صورة المرأة في رواية «سرداب الجنة» لإسماعيل حامد* «فتاة الجامعة»الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2015-11-17 09:10:41

شهيرة برباري

قسم الآداب واللغة العربية - كلية الآداب واللغات - جامعة محمد خيضر- بسكرة - الجزائر

كثيرًا ما يكون حديثنا عن الأدب أنه تعبير عن الحياة والمجتمع وتصوير لهما في شتى الجوانب، كيف لا وهو يضطلع بمهمة التعبير والتصوير؛ فهو نسق تعبيري وفني له خصائصه ومقوماته التي يكتسبها من ظروفه المحيطة به، لذا علينا التعامل معه وفق هذه الخصائص والمقومات لا بوصفه إنتاجًا جامدًا، ما يدفعنا إلى القول بانفتاح الأدب على عوالم واقعية ومتخيلة، داخلية وخارجية عديدة. 

وتبدو الرواية– كجنس أدبي- بأنها النوع الذي لا بد منه؛ كونه فنا أدبيًّا ديمقراطيًّا فذا في أشكاله، هو فن الخروج عبر الذات إلى العالم الأوسع المتمثل في شرائح أخرى من البشر للعيش بينهم ومعهم، ومحاورتهم في واقع اجتماعي تاريخي يضمر في جوهره التوق إلى الحرية والتقدم والجمال دون أن يستطيع ذلك1.

وقد حملت الرواية هموم وتأملات ورؤى وتفاصيل حياة المجتمع بكل تقسيماته العمودية والأفقية، بكل طبقاته، بكل مؤسساته وبيوتاته وشوارعه، كيف لا وقد فتحت يديها لاحتضان وتلقف كل ما يدور في جنبات هذه الأمكنة وغيرها، بأزمنتها وشخوصها بالوقوف عندها واقعًا أو تجاوزها جرأة وخيالاً يحمل عالمًا مثاليًّا أو تكميليًّا لما لم يكن واقعًا؛ فهي تترجم طموحات وآمال الواقع والمستقبل كما يراد له أن يكون، ولرحابتها فقد احتضنت الإنسان؛ وكان الرجل والمرأة جوهرًا لها بما يحملان من رؤى ومواقف ولدت خطابات مختلفة الحمولة (اجتماعية، ثقافية، سياسية...) شكلت بأبعادها الواقعية والفلسفية تضاريس الرواية شكلاً ومضمونًا.

والمرأة في الرواية العربية تحتل مساحة كبيرة ومؤثرة في حركة النص، وتمثل أحيانًا الدافع الأقوى لدى السارد كي يمارس فعله؛ ولذلك فإن التعرف إلى طبيعة وجودها أساس مهم من الأسس الموضوعية والفنية للرواية، ولا تخلو الإشكالية من عملية موازاة فنية تحدث من طبيعة هذا الوجود، والعالم الخارجي والداخلي الذي تمثله الرواية بشكل عام، وتمثله كل شخصية أو فعل ينتمي إليها بشكل خاص، هذه الموازاة تكمن في طبقة الرواية ثم تتضح في طبيعة الأحداث والشخصيات، وتقدم آلياتها خلال مجموعة الإمكانيات السردية التي تتحدد في النص2.

والرواية التي بين أيدينا "سرداب الجنة" واقعية اجتماعية بامتياز، تركزت خطوط الطول والعرض فيها على المرأة في بعض جوانبها الاجتماعية المنفتحة على أبعاد نفسية وفكرية...، وسنحاول بدورنا التركيز على هذه الشخصية وصورتها.

فإذا كانت الرواية خطاب الواقع الاجتماعي فإن النتيجة الموضوعية هي أن كل جزء وعنصر فيه يحمل بعدًا اجتماعيًّا، لذلك كانت الشخصيات الروائية عناصر محملة بهموم الإنسان بمختلف وضعياته الاجتماعية وحالاته النفسية ومواقفه الفكرية، ولعل أفضل مثال على ذلك المكانة التي احتلتها المرأة داخل الخطاب السردي؛ فهي شخصية روائية مهمة ومقياس للفصل أو الوصل بين مجريات الحياة الاجتماعية والصيرورة الإبداعية3.

ودراسة المرأة في أبعادها الاجتماعية تفرض علينا تقصي حالاتها وتحولاتها داخل الصيرورة الإبداعية، سواء تلك التي تنتجها المرأة ككائن حي وفاعل في المجتمع وكمنتج للخطاب، أو تلك التي ينتجها الرجل ككائن حي وفاعل في المجتمع له خاصيته المتحكمة في رؤيته وطبيعة الخطاب الذي ينتجه4.

وبالعودة إلى رواية "سرداب الجنة" التي نحاول في قراءتها إبراز صورة المرأة الحاضرة شخصية لها دورها الخاص في تشكيل واقع الصورة الاجتماعية التي تحتلها داخل مضمون الرواية؛ هذه الشخصية التي تتعدد في صور واوضاع مختلفة (الأم العاملة، الأخت المثقفة،...)، وتبرز أساسًا في صورة "الفتاة الجامعية" التي تحتل دور البطولة والمحور الذي تدور حوله الأحداث وتتحرك به ومعه ولأجله الشخوص.

