الجمهورية والشيوعية والإسلام: الأصول العالمية المتعددة للثورة في جنوب شرق آسيا
المحرر الثقافي:
الكتاب: "الجمهورية والشيوعية والإسلام: الأصول العالمية المتعددة للثورة في جنوب شرق آسيا"
المؤلف: جون سيديل
الناشر: مطبعة جامعة كورنيل
تاريخ النشر: 15 مايو 2021
اللغة: الإنجليزية
عدد الصفحات: 324 صفحة
على مدار القرنين الـ16 والـ17 كانت منطقة جنوب شرق آسيا ساحة للقوى الاستعمارية الأوروبية التي بدأت مع وصول تجار التوابل الهولنديين والبرتغاليين والإسبان الذين تبعهم الفرنسيون والبريطانيون لاحقاً عن طريق البحر واستمرت الحقبة الاستعمارية في تلك المنطقة طوال القرنين التاليين، لكن الشعوب المستعمَرة عرفت العديد من الانتفاضات ضد المستعمِرين.
وفي كتابه "الجمهورية والشيوعية والإسلام: الأصول العالمية المتعددة للثورة في جنوب شرق آسيا"، يقدم المؤلف جون سيديل مساهمة تحليلية في دراسة تلك المنطقة وتاريخها، محاولاً التعرف على سبب حدوث الثورات الفلبينية والإندونيسية والفيتنامية من منظور مقارن، ويستكشف ظروف احتمال حدوثها وإظهار كيف أن التفسيرات السائدة حول تفشيها لم تدرك بشكل كاف أهمية الروابط متعددة الجنسيات والإقليمية في تأجيج هذه الثورات.
إلهام ثوري
يكشف المؤلف سيديل كيف أن التيارات العالمية التي حركت الحركات القومية لجنوب شرق آسيا كانت متشابهة في جميع أنحاء العالم، وأن الثوار في جنوب شرق آسيا كانوا أحيانا مستوحين بشكل مباشر من نظرائهم في أوروبا وأفريقيا والصين والشرق الأوسط أو متلقين من خلال الحوار.
أطلقت هذه التأثيرات -بدءاً من التبادل الفكري إلى الثقافة الشعبية- العنان لقوى قوية رغم أنها غالبا ما تكون خفية في المجتمعات المستعمَرة، مما مهد الطريق للثورة عندما تسمح الظروف الجيوسياسية الدولية. طوال كل ذلك، يظل سيديل راسخاً في السياق التاريخي، ولا يغفل أبداً عن خصوصيات كل ثورة، بينما يقاوم بحزم فكرة الغايات القومية التي تجعل كل ثورة نتاجا لحساسية إندونيسية أو فيتنامية أو فلبينية متأصلة.
ويعرض سيديل أسئلة مقنعة ستكون مألوفة لأي باحث من جنوب شرق آسيا، من قبيل "كيف تمكنت النخب القومية من تعبئة الناس العاديين بشكل فعال في النضالات الثورية؟"، وكذلك "لماذا حدثت هذه الثورات عندما حدثت، ولماذا نجحت؟"، وللإجابة عن هذه الأسئلة يربط سيديل بسهولة بين العوامل الإقليمية المساهمة في اندلاع الثورات في أوقات وأماكن محددة.
ويوضح الكتاب كيف أن "التضامن الإسلامي عبر المحيط" بين الطلاب الإندونيسيين في الخارج والعمال المصريين مارس ضغوطاً مباشرة على حركة الشحن التجاري الهولندي ونجح في الحصول على اعتراف دبلوماسي للجمهورية الإندونيسية، ويستعرض كيف سهلت الشبكات التجارية الإندونيسية (بما في ذلك المغتربين الصينيين من جنوب شرق آسيا) -التي تربط سومطرة وجاوة بسنغافورة- تصدير السلع لتمويل الثورة، وكيف حشد البحارة الإندونيسيون والسجناء السياسيون في أستراليا تضامنا مع نظرائهم الأستراليين والهنود والصينيين لعرقلة العمليات البحرية الهولندية في الأرخبيل الإندونيسي.
