السّر في الأدب!الباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2024-02-01 23:06:09

ميادة سفر

دمشق

تشكل الأعمال الأدبية من رواية وقصة وأعمال مسرحية وشعر حاملاً أساسيًا لتراث الشعوب، وكاشفًا لتفاصيل حياتية وحفظًا لتاريخ يكتب من وجهة نظر إنسانية لا تحابي ولا تتطرف في أغلب الأحيان، إذ يعتبر الأدب نتاج تجربة إنسانية حافلة، ومرآة للمجتمعات وحياة الشعوب، تنعكس من خلاله أحداث وحيوات الأفراد، وغالبًا ما عبرّ عن مكنونات النفس البشرية، ملامسًا أوجاع الإنسان وهمومه، عاداته وتقاليده، يحكي قصص الشعوب وتفاصيل حياتهم، لذلك لطالما كان الأدب بمختلف صنوفه من رواية وقصة وشعر ومسرح وحكايا شعبية انعكاسًا للواقع الإنساني، ومدونًا لفترات من حياة الدول والأقوام، في الحرب والسلم، كما في الفقر والرخاء، فكان شاملاً لكل تناقضات الحياة البشرية وأحوالها، مسلطًا الضوء على الذات البشرية وأسرارها، باحثًا عن حلول أحيانًا ومتنبئًا بحوادث أحيان أخرى.

إلا أنّ الآداب في تعاملها مع قضايا كونية مثل الحروب والأزمات الاقتصادية لطالما عملت على صياغة الذات في مفهوم الكل الإنساني، فكما أنّ الحربين العالميتين أنتجتا أدبًا ثرًا، فإنَّ توجهات التحرر وقضايا الأمم نالت جانبًا من اهتمام الأدب، وأنتجت أعمالاً أقلُّ ما يقال عنها أنها غيرت وجهة نظر العالم.

ما الأدب

كثيرة هي المحاولات التي قامت لتعريف الأدب، فتعدد الآراء وتنوعت النظريات التي تحدثت عن الأدب وتعريفه، وتعددت الإجابات التي طرحها وتوصل إليها عدد من المفكرين والكتاب، ممن ينتمون إلى تيارات فكرية وفلسفية وأدبية مختلفة، ويبدو أنّ تلك الانتماءات ستولد تباينات في نظرة كل منهم إلى الأدب تبعًا للاتجاه الذي ينظر منه وإليه، وبالتالي ستختلف النتائج التي يتوصل إليها كل منهم، لذلك وبسبب تلك الاختلافات لم يتم إيجاد أرضية ثابتة يمكن أن يقف عليها أتباع تلك الاتجاهات وبالتالي إيجاد تعريف شامل موحد للأدب، فبقي الموضوع اشكاليًا ولم يحسم حول تعريف الأدب وطبيعته، وبالتالي بقي الباب مواربًا لاستقبال أي أقوال جديدة أو تبني اطروحات سابقة في هذا المجال.

لعل من أهم محاولات الإجابة عن سؤال ما الأدب؟ جاءت بأقلام كل من الفيلسوف الوجودي جان بول ساتر والمفكر الانكليزي تيري إيغلتون اللذين نظرّ كل منهما حول الموضوع وطرح الإجابة من وجهة نظره وتبعاً لخلفيته الفكرية والإيديولوجية والمرحلة التاريخية.

يبدو أنّ الأهمية لما قدمه ساتر لم تأتِ من كونه مفكرًا وفيلسوفًا وحسب، بل من أنه اشتغل في الأدب وأبدع العديد من النصوص الروائية والمسرحية والقصصية، فكان تقديمه نابعًا من مجال خاضه ومن خبرة تمرس فيها، ولا شكّ أن خلفيته الوجودية والماركسية تركت أثرها وبصمتها على وجهة نظره، لذلك كان طبيعيًا أن يعتنق فكرة "الأدب الملتزم" التي قدمها في كتابه الذي حمل العنوان نفسه وصدرت ترجمته ضمن سلسلة مواقف عن دار الآداب اللبنانية عام 1965 ترجمة جورج طرابيشي، على اعتبار أنّ العمل منتج اجتماعي رغم صبغته الفردية، ولأن الكاتب إنسان بطبيعته فإن وجوده الواقي يشكل هويته الأدبية، ويجب ألا يخرج عنها بل ليس بمقدوره الخروج عنها وعليها، وهنا سنجد التأثير الوجودي واضحًا على رؤيته الأدبية، حيث أنّ أحد أهم مرتكزات الوجودية هي موقع وأهمية الإنسان في العالم، وطالما أنّ واقع الكاتب ووجوده هما الأساسان اللذين يشكلان هويته، فإن هويته الأدبية هي وليدة حالته الوجودية النابعة من واقعه ومحيطه.

