الأحوال الاجتماعية في فجر الدولة السعودية في كتب الرحالة المغاربةالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2017-11-07 00:50:12

الزبير مهداد

المغرب

يُعد الملك عبدالعزيز المؤسس الفعلي للمملكة العربية السعودية، وكان له تأثير كبير على بلده وعلى كل المنطقة. وقد أسهمت الرحلات الحجية في التعريف بهذا الملك وبالدولة السعودية الجديدة، ورصدت التحول الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي تم في ظل حكمه. وهذا المقال يحاول استقراء رحلات خمسة كتّاب مغاربة، زاروا المملكة في عهد الملك عبدالعزيز ودوّنوا ملاحظاتهم ومشاهداتهم، وهم:

1. إدريس بن محمد الجعيدي، قاض، رحل إلى الحجاز عام 1348هـ 1930م، نشر مذكرات رحلته في حلقات بجريدة السعادة.

2. محمد بن أحمد الهواري، رئيس تحرير جريدة (السعادة)، رحل إلى الحجاز سنة 1352هـ 1934م ألف (دليل الحج والسياحة).

3. أحمد الرهوني التطواني، عالم، قاض ووزير عدل خلال الاستعمار، رحل إلى الحجاز عام 1937، نشرت رحلته في تطوان.

4. محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي، فقيه، عالم إصلاحي ووزير، حج عام 1946، خلف تقريرًا مخطوطًا حول رحلته.

5. محمد بن عبدالسلام السايح، عالم قاض ترأس وفد الحجاج المغربي عام 1366، صنف (لمحة البصر على الديار المقدسة).

 القاسم المشترك بين هؤلاء الرحالة، هو درجتهم العلمية العالية، وتوليهم مناصب المسؤولية العلمية والإدارية والقضائية في بلدهم، وتوثيقهم لرحلاتهم منها ما نشر في كتاب، أو في الصحف. حرصًا منهم على تقاسم المعرفة وتنوير الرأي العام بمشاهداتهم بالمملكة العربية السعودية في فجر نهضتها بقيادة الملك عبدالعزيز.

هؤلاء الرحالة رصدوا باهتمام بالغ وعين ذكية، كثيرًا من مظاهر الحياة الاجتماعية السعودية، ومؤشرات التغيير الاجتماعي التي طرأت على المجتمع السعودي في العصر الحديث، بعد تأسيس الدولة السعودية الحديثة وإرساء هياكلها، وانفتاحها على دول العالم، تبادله التأثير والتأثر أخذًا وعطاءً.

هذه المقالة تستعرض ما دونه الرحالة من ملاحظات أو وثقوه من معلومات، تخص التطور العمراني في الحرمين، والأنشطة السكانية، والأحوال الاقتصادية، والظواهر الاجتماعية.

 التطور العمراني

 التطور المعماري الذي كانت تبدو عليه مكة المكرمة كان لافتًا لنظر الرحالة، مثيرًا لإعجابهم، خاصة الرحلات التي تمت خلال النصف الأول من القرن العشرين، كانت مكة المكرمة، واعتبارًا لمكانتها الدينية العريقة، واحتضانها الحجاج والمعتمرين الوافدين من كل الربوع الإسلامية، تشهد كثافة عمرانية بارزة.

 يصف الهواري ما تضمه مكة المكرمة من بنايات حكومية: جوار الحرم فيه محلات مهمة وبناءات عديدة كدار البريد والتلغراف ودور الحكومة الحجازية التجارية ودار النيابة العامة والخارجية الحجازية، ورياسة المالية والمحاسبة الداخلية، وقلم المطبوعات، وإدارة الأمن العام، والمصارف1، أما الرهوني فقد أثرى مذكراته بذكر إحصاءات ثمينة للمؤسسات العمومية والمرافق التي تضمها مكة المكرمة أثناء زيارته لها: مستشفى عسكري، وآخر للغرباء، وسبعة عشر مصنعًا، ومدبغتان للجلود، ومسلختان، ومخزنان، وثلاثة قلاع تحكم في البلد، وبها عساكر، وبها حمامان، وعشرون سبيلاً للماء وعشرون صهريجًا، وسبعة عشر رباطًا يأوي إليها الفقراء، وثمان طاحنات، وستون فرنًا، وخمسة وتسعون قهوة، ومحجر صحي وصيدلية، ومتجران كبيران للجواهر، وسبعة عشر كوشة لصناعة الجير، ومصانع للفخار، ومخزن كبير للغاز، وثلاثة آلاف حانوت، وستة آلاف دار، ودورها من طبقة إلى خمس طبقات، وبها كثير من البساتين والبرك والخصص (نافورات)2 .

