قراءة في كتاب «نحو صياغة خطة شاملة لتنمية الشباب»الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-05-11 21:18:44

د. أشرف صالح محمد

عضو هيئة التدريس - كلية الآداب والعلوم الإنسانية - جامعة ابن رشد – هولندا

الكتاب: نحو صياغة خطة شاملة لتنمية  الشباب

المؤلف: أ.د. سهير عبدالمجيد وآخرون

تاريخ النشر: 2017

الناشر: مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية – السعودية

عدد الصفحات: 258 صفحة

الرقم المعياري الدولي للكتاب: 126 4732 977 978

 

إنّ الأحداث العالمية والإقليمية التي حصلت خلال العقدين الأخيرين شكلت ضغطًا عاليًا لدى فئة الشباب في مسيرته الطبيعية لتحديد هويته وانتمائه، فانتهاء الحرب الباردة واكتساح الليبرالية والعولمة الاقتصادية للعالم عوامل مكنت الولايات المتحدة الأمريكية من التفرّد بالقوة. كما أن أحداث سبتمبر2001 التي أطلقت شعار "الحرب الاستباقية"، كلّ هذه الأحداث أعادت من جديد قضية الهوية والانتماء والثقافة والمواطنة، كقضايا إستراتيجية مصيرية تحمل في طيّاتها تحديات وصعوبات ومخاطر.

ودفع هذا الوضع بالشباب المتميز برفضه للتسلط والإكراه، وبنزعته نحو التمرّد، إلى استبطان هموم الوطن، كما فهمها بقدراته الذاتية دون مصاحبة المثقف أو الفنان أو السياسي، بل بمصاحبة أبطال ونماذج من خارج الوطن وبمخيلة توسّعت لتشمل عالم افتراضي واسع فيه أجوبة صادفت هوى في رغبته الجامحة للتحرر وإثبات الذات.

يعيش الشباب هذه الأحداث العالمية المعقدة والخطيرة في تفاعل مع التحولات الاجتماعية الداخلية المتسمة بغياب فرص العمل وضعف منظومة الحماية الاجتماعية الموجهة إليه وعسر الحياة وتقلّص الحراك الاجتماعي الصاعد واتساع دائرة التهميش، ومرارة الفجوة التكنولوجية والرقمية والمعرفية، مما يشجّع على الهجرة ويضعف الانتماء. في ظل هذه العوامل المغذية للاحتقان، وفي غياب خيارات مفضلة (عمل، زواج، أبناء، نجاح،...) تبرز الخيارات الأسوأ خاصةً لدى المهمشين، فتخلق ردود أفعال سلبية (تأزم، قلق، اكتئاب، انتحار، هجرة، إجرام، انطواء،....إلخ).

ومع تزايد الضغوط الاقتصادية التي واجهتها دول المنطقة، وعدم التمكن من تلبية الاحتياجات الأساسية للشباب في مجالات التعليم والصحة والتكوين والتدريب والتشغيل والسكن والزواج، وبروز مظاهر من الانحراف القيمي والسلوكي لدى شرائح معينة منه، تحت تأثير الجوانب السلبية لثورة المعلومات والاتصالات وفي ظل العولمة وما يكتنفها من المتناقضات والتجاذبات والصراعات الحضارية، مع كل هذه العوامل وبسببها دخل الشباب في منطقتنا العربية في أزمة ذات أبعاد متعددة.

وفي غياب الحل الأمثل لمشكلات الشباب بات حلم الهجرة إلى أوروبا أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، وفي هذه السياقات قد يصبح العنف الذاتي أو الخارجي خيارًا لإثبات الذات وتحقيق الخلاص الفردي كردّة فعل تعيد الاعتبار لمَنْ شعر بالإهانة نتيجة عنف نفسي مسلط عليه، أو نتيجة أوضاع مزرية قضت على بقية مكونات "محفظة الخيارات المفضلة اجتماعيًّا" بدءًا بالانضباط ووصولاً إلى الصبر.

تأتي أهمية شريحة الشباب لأنهم المرتكز الأساسي لعملية التنمية، فهي تُعَدّ الشريحة الأكبر من حيث العدد في المجتمعات العربية حيث توصف هذه المجتمعات بأنها مجتمعات فتية ذات هرم سكاني كبير القاعدة، فعلى الشباب يقع عاتق إنماء المجتمع وصناعة مستقبله، لذا لابد من التأكيد على مشاركتهم الفعالة في بناء المجتمع، فعندما تسود المشاركة المجتمعية، فإن الديمقراطية سوف تتعزز في المجتمع، لأن عملية المشاركة المجتمعية تعزز القدرة على تحمل المسؤولية لدى الشباب، وتدفع إلى ثقافة تقوم على الحوار والعقلانية والثقة بالشباب، لذا فإن التحدي الأكبر بالنسبة لجميع الدول هو كيفية الاستفادة من طاقة هذه الشريحة وإدماجها في مسارات الحياة الاجتماعية والإنتاجية، وعلى الرغم من أهمية هذه الفئة ووعي الحكومات بذلك، إلا أنها تعد من الفئات المجتمعية المهمشة حيث لا توجد إستراتيجيات وسياسات من أجل توظيف طاقات الشباب وتحقيق مشاركتهم في شؤون المجتمع.

