غونصالو طافريش: قراءة كتب جيّدة تمكّننا من التدرّب على حيل اللغةالباب: مقالات الكتاب
رفقة أومزدي المغرب |
حاوره: فرناندو فرزاو
ترجمة: رفقة أومزدي
حسن اختيار الكلمات يمكن أن يصنع قصة جيّدة، وأيضًا خطابًا يقنع أمة بأكملها، تبعًا للكاتب غونصالو طافريش؛ اللغة أداة جبّارة والقراءة هي التمرين اللازم من أجل التموقع في العالم، كما ليكون الشخص مثيرًا للاهتمام ويحارب كلّ محاولة استلاب.
"أعتقد أن القراءة نوع من التدريب على فنون قتال اللغة" يقول في مقابلة مع وكالة البرازيل.
ولد غونصالو طافريش في لواندا بأنغولا، وانتقل لاحقًا إلى البرتغال مع أكثر من 40 عنوانًا منشورًا، ويعتبر حاليًا من الكتاب الأوروبيين الأكثر ترجمة لهم في العالم، بمؤلفاته المنشورة في 70 بلد، تحصل طافريش على العديد من الجوائز الأدبية، من بينها "جائزة أفضل كتاب أجنبي لعام 2010" والتي تم منحها حتّى الآن لكتاب آخرين أمثال: روبر موزيل، فيليب روث، غابرييل غارسيا ماركيز وإلياس كانيتي، و "جائزة الأدب الأوروبي 2011".
- كيف تُعرّف الأدب وما هو دور الكتب في المجتمع؟
أود أن أقول إن من أحد أدوار الأدب تغذية بصيرة القارئ، وفي هذا المعنى؛ جعل القارئ يدرك الواقع بشكل أفضل، لا التاريخي وإنّما الواقع الآني الذي يحياه في تلك اللحظة، أن يدرك الشر على نحو أفضل، تركيبات الخوف، العنف على سبيل المثال، أن يدرك على نحو أفضل العلاقة بين الأب والابن، إذن، أعتقد أنه لا يفترض بالأدب أن يظل حبيس الكتب، لكن أن يستعمل في الحياة.
- مسار الكتابة الذي تعتمده؟ وكيف تختار كلماتك؟
أكتب بطريقة جنونية في أغلب الحالات، عشوائية تقريبًا، دون التفكير كثيرًا، فقط الكتابة والكتابة والكتابة، ثم لاحقًا أعود لما كتبته وأعدّله، هي مرحلة أكثر تقنية لنقُل.
إن هناك مرحلتين أقول: واحدة لا أعرف حتّى كيف أقوم بها، طريقة جنونية تمامًا في الكتابة، وبعد ذلك أستغرق وقتًا كبيرًا في إزالة كلمة لا غير، فاصلة إلخ.
لكن حماسي الكبير في الكتابة مرتبط بالمرحلة الأولى، حيث أكتب لثلاث أو أربع ساعات متواصلة دون توقف.
- عند تناول موضوعات كالحرب العالمية الثانية، كيف تمر عملية البحث؟ هل تقوم بأي دراسة مسبقة؟
عادة لا أقوم ببحث كبير في الموضوع، أحب الكتابة دون أن أعرف ما سأكتبه، الكتابة نفسها بالنسبة لي هي لحظة تحرّي، وأنا لا أتحرّى المعطيات التاريخية أو الوقائع، وإنما أتحرّى الشخصيات قليلاً، كأنني أحاول أن أفهم ما تقوم به الشخصيات في مواقف معينة، كما لو كانوا موادًا كيماوية أقوم بمزجها كي أفهم تفاعل هذه المواد؛ هذه الشخصيات عندما تمتزج. لا أحاول الوصول إلى نقطة معيّنة، أحاول الاستمتاع أثناء الكتابة دون التفكير في النتيجة.
