شعراء الحداثة السعودية وأبعادهم الثقافية من خلال شهاداتهم الشعرية (نماذج واختيارات) 2-2الباب: مقالات الكتاب
د. يوسف العارف جدة |
الجزء الثاني:
وهنا نتابع ما بدأناه في الجزء الأول من رموز الشعر الحداثي في السعودية
3/5 وثالث الرموز الشعرية السعودية الذي "تبنَّى" الشعرية الحداثية في بداياته هو الشاعر/المبدع محمد جبر الحربي. ومن شهادته(1) نستخلص شيئًا عن مثاقفاته وتفاعلاته القرائية التي شكلت شخصيته الشعرية. ولا شك أن الطفولة هي المدخل الأول لهذا التشكل ففي الطائف حيث "الجبل والندى والتنوع المثري لعيون الطفولة النَّهمة المتسعة لدهشة الألوان والتعدد والاختلاف" حيث كانت الطائف محطة التقاء لجميع القادمين من كل جهة بتنوعاتهم البدوية والتثاقفية والتمدنية!!.
وهنا - في الطائف - عاش اليتم بعد وفاة أمه، والحزن بعد سفر أخته الكبرى سفرًا بعيدًا أفقده الروح الأسرية وأورثه الحزن الذي كان له آثاره المعنوية في مسيرته الشعرية فيما بعد. ولكنه – رغم ذلك- عاش طفولته بين اللعب مع الأقران والركض في الوديان والزهو بالبيئة المكانية الطائفية وزهورها وبساتينها وثمارها وأمطارها وسهولها وجبالها التي شكلت جمالياته وذوقه مما تمتلكه الطائف من جماليات طبيعية مؤثرة.
ومع سني تمدرسه الأولية ــ في مدارس الطائف الابتدائية والمتوسطة كان من الدارسين النابهين، تفتقت ملكاته القرائية، واطّلاعاته المعرفية، وتثاقفاته المبكرة على المجلات المصورة "سوبرمان والوطواط، وميكي ماوس" ثم تنامت قراءاته في روايات وحكايات (أبي زيد الهلالي وعنترة العبسي وأرسين لوبين وكثيرًا من الكتب التي يحضرها الإخوة وتبقى في زوايا البيت).
يذكر أديبنا محمد الحربي - في شهادته - أنه كان محبًا للقراءة ومجيدًا للغة ومشاركًا في الأنشطة المدرسية عبر الإذاعة والخطابة ووجد من المعلمين كل تشجيع وتحفيز، حيث أهدوه في إحدى المناسبات كتابين مهمين شكلا ذائقته الفكرية والأدبية والعقدية، وهما شبهات حول الإسلام، والطريق إلى الإسلام لمحمد قطب/المفكر المسلم، فانتقل بذلك من القراءات القصصية إلى الكتب الجادة.
ولما سمع بمكتبة السيد – في الطائف - آوى إليها مطلعًا وقارئًا، حيث تحضر المجلات والكتب والجرائد الجديدة، وتقدم تسهيلات ثقافية لمحبي القراءة والاطلاع، فهناك قسم لتأجير الكتب وإعارتها واستبدال القديم بالجديد، فاستفاد منها أجمل الاستفادات. ومن ذلك حصوله على كتاب جواهر الأدب لعبدالحميد الهاشمي، ودواوين الشعر العربي، من الفرزدق إلى جرير والأخطل والمتنبي والخنساء والحطيئة، وعاش معهم كل جماليات الشعر وموضوعاته ولغته وقوافيه وشروحه ومعانيه.
ولما ترقّى - دراسيًا - إلى المرحلة الثانوية وانتقل إلى الرياض أسعده الله بمعلم/أديب، وقارئ حصيف، في مدرسة الفيصل الثانوية وهو الأستاذ/محمد هيكل شامي الجنسية!! ودرَّسه البلاغة والنقد وحببه في هذا المجال المعرفي من خلال قواعد اللغة والموسيقى والبيان وارتباط الشعر بهما "وكان المعلم يحول هذه الجمادات اللغوية إلى كائنات تتكلم وتغني وترقص. كانت الإيقاعات تملأ المكان وتحرك الهدوء الساكن" ولذلك يحمل لهذا الأستاذ/المعلم كل آيات الحب والتقدير والامتنان فهو الذي فتح أبواب اللغة العصيّة "ليتلألأ جوهرها السحري".
ولما بدأت مواهبه الشعرية تتفتح، وكتاباته الأولية تظهر تبناه هذا المعلم ونمى ذائقته الأدبية وشجعة على النشر وإخراج ما لديه للقراء والمهتمين بعد أن يجري عليها التعديلات والتصويبات والمفردات البديلة.
وعقب المرحلة الثانوية بدأت الغربة والصدمات الحضارية والتعالقات الثقافية الجديدة بخروجه من الوطن إلى بلد الدراسات العالية والحضارات السامقة إلى بريطانيا/إنجلترا وهناك استشرف الطب مجالاً للتخصص لكن روحه الشعرية والأدبية أعادته إلى الوطن. فلم يكن الطب طريقه الصحيح.