إن قلة المراكز الشبابية والجمعيات والمنظمات غير الحكومية التي تسمح للشباب بالمشاركة فيها، وقلة المشروعات التي تدعم الشباب وارتفاع معدلات البطالة... إلخ تؤدي إلى هدر طاقات كبيرة، وتجعل الشباب يقومون بالبحث عن وسائل تعويض غير متكافئة أو الاستسلام إلى التبلد والسلبية، وإذا كان من غير الممكن تحقيق عملية التنمية دون الاستفادة من طاقات الفئات الشابة في المجتمع، والتأكيد على دعم هذه الفئات من أجل تحقيق مشاركتها في بناء المجتمع وتطوره، فإن الأمر يقتضي وضع تصور لتنمية الشباب يطرح ما يحتاجه المجتمع من الشباب، وما يحتاجه الشباب من المجتمع لقيادة التنمية، وهنا يبرز شكل المدينة الأمثل في زمن الحداثة المعرفية: فضاء سلطوي عمومي يضاهيه فضاء مواطني غير عمومي تربط بينهما شراكة قوامها الحرية والعدالة والاحتكام إلى القانون والمسؤولية والتضامن وإعلاء الصالح العام على أي صالح خاص. إلا أن هذا التوليف لن يكون موفقًا إذا لم يتسم بالمبادئ الديمقراطية وبالمواطنة والمسائلة والشفافية وبالعدالة إلى أعلى مرتبة في سلم القيم الحضارية للدولة الناجزة.

إن هذا التأليف هو الذي يحتاجه التغيير في زماننا الحداثي المعرفي الجديد ومن ثم يمثل في نظرنا بعدًا أساسيًّا من أبعاد الرسالة المنوطة بالدولة في القرن الواحد والعشرين، فإذا لم تهتد الدولة إلى تأسيس الفضاء السلطوي والمواطني على جملة القواعد الحضارية تلك، فإنها لن تتمكن من قيادة التغيير الذي يتطلبه العصر الجديد.

وبما أن قضايا التشغيل والتكوين والدمج ومحاربة البطالة والتهميش والهجرة، تعد من أهم الإشكاليات التي تواجه شريحة الشباب، فإن الكتاب يتعرض لها بالدراسة ليصل في النهاية لخطة شاملة لتنمية الشباب، وتعالج الأبعاد الذي يعاني منها في محاولة لاحتواء الشباب وإدماجهم في البنية المجتمعية كأعضاء فاعلة خاصةً وإن المؤلفين ينطلقون في خطتهم من منظور نظرية أنتوني جيدنز (A. Giddens) تشكيل البنية (Structuration Theory)، فهذه النظرية تحاول إيجاد مساحة للفاعل الاجتماعي في عملية تشكيل البناء الاجتماعي، ووفقًا لهذه النظرية فإن تنمية الشباب وتطويره يساهم في تطوير المجتمع وقيادته نحو مجتمع المعرفة، ويكون الفاعل (الإنسان) في مركز هذه العملية ونقطة انطلاق هذا التغيير.

لقد استحق هذا الكتاب الفوز في الدورة الأولى (2016 - 2017) للمسابقة العالمية لتأليف كتاب في مجال تنمية الشباب، فهو يعالج بشمول وعمق سبل الوصول إلى خطة شاملة لتنمية الشباب، ويقدم محتوى متكاملاً له، صاغه عدد من الباحثين المختصين، منطلقين من دراسة الشخصية الشابة وعلاقتها بالمجتمع، وفحص نظرة الشباب إلى نوعية الحياة التي يحياها، ليضعوا أيديهم على ثقافة المسئولية الاجتماعية لدى الشباب، وتأثير قضايا التحول الديمقراطي والمواطنة في شبابنا، وأزمة القيم التي يتعرضون لها، ثم كيفية التغلب على المصاعب التي تواجههم، وبناء علاقة إيجابية ومبدعة بين الشباب والمستقبل.

يحسب لهذا البحث أنه لم يترك أغلب ما يتعلق بالشباب من مشكلات إلا وأتى عليها، متبعًا في هذا منهجًا علميًّا منضبطًا إلى حد كبير، ومستعملاً إحصاءات في مسار البرهنة على مقولاته الرئيسية، وأهدافه الأساسية، يخرج في النهاية بتوصيات عملية قابلة للتطبيق. وقد اهتم البحث بأبرز القضايا التي تخص الشباب العربي في الوقت الراهن، مثل قضية الانتماء، والتعصب، والتطرف الديني، والمواطنة، والمسؤولية الاجتماعية، والمشكلات المتعلقة بالتعليم والصحة والسكن والعمل والهجرة، وعالجها جميعًا بعمق واتساع، فأوفى كل نقطة أو قضية حقها في العرض والتحليل. ورغم أن الكتاب قد حلل هذه القضايا من جوانبها النظرية، فإنه قدم إجراءات عملية ملموسة في كيفية التعامل مع هذه المشكلات، ليصنع من الرؤى النظرية والأساليب الإجرائية خطة أو تصورًا منسجمًا وواضحًا، بوسع أي سلطة سياسية أن تنظر فيه وتعمل على تطبيقه، بغية الارتقاء بأوضاع الشباب العربي.


عدد القراء: 5589

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-