 وجود هذه المؤسسات يؤشر لحجم المدينة ونشاطها ولطبيعة الخدمات التي توفرها لساكنيها والنازلين بها، وهم من جنسيات مختلفة، ما كان يحفز بعض زوارها على استيطانها تبركًا بقداستها، أو ممارسة لأنشطة تجارية أو خدماتية إسهامًا في خدمة الحجاج وبحثًا عن فرص ارتقاء اجتماعي، الأمر الذي بصم التركيبة السكانية للمدينة بوضوح.

التركيبة السكانية

 الفقيه الرهوني كان شاهدًا على التنوع السكاني لمكة المكرمة، بل ولم يفته أن يذكر بالتحديد أصولهم (وسكانها فيهم المكي وأعراب من البادية، وفيهم يمنيون وحضارم ومجازيون ونجديون، ومنهم هنود وقوم من جاوة، وبخاريون وأفغانيون، وأعجام وشوام وأتراك ومصريون وسودانيون ومغاربة، وغيرهم من الأمم الإسلامية)3 . ويشير بذكاء إلى أهمية هذا التنوع الذي أسهمت وحدة الملة في تكاملهم وفي اندماجهم كلهم في بوتقة مكة المكرمة (من هذه الأخلاط حصل امتزاج في الأخلاق، وفي الصور، وفي اللغات، وفي الأزياء، وهم يزيدون على 120 ألفًا، كلهم مسلمون، ولهم كسائر الناس عادات فيها المستحسن والمستهجن)4 . ما يدل بوضوح لا يقبل الجدال على أن هؤلاء السكان كلهم يتمسكون بقيم التعايش والحوار والتسامح والتساكن في رحاب البلد الأمين، على الرغم من تمسك بعضهم بعاداتهم التي لا تحول دون التعايش والتساكن، كل ذلك بفضل وحدة العقيدة الإسلامية.

الأنشطة المهنية

يتوزع السكان على عدة مهن ووظائف، بعضهم موظفين بالإدارات العمومية، السعوديون على وجه الخصوص، إلى جانب بعض الأجانب كالسوريين والمصريين، يقول الهواري (جميع الإدارات يديرها مديرون حازمون من النجديين والحجازيين، ويعاونهم في أعمالهم جماعة من شباب نجد والحجاز وسوريا ومصر)5.

والنشاط التجاري بمكة كان لافتًا لنظر الرحالة، فقد كان يستقطب الكثير من الساكنة التي كانت تنشط بالخصوص في مواسم الحج والعمرة، عند حلول ضيوف الله بالعاصمة المقدسة، فقد جرت العادة أن يعود الحجاج محملين بالهدايا والتذكارات الثمينة إلى بلدانهم. وكانت شوارع معلومة تزخر بالدكاكين والباعة كشارع الجودرية، وشارع المسعى، وحارة الشامية بالشارع نفسه، وشارع القشاشية، وكانت البضاعة متنوعة:

• تجارة المواد الغذائية والخضر والفواكه والحلوى المثلجة.

• والتحف والهدايا والأثاث المنزلي والألبسة.

• تجارة الملبوسات والأقمشة ومواد الزينة.

• تجارة الكتب.