في إنجلترا تشكلت شخصية محمد جبر الحربي وتأثراته الحضارية "فتحت لي نوافذ اللغة والموسيقى والألوان الطبيعية والناس والآخر والنظام والمواعيد الدقيقة" رغم ما يحسه من غربة داخلية وخارجية. وفي بريطانيا التقى بشاب سعودي متطلع له كاريزما خاصة ولغة جريئة وحب للشعر وكان يخطط لحياة صحافية جديدة ومغايرة وهو عثمان العمير والذي سيكون له أثرًا وتأثيرًا في المجال الصحفي. ورغم ذلك، عاد لدياره السعودية وهو يحمل همّ الأسئلة الكبرى والواقع المرير المضطرب فتشكلت نزعته الشعرية العروبوية والوطنية. عاد لدياره مكسور الخاطر، مؤمنًا بالجديد والحديث، متخلصًا من الرومانسية والكلاسيكية وشعر العذريين ليدخل إلى مجال الشعر المرتبط بالقضايا الكبرى وبالوطن وباليومي وهموم الناس.
عاد ليكثف قراءاته الشعرية والأدبية والسردية وقراءة المترجمات والمحليات. تداخل مع الموسيقى والفنون ليتشكل من هذا الخليط روحاً إبداعية وشعرية متجددة.
وفي عام 1979م بدأت حياته الصحفية حيث زار جريدة الجزيرة لنشر بعض نصوصه الشعرية فكان "عثمان العمير - صديقه الذي التقاه في بريطانيا - يستقبله ويعرِّفه على نسيم الصمادي - الأديب والمثقف والصحافي الأردني - وأحد المحررين الثقافيين والشعراء المبدعين في جريدة الجزيرة. ونُشرت قصائده باحتفاء باذخ وتبشير بميلاد شاعر قادم، ومع الأيام تعرَّف على زملاء المرحلة من شعراء وقاصين ونقاد كان لهم أثرهم المعرفي والثقافوي بكل تأكيد.
كانت المرحلة العملية في الصحافة، ذات أثر تثاقفي كبير فقد جمعته برموز الشعر، وأصحاب التجارب الكبيرة من جيل القصيدة الحديثة، القصيدة المتجددة ليس في شكلها فقط وإنما على مستوى اللغة والإبداع والحداثة.
وفي هذه المرحلة التقى مع تجارب ومشارب ومدارس شعرية مختلفة، التقى برموزها وجلس إليهم وتثاقف على طروحاتهم فكانت اختلافاتهم تذوب فيما يسود بينهم من إخاء وألفة ومودة. فكانوا كتلة ثقافية متحدة/متجددة لم يكن لهم "خصام" مع القصيدة الحديثة ولا مع شعرائها لأنهم جميعًا كانوا متجددين متطورين متابعين، ولديهم رحابة صدر وبُعد نظر وقدرة على التفاعل.
كل هذا جعله يتفاعل مع القصيدة المتجددة، فالعمودي يزهو بالتفعيلة، والتناظر بالتدفق والانشطار بالتشظي والشيوخ بالشباب والقديم بالجديد "كما يقول في شهادته"(2).
وفي هذه المرحلة الصحفية تكثفت قراءاته الإبداعية وعلاقاته الشعرية والثقافية، يقول في شهادته: أن عبدالله الصيخان - الشاعر الحداثي الذي سبق الحديث عنه - تنبأ له بالنجاحات الصحفية والمستقبل الجميل مع الصحافة فكان ذلك دافعًا للالتحاق بمجلة اليمامة التي يقودها - آنذاك - الدكتور/ فهد العرابي الحارثي الذي أوصله إلى سدة الثقافة اليمامية محررًا ورئيسًا عليها وعبر سبع سنوات تتجلى إنجازاته الصحفية "سبع سنوات ساحرة، ساهرة زكية طاهرة سنوات شاعرة. في اليمامة - كما يقول - تعلمت الصحافة من الألف إلى الياء ونمت فيها شجرة الحب وجاءت فكرة (أصوات) الملحق الثقافي المعني بأدب الشباب الجديد/الحديث" ومع هذا التواجد الصحفي الثقافي المبهج في حياة وتجربة شاعرنا محمد جبر الحربي، انفتحت له أبواب السفر والتعارف على رموز القصيدة الحديثة واستفاد منهم ونشر لهم الكثير من القصائد التي أثرت في تطوير أدواته الشعرية فنشر قصيدة الإمام الغزالي للشاعر خالد سعود الزيد، وقصيدة المعلم للشاعر/يوسف الصايغ وقصيدة/مصطفى للشاعر/عبدالله البردوني.
وبهذه المواصفات تشكلت شخصية وتجربة الشاعر محمد جبر الحربي، ليضع اسمه في قائمة الشعراء العرب الذين تبنوا القصيدة الحداثية وانصهروا في تجلياتها مع تشبعه بالقصيدة التراثية العمودية والتجديد فيها.
ولعلنا نقف مع إحدى نصوصه الحداثية التي تتجلى فيها آفاق تجربته ومثاقفاته وهي قصيدة (خديجة) الواردة في ديوانه الصادر عام 1997م بنفس عنوان القصيدة.
تعتبر هذه القصيدة إحدى ثلاث قصائد شكلت بدايات التعاطي مع النصوص الحداثية في السعودية، ورغم أنها لا تمثل أولى قصائد الشاعر/محمد جبر الحربي ولم تكن التجربة الحداثية الأولى إلا أن كثيرًا من النقاد اعتبروها من القصائد المؤسسة لحركة الحداثة الشعرية وبالتالي ما قام عليها من دراسات نقدية حداثية.