وهي صورة تنظر في جانب كبير الأهمية، ومرحلة مهمة من مراحل حياة المرأة المتعلمة ذات مركزية في حياتها بكل تفضيلاتها، إنها مرحلة الدراسة الجامعية، وقلما وجدنا اهتمامًا بهذا الجانب الذي يرصد ويتتبع حياة، اهتمامات، هموم، وأهداف "الفتاة الجامعية" التي تشترك فيها كل من حملت هذا اللقب، اضطلعت بمهمة كشفها ببعض تفصيلاتها وأسرارها الطالبة الجامعية "نور" بطلتنا في رواية "سرداب الجنة"؛ التي نحاول من خلالها سبر أغوار هذه الشخصية في صورتها هذه متتبعين ملامح وتقاسيم تلك الاهتمامات والهموم والأهداف التي ارتبطت بهذه الصورة التي تنفتح على الواقع المعاصر للمثقفة العربية أو تحديدًا "فتاة الجامعة"، بالبحث في استجلاء المفارقة بين طموح الداخل والمتخيل وحقيقة الواقع محاولين في ذلك استنباط نفسية الفتاة الجامعية في صورتها الكلية بدءا بإبراز ما يتعلق بها من قضايا من خلال سماتها ومواقفها ومعاناتها.

في زمن انفتح فيه العالم على العلم والثقافة والتحرر والالتقاء الحضاري الذي مس المرأة العربية في جوانب غير قليلة، هذا الزمن الذي كثرت فيه الاهتمامات والهموم ودواعيها، وتنوعت فيه أسباب التأثير على النفسية الأنثوية سلبًا وإيجابًا.

وإن كثيرًا من الفتيات تظن أن همومها تنتهي بمجرد قبولها في إحدى الكليات وحصولها على لقب "الجامعية" فتملك العالم بما حوى بهذا اللقب، لكن سرعان ما يتبخر هذا الوهم بعد مزاولة الحياة الجامعية؛ حيث تنشأ هموم واهتمامات وغايات أخرى تبعًا للمرحلة الجديدة التي أصبحت تعيشها، والتي تحتاج فيها إلى متطلبات أخرى غير ما كانت تحتاجه وتسعى إليه في مراحل سبقت.

هكذا يبدو الأمر، ونلمح مثل ذلك عند "نور" حين تقول معرفة بنفسها: « أنا (نور)... (نور توفيق) فتاة صغيرة ما زالت لا تعرف الكثير عن الحياة ولكن الحياة أرادت أن تقتحمها مباشرة. لم أكن قد جاوزت التاسعة عشرة حتى بدأ كل شيء وبمنتهى السرعة..» 5، وهكذا أيضا تبدو "نور" الفتاة الصغيرة التي ما زالت لا تعرف الكثير عن الحياة، فدل وصفها (صغيرة) على عدم النضج وصعوبة المرحلة وكبر المسؤولية وغموض الآتي، بهذا بدأت "نور" سرد حكايتها التي نحاول البحث في طياتها عن ملامح وسمات فتاة الجامعة ورصد همومها وأهدافها وأحلامها بالاعتماد على مضمون الرواية وبنيتها اللغوية وملامحها الجمالية لتتحدد القراءة وفق هذه المحاور بهدف استجلاء الأبعاد الواقعية الاجتماعية والنفسية لهذه الشخصية في صورتها هذه.

تكاد أحلام وهموم "الفتاة الجامعية" تتلخص وتتركز على حلم الحرية التي تمنحها الحياة الجامعية بشكل أو بآخر، كيف لا والاحتكام في ذلك يرجع إلى تحرير النفس وتركها والخضوع لرغباتها، وارتبط بذلك ضرورة بقيم حب الحياة، الجمال، الطموح...، تقول "نور": «أنا فتاة عاشقة للحياة بكل ما تعنيه الكلمة.. أعشق الحب.. أعشق الحرية.. أعشق الجمال..»6، وصغر السن يغذي هذا النهم بالحياة وغاية اكتشافها مما يوحي بالنقص الذي يحتاج إلى تعويض أو اكتمال تبحث عنه في الجامعة: «أعيش في أسرة سعيدة نسبيًّا»7؛ هذه النسبية – في نظرها- دفعت بها إلى السعي والبحث عن الكمال في الحياة في جانب العلاقات الاجتماعية التي دلت عليها لفظة (أسرة)، ويتحدد هذا الكمال في السعادة من خلال التركيز على اهتمامات تحاول بها تعديل هذه النسبية.

وقد تمفصلت وتنوعت هذه الاهتمامات حتى غدت همومًا للفتاة في ظل زخم الرؤى والاتجاهات ومحاولة إثبات الذات، منها الموضة، الجمال والأناقة، الأفلام، قراءة الروايات، الكتابة، السهر...، وفي المقابل كره الدراسة، النميمة والثرثرة، الإشاعات، النوم....

هكذا جمعت بين المتناقضات بين حب وكره لتعيش في عالم رسمت حدوده واصطنعته لنفسها بحيث لا تريد الفكاك منه؛ ملامحه الوحدة، الانغلاق، الاندفاع، اللاهدف، الارتباك، عدم المسؤولية، التسرع...، وفي مقابل ذلك حب الحياة، الأمل، الطموح، التفاؤل، الحلم...