تضمنت مذكرات الجعيدي حديثًا مفصلاً عن ذلك: (من شارع المسعى تبتدئ طريق مسقوفة، بها محلات تجارية كثيرة تباع فيها أصناف السلع والمأكولات والتحف والهدايا التي يأخذها الحاج معه إلى وطنه، ومنها إلى سوق الجودرية، وبه تباع الثياب وأدوات المنزل والأقمشة وجميع البضائع، وبباب السلام تباع الكتب التي ترد من الخارج، وتوجد هناك دكاكين كبيرة للتحف وبيع الكحل والمكاحل المزخرفة وغيرها من الأشياء التي تباع للحجاج6 ، في شارع المسعى به حارة الشامية الوحيدة التي تباع فيها الأقمشة والمنسوجات الواردة من الهند ومصر وسوريا، وعدد وافر من التجار يستوردون البضائع من أوروبا مباشرة7 ، وشارع القشاشية يستمر ممتدًا إلى المعابدة مارًا بالحلقة، وهي سوق تباع فيه الخضر والفواكه التي ترد من الطائف8.

  وبمكة المعظمة شوارع أخرى فسيحة نظيفة، مملوءة بأصناف البضائع والمأكولات المتنوعة والأدوات المنزلية والفواكه المحفوظة والحلويات المثلجة الجاوية والهندية، ومحلات عديدة لشراء المبردات والحلويات المثلجة، وبالجملة، فمدينة مكة المكرمة من المدن المهمة العظيمة في العالم تجارة وعمارة)9.

ويسجل الحاج الرهوني أن البضاعة التي كانت تعرض في دكاكين وشوارع مكة كانت في معظمها مستوردة تأتي من الخارج10.

كما كان المكيون يشتغلون بكراء الدور، التي كانت تدر دخلاً محترمًا بسبب كثرة الطلب عليها في موسم الحج، (متوسط كراء البيوت بمكة بلغ 10 جنيهات إنجليزية، قال: وتوجد محلات يبلغ كراؤها مئة جنيه، وعقب على هذا قائلاً: وربما كان هذا الثمن يساوي قيمة النزل كله!11. ويضيف الجعيدي (بمنى توجد بها أيضًا عدة بناءات ودور عديدة ينزل بها الحجاج يكترونها من أربابها الذين لا يشغلونها إلا في موسم الحج، وكراء أوسط البيوت يساوي 20 جنيهًا، وأهل منى يقولون: إن (من أراد الغنى فليشتر بيتًا بمنى) لأن كراءها أعظم من ثمن قيمتها! 12.

النقل

كما تُعد خدمة النقل من الخدمات الثمينة المعتبرة في مكة المكرمة، لتلبية الحاجة المتزايدة إلى هذه الخدمة في مواسم الحج: الجعيدي (أما أجرة الركوب لعرفة ذهابًا وإيابًا فهي ثلاثة جنيهات للحمار، وأربعة لراكب العربات، وجنيهات لراكب الشقدف، وجنيه ونصف لراكب الجمل بدون شقدف)13. هذه المداخيل تستخلص منها الحكومة جزءًا هامًا، على حد تعبير الجعيدي.

وعلى الرغم من غلاء تكلفة التنقل، فقد كان الحجاج يجدون عناءً كبيرًا خلال تنقلهم بسبب نقص الوسائل أحيانًا في مواجهة كثرة الطلب، ما كان يفتح شهية بعض السواق ليفرضوا أتاوات زائدة على الثمن مقابل تقديم الخدمة، وفي ذلك يقول الجعيدي: وفي صباح يوم الجمعة 17 منه لم نجد سيارات لدى الشركة المكلفة بالحجاج، وحصل لنا ضجر عظيم وقلق من أرباب السيارات، واشتكينا على رجال الحكومة، فأمرتنا بزيادة نصف جنيه للواحد لتهيئ لنا السيارات، فأدينا تلك الزيادة ظلمًا وعدوانًا، فحضرت السيارات فوقع عليها ازدحام شديد واشتباك كبير من جميع الحجاج، وما ركبنا حتى حصلت لنا مشقة عظيمة، وقد بلغت درجة الحرارة في ذلك اليوم 46 درجة والعياذ بالله.

