية تقع في معناه، لا من أجل جرسه وصداه"15.
لا يجوز –أيضًا- إلحاق بلاغة القرآن بغرابة بعض ألفاظه، فالغريب ليس له مكان في الإعجاز ذاك أن مسألة الإلمام بالغريب والعلم بأمثاله متاحة للعرب أجمعين إذ يكفي التكلم بلسان التّرك أو الفرس والروم.
الضم:
إن عملية ضم الكلمات المفردة إلى بعضها البعض لا معنى لها ولا تحقق الفصاحة، ودليل ذلك أنك حينما تضم كلمة "خرج" إلى "ضحك" لتقول بكل بساطة ويسر "خرج، ضحك"16 لا يتحقق شرط الفائدة الذي هو أصل الكلام.
لا مناص من الربط بين الكلمتين برابط معنوي متعلق بمعاني النحو لتتحقق الفائدة.
فاللفظة لا تكون فصيحة إلا إذا ارتبطت باللفظة التي تليها ارتباطًا منطقيًا. يقول الجرجاني: "واعلم أنك إذا رجعت إلى نفسك علمت علمًا لا يعترضه الشك، أن لا نظم في الكلم ولا ترتيب، حتى يعلّق بعضها ببعض، ويبنى بعضها على بعض، وتُجعل هذه بسبب من تلك. هذا ما لا يجهله عاقل ولا يخفى على أحد من الناس" 17. وذلك من خلال تعلق الأسماء ببعضها البعض، أو الأسماء بالأفعال أوهما معا بالحروف، نحو تعلق العامل بالمعمول في قوله تعالى في سورة النساء الآية: 75 (أَخۡرِجۡنَا مِنۡ هَٰذِهِ ٱلۡقَرۡيَةِ ٱلظَّالِمِ أَهۡلُهَا )
فلا يمكن فصل اسم الفاعل عن معموله ولا يمكن حذف أحدهما، ففي الحالتين يختل النظم ولا يستقيم المعنى.
المعنى:
لا يمكن أن تتحقق بلاغة الإعجاز في معاني الكلم المفردة؛ فمعنى كلمة "اليوم" أو "الدين" أو العالمين" مجردة لا يؤدي إلى تجدد المعنى؛ فلا يُتصور أن يتعلق الفكر بمعاني الكلم مفردة ومجردة، ولا بدّ من تعلّقها باسم أو فعل أو حرف، فلا يعقل أن تفكّر في المعنى الذي يؤديه فعل دون إعمال اسم فيه وجعله فاعلاً له أو مفعولاً. وليستدل الجرجاني على ذلك يقدم نماذج شعرية من بينها قول بشار بن برد 18:
كَأَنَّ مَثارَ النَّقْعِ فَوْقَ رُؤُوسِنَا
وأسيافَنا لَيْلُ تَهاَوَى كَواَكِبُهُ
ثم يقول "انظر هل يتصور أن يكون بشار قد أخطر معاني هذه الكلم بباله أفرادا عارية من معاني النحو الذي تراها فيها، وأن يكون قد وقع «كأن» في نفسه من غير أن يكون قصد إيقاع التشبيه منه على شيء، وأن يكون فكر في «مثار النقع» من غير أن يكون أراد إضافة الأول إلى الثاني"19.
من هنا يصل الجرجاني إلى معنى "القصد إلى معاني الكلم" والمتمثل في أن تُعلم السامع شيئًا لا يعلمه عبر ضم الكلم إلى بعضها البعض بشرط الربط بينها برابط نحوي.
الصورة البلاغية:
لا تشكل الصور البلاغية الأصل في الإعجاز، وخير دليل على ذلك الاستعارة التي اقتصرت على آي معدودة في مواضع من السور الطوال المخصوصة، فالقول بإعجازها يقتضي التسليم بإعجاز هذه الآي دون غيرها من آيات الذكر الحكيم.