وما يوحي بذلك نصوص متفرقة في الرواية دلت على تشتت هذه الشخصية بين تعدد الاهتمامات التي حاولنا الجمع بين أطرافها لإظهار ملامحها، من ذلك قولها: «أنا منغلقة نسبيًّا فليس لي صديقات كباقي الفتيات» 8 ثم: «قلت إنني منغلقة ولكن ليس إلى حد الجمود. أجلس بين الفتيات في ساحة الكلية نتكلم نضحك، يأخذنا الحديث ولكن لا يوجد شيء مفيد(...) كم تسبب الثرثرة من الصداع الذي لا يزول إلا بالابتعاد(...) أحب الأناقة.. أهتم بكل صغيرة وكبيرة في حياتي.. أريد أن أمشي في الطرقات أتفحص الناس في خبث. شخصيتي قوية -نوعًا ما- أهتم بأحدث خطوط الموضة»9؛ حيث تتخبط الشخصية بين الانغلاق والانفتاح، بين حب الكلام والضحك والابتعاد عنه والصمت، بين الوحدة والاجتماعية، بين قوة الشخصية وضعفها، مما يوحي بملامح التفكك بين الداخل والخارج في تشكل الشخصية؛ وهذا ربما ما يميز 'فتيات الجامعة' عن غيرها على اختلاف بينهن في مقياس الحب والكره للأشياء مما قد يصل إلى حد التناقض، وهو بذلك يبقى عنصر اشتراك في ملامح الشخصية المتفككة.

إضافة إلى ذلك ساهم الفضاء الزماني والمكاني في تكوين ملامح هذه الشخصية أو انعكس عليها بشكل طبيعي تحت مفهوم التأثر، وفي رسم تقاسيم هذا العالم، حيث شكل الاستبطان الداخلي والتأثر البيئي ركيزتين متداخلتين ومتفاعلتين وبين الداخل (البعد النفسي) والخارج (البعد الاجتماعي) نتج لنا هذا النموذج من شخصية الأنثى في صورة "فتاة الجامعة".

ومن النصوص التي تشير إلى ذلك في قول "نور": «كم أعشق الصيف لأنني أشعر أن الصيف هو الحياة والمرح واللعب والانتعاش.. وأن الشتاء هو الركود والاستسلام، ناهيك عن البرد القارس في شهر يناير.. كم كانت أيامًا قاسية وليالي موحشة.. إذن سيأتي الصيف بحركته»10، كما عبرت عن ذلك بقولها: «إنه الصيف.. العدو التقليدي للشتاء..» 11؛ فالعداوة والتناقض بين الشتاء والصيف هو التناقض بين دلالة الشتاء (الدراسة، الروتين، عدم الاستقرار)→كره،  ودلالة الصيف (الراحة، المصيف، الأحلام)→ حب.

مع الإشارة إلى إلغاء فصل الربيع: «يبدو أننا نودع الشتاء(...) أيام قليلة ويبدأ التوقيت الصيفي»12؛ دلالة على تداخل الأزمان وتغير ترتيبها ما يوحي بتداخل المشاعر والجمع بين المتناقضات دون مراعاة مبدأ الترتيب والتتابع فيها، كما يوحي بالتسرع والعجلة والاندفاع العاطفي والفكري سعيًا لتحقيق الأهداف، من ثم ضيق دائرة الاهتمام بالأمور والأشياء أو إلغائها وفق ما يخدم النفس ويرتبط بهذه الأهداف.

أما عن المكان فقد كان له دوره هو الآخر بالموازاة مع قراءة الزمن، ونلمح ذلك في الإشارات الدالة عليه داخل النص الروائي: (البيت، الشوارع، معرض الكتاب، المصيف، الجامعة، الغرفة).            

وبين الانفتاح والانغلاق في هذه الأمكنة تبدو الشخصية متذبذبة بين الانفتاح الذي يوحي ويدل عليه (المرح، الحب، الراحة، الاستئناس) والانغلاق الذي يوحي ويدل عليه (الوحشة، الروتين، الوحدة، الكره، الراحة)؛ وفي ذلك إشارة إلى أن الارتباط بالمكان يتراوح بين التوافق والتنافر والتوازي في الوصف تبعًا للجانب التأثيري، ونكتفي من ذلك بالإشارة إلى دلالة الغرفة: «تسللت مسرعة إلى غرفتي لأغلق بابها جيدًا خلفي»13، «رأسي تعتصر في التفكير(...) قطعت حبل أفكاري طرقات باب الغرفة»14؛ حيث تبدو الغرفة مكانًا مغلقًا محدود الحيز فوافقته دلالة الانغلاق والوحدة، كما نافرته دلالة الراحة والعيش في عالم خاص متخيل عبر عن الانفتاح واللاحدود الذي دلت عليه لفظة وفكرة التفكير التي توحي بالانطلاق، كما يوحي هذا التناقض بالاضطراب وعدم التوازن داخل النفس، فأضفى أسلوب المفارقة هذا ملمحا جماليًّا في حسن الجمع بين الانفتاح الانغلاق مكانًا، وبين الانفتاح والانغلاق دلالة، ما ساهم في نقل المتلقي إلى فضاء مكاني مزدحم بالأمكنة التي تشكلت معها ملامح الشخصية في جانبها النفسي الذي يجتمع فيه الانغلاق والوحشة مع الانفتاح والاستئناس.

هذه الملامح التي كان لتعدد الشخصيات كذلك دور في إبرازها وإظهار أبعادها النفسية والاجتماعية من خلال علاقتها معها على اختلافها من جهة، وتأثيرها فيها من خلال ما تميزت به من ملامح كل على حدة:  (الأب، الأم، الأخت، خالد، مقدم برنامج سرداب الجنة، شاب معرض الكتاب).      

