ذكرياتي في الترجمة: حياة بين سطور الأدب العربيالباب: مقالات الكتاب
د. محمد معتصم محمد علي جامعة جدة- قسم اللغة الانجليزية والترجمة |
بيتر كلارك*
ترجمة: د. محمد معتصم محمد علي
الكتاب: "ذكرياتي في الترجمة: حياة بين سطور الأدب العربي "
المؤلف: دينس جونسون ديفز
الناشر: الجامعة الأمريكية بالقاهرة
تاريخ النشر: 15 مارس 2006
اللغة: الإنجليزية
عدد الصفحات: 148 صفحة
الرقم المعياري الدولي للكتاب: ISBN-13: 978-9774249389
ساهم دينس جونسون ديفز أكثر من أي كاتب آخر في التعريف بالأدب العربي المعاصر ونشره في العالم الغربي. ففي جهد غير مسبوق بلغت ترجماته من اللغة العربية إلى الإنجليزية حوالى الثماني والعشرين كتابًا على مدى الستين عامًا الأخيرة التي قضاها في ترجمة مختلف ضروب الأدب العربي المعاصر. وساهم أيضًا في لفت الانتباه إلى موهبة الأديب المصري نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الأدب عام 1988م. فقد فطن لموهبته عندما كان في العشرينيات من عمره وكان نجيب محفوظ في الثلاثينيات يعمل موظفًا صغيرًا في الخدمة المدنية قبل كثير من المصريين بما فيهم عميد الأدب العربي طه حسين الذي تعرف على عبقرية ابن جلدته الشاب من خلال ديفز.
وفي مقدمة كتاب ديفز عن ذكرياته في الترجمة يستدعي نجيب محفوظ ستين عامًا من الصداقة التي ربطته بديفز قائلًا إن الأخير قد بذل جهدًا لا يُضاهى في ترجمة الرواية والقصة في الأدب العربي المعاصر إلى اللغة الإنجليزية ونشرهما والتعريف بهما. فقد سعى دائمًا للكشف عن مؤلفين موهوبين وبذل قصارى جهده ليس فقط في ترجمة رواياتهم وقصصهم ومسرحياتهم وشعرهم بل والعمل على إيجاد ناشرين لهم.
كتبت هذه المذكرات الممتعة بلغة سهلة وحصيفة. تناول فيها ديفز ذكرياته وصداقاته وعلاقاته مع رصفائه ومجايليه من الكتاب والقراء والنقاد والناشرين العرب. وذكر أن شغفه باللغة العربية بدأ مبكرًا وأنه درس اللغة العربية في جامعة كمبردج بإشراف المستشرق نيكلسون قبل الحرب العالمية الثانية عندما كان في منتصف العقد الثاني من عمره. وأنه كان في هذه السن المبكرة شغوفًا ومهتمًا بالأدب العربي المعاصر وبما يكتبه المؤلفون العرب المعاصرون في تلك الفترة. ويذكر أنه بعد ذلك حصل على وظيفة في هيئة الإذاعة البريطانية قسم اللغة العربية بلندن وكذلك عمل لاحقًا بالمجلس الثقافي البريطاني في القاهرة خلال الحرب العالمية الثانية. وبنهاية هذه الحرب أنجز ديفز أول ترجمة له من العربية إلى الإنجليزية (1947م) وكانت عبارة عن مجموعة قصصية للكاتب المصري محمود تيمور. ومنذ ذلك الوقت وتحديدًا العام 1970م تتابعت أعماله المترجمة والمنشورة باللغة الإنجليزية نقلًا من اللغة العربية. ويتضح من خلال سرده أنه استمر في الترجمة من العربية إلى الإنجليزية رغم تنقله في العديد من المهن والوظائف. فقد عمل خلال حياته في الأعمال الحرة والمحاماة والدبلوماسية كما عمل مستشارًا ومذيعًا ومدرسًا للغة الإنجليزية.
احتفى ديفز في هذه المذكرات بصداقاته وعلاقاته الوطيدة التي عقدها خلال حياته التي قضي معظمها في منطقة الشرق الأوسط. ورغم العلاقة المميزة التي ربطته بالأديب المصري نجيب محفوظ إلآ أن علاقاته وصداقاته لم تقتصر عليه فقط فقد شملت معظم الكتاب والأدباء المصريين في القرن الحادي والعشرون المنصرم. ولا غرو فقد عاش معظم حياته في القاهرة أكثر من أي مكان آخر. وبالإضافة إلى ذلك تمتع بصداقات حميمة وعلاقات وثيقة مع عدد من الكتاب والأدباء من بلدان عربية مختلفة. فقد ربطته صداقة حميمة مع الراحل جبرا إبراهيم جبرا من العراق والراحل يوسف الخال من لبنان والراحل الطيب صالح من السودان والذي تعرف عليه خلال عمله بهيئة الإذاعة البريطانية بلندن ومحمد المر من الإمارات. وبعد كل تلك المسيرة الحافلة والصداقات العديدة والأعمال البارزة توضح المذكرات أن ديفز وهو في الثمانينيات من عمره مازال يتطلع لارتياد آفاق جديدة وذلك من خلال العمل على ترجمة مجموعة من القصص من الإمارات ومجموعة أخرى من المغرب التي تعتبر مستقره الثاني بعد القاهرة.
