الأعمال الأدبية بين تقديم أجوبة عن أسئلة قرائها وتأجيلهاالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2015-11-05 14:07:04

د. رشيد وديجي

الكلية المتعددة التخصصات – الرشيدية - المغرب

إن قيمة العمل تكمن في الواقع الذي ينتجه ذلك العمل، وكذا من خلال تفاعله التاريخي مع قرائه المتعاقبين، هذا التفاعل هو الذي يبرز غنى الأثر الأدبي، ومدى قدرته على الاستمرارية من خلال الإجابة على الأسئلة الراهنة والمحتملة.

فقيمة العمل الأدبي تبقى رهينة بالقارئ وتفاعله مع هذا العمل، على اعتبار أن كل نص أدبي جديد، ومهما بلغت جدته تتعايش داخله معايير جمالية قديمة وأخرى حديثة، فأفق التوقع السائد لا يمكنه أن يكون ثابتًا ومشتركًا بين جميع القراء، لأنه إدراك نسبي يتمظهر بطرق مختلفة حسب الشروط الثقافية والتاريخية، وحسب المناخ السياسي والاجتماعي للذات المدركة.

 إن النص الأدبي يحمل في طياته إجابات عن أسئلة ماضية وأخرى آنية، باعتبار أن إعادة تشكيل أفق التوقع للجمهور الأول لا تكمن فقط في قياس المسافة الجمالية، ولكنها تكمن أيضًا في استخلاص الأسئلة التي أجاب عنها النص في الماضي مع الأخرى التي أجاب عنها في الحاضر قصد إبراز الاختلاف التأويلي في فهم الأثر الأدبي بين الأمس واليوم، هذا يعني أن النص الأدبي لا يحمل في داخله معنى جوهريًا خالدًا، و أنه ليس كتلة جامدة، ولكنه كيان حيوي متجدد بتجدد أسئلتنا الموجهة إليه وبتجدد إجاباته على الدوام، فكل نص أدبي هو جواب عن سؤال  تقديري لقارئ مفترض، ويبقى هذا السؤال مشروط بمجموعة من الشروط التي أحاطت بالقارئ وقت طرحه لهذا السؤال إلا أن الاختلاف يكمن في الأجوبة، حيث نجد نصوصًا تتغير إجاباتها بتغير واقع قرائها، فتقدم بذلك أجوبة متعددة تجيب على راهنية السؤال، فمثلاً: النصوص الملحمية نموذج (الإلياذة) و (الأوديسة) قدمت أجوبة لأسئلة الإنسان الإغريقي المحمل بالفكر الديني والميثولوجيا والمتجذر في الواقع اليوناني، لهذا كانت  أجوبة هذه النصوص مقنعة لمتلقي يبحث عن النفس الدرامي، وتعدد الآلهة، ويؤمن بقداسة الأبطال المخلصين و الممدنين.

أما إذا رجعنا إلى تلقي هذه الأعمال في الثقافة الغربية، سنجدها تقدم إجابات أخرى مخالفة نظرًا لطبيعة السؤال المقدم إليها، فمتلقي هذه الأعمال يبحث فيها عن الجمالية الشعرية كون الإنسان الغربي في حقبة ما بين الحربين بدأت تشغله قضايا إنسانية جديدة شرع يبحث لها عن إطار فوجده في الدراما والميثولوجيا الإغريقية.

وأما إذا عدنا إلى تلقي هذه الأعمال في المجتمعات العربية الإسلامية، فالأمر سيختلف حتمًا  فلا مجال هنا للحديث عن موضوعات كبرى: الإله، والقضاء والقدر، والعدالة الإلهية، والأخلاق... لأن طبيعة المتلقي العربي الإسلامي وخصوصياته لا تسمح بالتعدد في الآلهة، ولا بعبثية القدر والقضاء إذا نتحدث هنا عن مجموعة من الطابوهات، لهذا جاءت مساءلة هذه الأعمال من جوانب مختلفة، حيث كان البحث عن إجابة مخالفة ارتبطت بالواقع العربي وهزاته، ونكباته، وإحباطاته الفكرية  والثقافية، وقد نجد أن بعض الأعمال الأدبية لا تلقى اهتمامًا، لأنها لم تقدم أجوبة عن أسئلة قرائها وقت صدورها، بل أجلت هذه الأجوبة إلى وقت لاحق.

وهكذا، سيبقى قارئ هذه النصوص مؤجلاً إلى أن تجيبه هذه النصوص عن أسئلته، أخذًا بمسلمة أن كل نص هو جواب عن سؤال، فالسؤال قد يكون قراءة جديدة، وإعادة  فهمه وتأويله.


عدد القراء: 4392

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-