كل ذلك يتزاحم داخل العالم الداخلي والخارجي تأثرًا وتفكيرًا، هذا من جهة ومن جهة ثانية انعكس ذلك على نصوص الحوار مع هذه الشخوص على اختلاف فكرها وروحها ما غذى ازدحام فضاءات الزمان والمكان والشخوص ازدحام الأفكار والشعور والعواطف؛ ما أنتج صورة لنفسية متذبذبة وغير مستقرة في البعدين النفسي والاجتماعي.  

إضافة إلى أن كل هذه الخطابات المتداخلة أثرت على بنية الرواية في هيكليتها ولغتها وأسلوبها؛ فتداخل السرد التفصيلي مع الحوار مع الخواطر مع حديث النفس، في أسلوب بارع يتلاعب باللغة ويسبر أغوارها الإبداعية في قالب جمالي رسم خارطة اهتزازات لدى المتلقي الذي وجد نفسه أمام قوالب شعرية مليئة بالصور البيانية والبديعية في لغة راقية موحية عميقة، وفي المقابل سرد للوقائع بأسلوب بسيط يقترب من العامية في لغة مفهومة مباشرة سطحية ظاهرة؛ ما شكل لبنات لهذا العالم الجديد الافتراضي الذي أصبحت تعيشه "نور" بمنأى عن عالم الواقع؛ هذه الحياة الجديدة تنبني على محورين اثنين:

الفراغ النفسي والفكري والعاطفي، والمحور الثاني الهروب في محاولة لملأ هذا الفراغ وذلك عن طريق الهواية التي تميزت بها فتاتنا: «أما عن هوايتي المفضلة قد تعجبون منها وهي حبي الشديد للأشعار وستعجبون أيضًا عندما تعلمون أي نوع من الأشعار التي أفضلها وكثيرًا ما أدونها في مذكراتي.. إنها الأشعار الرومانسية.. قد يسأل سائل: إذن أنت فتاة رومانسية؟.. لا في الحقيقة لا أعرف ولكن هناك شيء بداخلي يدفعني إلى مثل هذه الكتابات.. أوراقي مليئة بالكتابات.. كم أفرغت أقلامي إرضاء لهذا النوع من الخواطر.. التي نقلتني رويدًا رويدًا لأعيش التجربة»15؛ في الحقيقة ما نعجب له هو هذا الأسلوب المتردد الخجل من الهواية (قد تعجبون، وستعجبون أيضًا)، أسلوب الاستفهام والنفي (إذن أنت فتاة رومانسية؟.. لا) والنقاط الدالة بدورها على هذا التردد وذلك الخجل (..)، وكأنها تمهد أو تسوغ لهوايتها اعتقادًا بل يقينًا منها على ما يحمل هذا النوع من الهوايات من أبعاد نفسية وأخرى ظاهرة، وقد ساهم هذا الأسلوب في تأكيد ذلك حيث أدى إلى استفزاز القارئ ولفت انتباهه لما لو كان بغير هذا الأسلوب لكان أمرا عاديا؛ حيث قدمت هوايتها في قالب لغوي يوحي بنفسية مرتبكة مترددة (لا، لا أعرف، ولكن).

وما غذى هذه الهواية هواية الاستماع: «أعشق الاستماع.. الاستماع إلى محطات الإذاعة المختلفة وخاصة المحطات الشبابية التي لا تكل ولا تمل من عرض الأغاني الشبابية المختلفة»16؛ ولفظة الاستماع تدل على التركيز والمعايشة الفعلية لما يسمع وتكرارها أكد الدلالة ونبه إليها ونقل إلى القارئ الشعور بالاهتمام والاستمتاع بذلك، كما شكل الاستماع جانبًا تكميليًّا للكتابة فقد توزعت الهواية بينهما في إشارة إلى السعي لإشغال وإشباع أكثر من حاسة، خلال محاولة البحث عن سد النقص العاطفي والنفسي أو تعويضه.

فكانت الكتابة وكان الاستماع إلى الراديو: «ذلك الجهاز الصغير... حسنًا فلتستعد أذناي ولتهدأ جوارحي سأسمع أحدث الصيحات والآهات.. ما زلت أعالج مفاتيح هذا الجهاز بيدي حتى أقف على إذاعة أغاني شبابية، وبينما أنا على ذلك الحال حدث الشيء الذي غير مجرى حياتي كلها وكان السبب في ذلك أصابع يدي الصغيرة.. التي وقفت عند هذا التردد وهذا البرنامج.. ماذا استهواني لكي أقف عند هذا البرنامج؟ إنه الاسم الذي يحمله.. (سرداب الجنة)»17؛ وحديثها عن الراديو بهذه اللغة الشعرية يوحي بمكانته في حياتها فهو يشبهها إلى حد كبير؛ الراديو: 'جهاز صغير، عالم مفتوح، يحمل الكثير، غير مجرى حياتها'، ونور:' فتاة صغيرة، تعيش عالمًا منفتحا، تبحث عن الكثير، تطمح إلى تغيير حياتها'؛ فهو بذلك معادل نفسي لها، نقلها لتعيش التجربة واقعًا كما فعلت الكتابة.