يعتبر الجرجاني أن الاستعارة ترتبط بدورها برابط نحوي-معنوي، وينطلق من دليلين اثنين لإثبات ذلك:
أولاً: التوصل إلى الاستعارة لا يمكن أن يتم إلا من خلال الربط بين ألفاظها ربطًا نحويًا ويمثل لذلك بقوله تعالى في الآية الرابعة من سورة مريم (وَٱشۡتَعَلَ ٱلرَّأۡسُ شَيۡبٗا ) فبالربط النحوي نتوصل إلى فاعلية "الرأس" وتعلقه بالفعل الذي سبقه "اشتعل" وبالتمييز "شيبا"20.
ثانيًا: خدمة الصور البلاغية للمعنى الذي يريد المتكلم إثباته، ومثال ذلك الكناية الواردة في قول الشاعر 21:
إنَّ السَّمَاحَةَ وَالمُرُوءَةَ وَالنَّدَى
فِي قُبّةٍ ضُرِبتْ عَلَى ابْنِ الحَشْرَجِ
فالمراد من هذه الصورة إثبات هذه المعاني والأوصاف خلالاً للممدوح، "فترك أن يصرّح (...) وعدل إلى ما ترى من الكناية والتلويح، فجعل كونها في القبة المضروبة عليه، عبارة عن كونها فيه، وإشارة إليه، فخرج كلامه بذلك إلى ما خرج إليه من الجزالة، وظهر فيه ما أنت ترى من الفخامة، ولو أنه أسقط هذه الواسطة من البين، لما كان إلا كلامًا غُفْلاً، وحديثًا ساذجًا"22.
الإيقاع:
لم يولي الجرجاني أي اهتماما للفواصل القرآنية، ولا لترتيب حركاته وسكناته، لأن الإيقاع –حسبه- ليس هو من الفصاحة والبلاغة في شيء، فالفواصل القرآنية، شأنها شأن القوافي في الأشعار، شكلية تثقل اللسان. يقول الجرجاني بهذا الصدد "فلو لم يكن التحدّي إلا في فصول من الكلام يكون في أواخر أشباه القوفي، لم يُعوِزْهم ذلك، ولم يتعذر عليهم. وقد خيّل إلى بعضهم (...) شيء من هذا حتى وضع على ما زعموا فصول كلام أواخرها كأواخر الآي مثل "يعلمون" و "يومنون" وأشباه ذلك"23.
لا تتمثل بلاغة الإعجاز القرآني -إذن -في جمال الألفاظ ورونقه ولا في تجانسها الصوتي-الإيقاعي، ولا في المعنى بمعزل عن اللفظ، ولا في الصورة البلاغية مستقلة عن المعنى، وإنما تتحقق بلاغة الإعجاز في ملاءمة معنى اللفظ لمعنى اللفظ الذي يليه، فلا يمكن أن يقال "رجل" ولا "أسد" ولا "ليث" إلا أن يكون اللفظ الأخير أنبأ عنه وأبين في الكشف عن المعنى المقصود، كما أن اللفظ بمفرده وبمعزل عن اللفظ الذي يليه لا معنى له.
نتائج وخلاصات:
توصلنا من خلال دراستنا هاته إلى مجموعة من النتائج والخلاصات التي يمكن إجمالها في النقط الآتية:
- إن الخلاف بين كل من أنصار اللفظ وأنصار المعنى في تناول مسألة بلاغة الإعجاز هو خلاف ذو مرجعية إيديولوجية، فهو يرجع بالأساس إلى الخلاف بين المعتزلة والأشاعرة.
- يشكل التعلق بين الألفاظ "محصول النظم" على حد تعبير الجرجاني. ويتمثل هذا المحصول في معنى المعنى الناتج عن فك شفرة البناء التركيبي لنظم القرآن.
- يجسد النحو الأساس الذي لا يمكن أن يستقيم النظم بدونه، فالنظم يقتضي أن تضع كلامك الوضع الذي يقتضيه "علم النحو" وتعمل على قوانينه وأصوله، وتعرف مناهجه التي نهجت فلا تزيغ عنها، وتحفظ الرسوم التي رسمت لك فلا تبخل بشيء منها.
- يمثل النحو القضية الأساس التي دافع عنها الجرجاني، ذلك أنه حاول تخليصه من تهمة التكلف والتعسف وأعلى من شأنه لدرجة أنه اعتبره المعيار الذي لا يمكن أن قبول أي كلام بدونه.