لم تلبث هذه القصيدة أن أصبحت واحدة من أهم عتبات قراءة التجربة الشعرية لمحمد جبر الحربي عندما توجت لتصبح اسمًا وعنوانًا لديوانه الثالث. فـ(خديجة) رمز اسمي دال على الكتابة الجديدة، أو هي الكلام الذي لم يكن مباحًا، الكلام الذي له نافذة يطل منها الشاعر على العالم من حوله فيراه عالمًا غامضًا طريًا يسرج خيلاً لعنق الشمس (كما يقول الناقد سعيد السريحي)(3).
القصيدة - كما هي منشورة في موقع الشعر، وفي موقع ديوان الشعر - ويبدو أنها كذلك في الديوان نفسه غير الموجود لدي - من القصائد المطولة في شعر الحداثة السعودية، وغير مرقمة أو موزعة إلى مقاطع وأجزاء، وإنما جاءت انثيالاً وتتابعًا ومكتوبة على النظام السطري - كجميع القصائد الحداثية - وتنتمي إلى قصيدة التفعيلة غير المنضبطة والقريبة من النثرية. والحرة، ولكنها تحمل لغة شعرية وفضاءات من الموسيقى الداخلية، وصور بلاغية آسرة. ولذلك فلابد من تقسيمها إلى مقاطع ليسهل علينا الدراسة النقدية والتحليلية. وبعد قراءتها وإعادة النظر إليها وجدنا أنه يمكن تقسيمها إلى ثمانية مقاطع، حسب التوزيع التالي:
المقطع الأول يبدأ بقول الشاعر: طلعت فتاة الليل من صبح الهواء...
المقطع الثاني يبدأ من قول الشاعر: وضعت يديها فوق نافذة الكلام..
المقطع الثالث: جلست على طرف الكلام.
المقطع الرابع: دخلت على الحجرات.
المقطع الخامس: كشفت وكم كشفت عن الأوراق...
المقطع السادس: طلبت مواني/فتشت في السفن..
المقطع السابع: طلبت مداداً/جف ماء البحر..
المقطع الثامن والأخير: طلعت خديجة من تفاصيل الهواء...
وعبر هذه المقاطع الثمانية كانت الأفعال المتسيدة شعريًا هي الأفعال الماضوية حيث بلغت تقريباً (84 فعلاً ماضويًا) بينما تقل الأفعال الدالة على (الحاضر). وهذا يعطينا مؤشرًا على انبناء القصيدة/النص على الزمن البعيد الماضي، زمن القصيدة النفسي، وزمن الكتابة الشعرية.
ويؤكد هذا المسار الماضوي بدايات المقاطع الثمانية/التي اقترحناها - لقراءة وتحليل النص/القصيدة - كما سبق ذكره. وهذه البدايات المقطعية تحمل شعرها وشاعريتها من حركية الفعل رغم ماضويته، ومن إيحاءات الصور التي يخلقها الشاعر في نصه، ومن الدلالات المتوارية خلف المعجم الشعري الذي يتكئ عليه الشاعر. ومن الأنثوية المسيطرة على مفرداته من خلاله "تاء التأنيث" وكل ذلك مما يصنع الألق الشعري والجاذبية القرآنية.
يتبدى في المقطع الأول (فتاة الليل التي طلعت من صبح الهواء)، وتتكرر هذه الفكرة في ذات المقطع (جاءت فتاة الليل مع صبح الهواء)، ثم تغيب هذه الفتاة، إلا من ما يدل عليها - تاء التأنيث/الضمير العائد إليها إلى أن نصل إلى المقطع الثامن فنجد تعريفًا بتلك الفتاه إنها (خديجة) التي (طلعت من تفاصيل الهواء)!!.
هذا الخفاء والتجلي هو ما يميز شعر الحداثة السعودية وهو نتاج مثاقفات واعية مع المنجز النقدي والشعري في أفقه العربي ويبدو هنا (الحربي) و(خديجته) الشعرية متجاوبة مع هذا الأفق التثاقفي وإن في مستوياته العمومية.
في المقطع الأول، أيضًا، تتجلى كثرة الإنجازات لفتاة الليل:
- أورقت تينًا وزيتوتًا/ألقت للنخيل تحية الآتين/دخلت على الأطفال/مالت للحديث فأزهرت/قرأت كتاب الله/انتثرت الكلمات/اكتفت بالصمت.
وفي هذا تنامي الفعل وتطوراته وكلها ذات دلالات إيجابية.
وأما المقطع الثاني فتبدو (فتاة الليل) (تضع يديها فوق نافذة الكلام) و(تحتفل بميلاد الحروف) و(تطلق عصفورها للبوح) وهنا تتضح دلالات الكلمة وعنفوانها وصناعتها على يد الأنثى/ فتاة الليل التي تجترح الكلام وتولد الحروف وتطلق حنجرتها بالبوح الشفيف في صيغة آمرة: لا تزرعوا قمحًا/لا تركبوا بحرًا/لا تطلبوا أجرًا. وكأني بـ(الحربي) هنا يبرر مولد القصيدة الحداثية وتفجير كلماتها ومفرداتها الحداثية، ويسوق لها عبر هذا المتن الشعري على لسان (فتاة الليل) (خديجة) فيما بعد(4).
وتتنامى القصيدة في مقاطعها التالية لتدخل إلى رصد الأفق المنتظر (لهفي على وطن يغادرنا ليسكن في المحافل) (فتشت عن وطن بديل) وطن سراب/وطن ضباب/وطن تراب!