ثم تحاول أن تعيش بالتجربة والواقع ما تهيأت نفسها لتحقيقه وفق هذا الدافع، أين يظهر ويتركز الهم الأكبر لفتاة الجامعة إنه هم 'الحب': «لا أريد أن أقنع نفسي بأنني أبحث عنه في كل مكان.. ولكنها الحقيقة.. داخلي معذب.. كأي إنسان.. ينبض قلبه بالحياة.. أريد الحب.. ولكن أين هو؟» 18؛ هكذا كان تعليقها على عبارات البرنامج الإذاعي 'سرداب الجنة' حين قال مقدمه مجيبًا على سؤالها – كيف يأتي الحب؟-: «يأتي الحب دون سابق إنذار، فلا ميعاد ولا مكان للحب.. الحب موجود.. ولكنه مفقود.. ولكن باب الأمل دومًا مفتوح ونحن لا نراه إلا بأعين اليأس.. الحب هو إكسير الحياة.. فحياة بلا حب.. كجسد بلا قلب» 19؛ تبدو هذه العبارات والتي سبقتها جملاً شعرية مرتبة وفق خط زمني عبرت عنه نقاط الفصل بين جملة وأخرى تليها (..) ما منحها شكلاً موسيقيًّا ورتابة إيقاعية، لو حاولنا تمثلها لاستقام الأمر، تقول "نور":

لا أريد أن أقنع نفسي بأنني أبحث عنه في كل مكان..

ولكنها الحقيقة..

داخلي معذب..

كأي إنسان..

ينبض قلبه بالحياة..

أريد الحب.. ولكن أين هو؟

ويظهر ذلك في مواضع غير قليلة من الرواية التي بين أيدينا، أما مضمونها فإن هذه الجمل غنية بطاقات شعرية جمالية وتأثيرية هائلة؛ فجاء التقديم والتأخير كتقنية دالة على نفسية فحواها اختلال الشعور داخل "نور" حين عبرت عن هذا الهم (الحب) بضمير الغائب (الهاء في –عنه-) دلالة على مجهول بدا معلومًا بعد جهله (أريد الحب) الذي أخرته، ما زاد من القيمة التعبيرية والجمالية للخطاب خاصة حينما قابل ووازى خطاب المقدم المرتب (الحب موجود.. لكنه مفقود)، فقابل الموجود عنده مجهولها والمفقود معلومها تعزيزًا لدلالة اختلاط المشاعر والأحاسيس لدى فتاتنا في مواجهتها لما أسميناه همًّا أكبر؛ حيث ساهمت الهواية – الاستماع، القراءة والكتابة - كدافع في جعل 'الحب' أكبر هم وهدف تسعى الفتاة الجامعية للحصول عليه إحساسًا وتحقيقه تجربة وواقعًا تقول "نور": «الشيء الذي أكون دومًا ضعيفة أمامه.. إنه هو الشيء الذي نبحث عنه جميعًا.. نعم الإجابة الصحيحة.. إنه (الحب).. أنا أضعف ما أكون إذا ذكرت هذه الكلمة أمامي. تلك الكلمة التي ترق أذناي لسماعها.. إذا رأيتها في كتاب ما أو رواية ما تعامل معها قلبي بدقاته المتتالية. ولكنني قهرت قلمي الحائر وأرغمته على كتابتها وتحمل هذا العناء من أجل إرضاء هوايتي المفضلة»20؛ في الحقيقة هو إرضاء للنفس من خلال استحضار شعارات يرددها برنامج 'السرداب' من جهة ومن جهة أخرى التواصل مع هذا البرنامج اليومي عبر أسئلة وأجوبة ومشاركات وتفاعل يستفز ويثير مكامن النفس أو الذات العاطفية ويبث فيها روح المغامرة والبحث في الواقع عما يقابل ويرضي هذه المكامن.

وفي ذلك إشارة غير قليلة الأهمية عن الدور التعبوي والتأثيري الفعال الذي تلعبه وسائل الإعلام في بناء الشخصية والتأثير فيها في شتى جوانبها الفكرية والمعرفية والنفسية والعاطفية ... بشكل عام، وفي الشخصية الأنثوية في هذا الجانب تحديدًا وفق نموذج وصورة "فتاة الجامعة" تبعًا لدلالات الخطاب الروائي الذي بين أيدينا؛ الذي يحكي واقعًا اجتماعيًّا ونفسيًّا يبدو ضيقًا في طرحه يتسع باتساع أفق القراءة التي تمنحها خطابًا مركبًا من لغة شعرية وشاعرية ذات ملامح جمالية حددها البعد البنائي والتصويري للغة مثل: (قهرت قلمي الحائر، أرغمته، تحمل عناء) حيث جاءت هذه الاستعارات الراقية ذات القدرة التعبيرية التي شخصت القلم ومنحته روحًا امتزجت بها ذات "نور" دلالة على تخبطها بين الداخل والخارج الذي تجسد في القلم ما أكسب الخطاب ملمحًا جماليًّا.

فنتج لنا عدة خطابات متداخلة متراكبة تراوحت بين الحوار (الداخلي والخارجي) والسرد التفصيلي للأحداث يوحي ويدل على المفارقة بين طموح الداخل والمتخيل وحقيقة الواقع عن طريق التكثيف اللغوي والتصوير في الوصف الداخلي والخارجي؛ نقلت معها المتلقي إلى هذا الزخم من الأفكار والأحاسيس المتتابعة وغير المتتابعة أضفت لمسة من التشويق ونزعة من التفاعل مع الشخصية حين تغدو «تقنية كتابية يلتقط الكاتب معها التحولات الحادة التي يتركها الواقع»21؛ حيث تتكئ الشخصية على طبيعة الكتابة الشعرية والشاعرية، يظهر ذلك حين تنتقل "نور" إلى التجربة الواقعية التي بدأت باللقاء الأول في معرض الكتاب – الذي ذهبت إليه مرغمة-:«... كنت في عالم آخر بعيدًا عن كل الناس.. ماذا هناك؟.. لقد كانت البداية.»22؛ انتقلت بذلك بين عوالم ثلاث الأول واقع ممل، والثاني متخيل ممتع  لكنه مضطرب، والثالث واقع بعيد عن الناس منتظر لكنه غامض.

