لماذا نُحِبُّ أنْ نَتَشاركَ وجبةً ما؟الباب: مقالات الكتاب
د. فيصل أبو الطُّفَيْل أستاذ مشارك. الدراسات العربية - الكلية المتعددة التخصصات خريبكة - المغرب |
تُمثِّلُ وجبةُ غداء أو عَشاء مُشتركة وعْدًا بالمودة والأُلفة... لا يتمُّ الوفاء به دائمًا. ولا يدَّخِرُ الفلاسفةُ جهدًا ليكون اجتماعُهم حول المائدة حدثًا ناجحًا في كل مرة.
1 - مِنْ أجل تهذيب أذواقِنا
هيوم HUME (1711-1776)
بَعضُ المُضيفين يجعلوننا نكتشف عددًا من النّكهات التي تتيح لنا أنْ نُطوّرَ ذوقنا. ووفقًا لديفيد هيوم، فإن الذوق هبة من الطبيعة موزعة بشكل غير متساوٍ، ويمكن تطويرها عن طريق الممارسة. وحقيقة أنّ لدينا ذوقًا رفيعًا بدرجات متفاوتة يفسّر جزئيًا الاختلافات في تقييم الطَّبَقِ نفْسِه. وليس ثمة شيءٌ يشْحَذُ حَوَاسَّنَا مثل تَذَوُّقِ الأطباق الشّهيّة التي يتناولها أصحابُ "الذوق الرفيع". وهكذا سنكون قادرين، مِثْلَهُم تمامًا، على امتلاك "حواسّ مُنطلِقةٍ للغاية بحيث لا يفوتُنا أيُّ شيءٍ وفي الوقت نفسه حادَّةٍ بما فيه الكفاية لإدراك كل مكوّن مِنْ مكوّنات التركيبة على حِدَة".
2 - مِنْ أجْل مُتعةِ المحادثة
كانط KANT (1724-1804)
تُكْمِلُ مُتعةُ المحادثة وتُعْلِي من قيمة "الشِّبَعِ الجَسَديّ" الذي يشعر به المرءُ عند مشاركة الوجبة. وينبغي لنا أن نضيف إلى مجرد إشباع الحواسّ مُتعةً تتلاءمُ وطبيعَتنا الاجتماعية: ألا وهي تبادُلُ الحديث على المائدة. فَوَفْقًا للفيلسوف الألماني كانط، وفي واقع الأمر، فإنّ "شَكْلَ الرفاهية الذي يبدو أَكْثَرَ تلاؤُمًا مع الإنسانية هو تناوُلُ وجبةِ طعامٍ مع وجود رُفْقَةٍ حَسَنَة". وقد سعى المفكر الألماني كذلك إلى أن يستقبل أَكْبَرَ عددٍ ممْكنٍ من الضيوف على مائدته. ومن ثمّ، فأنْ يتناولَ المرءُ الطعامَ بمُفرده هو أمْرٌ "غيرُ صِحِّيٍّ بالنسبة للفيلسوف"، الذي يجِدُ نفْسَهُ، في غياب الضيوف، سجينَ أفكاره الخاصة. ولا تُعَدُّ مُشاركةُ وجبةٍ ما مع الآخرين أمْرًا غير ذِي أهميةٍ، حيث إنها "تنشّط أفكارنا" وتتيح لنا بناء نسيجٍ من العلاقات الاجتماعية.
3 - مِنْ أجْل إضفاء الطَّابَعِ السِّلْمِي على علاقاتنا
كانيتي CANETTI (1905-1994)
من خلال مشاركة وجبةِ عَشاء، يبني البَشَرُ بينهم أواصِرَ مِنَ الثّقةِ المتبادَلة. وبالعودة إلى أصول القواسم المشتركة بين البَشَر، يُبيّن إلياس كانيتي أنّ الوجبةَ التي يتِمُّ تناوُلهُا معًا تُلْغِي الخوفَ الذي يمْكِنُ أن يَشعُرَ به المرءُ تجاه الأشخاص الآخرين، وعلى وجه الخصوص الخوف من نزوعاتهم نحو أكل لحوم البشر. يضمنُ البشر بأنهم لن يأكلوا بعضَهم بعضًا عندما يَشْرَعُون في العيش ضمن مجموعات. يكتب كانيتي ما يلي: "قد يكتشف الإنسانُ أسنانَهُ، ويأكُل، ولكن حتى في هذه اللحظة الحرجة، لا يوجد شخص تستثيرُه الشّهيّةُ لالتهامِ مَنْ يُوجَد بجواره. ولذلك، فنحن نشعر بامتنان عميق تجاه أنفسِنَا، ونُقَدِّرُ أيضًا من يُوجد بجوارنا لاتخاذه موقف التَّحَفُّظ، الذي يتوافق تمامًا مع موقفنا". ولربما يكون إبطالُ أيِّ نوْعٍ من أنواع العَدَاءِ بين الضيوف، هو الدّوْر الذي تؤدّيه الوجبةُ الجماعية.
4 - لكيْ نَشْعُرَ بأنَّنَا وسط ذَوِينَا
بورديو BOURDIEU (1930–2002)
إنَّ مُشاركةَ وجبةٍ ما يعني أيضًا مُشاركةَ عدَدٍ من القِيَم. فما يُوجَدُ في الطَّبَقِ ليس محُايدًا كُلَّ الِحيَاد، والأطباقُ التي نُحِبُّ أنْ نَتَنَاوَلَها معًا تَكْشِفُ عن انتمائنا إلى طبقة معينة. وتُعَدُّ الوجبةُ، بالإضافة إلى وظيفتها الغِذائية، مؤشرًا دالاًّ على الوضع الاجتماعي. وهكذا يميل أعضاءُ الطبقة العاملة إلى التجمّع حول وجبات الطعامِ التي تنطوي على علامة الوَفْرَةِ وفي جَوٍّ مِنَ الأُلفة، بينما تميلُ الطبقةُ البُرجوازية إلى تفضيل جودة الأطباق وتَجعلُ الوجبة "احتفالية اجتماعية". "فالأكل-الصَّرِيحُ" عند الفئة الأولى يُعارض "الأكل وفقًا للقواعد" عند الفئة الثانية. وليس ثمة شك في أنّ الجميع يجدُون مُتْعَةً في أن يجِدُوا أنفسهم ضمن الفِئةِ التي ينْتَمُونَ إليها ...
المصدر:
نُشِرَ هذا المقال باللغة الفرنسية في:
Batiste Morisson, Pourquoi aimons-nous partager un repas ?
Philosophie magazine, n° 165, Décembre 2022- Janvier 2023, p. 80.
تغريد
اكتب تعليقك