وتنتهي هذه القصيدة/الرمز في مقطعها الثامن بالتعريف بـ(فتاة الليل) ويسميها (خديجة) التي تنمو على يديها القرى. وينمو الهوى، وتتحقق النبوءة. نبوءة الحداثة الشعرية وإدخالها إلى المتن الثقافي والشعري. ونبوءة الوطن المنتظر. وهذا هو التحول الرمزي للقرية ومحاورها الدلالية في القصيدة حيث بدأت (قرية) متعبة "ونمت حبيبات الندى مطرًا على تعب القرى"، وانتهت إلى (المدينة/الوطن) في صورته الباهتة: (استروا عري البلاد/وسوأة المدن اللقيطة... كلا ورب السيف والكلمات والمدن الخرافة!!"(5).
ومن كل هذا التداول الشعري نجد نص (خديجة) لمحمد جبر الحربي يؤسس للتجارب الحداثية الجديدة، بل يعد فتحًا جديدًا في الشعرية السعودية، ويتضح فيه قمة الوعي والإدراك والتثاقف الواعي من حيث سك معمارية النص المتماسك والمفضي بعضه إلى بعض، ومن حيث الترميز والإيحاءات الدالة على هذه النقلة الجديدة وتحولات المكان، ضمن نقدات شاعرية ملفتة يتنامى فيها الوطن/الواقع، والوطن/المأمول المنتظر. وهي نقدات واضحة وجدناها عند كثير من شعراء الحداثة السعودية.
* * *
4/5 ومن رموز الشعر الحداثي السعودي، الشاعرة فوزية عبدالله أبوخالد التي أعربت عن مثاقفتها البنائية لتجربتها الشعرية في شهادتها(6) حيث أشارت إلى أن تجربتها الشعرية مرت بمنعطفات مليئة بالجروح الاجتماعية والسياسية والتاريخ الإبداعي.
وكانت أول هذه المنعطفات رحلة إلى بيروت التي كانت مقررًا لها أن لا تتجاوز (أربعًا وعشرين ساعة) لكنها امتدت إلى (سبعة أيام) "كانت كافية لاستخراج الجراح ولتربية وحش الأمل ليقض مضجعي بسؤال التجديد الشعري وسؤال المستقبل الوطني عربيًا ومن جديد!! وهما السؤالان السياميان اللذين شكلا تجربتي الشعرية من اللحظة الأولى – كما تقول -.
وقبل بيروت وأثرها الثقافي مع المبدعة فوزية أبوخالد، كانت تنشئتها الأولية فهي بنت لأب نجدي تمسك بقيم البداوة وأم حجازية تعشق العلم والتعليم، وتشكلت شخصيتها بين الأصالة البدوية والانفتاح الحجازي، فكانا رافدين مهمين لشغفها بالقراءة والحرية والمضي إلى دهاليز الثقافة(7).
وفيما بين الطفولة المنفتحة أسريًا وثقافيًا ناداها شغفها بالكتابة منذ عمر مبكر وحتى المرحلة الثانوية إلى أتون الصحافة فعملت محررة في صحيفة عكاظ وكاتبة في نفس الآن. وهناك – في عكاظ – اكتشفت مبكرًا "أنها ترحل بالكلمات خارج البعد اليومي والوظيفي، وتأخذها لعوام السحر والأساطير ولابد من الانخطاف الصوفي والتأمل الفلسفي"(8).
ومن تثاقفاتها الفكرية والصوفية والفلسفية تشكل لديها نسقًا فكريًا مع معطيات هذه المثاقفة الواعية، فتعاضد الشعري بالفلسفي وانشغالها للتعبير عن أسرار الوجود ولو همسًا طفيفًا داخل بنية القصيدة الحداثية التي تكتبها وتبوح بها (فوزية أبوخالد).
ومن ارتباطها بالأمومة وتجلياتها "تفتح وجدانها على الجسر الذهبي الذي يربطها بأم محمد، ولكل معاني الأمومة والإباء والتطلع النظري لأنوار الغد، فتعلمت منها فوزية (معنى الأمومة) لـطفول وغسان/ابنيها اللذان يتعلمان منها هذه المعاني ولكل الزهور والصحراء والأشجار والبحار والمحيطات الإنسانية".
وهنا تؤكد بأنها تدين للمرحلة البيروتية بكثير من المثاقفات التي صقلت وعيها بالقضايا العربية والفلسطينية واللبنانية والاجتياح الاسرائيلي على لبنان"(9) والتي كان لها – بالتأكيد - أثرها على الكتابة الشعرية والمقالات الصحفية والكتابات الاجتماعية.
ومنذ العام 2014م كانت الشاعرة فوزية أبوخالد تحيا تحديًا ذاتيًا وموضوعيًا في السؤال الشعري لما بعد الحداثة من ناحية والسؤال السياسي/الوجودي/الضميري لما بعد انخطاف الربيع العربي وحريق العالم العربي الذي كنا نعرف، وعلى إيقاع السؤالين كتبت ديوانيتها الأخيرين (ملمس الرائحة) و(ما بين الماء وبيني) "كمحاولة خارقة وإن بدت مرهقة أو ضالة للبحث في السؤالين: سؤال التجدد الإبداعي، وسؤال التحولات الاجتماعية والسياسية وخاصة في ظل الثورة التكنولوجية الكونية" – كما تقول في شهادتها الشعرية(10).