ثورات إندونيسيا والفلبين
أصبحت كل هذه القوى ممكنة بفضل الروابط العالمية التي ربطت الإندونيسيين بجنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأستراليا في العقود وحتى القرون التي سبقت الثورة الإندونيسية، وكان لها تأثير ملحوظ على نجاح الثورة الإندونيسية ضد الاستعمار الهولندي.
لكن حجة سيديل لا تنتهي عند هذا الحد، إذ يستكشف أيضاً تداعيات هذه الثورات، موضحاً عدد الروابط العالمية التي زرعت بذور الخلاف بين الثوار وفاقمت -في وقت لاحق- مشكلات الأنظمة السياسية حديثة العهد التي نشأت فيما بعد، وقد يبدو هذا متناقضاً للوهلة الأولى، لكن سيديل يقوم بجهد كبير لإظهار كيف يمكن أن تصبح نقاط القوة نقاط ضعف في السياقات السياسية المختلفة.
فقد استفادت الثورة الفلبينية -على سبيل المثال- من أشكال الحياة النقابية مثل جمعيات "كوفريادس" (cofradías) الكاثوليكية الريفية (الأخوات العلمانية) والمحافل، التي وفرت قنوات قوية للتعبئة الاجتماعية الحضرية التي قادت الثورة.
ومع ذلك، فإن المُثُل الليبرالية والجمهورية التي شجعت الثوار، ووحدت المناطق الحضرية والريفية، والفلاحين وملاك الأراضي، والمثقفين، والبروليتاريا، والنبلاء من خلال هذه الهياكل التعبوية، أثبتت أيضاً أنها غير كافية لتلبية احتياجات وتطلعات الثوار العاديين.
اعتمدت الثورة الفلبينية على الأفكار والخطاب والهياكل التنظيمية التي اكتسبتها من خلال الروابط العالمية لتحقيق النجاح، وأخفقت نفس القوى في تقديم نموذج الاتحاد المأمول للفلبينيين، مما أضعف جمهورية مالولوس (جمهورية الفلبين الأولى 1899) الجديدة في وقت واجهت فيه التهديد الوجودي للإمبريالية الأمريكية، وفق الكاتب.
وتكمن أعظم نقاط قوة سيديل في قدرته على تجميع الدراسات الكلاسيكية والحديثة في سرد مفصل وسهل. فبأخذ المثال الإندونيسي، يوضح سيديل أن سر قوة الشباب الذين ملؤوا صفوف الثوريين، لم يكمن ببساطة في القوات شبه العسكرية التي ترعاها اليابان أو القوى الجاوية، ولا في ديناميكية المثقفين المناهضين للاستعمار المكتسبة من خلال الاستعمار أو التعليم أو الإقامة الأوروبية، كما جادل باحثون آخرون.
فمن خلال مزيج وآثار تعميق الروابط مع بقية المجتمع المسلم من خلال السفر بالبخار والطباعة، والشتات المؤثر للزرادشتيين والعرب والصينيين، والأشكال الجديدة للثقافة الشعبية وتطوير اللهجات العامية الجديدة، يلخّص سيديل جانباً معقداً من التاريخ الإندونيسي في سرد قوي ودقيق.
ما يجعل هذه الدراسة جذابة للغاية هو أن أسئلتها وثيقة الصلة بالتاريخ الحديث للفلبين أو إندونيسيا أو فيتنام أو جنوب شرق آسيا الأوسع، وجاءت إجابات المؤلف موجزة، حيث تغرق الدراسات المتخصصة الأخرى في تعقيدات التفاصيل التاريخية، ومع ذلك فهي لا تزال قادرة على استيعاب الصورة الكبيرة بدون اتخاذ مسارات متعرجة. كل رحلة جانبية يقوم بها الكتاب إلى مدن مثل باريس وبورتونوفو (عاصمة بنين) وقوانغتشو (مدينة صينية) تؤدي إلى رؤية مبهجة وغير متوقعة لثوار جنوب شرق آسيا، وهذه الانعطافات منعشة وليست مشتتة للانتباه.