ولا بدّ من الإشارة هنا إلى أنّ مفهوم الالتزام عند سارتر شمل كل المنتج الأدبي النثري، مستثنيًا منه النصوص الشعرية التي أخرجها من دائرة الالتزام، مثلما أخرج فنونًا أخرى كالنحت والموسيقى والفنون التشكيلية، إذ يرى أنّ الشعر لا يستخدم الكلمات بالطريقة ذاتها التي يستخدمها النثر، بل إنه يخدمها، ويضيف: "أنّ الشعراء أناس يرفضون استخدام اللغة، ولما كان البحث عن الحقيقة يتم باللغة باعتبارها نوعًا من الأداة، لذلك ينبغي ألا نعتقد أنهم يهدفون إلى تمييز ما هو حقيقي أو إلى عرضه"، لذلك فإن النصوص النثرية هي المقصودة بالالتزام من وجهة نظر جان بول سارتر.

على الضفة الأخرى يبرز المفكر والناقد الإنكليزي تيري إيغلتون الذي اعتبر أحد أشهر منظري الأدب في القرن العشرين، تساءل في كتابه "نظرية الأدب" الصادر بترجمة ثائر ديب ما الأدب؟ إذ يقول: "إن كان ثمة نظرية أدبية، فلا بدّ أن يكون هنالك أدب هي نظريته"، حيث انطلق من تعريف الأدب بأنه كتابة تخيّلية، متسائلاً عما إذا كنا اعتبرنا الأدب كتابة "إبداعية" "تخيّلية"، فهل يقتضي ذلك أنّ التاريخ والفلسفة والعلوم الطبيعية ليست إبداعية تخيّلية؟ متابعاً مسيرة الأدب انطلاقًا من ظهور الشكلانيين في روسيا في السنوات السابقة على الحرب البلشفية عام 1917، والذين ازدهروا في العشرينيات قبل أن يتم اسكاتهم من قبل الستالينية، فقد اعتبر إيغلتون أنّ نظرية الأدب بدأت معهم حيث ضمت صفوفهم أسماء مثل شكلوفسكي ورومان جاكوبسون وآخرون، واعتبر أنّ الشكلانية أساسًا هي تطبيق للألسنية، التي تعنى ببنى اللغة أكثر من عنايتها بما يمكن للمرء أن يقوله فعليًا، ولم يقف إيغلتون عند الشكلانيين بل إنه استعان في إجابته على العلوم اللسانية، وعلم الظاهريات عند هوسرل عبر "الاختزال الظاهراتي" فكل ما هو غير محايث للوعي يجب إقصاؤه، وينبغي معالجة الوقائع جميعها بوصفها ظاهرات محضة، تبعًا لظهوراتها أو مظاهرها في عقلنا، ولم يكف إيغلتون بهذا بل إنه التفت إلى التأويل مع هايدغر من خلال مشروعه الفلسفي تأويل الكينونة، وصولاً إلى البنيوية والتفكيكية، لم يكن ممكنًا برأي إيغلتون تعريف الأدب تبعًا لما إذا كان فعل إبداعي أي تخيّلي، بل لأنه يستخدم اللغة بطرق مختلفة وغير مألوفة، فالأدب هو نوع من الكتابة التي تمثل "عنفًا منظمًا يرتكب بحق الكلام العادي" كما يقول الناقد الروسي رومان جاكوبسون.

الأجناس الأدبية

هد الأدب العربي عدة تحولات مهمة منذ نهاية النصف الأول من هذا القرن، على صعيد بنية أشكاله وأجناسه ومحدداتها الجمالية والفنية والموضوعية. فإلى جانب استزراع أنواع أدبية جديدة على التربة الثقافية العربية في عشرينيات وثلاثينيات القرن مثل الرواية، والقصة القصيرة على أيدي محمد تيمور وعيسى وشحاتة عبيد...الخ في العشرينيات والثلاثينيات، إلى جانب ذلك، شهدت نهاية الأربعينيات ظهور الشكل الجديد للشعر العربي الذي سمى بالشعر الحر أو شعر التفعيلة على أيدي نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وعبد الوهاب البياتي. وهي الجهود التي تعمقت وتجذرت بفضل اسهامات صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي وعبد الرحمن الشرقاوي. وهو ما مثل صدمة غير هينة التأثير لدى المتذوق والناقد التقليديين على السواء.