وتضيف في شهادتها بأنها حرصت على متابعة شغفها القرائي وشهوتها الطائشة المتبتلة بالبحث عن غواية حديثة للشعر والشعراء، فمن الخيبات السياسية وشاهد الرماد والخراب، تساءلت: أي قصيدة يمكن أن تعبر عن هذا العدم البواح وأي شعر نحتاج اختراعه اليوم لتفادي هذا العدم؟! – ثم تؤكد أنه "لا يمكن لأي قصيدة تراثية أو معاصرة من القصيدة العمودية إلى قصيدة النثر أن تواجه هذا التحدي الشعري لهذه المرحلة التي نعيشها اليوم"(11).
وأخيرًا تختم شهادتها بأنها تقف الآن أمام تحدي كتابة (الشعر الطليق) يتجاوز منجز قصيدة النثر فأعود طفلة من جديد!! – ثم تتساءل – هل لي كشاعرة أن أنشغل باليومي والعادي في كتابة قصيدة النثر، ولم يعد اليومي يومي ولا العادي ماتعودناه بل أصبحت كل أسئلة الشعر السابقة محض تمارين رهينة على أسئلة الشعر المرهفة الفاجعة القاسية الجديدة؟! ثم تؤكد "ليس للشاعر إلا شجاعة استلهام الأسئلة، إذا أراد أن يبقى على قيد الشعر في الحياة والموت"(12).
وبهذه المثاقفات التي كونت شخصية وتجربة الشاعرة (فوزية أبوخالد) يمكن أن تتبدى لنا تجلياتها وفضاءاتها التثاقفية، عبر آخر دواوينها والتي سنستعين بالشاعر الناقد/علي الدميني في مكاشفة فضاءاتها التثاقفية(13)، حيث يرى أن الديوانين الأولين للشاعرة (فوزية أبوخالد) فيها منحنى "التسريد الشعري" "من خلال ما توظفه من بناء جمالي تتشكل فيه الشخصية والحدث والمكان والمشاعر الوجدانية"(14)، وقد انتظمت إبداعات الشاعرة "في خيط حواري رهيف بنسج تشكيل شعرية النص من: كثافة العبارة وفضاءات المجاز والاستعارة وترابط الداخل بالخارج وتوظيف غنائية الصوت الداخلي وحراراته وحرائقه(15).
نجد في بعض قصائد الشاعرة استعادة للرموز التاريخية وبعض السير الملحمية المعاصرة التي تتلبس "هجاءً نقديًا للواقع المحلي والعربي في كافة حمولاته ومكوناته" وبالتالي فهي قادرة على التخليق الشعري في بعديه الاستعاري والكنائي، والمؤالفة بين التاريخي والأسطوري وفواجع الواقعي المعاش.
ففي قصيدتها (معين) المهداة إلى روح الشاعر الفلسطيني (معين بسيسو) تقول:
"كان وجهك كرملياً يدخل غبار الرماد
لينتفض عن يافا التعب
كان ذهابك معلقة الانكسارات
عندما يحال بين المنجل وبين الغضب
* * *
معين ذهبت
تنفرط عيون إلزا على ترابك الآن
عقداً من البارود والياسمين"(16)
ومن هذا المقتبس يلاحظ الناقد توغل الشاعرة في الهم الفلسطيني والقضايا المحيطة بأفراده ورموزه فنجد الكرمل، يافا، إلزا، ونجد غبار الرماد والتعب والانكسارات والمنجل والغضب والبارود والياسمين. هذه التواشجات المفرداتية وإحالاتها ودلالاتها تبين أننا أمام إبداع شعري وتشكيل فني يعبر عن تراجيدية الألم والافتقاد، وفي الوقت نفسه التفاؤل بأشجار الأمل المنتظر. وفي ذلك أكبر دليل على ما أفضت به مثاقفاتها في البعد الوطني والعروبوي وتغلغل القضية الفلسطينية ورموزها ومآسيها في ذهن الشاعرة منذ ارتباطها الوثيق بهذه المسألة في سنوات التشكل الشعري.
وفي نص آخر بعنوان (قراءة في السر لتاريخ الصمت العربي) "يبرز التعبير الشعري الذي يجمع بين الصورة والضمير بين الطريقة والشعرية، وبين الموضوع والخطاب".
في هذا النص تكاشفنا الشاعرة عن جذور الأوجاع المزمنة في تاريخنا العربي عبر ثمانية مقاطع أسمتها (مراحل) يتضح فيها وطأة الصمت، والقراءة في السر، وكشف عتمة الصمت، وقضايا فلسطين المستلبة، وتحرير المرأة من أحمال الإقصاء والاستلاب والتهميش، عبر قولها الشعري:
"لا أجيد من فنون الحرب غير الكتابة"
في هذا النص أيضًا "يتضح موقع أنثى القصيدة كذات ورمز للمرأة والوطن الذي يتسع من مكان المعايشة اليومية إلى الوطن الوجداني والثقافي والحلمي الأشمل الذي يشغل ضميرها كأنثى مقموعة وكمثقفة مهمومة بأوجاع وطنها وأمتها العربية المتفاقمة منذ عام النكبة وحتى اليوم"(17). وهذا ملمح آخر يجعلنا نؤكد مدى ارتباط التكوين الثقافي للشاعرة فوزية أبوخالد وانبنائه على المكونات الوطنية والقومية والواقع الأنثوي المعاش يوم كانت في بداية تشكلاتها الثقافية.