ثورات جنوب شرق آسيا
إن قدرة سيديل على التبديل بين 3 دول في جنوب شرق آسيا، بالإضافة إلى طلاقة واضحة في مجموعة من التواريخ خارج جنوب شرق آسيا، أمر مثير للإعجاب حقاً، بحسب الكاتب، فالمؤلف معروف بالفعل بكونه أحد العلماء القلائل الذين لديهم خبرة حقيقية في كل من إندونيسيا والفلبين، ما يجعله مؤهلا للتحليل المقارن الصعب لـ3 ثورات.
وفي الواقع، غالباً ما يتجاوز الكتاب أيضاً هذه البلدان الثلاثة، ما يظهر اتساع وعمق قراءة سيديل التي تشمل المصادر الأولية والثانوية، كما يوضح في قسمه عن الشيوعي التتاري المسلم مير سلطان غالييف مثلاً.
وتناول سيديل لفيتنام تميز بشكل خاص بعمق ليس فقط في دراسة القواعد الثورية لمدينة قوانغتشو والحدود التايلاندية، ولكنه يدرس أيضاً انتقال الأفكار وتشكيل التضامن عبر المجتمعات المستعمَرة للإمبراطورية الفرنسية، والتي تشمل كمبوديا ولاوس وداهومي ومدغشقر.
هذه الروابط، التي سهّلتها قدرات الإمبراطورية -لا سيما في العمل بالسلع والبضائع والشحن البحري والخدمة العسكرية في الخارج- وظهرت في المسرح الشعبي والأدب والنشاط الفكري، شكلت الحساسيات الفيتنامية المناهضة للاستعمار بطرق أساسية.
وبالاقتران مع الهياكل البيروقراطية للحكم، ساعدت هذه الروابط في خلق قومية فيتنامية قوية، ملوَّنة بشدة بالماركسية اللينينية والهياكل المصاحبة لها، والتي كانت قادرة على مقاومة المحاولات الفرنسية لإعادة الاستعمار بعد عام 1945.
وهذا الجانب الجدلي لكتابة سيديل هو الذي يجعل هذا الكتاب مناسباً بشكل خاص لدورات الدراسات العليا والجامعية حول تاريخ جنوب شرق آسيا. حتى الاستنتاج، الذي لم يكن طويلاً، يحتوي على حجة مقارنة منظمة بإحكام والتي تناقش كل دولة قومية في جنوب شرق آسيا تقريباً.
ووفق الكاتب، هناك جانب واحد من الكتاب يمكن البناء عليه وتطويره بحثياً، وهو المتعلق بكيف يمكن للإسلام والجمهورية والشيوعية أن تتعايش وتعزز بعضها البعض كخطابات حشدية للمقاومة المناهضة للاستعمار.
ويلخص سيديل الأمر بإيجاز "بدون الإسلام والشيوعية، لم تكن القومية كافية لتحقيق أهداف الاستقلال الإندونيسي".
وتم تصور هذه الأفكار -الشيوعية والإسلام- على أنها متوافقة مع فكرة الأمة (الوطنية)، أو على الأقل ليست معادية لها، ونجح الثوار في تبني خطابات الجهاد المقدس أو الأخلاق المسيحية أو المثل الأخوية أو الإدانات الشيوعية للاستغلال الهيكلي (الرأسمالي)، ورأى كثيرون أن تحقيق آمالهم ممكن تماماً في إطار الدولة القومية. وفي الواقع، اعتبر كثيرون أن الدولة القومية ضرورية لتحقيق هذه الآمال.
تغريد
اكتب تعليقك