لماذا نبكي في السينما؟الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2018-06-16 01:31:30

د. فيصل أبو الطُّفَيْل

أستاذ مشارك. الدراسات العربية - الكلية المتعددة التخصصات خريبكة - المغرب

شارل بيراجان

ترجمة: د. فيصل أبو الطُّفَيْل

 

إذا كنتم تشعرون بالذنب لأنكم ذرفتم دموعًا غزيرة أمام أيّ فيلم، فهناك أربعة فلاسفة سيقدّمون مناديلهم إليكم.

يتيح البكاء تفريغ المشاعر

أرسطو (ARISTOTE)

(القرن 4 ق.م).

إذا انْتَابَكُمْ حُزْنٌ عَمِيق... اِذهبوا لمشاهدة فيلم تكون نهايتُه حزينة. فبحسب أرسطو، سيمكنكم ذلك من الشعور براحة كبرى. يسمّي الفيلسوف ذلك: التطهير (la catharsis)، كما جاء في كتابه الموسوم بـ: الشعرية، وهو فن مداواة الألم عبر تمثيله. وعلى الرغم من أن صالات السينما في عصره، كانت عبارة عن مسارحَ تُؤدّى فوق خشباتها مسرحية أوديب ملكًا أو أنتيجون، بدلا من تايتانيك، فإن الآلية المستخدمة -في كلتا الحالتين- واحدة. ومن ثمّ، يرى أرسطو أن فن الشاعر التراجيدي يتمثّل في إثارة مشاعر الرحمة والذُّعْر عند المُشاهد. وهكذا، "يُحقّق المسرح، بتوليد هذه المشاعر، تطهيرًا لهذا النوع من العواطف". فتأثّرنا بعرض مسرحي يمثّل إذن نظافة للروح، و"تخفيفا للألم مصحوبًا بالمتعة".

إنه خداع ظريف

ديفيد هيوم (DAVID HUME)

(القرن 18).

يُعَدّ الحزن في الحياة إحساسًا مؤلمًا، وأحيانًا، عنيفًا. ويكاد يصير عند المُشاهِد عبارة عن مداعبة لطيفة، وذلك عندما يُؤَدّى على خشبات المسرح. وفي الواقع، يضعُف الألم المُجَسَّد على المسرح إذ يتمّ تخفيفه عن طريق "الوعي بعدم واقعيّة العرض المسرحي". (هيوم، مقالات في علم الجمال). ويَمضي الفيلسوف الاسكتلندي في تعميق هذه الفكرة، فيرى أنّه كلما كانت محاكاة العواطف الجميلة قوية من الناحية الجمالية، تضاعفتْ متعةُ البكاء أثناء مشاهدة مأساة ما. لا بد إذن من توافر "جمال الإيقاعات الخطابية"، وفن تجميع "التفاصيل المثيرة للشفقة"، وسحر الفصاحة، لبلوغ لذّة الدموع.

يُغْنِي البكاء عن مساعدة الآخرين

جون جاك روسو (JEAN-JACQUES ROUSSEAU)

(القرن 18).

يَتَأثَّرُ الإنسان بمشاهدة عرض مسرحي، لأن ذلك يوفّر عليه ألم حلّ المشاكل الحقيقية. يوضّح روسو في: رسالة إلى دالمبير (Lettre à d’Alembert)، أننا نذرف الدموع في المسرح لأننا نقوم بواجب إنساني: "في الواقع، حينما يقصد شخص ما السينما ليبكي تعاسة متخيّلة، فما الذي يمكن أنْ نُطَالِبَهُ به بعد ذلك؟ أليس راضيًا عن نفسه؟ ألا يُصفّق لروحه الجميلة؟". ليس هناك شيء أكثر متعةً من أن يشعر المرء بالأسى، وهو في وضعية المُشاهد، لأنه في الواقع غَيْرُ مَعْنِيٍّ بذلك. وبالإضافة إلى ما سبق، عندما يتألّم شخص ما على الخشبة، فليس علينا حتى التدخل لمساعدته. على أنّ هذا النوع من المَشاهد يُشَكِّل خَطَرًا على الفضيلة التي تتحوّل إلى مجرّد لعبة مصطنعة.

إنه شيء فيزيولوجي

وليام جيمس (WILLIAM JAMES)

(عاش بين القرنين 19 و20).

إننا نبكي في صالات السينما، لأننا لا نملك أن نمنع أنفسنا من ذلك. يرى جيمس أن الدموع تمثّل طريقة لمواجهة تصورات معيّنة، فهي تسبق كلَّ حالة ذهنية، وكلَّ تأمّل، وكلَّ إحساس. ليستِ المشاعر إذن سوى نتيجة لردود أفعال فيزيولوجية، وليس العكس: "نشعر بحزن عميق لأننا نبكي، ويعترينا الخوف لأننا نرتعد". هذا ما جاء به عالم النفس والفيلسوف الأمريكي وليام جيمس في نظريته عن الشعور. وفي الواقع، "كلُّ شعور هو نتيجة لمجموعة من الاستجابات". وتجعلنا هذه الاستجابات المنقطعة عن أيّ تفكير، نتأثّر لحكايات نعرف جيّدا- في قرارة أنفسنا-، أنها ليست حقيقية.

 

الهوامش:

نُشِرَ هذا المقال باللغة الفرنسية في:

Charles Perragin, Pourquoi pleure-t-on au cinéma ? Philosophie magazine, n° 85, Décembre 2014/ Janvier 2015, p. 80.

وبالإضافة إلى النسخة الورقية، يمكن الاطلاع على النص الأصلي بالفرنسية على الرابط الآتي:

http://www.philomag.com/les-idees/pourquoi-pleure-t-on-au-cinema-10721

(المترجم)


عدد القراء: 4668

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-