العلاقات الثقافية بين مصر والكويت 1900 – 1961مالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2018-10-12 02:34:29

د. محمد الأمير عبدالعزيز

مصر

تميزت العلاقات المصرية الكويتية بتنوعها، وشملت مختلف المجالات، وجاء فى مقدمتها العلاقات الثقافية، وقد لعبت مصر دورًا كبيرًا في نهضة الكويت الثقافية.

وتمثلت العلاقات الثقافية بين مصر والكويت في تنمية العناصر الثقافية المتجسدة في البعثات التعليمية والأدب وفنون الموسيقى والغناء والمسرح .

بدأت العلاقات الثقافية بين مصر والكويت منذ مطلع القرن العشرين، وذلك بحضور عدد من طلاب العلم الكويتيين للدراسة فى الأزهر الشريف، والالتقاء برجال العلم والفكر، ومن هؤلاء الشيخ أحمد بن محمد الفارسي حضر إلى مصر عام 1901، والشيخ احمد بن خالد العدساني حضر إلى مصر عام 1902م، والشيخ عبدالعزيز الرشيد الذى حضر عدة حلقات في الجامع الأزهر عام 1914.

وساهم الأساتذة المصريون الذين وفدوا إلى الكويت أوائل القرن العشرين فى توثيق الصلات الثقافية بين مصر والكويت ومنهم الشيخ حافظ وهبه الذى عمل مدرسًا بالمدرسة المباركية عام 1914، وكان له فضلاً كبيرًا في تطوير المدرسة وتنظيم ساعات العمل بها، وتوزيع الدروس على المدرسين، وكان يقوم بتدريس اللغة العربية والتاريخ والفقه، كما كان يلقى بعض دروس الوعظ بالمساجد، وترك أثرًا طيبًا عند مثقفي الكويت ومفكريها.

وكان الشيخ حافظ وهبة من المشاركين في إنشاء أول مكتبة عامة في الكويت، وتم الاجتماع التأسيسي الأول للمكتبة في منزله وذلك في عام 1922، وتم الاتفاق في هذا الاجتماع على إنشاء المكتبة الأهلية، والتي افتتحت عام 1923.

وكان نادى الأدب الكويتي ومنذ عام 1924 يطالع الصحف المصرية ويستضيف كتابها ويناقش الحياة الثقافية في مصر، ويتفاعل بشكل كبير مع المشهد السياسي المصري، وكانت الصحف المصرية محل اهتمام الكويتيين كجريدة المؤيد والمنار التي ساهمت في تثقيف عدد من الإصلاحيين الكويتيين كالشيخ عبدالعزيز الرشيد الذى وصف المنار بأنها من أوسع دوائر المعارف الإسلامية.

ولم يتوقف الأمر على اطلاع مثقفي الكويت على الصحف المصرية فمنهم من كان على اتصال معها كالأديب خالد الفرج والذي استطاع أن يقنع الأستاذ أمين الرافعي (صاحب جريدة الأخبار) بفتح صدر جريدته لنشر أعمال وسياسة الاستعمار البريطاني في الخليج العربي.

وإلى جانب ذلك كانت أول مجلة كويتية والتي أصدرها عبدالعزيز الرشيد في فبراير 1928 وأطلق عليها (مجلة الكويت) تتم طباعتها في مطبعة ( الشورى ) في القاهرة، وكان عبدالعزيز الرشيد يسافر إلى القاهرة لطباعة أعدادها ثم يعود إلى الكويت ليقوم بتوزيعها، وغلب على المجلة الطابع الأدبي والديني، ونالت المجلة إعجاب الكثير من أدباء وعلماء مصر، وكانت المجلة تحتوى على ما يقدمه الأدباء المصريين ومنهم مصطفى صادق الرافعي وعباس العقاد، غير أنها لم تستمر طويلاً فقد توقفت بعد سنتين من صدورها.

وفى فترة الثلاثينيات تشهد مصر زيارة العديد من الأدباء الكويتيين منهم الأديب عبدالرازق البصير الذى التقى بالدكتور طه حسين عام 1936، وأجرى معه عدة لقاءات في مجمع اللغة العربية، كما عمل كاتبًا بمجلة الرسالة في القاهرة.

وقد وجدت الكويت في مصر منارة ثقافية ترسل إليها طلابها للانتفاع من علمها، وكانت أولى تلك البعثات التعليمية في عام 1934، حيث أرسلت الكويت سبعة طلاب شكلوا البعثة الأولى، ومنذ إنشاء مجلس المعارف الكويتي عام 1936 توالت البعثات الكويتية إلى مصر، فقد أرسل مجلس المعارف عام 1938 بعثة مكونة من خمسة طلاب، ثم أرسل في العام التالي أربعة طلاب آخرين إلى القاهرة من أجل الدراسة في الأزهر.