الأدب ذاكرة الشعوب

ولأن الآداب والفنون وغيرها من متعلقات الحياة الثقافية إنما هي مرآة لحياة الشعوب فقد ظهرت العديد من الأعمال الأدبية الروائية منها والقصصية والأعمال المسرحية، التي عكست ولامست الواقع الإنساني المعاش سواء أثناء الحروب والأزمات وحتى الأوبئة التي اجتاحت كثيرًا من البلدان عبر التاريخ، أعمال كانت تحاكي الواقع الاجتماعي والنفس الإنسانية وتظهر تفاصيل اللحظات الموجعة في أغلب الأحيان.

ولأنه كذلك، كان لافتاً وليس مستغربًا العودة للروايات التي تحكي عن بلاد شوهتها الحروب ودمرها الاقتتال، فلم تكد تعود حركة طالبان للسيطرة على أفغانستان مؤخرًا على سبيل المثال،  حتى تداعى وتسابق القراء لقراءة آداب خطتها أقلام أفغانية تحكي وتحاكي تاريخ وحياة سكان عايشوا المآسي والحروب، أوجاع الموت والفراق، آلام الحب والتضحية، ظلم الحكام والاحتلالات المتعاقبة ومعانتهم الحياتية الاجتماعية والاقتصادية في ظلها، من خالد الحسيني صاحب "عداء الطائرة الورقية" و"رددت الجبال الصدى" و"ألف شمس مشرقة"، إلى عتيق رحيمي صاحب "حجر الصبر" و"ملعون دوستويفسكي" إلى غيرهما من كتاب خرجوا من تلك الأرض، من رحم الأوجاع ليحكوا عنها، فكان أن تمكن القارئ من الاطلاع على تاريخ بلاد أنهكتها المآسي ولكن من وجهة نظر أدبية وبتفاصيل حياة سكانها التي لطالما كنا نجهلها، وسيعود القراء إلى آداب شعوب أخرى كلما ألمت بها مصيبة، أو حدث فيها حادث ما، بعيداً عن التحليلات السياسية والمواقف الدولية والتصريحات المسؤولة وغير المسؤولة، كفاهم في رواية "شرّ القتال".

في ضفة أخرى، ظهرت عبر التاريخ الإنساني الكثير من الأعمال الأدبية التي تناولت حروبًا نشبت في العالم من العصور القديمة وحتى يومنا هذا، وإذا ما عدنا بالزمن إلى عصور ما قبل الميلاد وجدنا الأثر الذي تركته الحرب ممثلاً في ملحمة الشاعر اليوناني هوميروس (ق 9 ق.م – ق 8 ق.م) الإلياذة والأوديسة، التي تحكي عن حرب طروادة الأشهر في التاريخ.

لتتوالى الأعمال الأدبية لاحقًا في العصر الحديث إن صحت التسمية، فكان للأدب الروسي الحضور الأبرز لاسيما إبان الثورة البلشفية وما تخللها وتبعها من أحداث وما تركته من آثار اجتماعية ونفسية، ذلك الأدب الذي لا يزال محط اهتمام من قبل القارئ العربي إلى يومنا هذا، ولعل رواية مكسيم غوركي (1868-1936) "الأم" الصادرة عام 1905 التي يندر أن تجد شغوفًا بالقراءة لم تمر بين يديه، واحدة من أشهر الروايات التي صورت معاناة العمال في تلك الفترة، متحدثًا عن الأوضاع المعيشية والظروف المؤلمة التي عاشتها تلك الأم التي ستتحول إلى أم مناضلة بعد وفاة زوجها، تلك الأم التي أرادها غوركي رمزًا للوطن الذي انتقل من الخوف إلى الثورة.

رواية "الحرب والسلم" 1869 للروائي الروسي ليو تولستوي (1828-1910) واحدة من أشهر روايات الحرب، فيها يسلط الروائي العظيم الضوء على أحوال الناس وأوضاعهم وانفعالاتهم المختلطة بين الحب والأشواق والأمل والإخفاق، رواية تدور أحداثها أثناء الحروب النابليونية على روسيا وما خلفته من خراب ودمار، فكانت واحدة من أعظم روايات الأدب العالمي، جسد فيها تولستوي من خلال رؤية فلسفية جملة من مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية في البلاد.