* * *
5/5 وآخر الشعراء الحداثيين السعوديين - وبه نختم هذه المقالة - هو الشاعر أحمد عايل فقيهي.
وتبدأ مثاقفاته - حسب الشهادة التي قدم بها لديوانه سماء بعيدة.. وضوء شحيح(18) منذ بدأت معه حكاية الشعر والانتماء إلى عوالمه الفكرية والذهنية عبر الثقافة العميقة وفهم تجلياتها، وعبر فهم التاريخ والفلسفة والأساطير وعلم الأنثربولوجيا.
ويعتبر الشاعر أحمد عايل فقيهي أن المؤثر الحقيقي في مسيرته الشعرية هو أبو العلاء المعري الذي "يمثل أعلى درجة من درجات الشعر، ويتكئ على رؤية فكرية ووجودية سواء في ديوانه (اللزوميات) أو ديوانه الآخر (سقط الزند)". وبالتأكيد فالشاعر هنا يؤكد حضور هذا الرمز الشعري وإنتاجه الأدبي في تثاقفاته وعلاقاته بالشعر في سني المثاقفة الأولية.
وبضيف الشاعر أحمد عايل فقيهي، أن (المتنبي) قد أعلى من قيمة العقل فكان مصدرًا من مصادر المثاقفة التأسيسية، وكذلك الشاعر/علي أحمد سعيد/أدونيس) ودواوينه: (أغاني مهيار الدمشقي/والمسرح والمرايا/وتاريخ يتمزق في جسد امرأة). إذ وجد فيها شاعرنا حضورًا للرؤية الفكرية، والاسترفاد العقلي للمعطيات الشعرية.
وفي نفس السياق، يؤكد الشاعر (فقيهي) تثاقفه على شعريات (خليل حاوي) ودواوينه (الناي والريح) و(بيادر الجوع) وغيرها حيث اكتسب منها "العوالم الأسطورية" التي تضج بها هذه الدواوين وتشابك وتداخل اللحظة الوجودية بكل تدافعاتها وتجليلتها".
وتتنامى المثاقفات عند (أحمد عايل فقيهي) عبر قراءته في شعر (صلاح عبدالصبور) الذي اشتغل على "اللغة المكثفة المعمقة" وظهر ذلك جليًا في قصائده ودواوينه "التي تنضح بالقلق الوجودي".
ومن كل هذه المثاقفات وصل أحمد عايل فقيهي إلى قناعة أدبية نقدية راسخة حول مفهوم الشعر والشاعرية، يقول في شهادته:
* الشعر.... يمثل تجربة ضخمة وكبيرة في المسيرة الإنسانية.
* الشعر هو المعبر الحقيقي عن الإنسان بعيدًا عن كتب التاريخ.
* الشعر ليس مجرد لغة ومفردات وخيال فقط، إنه عالم يعج ويضج بالتحولات والاختراقات.
* الشعر لا ينبغي أن يكون سطحيًا، بل عميقًا ومعبرًا عن قلق الإنسان ووجودية الإنسان.
* الشعر سفر في الأمكنة، والأزمنة وبقدر ما يعبر عن الوجدان يجب أن يكون معبرًا عن العقل.
* الشعر هو البحث عن العقل الذي يرى ولا يرى، والذي يضيء السؤال الدائم والمستمر بحثًا عن إجابة.
* الشعر هو الذي يحمل رؤية ويحمل مضمونًا وخطابًا شعريًا عميقًا للحياة والوجود والكون والبشر.
* الشعر حالة فكرية وذهنية ترتكز على ثقافة عميقة وفهم بالتاريخ والأساطير وعلم الإنثربولوجي ويحمل تمثلات العالم والأسئلة الكونية والوجودية الكبرى.
* الشعر لا يرتبط بالشكل فقط ولكن بما يحمله من مضامين وإضافات إبداعية على صعيد الرؤيا واللغة والموضوع.
* الشعر ليس هذيانًا وعبثًا، ورص كلمات لا يربطها السياق.
* الشعر هو المحرك للوجدان، هو الذي يحرض على الأسئلة، يرتهن إلى الوعي والتنوير.
* الشعر هو الجمر، هو نار المعرفة، هو نار اللغة التي تضيء العتمة.
* الشعر هو العلاقة بين الشيء واللاشيء، بين اللؤلؤة والصدفة، بين الأحجار والأحجار الكريمة.
* الشعر صنو التجديد وعدم الارتجاع للتقليد هو التجديد لا التجديف، الإبداع وليس الابتداع.
بهذه التعريفات الشاعرية عن الشعر، وبهذه المفاهيم التي كونها الشاعر (أحمد عايل فقيهي) عن الشعر والشاعرية يتضح لنا أن مثاقفاته الشعرية التي كونت تجربته وأمدتها بسياج من التعاطي المعرفي والنقدي تقوم على مرجعيات شعرية ثلاثية الأبعاد:
البعد الأول: الشعرية التراثية/التقليدية/والعمودية من خلال رمزية أبي العلاء المعري.
والبعد الثاني: الشعرية العروبوية/والعقل/فكرية من خلال رمزية المتنبي.
والبعد الثالث: الشعرية المعاصرة والحداثية من خلال رمزية أدونيس وخليل حاوي وصلاح عبدالصبور.
