المطاردات الالكترونية الحميمية للكائن الكوكبيالباب: مقالات الكتاب
يونس عاشور كاتب - السعودية |
لا يكاد يسلم أو يفلت هذا الكائن البشري من الملاحقات والمطاردات أو المتابعات والممارسات التعقبيّة إن لم تكن تجسُسيّه (Chasing) في مُجملها ومفهومها الغائي بحيث لا يتسنى لهذا الكائن التخفي أو الاختفاء والهروب بعيدًا عن عدسات الكاميرات(Zoom) وعمليات التقاطات التصوير المختلفة في محاولة الاحتفاظ بالفريسة الهدف في قلب الدائرة التي تتجه دومًا إليه والمتمثلة في توجيه أكبر قدر ممكن من تصويب هذه الأجهزة الإلكترونية باتجاه الهدف، وكأنها مطاردة حميميّة كرّ وفرّ تنطلق من جانب أحادي، لتطارد هذا الأخير الخصم لتلقي عليه الضربة القاتلة.
لقد تمت مراقبة هذا الكائن ورصد كل تحركّاته عبر عدة أدوات آلية وإلكترونية ومعدات كهربائية وميكانيكية ذات عمل تقني عال في الجودة والأداء والتنفيذ، وظيفتها الرصد والمتابعة ومعرفة ما في جعبته، بحيث تطال حتى أموره الشخصانية، ومن ثمّةَ قراءة ما في حوزته من ممتلكات، تكون هي الأخرى في خدمة المطاردة الإلكترونية ذاتها، فالحوادث التي يُحدثها بذاته على أرض الحدث تكون مكشوفة ومربوطة بشتى الوكالات والشركات المعلوماتية الكبرى العابرة للقارات، فهنالك عشرات الأقمار الاصطناعية السابحة في الفضاء التي تعمل على مساعدة وكشف خفايا تحركات هذا الكائن مما يجعل منه كائنًا منتظمًا للقوانين والمواثيق والدساتير التي تُصدرها الهيئات الرقابية والمؤسسات الحكومية والأعراف الدولية من هنا يضطر هذا الكائن البشري للانقياد والانصياع لتلك الأنظمة والقوانين والأعراف التي تقوم بمكاشفته وتزويده بصور وثائقية عن تحركاته إذا تطلب الأمر ذلك.
لقد غدا هذا الإنسان محكومًا بتلك المطاردات الإلكترونية الذكية Chases E-Smart التي تجبره بالتقيّد بها وعدم إمكانية الإفلات منها مما يترتب عليه عدم مخالفتها حتى لا يكون هدفًا للدوائر القضائية والأمنية ففي الطرقات تم وضع آلاف الكاميرات وعدسات التصوير الدقيقة لرصد تحركات هذا الكائن، وعلى صعيدٍ متصل تواصل هذه الكاميرات الانتشار بشكلٍ كثيف لتتعدى الأماكن المحلية إلى نطاق العالمية والكونية عبر تخطي الحدود والقارات لمطاردة وملاحقة هذا الإنسان للكشف عن هيئته راصدة حركته وكيفية تنقلاّته من مكان لآخر، بل ومعرفة خلفياته من حين لآخر أيضًا عبر استقبال البيانات وقراءة الأرقام الظاهرة في الشاشة، التي يقتنيها كالتليفون والسيارة وغيرها من المقتنيات ذات الطابع التقني، وعبر ذلك يمكن تحديد المكان وحساب الوقت والزمان الذي يتعدى فيه النظام والقانون العام.
المطاردة الإلكترونية للإنسان تتمثل في تحديد معالمه كالجنسية والهيئة والهوية في تصويب الصناعات الإعلامية نحو التقاط صوره وحركاته المختلفة التي يقوم بأدائها وتأديتها سواءً كانت عن قصدٍ أو غير قصد بهذا المعنى يتجلى مفهوم المطاردة من حيث إنها سيرورة دائبة نحو الملاحقة والمحاصرة فهي في نهاية المطاف عملية استهداف للجيب المالي الشخصي والجانب المالي العمومي أيضًا يشهد على ذلك ما نسمعه ونراه من تكاليف باهظة يقوم بدفعها هذا الكائن لملاّك هذه الأجهزة التقنية الحديثة.
لكنّ هذا الإنسان الذي لا يقيم وزنًا لهذه المطاردات كعملية الكرّ والفرّ منها، والتي في بعض الأحيان قد تكلفه حياته أيضًا عندما تقوم الطائرات الحربية بتحديد هدفها لاقتناص المطلوب وتصفيته جسديًّا، فهو لا يولي لها اعتبارًا في اتباع هذه المسطرة القاسية، التي تعمل على جلد من يخالفها بتصفيته أو تغريمه ماديًّا ومعنويًّا.
بين هذه المطاردة وهذا الكائن ثمة مسافة وهوّة، يحاول هذا الأخير الاختفاء والتخفي وعدم الظهور لها أو الاستسلام لمعانيها ومفاهيمها التحكميّة والاقتصادية، فهو بقدر ما هو متخفٍ عن الأنظار، إلا أنه قريب كل القرب منها بواسطة تعريف ذاته لها عبر امتلاكه أدواتها وآلياتها وتقنياتها، التي هي الوجه الآخر والحقيقي لمساعدة الكاشف على المكشوف.
تغريد
اكتب تعليقك