تقول عنه: «رأيته فتسمرت عيناي لدقائق ملحوظة.. تجمدت شفتاي.. وقف الكلام في حلقي فشل لساني.. وهمدت جوارحي إلا واحدة.. إنه قلبي الذي انفطر من كثرة الضربات والاضطرابات. أشعر بتغير كامل يجتاحني ويعصف بوجداني...»23؛ فتداخلت المشاعر وانعكست على الشخصية التي أصبحت شاردة مضطربة، ومع هذا الاضطراب تميزت اللغة بملمح شعري متميز فحين وقف الكلام نتج كلام، يحمل شحنة تعبيرية شعرية متميزة تضع المتلقي في صورة المعاناة بهذا التصوير البارع.

وبعد أن تجد فتاة الجامعة الشخص المناسب تبحث عنه، تلتقيه صدفة، بل صدفًا متتابعة: «... وبينما أنا على هذا الحال كانت المفاجأة الكبرى.. المفاجأة التي جعلتني أسقط هاتفي المحمول من يدي ليقع على الأرض في منتهى القسوة "لقد رأيته نعم رأيته"»24، ثم مرة ثانية: «ويا لمرارة القدر!.. أراه ثانية ليزداد الشوق من جديد بعد أن صرت رمادًا.. ما أقساك أيها القدر!..»25، وأخرى ثالثة:«... وبينما أنا على هذا الحال أتيه في بحر الأفكار الذي ليست له نهاية حدثت المفاجأة.. وكانت الضربة القاضية (...) لا أصدق نفسي.. أراه للمرة الثالثة...»26، ثم أخيرًا: «وجدت شيئًا ما تحت المنضدة يبدو أنه سقط منه دون أن يشعر فالتقطته ويا ليتني لم أفعل.. (...) كانت هذه الكلمات مكتوبة على كارت شخصي.. حسن صبري.. مقدم برنامج سرداب الجنة.. هاتف:..»27؛ لخصت هذه النصوص تجربة الواقع مع شخص الواقع الذي قام حوله ولأجله العالم الداخلي والخارجي، العالم الخاص والعام، التجربة التي تجسدت بالانتقال بين هذه العوالم، فكانت المفارقة؛ حيث تشظى الواقع بين المتخيل المأمول والنموذج الواقعي (قصة الأخت وخطيبها التي تمثل الاستقرار والوجه الحقيقي للسعادة)، ومحاولة تجسيد وتحقيق هذا المتخيل وذلك النموذج عن طريق التجربة التي تشظت بدورها إلى تجربة المتخيل مع نموذج يبعث على الطموح والأمل (البرنامج والتواصل معه الذي شكل عاملاً ودافعًا نفسيًّا)، نتجت عنه متعة معايشة العالم الخاص الذي يدل على شفافية الغاية ووضوح المستقبل ويتلخص في السعادة، وتجربة النموذج الواقعي بتحققه على أرض الواقع (بحث ولقاء وشعور حقيقي مرتبط بشخص بعينه)، نتج عنه لا متوقع ترجمته صعوبة الأمر واختلاط المشاعر التي تدل على ضبابية الغاية وغموض المستقبل الذي يتلخص في التعاسة. 

ونحن نبحث عن ملامح صورة فتاة الجامعة يبرز ضرورة هم الدراسة والمذاكرة والنجاح العلمي، الذي شغل الحيز الأصغر والأقل اهتمامًا في دائرة حياة "نور"، ونقف عند نصوص تصف علاقتها بالدراسة في أكثر من موضع في الرواية منها: «... ولكن حبي للمذاكرة لم يصل بعد إلى درجة العشق.. نعم أذاكر دروسي ولكن لإرضاء الضمير المعذب لا غير.. التحقت بكلية التجارة ولكن في الحقيقة لم يكن ذلك هدفي مطلقًا»28؛ أين ستجد مكانًا لهذا الحب وقد أفردت قلبها وعقلها وتركيزها الواحد على جانب واحد، فغدى ما دونه غير مهم وممل كما هو حال الدراسة عندها التي توحي بالرتابة والثقل: « يوم جامعي جديد ربما يكون طويلاً إلى حد ما، ولكني اعتدت على تلك الأيام»29.

ومن جانب الواقع تشير هذه النصوص مجتمعة إلى عديد المشكلات التي ترتبط بفتاة الجامعة في علاقتها بالدراسة، بدءًا بالتخصص؛ فطالما تشكو الجامعية من عدم التوافق بين ميولاتها العلمية والتخصصات المتاحة ما ينشئ فجوة كبيرة بينهما تملأها السلبية في التأثر والعطاء، هذا ما أدى إلى ظهور مشكل آخر وهو صعوبة التحصيل الناتجة عن تراكم المواد المعرفية وسوء التعامل معها ما ولد الكره والملل اتجاهها، وغيرها من المشكلات التي دفعت فتاة الجامعة إلى البحث عن بدائل تنتشلها من عالم الكآبة والتعاسة المرتبطة أساسًا بالجامعة في شقها العلمي والتحصيلي.