ومن كل هذا يتشكل (أحمد عايل فقيهي) رمزًا شاعريًا، ويأتينا شاعرًا مدججًا بالأسئلة الكبرى ومتوجًا بفرادة اللغة، وحداثة التصوير، ليسكبها فضاء مموسقًا إبداعيًا في قصائده التي نشرت في دواونيه الأربعة حتى الآن ومنها نختار إحدى قصائده من ديوانه الأول صباح القرى(19) وهي قصيدة بعنوان "حوار شخصي مع عروة بن الورد" لنجري عليها مشرط التحليل والنقد للوقوف على حداثة التجربة وأيقوناتها التجديدية.
في هذه القصيدة/النص، يختار شاعرنا أحمد عايل فقيهي العودة إلى التراث واختيار مطلع تراثي/عمودي من جنس القصيدة العمودية/التراثية، على البحور الخليلية، ليكون مدخلاً ومنطلقًا للنص/القصيدة. وهذا المطلع لشخصية شعرية عروبوية وهي شخصية الشاعر عروة بن الورد، الذي يعد من الشعراء الصعاليك في مدونة الشعر العربي- وهي من قبيلة عبس، وقد تميز هذا الشاعر بصعلكته المعروفة تراثياً (يسرقون الأغنياء لإطعام الفقراء) وقد أسهم هذا الشاعر الصعلوك في جعل الصعلكة تياراً فكريًا ومذهبًا اجتماعيًا وأسلوبًا شعريًا حتى أنه سمي/أمير الشعراء الصعاليك، ويتميز شعره بالرؤى الفلسفية العميقة(20) وهذا ما يشكل جزء من شخصية شاعرنا (أحمد عايل فقيهي) الشعرية الذي أشار في شهادته السابق إيرادها عن الشعر ودلالاته وآفاقه العقلية والفلسفية والوجدانية.
القصيدة تنقسم إلى ثماني مقاطع بعد المدخل العمودي المقتبس تتراوح بين جنس التفعيلة والنثرية وفي المقطعين الأول والثاني تأكيد على حالة الشاعر النفسية حيث الوحدة والألم والضجر والسأم وظلال الصمت وشرنقة الحزن، في هذه الأجواء النفسية المتأزمة، يتفيأ الشاعر/أحزانه لوحده/وأمامه كسرة خبز "لون من أفكار مجنونة/نزعت توًا من ذاكرتي" وهذه إحدى صور الصعلكة المعاصرة التي يمثلها الرمز عروة بن الورد، ويعيشها شاعرنا أحمد عايل فقيهي!!.
في المقطع الثالث تصوير للحالة النفسية حالة الوحدة والصمت وحالة التعب النفسي الصحراوي الحلو، والعسس الأسود، والنفاق الحر، وصوت المعادن. وهذه الصور والفضاءات تحيل القارئ إلى الذات الشاعرة المتأزمة والقادرة على التسويق المعنوي والتعريف بالواقع المؤلم في حياة شعرية باذخة.
وفي المقطع الرابع، يستدعي شاعرنا الرمز الجاهلي عبر بيته العمودي في مطلع النص/القصيدة، ويسمه بـ"عروة الأصدقاء" مستجلبًا في ذاتنا الشعرية الصعلكة ومفاهيهما التي رسخها عروة في مبثوثاته وحكاياته مع الصعلكة.
يتنامي هذا المقطع، عبر الأسئلة الوجودية الكبرى التي يحملها شاعرنا: "أنخرج من قشعريرة موت لا يموت"/"أحق مازلنا ببابك يا أيها الخرّمي" وهنا يأتي هذا الرمز التراثي (بابك الخرمي) أحد زعماء وقادة الحركة الخرمية الثورية ضد الدولة العباسية وما تبعها من أفكار وحمولات شيوعية(15).
"متى نتخرج من فصول تحتوي اللغة التي في معطف الرجل الواقف خلفي" بهذه الأسئلة الشائكة المتشابكة مع التاريخ الثوري والأفكار المذهبية من خلال الرمز والإشارة التي جاءت في لغة مكثفة وغير مباشرة تحيل إلى دلالات وزمانات تاريخية.
في المقطع الخامس لايزال شاعرنا في حوار مع الرمز (عروة الصعلوك) ليتناص - في آخر هذه المقطع - مع مقوله شعرية ضاربة في الدلالات والمعاني المؤدلجة: "لا يسلم الشرف الرفيع" الذي نحته الشاعر الحكيم المتنبي في بيته الرائع:
"لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى
حتى يراق على جوانبه الدم"
ويضيف إليه حكمة معاصرة: "لا يسلم النَّذل الوضيع" لتشكل مع حكمة المتنبي أيقونة متماثلة حسًّا ومعنى.
وفي أول هذا المقطع يحضر (الوطن) الهارب من رائحة البحر ومن صوت النادل في أصغر مقهى!! وطن جديد يصطفيه الشاعر كما هي طبيعة المرحلة الحداثية وشعرائها السعوديين.
وفي المقطعين السادس والسابع يتعالق الشاعر/أحمد عايل/الشاعر المعاصر، مع الشاعر التراثي/الرمز (عروة بن الورد) ويبثه الأسئلة الوجودية والإنسانية وشيئًا من واقعه العربي "عروبتي اتسخت، عروة الوقت النفطي".
