الاسم الحقيقي والاسم المزيف!الباب: مقالات الكتاب
د. ريمة الخاني سوريا |
يعلو صوت إحدى اليافعين معربًا عن رفضه لاسمه، وعن كرهه له أحيانًا كثيرة، ويصر بقوة أنه لا يحبه!، ولو خير لما اختار!.
هل كان مؤهلاً للسؤال والاختيار حينها؟، أم المسؤولية تقع حتمًا على الأهل وسوء اختيارهم مثلاً؟.
هناك تقليدًا معروفًا في بيئتنا، أن يسمى كبير العائلة ابنه على اسم الجد...ولن يخطر في ذهنه طبعًا، كون الاسم موفقًا، أو أن الطفل سوف يحبه.. مهما مهدوا له وذكروا مناقب الجد..
الطريف في الأمر، أنني أتذكر جيدًا صديقة الغربة التي جعلتنا الظروف، في حالة من الحميمية غامرة، خاصة عندما كان زوجانا يسافرن مدة غير قليلة من الزمن، فنصوم ونفطر .. نطبخ ونقرأ.. نرضع أولادنا مبادلة .. حتى عندما تخرجت جارتي أخيرًا من كلية الآداب جامعة دمشق، اختصاص لغة عربية، وآن أوان الافتراق بالأمكنة لزوم عمل الرجال .. أقرت بأن اسمها الحقيقي كان "فاضلة" وليس غالية، لكن غالية هو الأقرب لروحها وقلبها!! كان فاضلة اسم الجدة الجزائرية!!.
والخبر الثاني هنا .. أن اخبارها انقطعت عني تمامًا بعد ذلك....
إن إجراءات تغيير الاسم كما تابعتُ متعبة جدًّا، لأنها تقلب كل شيء وتترك له ذيولاً دومًا .. حتى إنه عطل إحداهن عن الحصول على وظيفة مهمة، لأن إجراءات تغيير الاسم لم يكن متقنة وكاملة!!!.
بعض المثقفين، يجد في اسمه طاقة منخفضة تبعًا لطاقة الأحرف فيه، فطاقة اسم طلحة يختلف عن يوسف... ولا نظن أن لهذا مرجعية علمية موثوقة، سوى تفسير بعضهم، من أن مجرد ذكرك لتأثير الاسم عليك، أنك ستشعر بذلك فهل هو التأويل الوهمي؟.
فكثرة الاستثناءات في القاعدة يخرقها حتمًا....وعليه فالتأويلات ابتعدت عن الشط المنطقي بداية...
في موقع "الباحثون السوريون "أنكروا أيضًا أهمية القيمة العددية للحرف، في تفسير هذا اللغز الغريب..! وتأثير الاسم على صاحبه.
حتى بعض دراسات عن الشخصيات من الأسماء لا تملك منطقية علمية واضحة على عمومها.
تاريخيًّا:
لو عدنا لأصل هذا المفهوم، عرفنا جذوره وأصوله كما وردت:
لقد أولى فلاسفة اليونان اهتمامًا كبيرًا لقضية الدلالة في أبحاثهم. ومن أهم القضايا الدلالية التي تناولها اليونان بالدراسة، قضية العلاقة بين اللفظ ومعناه، والتي تعارضت فيها نظريتان. ترى الأولى أن العلاقة بين اللفظ ومعناه طبيعية، وترى الثاني أن العلاقة ناجمة عن عرف واصطلاح وتراضٍ بين البشر. ونجد أفلاطون وهو أشهر من يمثل الاتجاه الأول في حواره كراتيل من "أن للألفاظ معنى لازمًا متصلاً بطبيعتها أي أنها تعكس – إما بلفظها المعبر وإما ببنية اشتقاقها – الواقع الذي تُعَبِّرُ عنه". أما الاتجاه الثاني، فيمثله آرسطو إذ يعد الناطق بهذه النظرية القائلة، لأن "للألفاظ معنى اصطلاحيًّا ناجمًا عن اتفاق وعن تراضٍ بين البشر".
عند المسلمين:
ظهرت بدايات هذا العلم عند العرب والمسلمين وقالوا بالعلاقتين الطبيعية أو العرفية بين اللفظ والمعنى، وأشهر من قال بالعلاقة الطبعية بين اللفظ والمعنى هو عباد بن سليمان الصيرمي كما أشار إلى ذلك السيوطي، كذلك يفهم من رأي ابن فارس في النشأة التوقيفية للغة أن العلاقة بين اللفظ والمعنى ذاتية لا عرفية. أما جمهور اللغويين المسلمين فيرون أن العلاقة بينهما عرفية اصطلاحية، ولكن أغلبهم ظل يلتمس مناسبة بين أصوات الألفاظ ومعانيها دون أن يزعموا اطراد ذلك. كما بحث البلاغيون كالجرجاني والسكاكي وغيرهم، والذين وصلوا إلى دراسة معنى الكلمة (الدال والمدلول)، ومعنى الجملة (الإشارة، والاستدلال)، وتناوله اللغويون الغربيون المحدثون بالبحث والدراسة في أواسط القرن المنصرم؛ حتى غدا اليوم علمًا متكاملاً يدرس في أكثر جامعات العالم.