وقد عالج هذا الخطاب هذه المشكلات بلغة قريبة من المتلقي في واقعيته بواقعيتها، مشاركة له في معانيها ودلالاتها، مثيرة له في أسلوبها وجمالياتها، من ذلك أسلوب التفصيل والتصوير الذي ينقل الصورة بواقعية مع ملمح جمالي وشعري، مثل قولها: «عقلي يتشتت ويتعب في حل أزمات الأرقام المتشاجرة»؛ صورة استعارية شخصت الأرقام في حالة شجار وفوضى نقلت من خلالها المعاناة اتجاه التحصيل العلمي، كذلك نجد التكرار في قولها: «كم أكره» التي تكررت ثلاث مرات مما يوحي بتأكيد هذه الكراهية كما توحي بعمقها الذي أضفته  «كم» الدالة على الكثرة، حيث منح هذا الأسلوب بنية إيقاعية للنص.

وهذا ما يلمسه ويدركه المتلقي في مواضع عديدة من الخطاب الروائي بنصوصه المليئة بالشعرية والأسلوب التصويري البارع والتكثيف اللغوي الذي يظهر غنى الأسلوب بالصور البيانية والبديعية، كما يتجلى هذا التكثيف في التداخل اللغوي الذي يظهر في استخدام اللغة الأجنبية مثل: ( You never walk alone, Diet) وغيرها، والرموز المختصرة ذات الملمح الشبابي للتواصل مثل: (رمز التواصل مع البرنامج NN)،إضافة إلى ما يشير بالاهتمام بالتكنولوجيا ووسائل الإعلام: الراديو، البريد الإلكتروني، اللاب توب...، مما أثر على البنية التركيبة والبعد الدلالي، وأضفى على النص طابع الغنى والثراء اللغوي والجمالي بتطبيق تقنيات أسلوبية أنتجت معجمًا جديدًا خاصًّا كان له دوره في إبراز البعد الاجتماعي والنفسي من ناحية المضمون، وتقديمها في قالب نصي ذي ملمح شعري بديع، كل ذلك ساهم في إبراز طابع الإبداعية على الخطاب الروائي والتأكيد على وظيفتها الاجتماعية؛ فكان الشكل دالاً على المضمون ذلك أن: «الشكل والمضمون شيء واحد داخل الخطاب المعتبر بمثابة ظاهرة اجتماعية: هو اجتماعي في مجموع مجالات وجوده وعناصره، ابتداءً من الصورة السمعية، ووصولاً إلى التصنيفات الدلالية الأكثر تجريدًا»30؛ ينعكس ذلك في الخطاب الذي بين أيدينا بصورة تكاد تكون متميزة من خلال التداخل اللغوي وازدحام الأفكار في سرد الأحداث وتفاصيلها التي أحدثت ارتباكًا في طريقة وأسلوب الحكي الذي يوحي بالتسرع والاضطراب النفسي: «حسنًا سأحكي لكم كل شيء»31، «سأخبركم ولكن بعد قليل»32؛ دلالة على تزاحم وتداخل الأفكار إلى درجة التناقض تارة تريد بثها دفعة واحدة، وتارة تلمح وتؤجل ما أحدث خللاً لدى المتلقي وفي الوقت نفسه شكل عنصرًا للانتباه والتشويق، ودافعًا للمتابعة (قطيعة واتصال ذهني)، ما أضفى تفاوتًا على الشكل اللغوي ومسحة جمالية استفزازية وتأثيرية، يستجيب لها المتلقي، ويتأثر شكلاً باللغة والأسلوب الاستدراجي تركيبًا ودلالة وجمالية، ومضمونًا بسير خط الأحداث في توافقها وتعارضها مع الشخصية.

وبذلك تكتمل زوايا تركيب الشخصية  التي تتشكل من خلال الكاتب الذي يقدمها عبر الراوي، والثانية هي الكتابة والثالثة هي الواقع والرابعة هي القارئ33؛ والشخصية في هذه الرواية تخضع للكاتب "الرجل" الذي يكتب عن المرأة انطلاقًا من تصوراته الخاصة والمتحررة كما أنه قدم معنى ذاتيًّا لهذا الشكل أو الصورة الاجتماعية، كما لا تفوتنا الإشارة إلى أن الرجل داخل هذه الرواية هو المحرك للمرأة "فتاة الجامعة" في واقعها (العقل متمثلاً في خالد، القلب متمثلاً في حسن صبري)، وفي عالمها الخاص (فارس الأحلام).

والشخصية نموذج إنساني واقعي بكل الصفات الجسدية، الخلقية، الفكرية والنفسية؛ فهي ليست متخيلة وإن بدت في بعض الأحيان كتقنية تبحث في حدود رؤية الذات من خلال رؤية الآخر، ورؤية الذات لنفسها، كما أنها تبث بعض المواقف كحرية المرأة في صورة "فتاة الجامعة"، من خلال رصد اهتماماتها، التي أصبحت تشكل همومًا وأهدافًا قائمة بذاتها.

وفي جل تلك الزوايا يكون الكاتب مالكًا لمواصفات جاهزة يركب بها شخوصه أو بعض شخوصه، انطلاقًا مما يريده منها ويهدف إليه في روايته، وكثيرًا ما تكون تلك المواصفات متحركة بشكل مستقيم في تركيب الشخصية لتمثل دلالة الشخصية منذ بدايتها34، وفي هذه الرواية ومنذ البداية تتقدم الأسماء لتقدم عالمها وذاتها.