وبدأت أعداد الطلبة المبتعثين تتزايد في السنوات التالية، ففي عام 1943 أرسل مجلس المعارف الكويتي إلى القاهرة سبعة عشر طالبًا، وارتفع العدد فى عام 1945 إلى خمسون طالبًا، وفى العام 1947 وصل العدد إلى 56 طالبًا كويتيًا في القاهرة، وكان هؤلاء الطلاب يواصلون الدراسة التي تتوقف عندها في الكويت، وكان مجلس المعارف في الكويت يدفع راتبًا شهريًا جنيهًا لكل طالب، وتدفع الحكومة المصرية جنيهين وثلاثين قرشًا لكل طالب.

وقد درجت الكويت على إرسال جميع الطالبات الحاصلات على الثانوية في بعثات دراسية إلى مصر نظرًا لحاجتها إليهن للعمل في المدارس، وقد وافق مجلس المعارف الكويتي على إرسال أول بعثة دراسية من الطالبات إلى القاهرة عام 1956 وكن يقدرن بسبع طالبات، ثم أرسل بعثة ثانية من الطالبات عام 1960 تتكون من خمس طالبات للدراسة في الجامعات المصرية.

وفى الحقيقة فقد اطلع الطلاب الكويتيين على نشاط مثقفي مصر كالمحاضرات التي كان يلقيها الدكتور طـه حسين وعباس العقاد والمازني، ويقول الأديب عبدالعزيـز حسين "كنا كطلاب نتأثر وننبهر بكتاب مجلة الرسالـة، وبأحمد أمين ورفاقه فى التأليف والترجمة والنشر".

وقد عاد هؤلاء الطلاب إلى الكويت ليكونوا في مقدمة الصفوف التي تعمل على بناء الكويت في مجال الثقافة والتعليم، ومنهم عبدالعزيز حسين الذى كلف بالإشراف على بيت الكويت في القاهرة ، وعبدالعزيز الشملان مديـر مجلس المعارف في الكويــــت عام 1943، وعبدالعزيز الرشيد مـــــؤرخ الكويت. 

وكانت مصر ترسل الكتب الدراسية إلى الكويت مجانًا، حيث كان المنهج التعليمي المصري هو المطبق في مدارس الكويت بصورة عامة، فقد كانت مصر ترسل البعثات من المدرسين إلى الكويت، وكانت أول بعثة عام 1944، وقد تحملت مصر نصف تكاليف هذه البعثة، وفى السنة الدراسية 1948/1949 كان يشرف على التعليم في الكويت بعثة تعليمية مصريه في حدود 20 معلمًا ومعلمة، كما تولى منصب مدير مجلس المعارف في الكويت عدد من المصريين منهم الأستاذ على هيكل والأستاذ طه السويفي.

وقد تعرف أبناء الكويت على الحياة المصرية من خلال المناهج الدراسية، فقد درس أبناء الكويت القصص المصرية مثل (سرحان بين البيت والغيط).

وعقب زيادة ميزانية مجلس المعارف في الكويت قام المجلس بشراء الكتب الدراسية من مصر، بالإضافة إلى شراء أمهات الكتب في الأدب وعلوم اللغة العربية والتاريخ  لتكون نواة للمكتبات المدرسية، وزود المجلس بيت الكويت في القاهرة بنسخة من كل كتاب يرسل إلى الكويت.

وكان إنشاء بيت الكويت في القاهرة عام 1945 كمقر لإدارة البعثات التعليمية الكويتية في القاهرة، استمرارًا للعلاقات الثقافية المصرية الكويتية وتنمية لها، وهو أقدم وأعرق المكاتب الثقافية الكويتية بالخارج يتولى الإشراف الأدبي والعلمي والمالي على طلاب الكويت في مصر، إلى جانب رعاية العلاقات الثقافية بين مصر والكويت، وحضر افتتاحه أحمد أمين صاحب مجلة الثقافة الأسبوعية نائبًا عن وزير المعارف في ذلك الوقت، وكان مقره الأول في الزمالك، واشتهر هذا البيت بأنه أصبح مركزًا ثقافيًا تقام فيه المحاضرات والندوات، وعقد لقاءات لتعريف أبناء مصر بالكويت وتاريخها، وتنظيم رحلات للطلاب الكويتيين إلى الأماكن التاريخية الهامة والمتاحف المصريـة.

