كنوز الظلام.. عن كتاب ثوركيلد جاكوبسين
المحرر الثقافي:
الكتاب: "كنوز الظلام ..ثوركيلد جاكوبسين"
ترجمة وتقديم: د. شاكر الحاج مخلف
الناشر: تموز ديموزي
تاريخ النشر: 2020
"كنوز الظلام" هذا هو الكتاب الأول والمهم عن حضارة بلاد ما بين النهرين للبروفسور الأمريكي "ثوركيلد جاكوبسين" المختص بحضارة سومر وتفاصيلها، كما يضع المترجم ملاحظاته وبعض الشروح والتعليقات، الكتاب بمجمله يتحدث عن تلك الحضارة التي تضرب بالقدم – يقدم تصوراً فريداً وهو يتناول تلك المفردات ويرصد تأثيرها على الحضارة الغربية الحالية، تلك الفواصل المدهشة التي ظهرت في الشرق القديم، كانت اساس الثقافة المتميزة التي تبهر الباحث والمتلقي حالياً، حضارة قوية تعود إلى المرحلة التي سبقت حضارة اليونان والإغريق، يستند الكاتب في جهوده إلى امكانية تمكنه من اللغة السومرية، هو لا يخفي تعاطفه مع الحياة الثقافية والروحية التي سادت في "سومر" التعبير في الكتاب يظهر الانسجام الكبير الذي أوجدته الديانات التي ظهرت في بلاد ما بين النهرين القديمة، يستند في معلوماته إلى دليل الكشف والتنقيب الحضاري المتتابع الذي حصل في القرن الماضي وما سبقه، الكتاب في عملية البحث يقدم بانوراما لتطور العقيدة الدينية، ويحاول الإجابة على أسئلة مهمة، يتوقف عند تلك السلطة القوية التي حكمت الحياة وقدمت البديل الحضاري للكون، أيضاً يقدم رؤى فضفاضة عن تلك المواقع التي دارت فيها أجنحة تلك الحضارة وهي تحلق بشكل واسع "جاكوبسين" يعرف بدقة الطرق التي سلكها في بحثه كما وضع العلامة التي يجب ان تكون فيها نهاية رحلته، هو يقدم صورة تفصيلية يرى من خلالها المراكز الدينية كما ينقل التكوين التفصيلي للذي حدث منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، هو الباحث الذي رأى جذور تلك الحضارة وحدد تلك السلطات النهائية التي تحكم وجودنا، في كل ألفية كانت هناك علامات مهمة وشمت تاريخ بلاد ما بين النهرين، يسجل في كتابه إبداع شعب مدهش نقش بقوة فصول حضارته على الواح الطين السومري وأعطاه الخلود الأبدي، وكيف نظر السومريون إلى الآلهة كأباء وسادت لديهم في الألفية الأولى نظرة مترددة نحو استعارة الحاكم وصفته بشكل كاريكاتيري قومي متطرف أمتاز تصرفه دائما بالوحشية والإرهاب والخرافة، تلك النظرية ازدهرت فيما بعد ، كما يصور جاكوبسين مناقشة جهوده بالمقارنة مع أحدث المعلومات العلمية ومع أحدث الكتب التي صدرت وهي تتناول حضارة بلاد ما بين بلاد النهرين، لا يخفي انبهاره بملحمة جلجامش وحضور أورنمو وكلاهما علامتان بارزتان في سجل سومر وعقيدتها الدينية، عندما تم العثور على التمثال الطبيعي للإله السومري "نينورتا" وهو يعود إلى الألف الأول قبل الميلاد بسبب حدوث الفيضان وقد طمر تحت الطين، تم العثور عليه في منطقة "أشنونا" من حواضر سومر القديمة، وكانت بعثة المعهد الشرقي التابع لجامعة "شيكاغو" قد عثرت عليه أثناء التنقيب وهو يعود إلى ما قبل ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، ثبتت التقارير ان السومريون لم يعملوا