في "فتاة ضائعة في القرن العشرين تبحث عن أبيها" أتذكر أني رأيت صورة؛ صورة فوتوغرافية لرجل يمسك يد طفل، هذه الصورة وبطريقة ما بدأت تتحرك في رأسي، وبعد فترة تحولت إلى كتاب، أحيانًا يكفي هذا، تكفي صورة واحدة.
- في عالم يزداد رقمنة وتزداد فيه الصورة، ما هو المكان الذي يحتلّه الأدب فيه؟ وكيف نُكوّن قراء جددًا؟
ما أراه هو أن سحر الحكاية وجاذبيّتها، وغزارة الفكر، أشياء مازالت قائمة، أعتقد أن الصورة تجلب أشياء مهمة، لكن الأدب يسمح بتركيز، بعزلة لا يتيحها أي فن آخر.
أعتقد بوضوح أن الأدب هو فن المقاومة، في زمن: المجموعات، الضجيج، التشتت.. على الأنترنيت الرابط هو القفزة، والأدب على العكس من ذلك يَحيا على التوقف والتركيز على نقطة واحدة.
التركيز اشتقاقيًا يعني وجود مركز واحد، وبهذا المعنى فالأدب أيضًا اشتغال على التركيز، وكون القرن 21 هو قرن القفز والإنترنيت، أرى أن الأدب ليس فقط قويّ في ذاته، وإنّما هو أيضًا تمرين يتيح لنا القيام بأعمال تركيز أخرى، إذا أراد شخص ما التدرب على التركيز في أي فن آخر؛ فالقراءة تتيح له تدريب هذا الاستقرار الذهني.
- القراءة أيضًا هي تمرين لغوي!
وأنا أعتقد أن هذا أمر مهم جدًا، لأننا نرى في كل مرة أكثر كيف أن السياسة تعيش من الخطابة، من سيطرة اللغة ومن تلاعب اللغة.
قراءة كتب جيّدة تمكننا من التدرب على حيل اللغة، أن نفهم السخرية، الغموض، المعنى المزدوج... وهذا يجعل القارئ الجيّد مواطنًا مستنيرًا أيضًا على مستوى اللغة، أو حينما يتحدث إليه أي سياسي فهو لا يفهم فقط الكلمات التي يقولها السياسي ولكن الكلمات التي يَعني قولها حقًّا؛ يفهم غير المعلن.
من هذا المنطلق، أرى أن القراءة نوع من التدريب على فنون قتال اللغة، لأننا اليوم ملزمون بالدفاع عن أنفسنا من سارقي اللغة، في آحايين كثيرة ليس فقط السياسيون، ولكن الأديان ومؤسسات أخرى تريد خداعنا عن طريق اللغة. من يجيد اللغة سيدافع عن نفسه على نحو أحسن.
- أظهرت الأبحاث أننا أصبحنا مقلّين في قراءة الكتب، وفي نفس الوقت أصبح الناس يقرأون أكثر على شبكات التواصل الاجتماعي والتطبيقات.
يقرأون ويكتبون، الجميع كتّاب، لكن كتّاب لأمور تافهة.
- على الرغم من قوة اللغة هاته، يظل العنف جزءً من واقعنا، مؤلفاتك تنقل هذه العناصر من الواقع، مثل الحرب العالمية الثانية نفسها، بخصوص نزاع جد آني، كيف ترى الحرب بين إسرائيل وفلسطين؟
مع الأسف ليس هناك فقط هذه الحرب، لدينا الحرب في أوكرانيا والتي بالنسبة لأوروبا هي شيء مدمر.
المرعب في الأمر هو إدراك كمية الكراهية المنتشرة، هذا يخيف كثيرًا خاصة بالنسبة لشخص يعيش في بلد هادئ نسبيًّا مثل البرتغال، من العبث فهم كيف تنتشر الكراهية، كيف تنتقل من جيل إلى جيل، كيف تستمر.. على الرغم من تحديث التكنولوجيا؛ الكراهية مستمرة.
المصدر:
عن وكالة البرازيل: www.agenciabrasil.ebc.com.br
تغريد
اكتب تعليقك