يروي ديفز في تلك المذكرات مسيرة كفاحه الذي لا يكل ولا يمل والذي امتد لسنوات من أجل ترجمة الأدب العربي المعاصر ونشره. كما عبَّر فيها أيضًا عن خيباته التي واجهها في هذا المضمار. فسلسله "مؤلفون العرب" التي تولت نشرها "دار هاينمان للنشر" في السبعينات وكان ديفز مستشار التحرير لديها لم تجنى الربح المأمول منها وإن أسهمت بقدر وافر في نشر الأدب العربي المعاصر عند القراء باللغة الإنجليزية. وبالإضافة إلى ذلك بيَّن ديفز في مذكراته أن الاهتمام والدعم العربي الرسمي بترجمة الأدب العربي المعاصر ونشره في اللغات الأخرى كان ضئيلاً إن لم يكن منعدمًا. كما تناول بشيء من الفكاهة والدعابة العوائق والصعوبات التي يواجهها من يتصدى لمهمة ترجمة الأدب العربي المعاصر والتي ليس أقلها سوء الظن المتعمد أحيانًا من قبل العرب أنفسهم بمن يتصدى لتلك المهمة. فهنالك عادة شك وسوء ظن عظيم بمن هو ليس عربيًا ويهتم بالأدب العربي ويتقدم الصفوف ليقوم بمهمة الترجمة الشاقة والعسيرة والتي تحتاج لمهارات وقدرات عالية في حين أن عائدها المادي لا يغنى ولا يسمن من جوع.
وأوضح ديفز في كتابه أنه رغم ذيوع شهرته في ميدان الترجمة من اللغة العربية إلى اللغة الإنجليزية إلا أنه ألف روايات باللغة الإنجليزية وكان ضليعًا في الأدب الإنجليزي. وأورد حكايات طريفة في مذكراته. فذات مرة علق أحدهم على ترجمة عبارة "الجمعة الحزينة" منتقدًا ترجمته لها في الإنجليزية " بالجمعة السعيدة". فرد عليه قائلًا إنني ترجمتها الجمعة السعيدة عكس الحزينة لأن "الجمعة السعيدة" في الإنجليزية هي ما يطلق عليه المسيحيون العرب "الجمعة الحزينة". ومع كل ذلك التوضيح يبدو أن الناقد لتلك الترجمة لم يكن مقتنعًا بالإجابة. ويؤكد ديفز استنادًا على تلك الحكاية أن المترجمين كثيرًا ما يواجهون أسئلة عن الأسباب التي دفعتهم لاختيارهم ترجمة كلمة بكلمة معينة عِوضًا عن الأخريات او نصًا عِوضا ً عن نصوص أخرى. وتوجه أغلب هذه الأسئلة بصيغة مرتابة وكأن اختيار المترجم نابعًا من مشاركته في مؤامرة مدبرة.
ويؤكد ديفز من خلال سرده لذكرياته في الترجمة على أهمية الدور الذي يلعبه المترجم في التلاقح الثقافي. ويتساءل كيف سيكون حال الثقافة والمعرفة إذا لم يلعب المترجمون هذا الدور وكيف كان سيعرف العالم عن الخطيب اليوناني هوميروس واعمال اليونانيين القدماء وملحمة جلجامش وعن الأدب الروسي وعن سرفانتس وبروست. وأوضح أنه ترجم مؤلفات للعديد من مشاهير الكتابة في العالم وذكر منهم بودلير وبروست وت.هـ.لورنس (لم يذكر من ضمنهم نجيب محفوظ الحائز على جائزة نوبل في الأدب وكان من الممكن أن يضيفه إليهم). ومن خلال سطور مذكراته بيَّن أن ترجمة الأدب عمل إبداعي يتطلب مهارات وقدرات وثقافة تتجاوز فقط المعرفة باللغتين المنقول منها وإليها. وذكر كذلك أن جهده وعمله في ميدان الترجمة لم يتوقف عند محطة الأدب العربي المعاصر فقد ترجم أعمالًا عن الحديث النبوي الشريف وأجزاء من القرآن ومقتطفات من كتب الغزالي. وكذلك ألف قصصاً عديدة من ضمنها قصصاً للأطفال وأخرى عن الحيوانات.
ويمكن القول إجمالًا أن الدور الذي لعبه دينس جونسون ديفز في الكشف عن مؤلفين مبدعين يكتبون باللغة العربية في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية وصداقاته المتينة بالعديد من الكتاب والأدباء العرب ومساهمته في نقل الأدب العربي المعاصر إلى العالم الناطق باللغة الإنجليزية ميزته بمكانة فريدة في ميدان الثقافة والأدب المعاصر. ويمكن القول بدون تردد أن الجميع مدين له بهذا الدور الذي لعبه في تقريب الشقة بين الثقافتين العربية والغربية.
* دكتور بيتر كلارك: كاتب ومترجم واستاذ جامعي ومستشار ثقافي في شؤون الشرق الأوسط حيث عمل لأكثر من ثلاثين عامًا. بالإضافة لذلك هو محرر بمجلة "بانيبال" التي تختص بترجمة الادب العربي إلى اللغة الإنجليزية وعضو مجلس أمناء الجائزة العالمية للرواية العربية.
المصدر:
مجلة بانيبال –العدد 25 – 2006
تغريد
اكتب تعليقك