وسائل النقل

وسائل النقل التي كان يستعملها الحجاج، في تنقلهم داخل مكة:

  • الجمال، وبعضها كان مجهزًا بالشقادف؛ وهي الواسعة الانتشار. ثم الحمير.
  • العربات المجرورة بالحمير والبغال.
  • السيارات وكانت في بداية انتشارها في السعودية.

تستعمل الدواب خلال الانتقال داخل مكة، بين جهاتها، يقول الجعيدي واصفًا تنقله خلال الحج بين عرفة ومنى: وكان ذلك يوم الثلاثاء 7 ذي الحجة، ومنذ ذلك الحين والناس تخرج أفواجًا أفواجًا إلى منى وعرفة، فالبعض على الجمال، والبعض على الشقادف، والبعض على الحمر، أو على العربات الخشبية التي تجرها التي تجرها الحمير والبغال، ومن الحجاج من خرج راجلاً. ولقد صارت زحمة عظيمة بمكة، وضاقت شوارعها بسبب ازدحام الجمال والشقادف14 .

أما للمسافات الطويلة كالسفر إلى المدينة المنورة أو جدة، فتستعمل السيارات في الغالب. يقول الجعيدي: (كان خروجنا من مكة ظهر يوم الجمعة المذكور متضجرين من أفعال أرباب السيارات وتهاونهم، ومن عدم اهتمام الحكومة بأمر ركوب الحجاج وشد عضدهم، مع أنها تتسلم من كل حاج نحو 14 جنيهًا في ضريبة ركوبه ونزوله وإقامته وغير ذلك)15.

مشكل الزحام كان قائمًا من قديم، وأحتد بعد إدخال السيارات، ففي سنة 1930، وتفاديًا للزحام ولحوادث السير المحتملة، يذكر الجعيدي أن استعمال السيارة كان قاصرًا رجال الحكومة، في حين أن الحجاج ممنوعين من ذلك، (لم ترخص لأي أحد من الحجاج أن يتوجه على السيارة).

 شوارع مكة المكرمة كانت تكتظ بالجمال، التي كانت تستعمل بكثافة في نقل الحجاج والبضائع، فالحاج السائح الذي حج عام 1946 دون في مذكراته ذلك، وسجل انزعاج السائق من كثرة الجمال التي تزاحم السيارات (يغتاظ ويصيح قائلاً: هذه بلد الجمل، لا بلد السيارة)16.

العملة

مكة المكرمة كانت وما تزال تعد سوقًا مالية عالمية، تروج فيها عملات البلاد الإسلامية وغيرها من البلدان، يقول الرهوني: (ونقودها مجموعة من نقود العالم الإسلامي وغيره، واليوم، هناك الليرة الذهبية لكل دولة، وهناك الريال السعودي الفضة الذي يساوي في الليرة الذهبية عشرين ريالاً ونصف ريال، وهناك قروش 22 فضة، وهللات نحاس فيها 80 وأقل وأكثر، وهناك هلالة مشيئة 21 فيها هللتان، وفي مكة أيضًا الفرنك الفرنسي، سعره ذهبًا أو فضة، وهناك غير ذلك من السكك التي تروج)17. في حين أن الحاج السائح الذي زار مكة عام 1946، فقد ذكر بعض التفاصيل الدقيقة التي تقدم لنا صورة عن قيمة العملات (أما بورصة مكة فالليرة المصرية صرفها بالريال السعودي اثنا عشر ونصف وقرشان، فالريال السعودي عشرون قرشًا، والليرة الإنجليزية الذهبية تصرف بخمسة وستين ريالاً سعوديًّا، وبخمس ليرات مصرية ورقية، والألف من الفرنك يصرف بخمسة عشر ريالاً سعوديًّا إلى سبعة عشر أخيرًا، ولأهل مكة مهارة عجيبة في الصرف بكثرة السكك المختلفة النافقة ببلادهم)18.