"للحب وقت وللموت وقت" الصادرة 1954 للروائي الألماني إريش ماريا ريماك، تتحدث الرواية عن جندي ألماني يحارب على الجبهة الشرقية في روسيا خلال الحرب العالمية الثانية في الفترة ما بين 1943-1944 حين تبدأ الهزائم تتوالى على الجبهة الألمانية، سيكتب ريماك في عام 1961 روايته "ليلة لشبونة" التي لن تبتعد عن الأخرى في حكايتها عن الحرب والهروب والأسر، فيها يروي مآسي وحكايات المهاجرين الألمان الفارين من النازية.

كثيرة هي الأعمال الأدبية التي تناولت الحياة الإنسانية أثناء الحروب، لكنها لم تكن لتسهم بالحؤول دون وقوعها مرة أخرى، لم يسهم الأدب إلا في تصوير واقع أناس عاشوا في أزمنة سابقة، مع ما كابدوه من معاناة ومآسي لأشخاص لم يرتدعوا ولم يتعلموا دروسًا من التاريخ، قد يكون ساهم بخلق شيء من التعاطف من القراء لأولئك الأبطال المفترضين.

لم يخلو الأدب العربي من روايات وقصص تحاكي واقع الحروب والكوارث والأوبئة التي عانت منها المجتمعات العربية، ففي "ملحمة الحرافيش" 1977 للروائي المصري نجيب محفوظ (1911-2006)، تدور أحداثها على خلفية وباء الطاعون الذي فتك بالمصريين، ودمرّ كل شيء حتى لم يبقى منهم إلا رجل واحد، فيها يصور الروائي "الحائز على جائزة نوبل للآداب" التشابه بين البشر من خلال تكرار أخطائهم كيفما كانت أوضاعهم وظروفهم، بملحمة يبدأها عاشور الناجي الأول، وأنهاها عاشور العاشر كناجي أخير، في مجموعة من عشر قصص تحكي تاريخ عشرة أجيال متعاقبة.

ولعل القضية الفلسطينية كانت الحاضر الأكبر في كثير من الروايات العربية التي يمكن الإشارة إليها في معرض الحديث عن الآداب التي تحكي حياة الشعوب وتفاصيلها، بما فيها من ترميز لواقع حال هو المأساة بحيث يمكن أن يكتب عنه الكثير من قصص وروايات وتحكى عنه الحكايا، ففي "البحث عن وليد مسعود" أشهر روايات الروائي الفلسطيني جبرا إبراهيم جبرا نلامس الوجع الفلسطيني من خلال رمزية الفقد بداية، ذاك الفلسطيني الذي فقد أرضه ووطنه، وتاليًا البحث  عن هويته وذاته وكينونته، ورمزية المكان التي يعاني منها وهو المغترب عن أرضه ونفسه مشتتًا بين منفاه وغربته وشخصيته بتناقضاتها النفسية والفكرية.

أما "رجال في الشمس" الرواية الأولى للروائي غسان كنفاني فكانت تحكي تأثير النكبة (1948) على الشعب الفلسطيني الذي تحول فجأة إلى لاجئ في بلاد الشتات، تلك المعاناة التي ستتتالى في غير عمل من أعماله، وسيبقى الشتات الفلسطيني وأوجاعه وهمومه وأمله في العودة حاضرة بين سطور الروائي الفلسطيني الذي أوجع الإسرائيلي فأقدم على اغتياله (1972) في بيروت لأن الكلمة كانت أقوى وأمضى من كل أسلحتهم.

في رواية "الزمن الموحش" للروائي السوري الراحل حيدر حيدر يأخذنا إلى هزيمة عام 1967 الانتكاسة الأكثر تأثيرًا في التاريخ العربي الحديث، عن التشظي الذي عانى منه المثقفون الذين وجدوا أنفسهم أمام كارثة حقيقة، حولتهم إلى أشخاص مهزومين ومنكسرين.

تنوعت الأعمال الإبداعية وتعددت المواضيع التي تناولتها، غاصت في أعماق النفس الإنسانية فأخرجت خليطًا من مشاعر الحب والفراق والألم، فكانت صورة صادقة عن المعاناة التي عاشها الإنسان، ومَن غير المبدع يمكنه التعبير عن كل ذلك الفيض من المشاعر والآلام والأوجاع، فاغتنت المكتبة العالمية بتلك الأعمال التي رصدت الأهوال والمخاطر، وانعكاساتها على الإنسان في نواح اجتماعية ونفسية واقتصادية وسياسية، فأخرجت الذات الفردية للإنسان وصاغتها بمفهوم الجمع والكل الإنساني، فكان الحضور الجمعي جلياً في معظم تلك الأعمال لمواجهة المخاطر.