والجميل هنا أن شاعرنا ينادي رمزه التراثي مرة مفردًا ومرة جماعة: يا عروة الصديق/يا عروة الأصدقاء: وفي هذا دلالة على الفردانية والمجتمعية التي يمثلها واقع الشاعر بين صديق واحد معروف، وبين مجموعة من الأصدقاء الذين يمثلون الشعرية المعاصرة المشابهة لما يتعاطاه شاعرنا (أحمد عايل فقيهي) متسائلاً معه/ومعهم: ماذا ترى؟! وفي المقطع الثامن يأتي الجواب لجميع الأسئلة الشائكة والمتشابكة التي تم طرحها في المقاطع السابقة:
"اهدأ.. وتأن قليلاً/فإن سعال الريح على الهامات طفل/مازال فتيًا يبتدئ خطاه/وعيون الغضب اتسعت حد شواطئنا المثقلة بأيام من زيت.. جنس/من عنعنة".
هذا الجواب الذي يبدو ذاتيًا، صوت الذات والنفس الشاعرة أو هو صوت آخر؟! يدعونا للهدوء والتأني فرياح التغير قادمة وهي لازالت في بداياتها (سعال الريح على الهامات طفل ممتد) (مازال فتيًا يبتدئ خطاه).
ثم يختم شاعرنا نصه بما يشبه تصوير الواقع الذي وصلت إليه العروبة يوم أنشد هذا النص/القصيدة، ويستشرف المستقبل المنتظر حسب رؤية الرمز والتاريخ وتوقعاته الآفاقية!!. "يا عروة.. هذا الشرف الرفيع - (رمز العروبة/الكرامة والنصر والتقدم الحضاري) "تكلس.. وأناخ/حتى عفّر في التراب" (رمز التخلف والرجعية والممانعة)... ثم يتساءل شاعرنا - بعد هذه الاعترافات الخطيرة:
"فماذا في الأفق.. ترى؟؟" وفي هذا دلالة على قدرة التراث. والشعرية العمودية التي يمثلها هذا الصعلوك/الرمز عروة بن الورد قادرة على استشراف المستقبل، ورؤية القادم استجلاءً ومحايثةً لأن الماضي والتراث قادران على ذلك!! وهذا اعتراف من الشاعر الحداثي بالدور الكبير الذي تصنعه القصيدة التراثية العمودية/الكلاسكية/التقليدية في الانتقال إلى العصور الجديدة ومتابعة التطور والتنامي بعد التجذر والتأسيس!!
وختامًا:
تأكد لنا من خلال هذه المكاشفات والمقاربات أن جيل الحداثة الشعرية في السعودية قد تشكل وتنامى من خلال المدرسة الشعرية التراثية/التقليدية، والمد الصحفي والشعري الإقليمي والتثاقفات الفكرية والتجديد التي خلقت لنا جيل الثمانينات الحداثية.
المراجع:
(1) خالد أحمد اليوسف: التجربة الشعرية: التجربة الشعرية في المملكة العربية السعودية/شهادات ونصوص. كرسي الأدب السعودي، جامعة الملك سعود، ط1، 1435ه، ص ص 355 - 367.
(2) خالد اليوسف: سبق ذكره، ص 356 ــ 357
(3) انظر: سعيد السريحي: قراءة في تجربة الشاعر/محمد جبر الحربي من الصمت والجنون حتى نافذة الكلام، مجلة هنا الرياض، الموقع الرسمي للشاعر/محمد جبر الحربي.
(4) انظر قراءة أميرة المحارب: ثيم المكان المتحولة في نص خديجة للشاعر/محمد جبر الحربي (مقاربة موضوعاتية) نقلاً عن موقع الشاعر، سبق ذكره.
(5) انظر: د. سعيد السريحي: الحداثة في تجربة محمد جبر الحربي، عكاظ، الأربعاء، 26فبراير 2014م.
(6) فوزية أبوخالد: شهادة شعرية أمام تحديات يومية، صحيفة الجزيرة الأربعاء 19 يوليو 2017م، والأربعاء 26/يوليو 2017م.
(7) عكاظ، فوزية أبوخالد امرأة تنشر القصيدة في بساتين الوطن، الجمعة 20 مايو 2016م - 13 شعبان 1427هـــ.
(8) علي الدمبني: شجر الأغاني (قراءة نقدية في التكوين الشعري لتجربة فوزية أبوخالد)، ط1، الرياض: 1438هــ / 2017م، ص 7-8.
(9) لقاء متلفز على قناة الجزيرة: برنامج المقابلة علي الظفيري.
(10) انظر: صحيفة الجزيرة، الأربعاء 19 يوليو 2017م، سبق ذكرها.
(11) انظر: الجزيرة 26 يوليو 2017م، سيق ذكرها.
(12) المرجع نفسه.
(13) المرجع نفسه.
(14) انظر: علي الدميني: شجر الأغاني/ قراءة نقدية في التكوين الشعري لتجربة فوزية أبوخالد ص 35.
(15) نفسه، ص36.
(16) المرجع نفسه، ص 38.
(21) المرجع نفسه، ص ص 40 – 42.
(22) أحمد عايل فقيهي: سماء بعيدة وضوء شحيح – نادي الباحة الأدبي 1442هـ.
(23) أحمد عايل فقيهي: ديوان صباح القرى، نادي الرياض الأدبي والمركز الثقافي العربي، طـ1، 2018م، ص ص 59 – 63.
(24) موقع www.arageek.com
الشبكة العنكبوتية، وانظر موقع سطور stor.com الشبكة العنكبوتية 25 نوفمبر 2019م.
(25) انظر الشبكة العنكبوتية، موقع ويكيبيديا.
تغريد
اكتب تعليقك