ينتقد الحجوي عدم إصدار المملكة العربية السعودية عملة ذهبية، على الرغم من توفر البلد على موارد اقتصادية وثروات هامة (البترول، مداخيل الحج، ومناجم الذهب) (ومع هذا فهو إلى الآن ليست له سكة مضروبة من الذهب، وإنما سكته فضية، ومع اتساع ماليته)19.

 والأدهى من ذلك أن الريال السعودي المتداول كان يمثل نصف قيمته الحقيقية (جمع من المملكة جميع الريال الذي يتعارفون به، وضرب بدله نصف الريال، وسماه: ريال. فهم الآن لا يتصارفون إلا بنصف الريال، وهم مجبرون على تسميته ريالاً، ولذلك انتشر غلاء مفرط في المملكة كلها)20. (وهذه الأحوال إذا تأملها ذو الفكر المنور، يعلم أن في الخفاء يتولد منها جراثيم وميكروبات الفتن والطيش والفساد والبطش)21 .

الفوارق الاجتماعية

 هذه الكثافة السكانية المكية، والرواج التجاري، والرخاء الذي كانت تبدو عليه لزوارها، فإنها، آنذاك، كانت تخفي خلفها فوارق اجتماعية، فقد لاحظ الحجوي على المستوى الاجتماعي وجود فوارق اجتماعية صارخة واستفحال الفقر في البلاد وانتشار الغلاء (فهي من أغلى البلاد، وهي من أغنى البلاد أيضًا ومن أفقرها أيضًا)22 . يضيف الحجوي قائلاً: (حكى لي رجل من موظفي التدريس في المدينة المنورة عرفته فوجدته يسوق سيارة، كيف بك تسوق وأنت مدرس؟ فقال: يماطلوننا أشهرًا، فاضطررنا لهذه الخدمة)23.

وهذا التناقض الاقتصادي الاجتماعي الصارخ، يدفع الحجوي إلى التساؤل، عما قد يخفيه وراءه من مظاهر الفساد، التي يدعو الله أن يقي المسلمين عامة والحرمين خاصة شرها، لأن وجود الثروة مع الفقر مؤشر لغياب العدالة الاجتماعية ولسوء التدبير.

ويضيف الحجوي أن البلاد تتوفر على إمكانات اقتصادية هامة وموارد مالية متنوعة (البترول، الذهب، الرسوم الجمركية) ما يؤهلها لأن تكون أحسن حالاً مما هي عليه، إلا أن واقع الحال يكشف عن خلل في الإدارة المالية للدولة من خلال مظاهر الفقر والغلاء وضعف البنيات التحتية (الشبكة الطرقية) واضطراب صرف أجور الموظفين، وهذا الخلل يرى الحجوي أنه ناشئ عن قلة الأطر الكفاءة القادرة على تسيير وتدبير الشؤون المالية بإحكام ومهارة.

وقد غاب عن الحجوي على ما تميز به من فطنة وذكاء متقد، أن الحرب العالمية الثانية كانت قد انتهت على التو وكانت تأثيراتها السلبية على اقتصاد العالم وخيمة وخطيرة، وأن الدولة السعودية كانت حينئذ حديثة عهد بالتأسيس، ولم يكن قد مضى على بسط نفوذها على مكة المكرمة سوى عشر سنين، وهي مدة قصيرة في عمر الأمم، لا تسمح بإقرار كل النظم وتنفيذ كل الخطط والبرامج وحل المشاكل المتراكمة الموروثة.

ظواهر اجتماعية

لم يفت الرحالة أن يسجلوا بعض الظواهر الاجتماعية اللافتة لنظرهم، نذكر منها:

1. عملية هدم القباب التي كانت مقامة على بعض القبور: يقول الجعيدي: (مقبرة المعلاة، وهي المقبرة الوحيدة لدفن الموتى، وبها قبور عدة للصحابة والعلماء رضوان الله عليهم، وقد حطمت الحكومة جميع قبابها وأبنيتها المشيدة، ولم تبق فيها أدنى قبة)24  هذه العملية التي كانت أثير حولها كثير من النقاش.