النقد الأدبي:

ما السرّ في الأدب؟!

  ثمة سرٌّ في الأعمال الأدبية تشدنا وتجذبنا لننهل من مخزونها، نستمتع بقصصها وحكاياتها، نتألم مع شخصياتها، والأهم ربما أننا نتعرف من خلالها على شعوب أخرى، ومجتمعات مختلفة، وأقوام كانت مجهولة بالنسبة لنا، لولا الأدب الروسي وكبار الكتاب الذين أتحفونا بآلاف الصفحات ما كنا لنعرف سوى القليل عن تلك البلاد الباردة، إلا ما تنقله وكالات الأنباء من أخبار السياسة والسياسيين، وكذلك الأمر عن أدب أمريكا اللاتينية والأدب الإنكليزي والفرنسي، وحتى بلادنا العربية التي نجهل كثيرًا من حياة شعوبها وتفاصيلهم اليومية ومشاكلهم، ليأتي الأدب من رواية وقصة ليضيء لنا شموعًا ويلقي أضواء على تلك الزوايا الخفية من حياة شعب هنا وآخر هناك، ويحدثنا عن شؤونهم وشجونهم.

يقدم الأدب بمختلف أشكاله نماذج مختلفة ومتنوعة من التفكير، لذلك فهو فرصة للتعلم والتعليم والتعرف على عوالم أخرى، يتنور من خلاله عقل القارئ وفكره، فضلاً عن المتعة الكبيرة بل العظيمة التي تغني حياته روحيًا ومعرفيًا، كم كانت أعمال العظيم تولستوي مرشدًا للمثل والقيم الإنسانية، وكم أنقذنا دوستويفسكي وهو يغوص بنا في أعماق النفس البشرية، غابرييل غارسيا ماركيز هو الآخر صور لنا حياة أمريكا اللاتينية وقصصًا لسكانها وشعوبها ما كنا لنعرفها لولا تلك الروايات العظيمة التي مازالت إرثًا ثقافيًا وإبداعيًا، تلك الأسماء وغيرها من أدباء أغنوا التاريخ الإنساني بأعمال كانت وستبقى مرآة حية لماضي وحاضر ومستقبل الشعوب على هذي الأرض.

في الختام..

يجب أن يكون الأدب على قدر المسؤولية تجاه الشعوب، مواكبًا لكل التطورات الاجتماعية التي تحدث في المجتمع، ومن واجب الكاتب روائيًا كان أم قاصًا أم شاعرًا أو غير ذلك أن يكون صادقًا مع نفسه أولاً ومع القارئ ثانيًا، مؤمناً بما يكتب وما يرغب إيصاله للمتلقي، فلا يمكن أن تناقش قضية تحرر المرأة، على سبيل المثال، وترفض في كتبك ما تتعرض له من قتل وقمع وترهيب وأنت تفكر وتعيش في حياتك العادية وفق عقلية القرون القديمة، وترفض إعطائها أقل حق من حقوقها، وقس على ذلك مواضيع كثير.

على الأدب أن يكون مسؤولاً أمام المجتمع ليصير جزءًا من كينونته ومكونًا أساسيًا يبنى عليه، وصوتًا من أصوات أبنائه المنادية بحقوقها والمطالبة بتحررها، ليكون بذلك منقذًا وطوق نجاة نتمسك به حين تشدنا أوحال العادات والتقاليد والأفكار البالية، وهذا هو السر في العمل الأدبي أنه ناطق رسمي باسم الشعوب والأمم، ومتحدث بأصوات آلاف البشر ممن لا صوت لهم، وحافظًا لأرث وتاريخ مجتمعات لم تجد من يكتبها من كتبة التاريخ والمؤرخين الذين لطالما هادنوا السلطات ودونوا تواريخ المنتصرين وصناع القرار، بينما سرُّ الأدب أنه يروي وجهة نظر الشارع ويدون الحقائق كما هي بما فيها من معاناة وأوجاع ومشاكل وربما انتصارات على التقاليد البالية ودعوات للتغيير والخروج من قمم التخلف الذي عاشت وتعيش فيه شعوب كثيرة.


عدد القراء: 2959

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-