بشكل خاطئ عندما أنجزوا حلقات حضارتهم بقوة متناهية وبشكل علمي يتفق مع تلك المراحل وهم لم يكونوا يرفضوا أنهم موجودون بقوة أيضا في تلك المنطقة ولم يهملوا رؤية الجمال في تلك الممالك المجاورة التي جعلت روح المغامرة تتوثب لديهم بشكل واضح، كانوا يخاطرون بالوصول وفق مغامرات عسكرية محسوبة إلى الممالك البعيدة والقريبة من حدود بلاد ما بين النهرين، آمنوا ان فكرة الحذر أثناء المغامرة لديهم ليست خاطئة، بل هي دعوة للمحافظة على الحياة والتقدم لتوضيح حقيقة وجودهم وتحديد الموقف من اصقاع الكون والشعوب، كما ان الديانة في سومر القديمة كانت مغامرة فريدة في فهم ما وراء الطبيعة وتحديد العلاقة بين الإنسان والمحيط الحيوي والبحث عن تفسير لتلك الأسئلة المحيرة، تجربة مدهشة احتاجت في وجودها إلى قوة الرؤيا والفكر والتعب الجسدي المتواصل، اعتبر الباحث "أوتول رودولف" أن تلك كانت بمثابة معركة للمجابهة والخشوع للقوة الخفية ذات التأثير القوي المتحكم في مصير الكون والإنسان – في تفاصيل تلك المواجهة يكمن الاكتشاف المتشبع بالرعب من القوى المجهولة المسيطرة، ذاك يرسم حالة الفزع الإنساني الناتج عن حالة الرعب المطلق، رهبة تجعل الفخامة تتبخر والسحر لا يقاوم والفكرة تدعو إلى الولاء غير المشروط والكامن فيه الحس الإنساني الإيجابي المستند دائما إلى الرؤيا التراكمية والتجربة التي خلقها الفكر من هناك بدأ نسيج خيوط أسطورة وعلم اللاهوت وتفاصيل العبادة التي تشكلت منها أغلب الديانات القديمة، سجل تلك التوجهات التي حدثت في العالم القديم أعطى الإحساس الحقيقي لتكوين الوصف وفق الشروط الوصفية التي توفر التجربة رغم الحالة المعقدة وتسعى للاقتراب أو الابتعاد من جوهر القضية على الأغلب، بينما "أوتول" قد وضع الإشارة المطلوبة، رصد تأثير الأفكار وتحديد التحول الذي يناسب الفعل النفسي الإنساني واندفاعه في المدى المطلوب لتحقيق التفاعل وتم تثبيته من خلال تطور التجربة والتناظر الحاصل، في فضاء القوة الإيحائية والاطلاع بشكل عادي، والتوقف عند رد الفعل الذي يشكل حالة الإيمان أو التطامن مع حالة الخشوع وهنا يمكن ان يتحقق الفعل أو الاستعارة لتحقيق الحالة المرغوبة – كانت الاستعارة الدينية تكمن في وسائل الاتصال التي اعتمدتها المراكز الدينية في نشر فكرها وتعاليمها بما يشكل الجسر الذي يتوسط بين الزعماء الدعاة المؤسسين والأفراد الذين يتلقون تلك التعاليم وهم في نهاية الفعل يشكلون الرابطة المشتركة لفهم العوالم وما يحيط بها وفق الرؤيا والتعاليم الدينية من خلال الوسائل التي تستند إلى المحتويات والأشكال الدينية وتلك التجارب الخاشعة ظلت تنتقل بين الأجيال في استعارة المفاهيم وتطبيقها، كل كائن بشري أشترك في تلك التجارب تكونت لديه حسب التراكم علاقات وثقافة فردية تصب في تعميق حالة الخشوع التي تبلور فكر التكوين الجمعي ويحقق التصرف أو الرد لدى التجمع المؤمن بفكرة تلك الأديان التي ظهرت في وجود شعب سومر القديمة، تلك العلامات كانت متميزة ومعلنة في تفاصيل التحولات التي حصلت ..
تغريد
اكتب تعليقك