2. وفرة العمل الخيري الإحساني: يقول الهواري: (زرنا التكية المصرية لمحمد علي، حيث تفرق الصدقات يوميًّا على 340 من الفقراء، وبها أطباء وصيادلة لصرف الأدوية ومعالجة الفقراء مجانًا، وفي حديقة جميلة وبناءات فاخرة ومخازن كثيرة لخزن المؤن، ومطابخ واسعة لطبخ الطعام للفقراء، ومجزرة خاصة بذبح الحيوانات اللازمة للتموين، والنفقات التي تصرف على هذه التكية ومن مالية أوقاف مصر لها بال)25 .

3. إهمال الحجاج لنظافة البيئة: تكلم الرهوني عن منى (إنها لا تسكن إلا في أيام الحج) ووصف الجمرات، ومسجد الخيف، وبعض المشاهد المعروفة، ملاحظًا أن الذبائح كانت ملقاة في الفضاء بين الخيام على حالة يجب الالتفات إليها وتدارك ضررها 26.

4. انتشار تدخين التبغ: يقول السايح (كان في صدر ما أثار انتباهه إقبال معظم أهل الحجاز على التدخين، وقد كان التدخين في المغرب إلى عهد قريب مخل بالمروءة)27 .

الخاتمة

وعلى الرغم من قصر المدة التي يقضيها الحجاج في البلد، فقد كان الحجاج المغاربة شهداء على النهضة التي شهدتها المملكة العربية السعودية بفضل القيادة الحكيمة للملك عبدالعزيز آل سعود. وأبرزت مذكراتهم جوانب هامة في الحياة السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية للملكة وهي في السنوات الأولى من قيامها.

 والرحالة كانوا في معظم كتاباتهم شهودًا على العصر، أَبْدوا ملاحظاتٍ كثيرةً دقيقة وثمينة حول القضايا التي عاينوها في البلدان التي زاروها، فرصدوا مظاهر التعمير والتمدن والمسالك والبنيات الأساسية، وما تنم عنه من أنظمة قائمة أو فوضى شاملة. ومؤشرات التحول الاجتماعي التي شهدها المجتمع السعودي في مطلع القرن العشرين.

 

المراجع:

1 -  الهواري، محمد بن أحمد: دليل الحج والسياحة، الرباط، المطبعة الرسمية، 1935، ص 130

2 - الرهوني، أحمد: الرحلة المكية، تطوان، معهد الجنرال فرانكو، مطبعة الأحرار، 1941م، ص  106

3 -  الرهوني، ص 107

4 - الرهوني، ص 107

5 - الهواري، مرجع سابق، ص 129

6 - التازي، عبدالهادي: رحلة الرحلات، مكة في مئة رحلة مغربية ورحلة، مكة، مؤسسة الفرقان، 2005، ص 608

7 - التازي، ص 609

8 - التازي، ص 609

9 -  التازي، ص 610

10 - الرهوني، ص 107

11 - التازي، ص 607

12 -  التازي، ص 613

13 - التازي، ص 614

 14 - التازي، ص 612

15 - التازي، ص 615

16 - السائح، محمد بن عبدالسلام: لمحة البصر على البلاد المقدسة، تحقيق محمد قرقزان، الرباط، الإسيسكو 1995، ص 144

17 -   الرهوني، ص 107

18 - السايح، ص 165

19 - الحجوي، محمد بن الحسن: رحلة حجازية، تحقيق عبدالكريم خيالي، مركز التراث الثقافي المغربي (الدار البيضاء) دار ابن حزم (بيروت) 2010 ص 75

20 - الحجوي، ص 75

21 - الحجوي، ص 75

 22 - الحجوي، ص 75

23 - الحجوي، ص 46


عدد القراء: 6440

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-