عند الغربيين:
ويرجع أول ظهور لدراسة علمية خاصة بالدلالة إلى أواخر القرن التاسع عشر هي تلك التي قام بها اللغوي الفرنسي ميشال بريال حين كتب بحثًا بعنوان "مقالة في السيمانتيك، وذلك سنة 1897. فميشال بريال هو "أول من استعمل المصطلح "سيمانتيك" لدراسة المعنى". وقد كانت دراسة المعنى عنده منصبة على اللغات الهندية الأوروبية مثل اليونانية واللاتينية والسنيكريتية، وعدَّ بحثه آنذاك ثورة في دراسة علم اللغة، وأول دراسة حديثة خاصة بتطور معاني الكلمات. وهذا يعني أن الدراسة الدلالية عنده كانت "مقصورة في الواقع على الاشتقاق التاريخي."، وفي سنة 1923 ظهر كتاب آخر تحت عنوان "معنى المعنى" الذي ألفه الإنجليزيان أوجدن Ogdan وريتشاردز Richards. وقد جاء هذا الكتاب نتيجة التأثير الكبير الذي أحدثه ميشال بريال، إذ كان بمثابة الموجه إلى قضية مهمة تعنى بالمعنى هي السيمانتيك.
خاتمة:
من جهة أخرى، عندما يغلف أحدهم ما اسمه باسم مزيف مثلاً، هل يجد تغييرًا جديدًا طرأ عليه؟.
وهل ما سلف من اعتقاد هل يجعلنا نتخذه نظرية؟ أم نستانس به فقط؟، وذلك لأنه أمر لغوي صرف كما لاحظنا، لا قاعدة منطقية له، ولو تذكرنا أولئك الذين يحتاجون تورية اسمهم، في بداياتهم، الثقافية، لسبب ما هل لهذه الكنية الجديدة تأثير؟ سوى معرفة ما أهمية اللفظ من تأثير على الجمهور، كونه يجمل معنى لافتًا...
يقول الدكتور ولاتو عمر حول هذا الأمر: لقد استعان كتاب كثيرون بالأسماء المستعارة لأسباب مختلفة. وكان تشيخوف أكثر الكتاب حذلقة في إنشاء تلك الأسماء. ويقول تشيخوف بهذا الصدد: "منحت اسم عائلتي للطب، المهنة التي لن أتخلى عنها حتى الممات. فيما يخص الأدب، فأني سأتخلى عنه عاجلاً أم آجلاً، لأن الطب مهنة جدية أما لعبة الأدب فتتطلب ألقابًا مختلفة!!".
لجأ كاتبنا إلى استخدام الأسماء المستعارة لا من أجل إخفاء اسمه بل لكي يسلي القارئ ويدفعه إلى التفكير والتخمين لمعرفة أسم كاتب القصة...
لقد استخدم تشيخوف أكثر من 50 اسمًا مستعارًا إلا أنه بإلحاح من صديقه الناشر والصحفي والمسرحي والناقد الروسي المعروف سوفورين، يبدأ تشيخوف بتوقيع قصصه في مجلة "نوفويه فريميا (العصر الحديث) باسمه الحقيقي واستمر في الوقت نفسه باستخدام الأسماء المستعارة في الصحف الساخرة .. مع انتقاله إلى موسكو ودراسته الطب سلك تشيخوف طريقه الخاص مبتعدًا عن المجلات الضخمة وبدأ بتواضع في نشر مقالاته الصغيرة وقصصه في الصحف الساخرة. وأظهر تشيخوف الشاب في أول قصة له بعنوان"رسالة إقطاعي من منطقة الدون" (عاد تشيخوف وعنونها فيما بعد لتصبح: "رسالة إلى جاري العالم") براعة فائقة في الكتابة بتواقيع مستعارة. فهو لم يكن ينتحل الاسم فحسب، بل كان يحكي بلغتهم، ويقلد أساليبهم، ويفكر بعقلهم.
ربما كان هذا لون الحقبة الأدبية تلك للأسماء المغمورة كذلك، ولكن القارئ سوف يلاحق الاسم حتى يصل أخيرًا حتمًا، ففضوله حال شهرة هذا الكاتب لن يرحم.
وعليه وعلى الرغم من أن الكاتب الروسي الشهير أنطون تشيخوف وقع بأسماء عديدة، إلا أنه دخل عالم الأدب باسمه الحقيقي، وترجمت أعماله إلى كافة لغات العالم، ورسخت أسماؤه المستعارة في أذهان قراءه ومحبي أدبه منذ 130 عامًا وحتى يومنا هذا..
وعليه فهو أمر متعلق بالغرض من الاسم وتبعاته المعنوية، ومدى توظيفه جيدًا لخدمة هدف ما مناسب.
وعود للسؤال من جديد: إن كان هناك أسباب أخرى لاتخاذ أحدهم اسمًا وهميًّا، فهل هذا يعني بحال من الأحوال كتفسير أولي، أنه مزدوج الشخصية؟؟.
أطلقت المهندسة ميساء حلواني نداء عبر الفيس بوك، كان التالي: تعالوا لنتخفي بأسماء وهمية وصور وهمية، ونبقى أصدقاء لكي نقول أشياء حقيقية وتعليقات حقيقية...ونترك التنظير و التشخيص و الوعظ، و نقول ما نحب ونشعر و نعاني بصدق...!!
دعونا نسكب من ذواتنا، ومن أوانينا، ونخلع معاطف التنكر، وابتسمات التنكر وحتى دموع التنكر....
لنكن حقيقيين ولو ليوم واحد....
الهوامش:
1 - موسوعة ويكيبيديا:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%84%D9%85_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%A7%D9%86%D9%8A
2 - راجع دراسة عن اسماء انطون تشيخوف المستعارة:
تغريد
اكتب تعليقك