وقد شكلت الرواية نصًّا نقديًّا يرصد جانبًا مهمًّا من جوانب المرأة "صورة فتاة الجامعة" بالبحث في بعض جوانب حياتها داخل هذه الصورة، كما أنها سيرة ترصد المسافة بين الواقع والمتخيل من جهة، وتبرز البعد الاجتماعي والنفسي للمرأة كموضوع، ما أسهم في تميزها بالجمع بين احترام الحقيقة والخضوع لشعرية الكتابة، والانصياع لبساطة الواقع في لغته من جهة أخرى؛ يكمن ذلك في أنها أضاءت نزوع الواقع وآفاقه من خلال سمات وملامح فتاة الجامعة في حياتها، كل ذلك داخل زخم من النصوص المتنوعة، المتشاكلة والمتداخلة. 

في الأخير يمكننا القول: إنه كما استهوى نور اسم البرنامج "سرداب الجنة" الذي شكل معادلاً موضوعيًّا لمحور القصة (الحب وحلم فتاة الجامعة)، استهوانا بكونه عنوانًا لهذه الرواية، حيث وجدناه إجمالا لتفصيل هو حياة الفتاة الجامعية باهتماماتها وهمومها وطموحاتها وأهدافها، وهو فعلاً سرداب عاشت فيه بين الواقع الذي اقتربت منه ولم تحققه، والمأمول الذي عاشته ولم تجد له مقابلاً في الواقع فكانت في السرداب بين الداخل والخارج بين الجنة و...، فتحول السرداب إلى سراب، ونحن بالمثل وجدنا في الرواية معالجة واقعية اجتماعية ونفسية لحياة الفتاة الجامعية بتقاسيمها المختلفة، ولكن بصورة تصويرية وصفية دون الوصول إلى ما يملأ جنبات هذه التقاسيم من أفكار وتعليقات نقدية أو أبعاد فكرية عميقة، يمكن أن تعد حلولاً علاجية لهذا الواقع الذي تعيشه غير قليل ممن تمسهن هذه الصورة النمطية وغير النمطية لـ"فتاة الجامعة".

 

الهوامش

*الكاتب المبدع "إسماعيل حامد" مواليد 1986 المنصورة – مصر، حاصل على بكالوريوس الطب والجراحة 2009 (جامعة المنصورة)- دراسات عليا في جراحة الأوعية الدموية (جامعة عين شمس) - يعمل حاليًا في إحدى المستشفيات التعليمية - كاتب مقالة في مجلة الأطباء (مجلة الحكمة) - كاتب قصصي وروائي- له رواية بعنوان (سرداب الجنة) 2012 - ومجموعة قصصية بعنوان (رائحة الشوام) 2013- وديوان شعر بعنوان (هكذا أحبك) تحت الطبع، له مشاركات إبداعية عديدة في عدد من الكتب الجماعية، نال عدة جوائز في مسابقات ومهرجانات ثقافية.

 1 - فيصل دراج وآخرون: أفق التحولات في الرواية العربية 'دراسات وشهادات'، دار الفنون، مؤسسة عبدالحميد شومان، عمان، الأردن، ط1، 1999م، ص7.

2 - عبدالحميد بكر: المرأة في الرواية العربية 'بين فعل التمرد وصور القهر الجسدي والنفسي'، عن مجلة الرافد الثقافية، (http://www.arrafid.ae/arrafid/p7_11-2012.html)

3 - محمد معتصم: الخطاب الروائي والقضايا الكبرى "النزعة الإنسانية في أعمال سحر خليفة"، الدار البيضاء، المغرب، 1991م، ص16.

4 - المرجع نفسه، ص16.

5 - إسماعيل حامد: سرداب الجنة (رواية)، طنطا بوك هاوس للنشر والتوزيع، مصر، ط1، 2012م، ص6.

6 - المصدر نفسه، ص8.

7 - المصدر نفسه، ص6.

8 - المصدر نفسه، ص6.

9 - المصدر نفسه، ص7.

10 - إسماعيل حامد: سرداب الجنة، ص54.

11 - المصدر نفسه، ص49.

12 - المصدر نفسه، ص54.

13 - المصدر نفسه، ص12.

14 - المصدر نفسه، ص18.

15 - إسماعيل حامد: سرداب الجنة، ص8.

16 - المصدر نفسه، ص6.

17 - المصدر نفسه، ص8.

18 - إسماعيل حامد: سرداب الجنة، ص19.

19 - المصدر نفسه، ص18.

20 - المصدر نفسه، ص9.

21 - مجموعة من النقاد والباحثين: مكونات الخطاب الروائي في أعمال عز الدين التازي "دراسات"، طوب بريس، الرباط، المغرب، 2003م، ص123.

22 - إسماعيل حامد: سرداب الجنة، ص30.

23 - المصدر نفسه، ص30.

24 - المصدر نفسه، ص67.

25 - المصدر نفسه، ص68.

26 - المصدر نفسه، ص95.

27 - المصدر نفسه، ص97.

28 - إسماعيل حامد: سرداب الجنة، ص7.

29 - المصدر نفسه، ص7.

30 - ميخائيل باختين: الخطاب الروائي، ترجمة: محمد برادة، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، ط1، 1987م، ص35.

31 - إسماعيل حامد: سرداب الجنة، ص6.

32 - المصدر نفسه، ص7.

33 - مكونات الخطاب الروائي في أعمال عز الدين التازي، ص136.

34 - المرجع نفسه، ص136.


عدد القراء: 7076

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-