واستهل بيت الكويت عمله في مصر بإصدار "مجلة البعثة" عام 1946 وكانت نشرة ثقافية تهتم بالصور والكاريكاتير وشؤون الكويت التراثية والرياضية والثقافية، وترأس تحريرها الأديب الكويتي عبدالعزيز حسين، وكانت توزع في مصر والكويت، وكان لصدورها دور في التواصل الثقافي بين مصر والكويت، وكانت أخبار مصر الثقافية تنشر على صفحات مجلة البعثة، فقد كان الكتاب الكويتيون معجبون بنهضة مصر الثقافية والعلمية، وجهود الدكتور طه حسين في هذا المجال.

إلى جانب ذلك أجرت مجلة البعثة لقاءات عدة مع المثقفين المصريين منهم الفيلسوف الدكتور منصور فهمي باشا، والأستاذ علي هيكل مدير معارف الكويت سابقًا، والشاعر الدكتور أحمد زكي أبو شادي، وتألق عدد من فرسان الكلمة في مصر على صفحات هذه المجلة، منهم أحمد الشرباصي - مؤلف كتاب أيام الكويت -، والدكتور أحمد زكي أبو شادي، والأستاذ طه السويفي والذي تولى منصب مدير المعارف في الكويت، وتعد مجلة البعثة الأم الحقيقية للصحافة الكويتية الحديثة  واستمرت المجلة في الصدور حتى عام 1954.

وقد أعاد الرئيس جمال عبدالناصر افتتاح بيت الكويت عام 1958 عند افتتاحه في مقره الحالي في الدقي بحضور الشيخ عبدالله الجابر الصباح رئيس مجلس المعارف في الكويت.

وليس هذا فحسب فقد ساهم الدكتور أحمد زكي عاكف في تنفيذ مشروع مجلة ثقافية عربية كويتية، وأنشأ مجلـة (العربي) في الكويت عام 1958، وأصبح رئيس التحرير للمجلة، وصدر العدد الأول في 1 ديسمبر 1958، وحققت المجلة نجاحًا كبيرًا، وأصبحت من أوسع المجلات العربية انتشارًا، وتميزت بغزارة مادتها وتنوع موضوعاتها، وكانت المجلة شاهدة على ما كان بين مصر والكويت من تعاون ثقافي وطيد، واهتمت المجلة بالنواحي الثقافية والاجتماعية والعلوم والتاريخ والأدب.

وكان من كتّاب المجلة رواد الكتابة والأدب والفكر في مصر، مثل محمود عباس العقاد، والدكتور أحمد زكي عاكف، ومحمود تيمور، وفاروق خورشيد، وحسن كامل الصيرفي.

بالإضافة إلى ذلك فقد اهتمت الكويت بكتب التراث العربي، وأصدرت سلسلة بعنوان (التراث العربي) وقامت السلسلة بتحقيق العديد من كتب التراث، واستعانت الكويت بالأستاذ فؤاد سيد الذى كان يشغل منصب أمين المخطوطات بدار الكتب المصرية، لتحقيق بعض الكتب ضمن هذه السلسلة مثل كتاب "العبر في خبر من غبر" للحافظ الذهبي، والذى صدر الجزء الأول منه عام 1960، والأستاذ عبدالستار أحمد فراج الذى قام بتحقيق كتاب "مآثر الإنافة في معالم الخلافة".

إلى جانب ذلك كانت للندوات الثقافية دورًا في توثيق العلاقات الثقافية بين مصر والكويت، فقد شهدت المدرسة المباركية في الكويت عام 1952 ندوة بعنوان "العلم نعمة أم نقمة" بمشاركة عبدالمجيد مصطفى وأحمد الشرباصي من مصر.

وفى النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين بدأ مجلس المعارف في الكويت في تنظيم موسم ثقافي، حاضر فيه العديد من القمم الثقافية في مصر من بينهم الدكتور أحمد زكي عاكف، وأمينة السعيد، وبنت الشاطئ، وسليمان حزين، وسهير القلماوي، وأمين الخولي، وعبدالعزيز القوصي وغيرهم من مثقفي مصر.

وفى عام 1958 عقدت الدورة الرابعة لمؤتمر الأدباء العرب في الكويت، وتقديرًا من الكويت لدور مصر الثقافي الرائد، وجهت لجنة المؤتمر دعوات شخصية لعدد من الكتاب فى مصر منهم الأستاذ محمد مندور، والناقد الكبير عبدالقادر القط، هذا إلى جانب وفد مصر الرسمي في المؤتمر برئاسة مهدى علام.

وفي مقابل الندوات المقامة في الكويت ألقى الأديب الكويتي عبدالعزيز حسين محاضرة في معهد الدراسات العربية بالقاهرة بعنوان المجتمع العربي في الكويت.