خاتمة:
لقد حاول عبدالقاهر الجرجاني في دلائله فض النزاع الذي كان قائمًا بين كل من أنصار الفظ وأنصار المعنى، وذلك عبر توصله إلى نظرية النظم التي تولدت عبر دمج البلاغة والنحو، ليطبق قاعدة الجملة النحوية على الجملة البلاغية، وليحكّم تصوراته النقدية لسلطة المقياس النحوي لدرجة غلبة العنصر النحوي على تصوره لسر بلاغة الإعجاز، والذي جعله يغض الطرف عن قضية مهمة تتعلق بدورها بالمعنى وترتبط به، ألا وهي قضية الإيقاع، وهو الأمر الذي توصلنا إليه من خلال الحكم الذي أصدره في حق عنصرين اثنين وهما، اللفظ والوزن؛ ففي معرض ردّه عن أنصار اللفظ اعتبر أن الجانب الصوتي لحروف الكلم وأصواتها شكلي لا قيمة له ليُخرج بذلك الفصاحة من دائرة المبحث الفونولوجي، ثم الوزن، حيث اعتبر أن الحركات والسكنات الحاضرة في الفواصل القرآنية لا تمت بصلة للإعجاز لأن الناظم يمكن أن يتوصل إليها بالممارسة والمران.
الهوامش:
1 - سورة الإسراء الآية 88.
2 - سورة يس الآية 68.
3 - جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي، تفسير الجلالين بهامش القرآن الكريم"، مذيلا بـ"لباب المنقول في أسباب النزول للسيوطي"، بيروت، دار صبيح، بالتعاون مع إيديسوفت للنشر. ص: 367.
4 - مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، دراسة وتحقيق علي شيري، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، المجلد الأول، 1984، باب الهمزة.
5 - أبو عثمان بن عمرو الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق عبدالسلام هارون، بيروت، دار الجيل للنشر والتوزيع، 1995ج1، ص 76، ص 76.
6 - نفسه، 1/:11.
7 - نفسه 1/20.
8 - سورة الانفطار، الآية 13 و14.
9 - سورة النجم الآيتان 1 و2.
10 - شوقي ضيف، البلاغة تطور وتاريخ، القاهرة، دار المعارف، ط9، 1965م، ص:55
11 - الجاحظ، نفسه، 3/131.
12 - أبو الحسين علي الرّماني، النكت في إعجاز القرآن، من ضمن رسائل، تحقيق خلف الله وزغلول، مصر، دار المعارف، 1976م،ص: 75.
13 - عبدالجبار الهمذاني، المغني في أبواب التوحيد والعدل،1990 القاهرة، المؤسسة المصرية العامة، ج: 16 ص: 199.
14 - نفسه ص16/199.
15 - عبدالقاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، القاهرة، مكتبة الخانجي، ط3، 1992م، ص: 424.
16 - نفسه ص : 394.
17 - نفسه، ص: 55
18 - نفسه، ص: 411.
19 - نفسه.
20 - نفسه، ص: 393.
21 - نفسه، ص: 306.
22 - نفسه، ص: 306.
23 - نفسه، ص: 388.
قائمة المصادر والمراجع:
1 - القرآن الكريم
2 - أبو الحسين علي الرّماني، النكت في إعجاز القرآن، من ضمن رسائل، تحقيق خلف الله وزغلول، مصر، دار المعارف، 1976م.
3 - أبو عثمان بن عمرو الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق عبدالسلام هارون، بيروت، دار الجيل للنشر والتوزيع، ج1، 1995م.
4 - جلال الدين المحلي وجلال الدين السيوطي، تفسير الجلالين بهامش القرآن الكريم"، مذيلا بـ "لباب المنقول في أسباب النزول للسيوطي"، بيروت، دار صبيح، بالتعاون مع إيديسوفت للنشر.
5 - عبدالجبار الهمذاني، المغني في أبواب التوحيد والعدل، القاهرة، المؤسسة المصرية العامة، ج: 16، 1990م.
6 - عبدالقاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز، القاهرة، مكتبة الخانجي، ط3، 1992م.
7 - مرتضى الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، دراسة وتحقيق علي شيري، بيروت، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، المجلد الأول، 1984م.
تغريد
اكتب تعليقك