وفى مجال الموسيقى والغناء زار عدد من الموسيقيين المصريين الكويت وأقاموا العديد من الحفلات الغنائية، فقد زار عبدالحليم حافظ الكويت فى عام ، واستقبل في الكويت استقبالاً حافلاً لم يكن يتوقعه.

وأحييت سيدة الغناء العربي أم كلثوم العديد من الحفلات الغنائية في الكويت قبل الاستقلال، حيث اتفقت مع أحد التجار الكويتيين ويدعى كامل سليم على إقامة ثلاث حفلات على مسرح (السينما الحمراء) في 16 يناير 1959، مقابل سبعة آلاف جنيه عن كل حفل، واشترطت في العقد أن تتولى الإشراف على مسرح الحمراء وإبداء الملاحظات، وأن لها مطلق الحرية في اختيار ما تقدمه للجمهور .

وكانت القاهرة مقصدًا لبعض الفنانين الكويتيين لتسجيل أعمالهم الموسيقية والغنائية، ففي عام 1958 قام الموسيقار الكويتي سعود الراشد بزيارة القاهرة، حيث قام بتسجيل خمس أسطوانات، وفى أثناء زيارته القاهرة عمل مع عدد من الموسيقيين المصريين، ودعا البعض منهم إلى الكويت، وتم الاتفاق على تشكيل الاوركسترا الكويتية المصرية  بقيادة نجيب رزق الله.

أما عن التعاون الثقافي بين مصر والكـويت في مجال المسرح فيمكن القــول أنه على الرغم من أن المسرح الكويتي بدأ في منتصف الثلاثينيات إلا أن بداياته كانت مدرسية مع وصول المدرسين العرب الذين وفدوا إلى الكويت عام 1936، ومنذ ذلك الوقت قدمت أعمال مسرحية تعيد تمثيل قصص تاريخية في المدارس.

وأخذت الحركة المسرحية في الكويت الطابع الرسمي وذلك عقب استدعاء دائرة الشئون الاجتماعية الفنان زكي طليمات للتباحث معه في شئون المسرح الكويتي عام 1958، وتقديم تقريرًا مفصلاً عن مظاهر النشاط الفني في الكويت ووسائل تدعيمه الارتقاء به، وظل زكي طليمات في الكويت مدة ثلاثة أشهر، ألقى خلالهما محاضرتين في إطار الموسم الثقافي الذى كانت تقيمه الكويت، وقدم عرضًا مسرحيًا استعراضيًا.

وفي زيارته الثانية للكويت عام 1961 قام زكي طليمات بالتعاون مع دائرة الشئون الاجتماعية بتكوين فرقة مسرحية أطلق عليها (فرقة المسرح العربي) كنواة للمسرح الكويتي الحديث، لتبدأ معها مرحلة جديدة من تاريخ المسرح في الكويت.

وقد تم التحضير لتقديم أول مسرحية رسمية وهى (صقر قريش)، وضمت الفرقة أربعين كويتيًا وانضمت للفرقة بتشجيع من زكي طليمات لأول مرة فتاتان كويتيتان وهما مريم الصالح ومريم الغضبان، وكانت تجربة رائدة وجديدة، فلم يكن يعرف المسرح الكويتي من قبل وجود المرأة كممثلة.

وشهد المسرح الكويتي بفضل زكي طليمات تطورًا كبيرًا لتتحول التجارب المسرحية هناك من الارتجال بلا نص أو سيناريو أو قصة إلى مسرح حقيقي.

تلك كانت إطلالة على مدى توثق العلاقات الثقافية بين مصر والكويت منذ عام 1900 وحتى عام 1961، والدور الكبير الذى لعبته مصر في نهضة الكويت الثقافية.

 

المصادر:

1 -  د . إبراهيم عبده: دولة الكويت الحديثة، مؤسسة سجل العرب 1962.

2 – حافظ وهبه: خمسون عامًا في جزيرة العرب، دار الآفاق العربية، الطبعة الأولى 2001.

3 - خيرى أبوالجبين: قصة حياتي في فلسطين والكويت، الشروق 2002.

4 – فتحي حسين: تاريخ الصحافة العربية، العربي للنشر والتوزيع، 2014.

5 –  د . محمد حسن عبدالله: من الرواد الأوائل في المسرح الكويتي حمد الرجيب، وزكي طليمات، مجلة البيان الكويتيـة، العدد 85، 1 أبريل 1993.


عدد القراء: 6172

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

التعليقات 1

  • بواسطة حسام سند من المملكة العربية السعودية
    بتاريخ 2018-10-13 11:44:32

    احسنت يا دكتور محمد سلمت يداك

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-