رواية تلتهم الدهشة وتُحيل الأسئلة إلى معاول في الرأس!!.. قراءة في رواية قناع بلون السماءالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2024-09-27 02:11:54

د. زرياف المقداد

فرنسا

الكتاب: "قناع بلون السماء"

المؤلف: باسم خندقجي

الناشر: دار الآداب

سنة النشر: 2023

عدد الصفحات: 240 صفحة

الرواية التي تلتهم الدهشة من الروح وتلقينا بلا هوادة على أعتاب الخوف هي التي تدفعنا إلى إعادة التفكير.

وهذا هو الفعل الذي تحدثه اللغة حينما تحمل السرد الروائي وتلقي به في العقل والقلب.

بصدق لن أدعي انني كنت أعرف تاريخيًا ومعرفيًا كل ما ذكره باسم خندقجي في روايته الموسومة قناع بلون السماء والصادرة عن دار الآداب 2023 والتي نال بها جائزة البوكر للرواية العربية.

والتي تمكن من تسليط الضوء فيها على الأرض والحجر والبشر داخل المخيمات وفي شوارع القدس وتحت الأنقاض. عم من خلال روايته الى تبني عدد من المرويات التاريخية والمصادر التي تتحدث عن الآثار التاريخية من خلال استخدام دور قام به بالنيابة عن المدعو أور شابيرا حين ارتدى القناع ليظهر لنا أثرًا نقيضًا لمعنى القناع فقد أدى وظيفة الكشف ونزع رداء الخوف.

أقف عند عتبة العنوان:

وهنا يبدأ أول تساؤل: لماذا عنون الرواية قناع بلون السماء ولم يقل قناع أزرق؟

لأن قناع بلون السماء عبارة مفتوحة على التأويل في حين قناع أزرق هي عبارة منتهية. فما أرد من هذا التأويل؟؟ 

فهل كل ما يجري تحت هذا القناع هو مكشوف وغير متواري عن أنظار العالم؟؟

وربما هناك وظيفة أخرى لهذا القناع نستدل عليها من قول سماء إسماعيل: لنور الشهدي: ص224

أيها المغفل، أنا أنتظر عمرًا بأكمله من أجل الخلاص من هذه الهوية. وأما أنت فقد خسرت عمرك كله، لترتدي هذا القناع، هذه الهوية التي نكبتني.

عتبة الغلاف: عند قراءة المتن شعرت بالغربة مع الغلاف... لم أتمكن من تحليل المضامين فيه. هذه صورة لشخص قبل وبعد واختلاف الاتجاه بين اليمين واليسار.. هل هو باسم وإن كان ما دلالة الصورة.  والصورة الباهتة للأقصى في الخلف؟؟ الإشارة الخجولة والتي شعرت بإقحامها في الصورة للثوب الفلسطيني؟؟ لن أشرح أكثر.. فهذا هو الانطباع الأول..

الأساليب الأدبية المستخدمة

من البداية أصابتني الدهشة. في مفارقة غريبة فالكاتب كشف أوراقه وهدفه وكيف سير السرد ومآله من ص 11 الى ص 14

لقد قال كل ما يبغي من الرواية؟؟

إذا ماذا بقي علينا كي نقرأ. ومع ذلك بقيت الدهشة تفر كلما تقدمت فالقراءة.

لأن الكم المعرفي التاريخي الذي عمل عليه الكاتب مدهش جدًا.

فقد تمكن من دمج القصة التاريخية والمستند التاريخي والمصدر الديني وجميع ما خدمه في نصه الروائي تمكن من دمجه بيسر وسهولة.

لتغدو قراءتنا تتراوح ما بين السرد والتاريخ. ولكن التأريخ فيها وارجاع المعلومة إلى المصدر افقدها عنصر التشويق.

إذا ما الهدف؟

فالسؤال الذي يطرح نفسه عندما حدد الكاتب منذ البداية مسار الرواية حتى تقريبًا ص 20 هل أراد أن يهدر ويغامر بمتعة التشويق في السرد الروائي. أم ان الهدف كان ترك القارئ ينغمس في المتن ليدرك الحقائق التاريخية التي وثقها باسم بالأسماء والحوادث؟؟

لماذا بدأ بالطاقات الصوتية لماذا أوقفها ثم عاد إليها لاحقًا مع ادراكه انها كانت في مرحلة ما كانت تثير الاستقصاء عند القارئ؟؟

اعتقد أنه أراد أن يوقف علاقة الفعل ورد الفعل بين شخصيتي مراد ونور لتغدو حركة نور حركة عقلانية وسنأتي لاحقًا على هذا التصور.

ولماذا بدأ بالبطاقة رقم 12

فالرقم 12 يرتبط برموز ودلالات معينة في الديانات الثلاث، فنقرأ في العهد القديم عن 12 سبطًا، يرتبط به والقضاة المذكورون في سفر القضاة عددهم 12. وفى العهد الجديد أقام الرب 12 رسولاً أرسلهم إلى شعبه الأرضي.

والبروج في السماء عددها اثنا عشر، ولهذا كان هو عدد شهور السنة عدد ساعات النهار ومثلها ساعات الليل.

إذا هو رقم ذو دلالة عميقة ويعبر عن إدارة الله وتنظيمه في الخليقة.

فهل قصد الكاتب هذه الدلالة وبالتالي نعيد الأمر إلى تفسيرات دلالية وردت في القرآن الكريم إلى ما سؤول إليه حال اليهود بأمر من الله أم أراد القول إن البداية لم تكن من الصفر، وأن الأرض التي أنتم عليها لم تكن أرض بلا شعب.

كانت موطنًا ولن تكون النهاية؟؟

تحليل أعماق الرواية وشخصياتها:

في بناء الشخصيات أعتقد أن باسم خندقجي عمد الى خلق التكامل بين كل من شخصيتي نور ومراد باعتبارهما شخص واحد وربما استدليت على ذلك من فرض عدم وصول الرسائل الى مراد المحكوم بالمؤبد. وأن نور كان يتحدث مع جانب آخر من شخصيته مفترضًا او متمنيًا وجوده حتى تتكامل شخصيته بين الانفعالي والعقلاني. فالشخصية العقلانية تتمثل في مراد وتنتمي شخصية نور الى الانفعال والعواطف الجياشة.

 نور عندما ارتدى هذا القناع أراد الكشف من خلاله عن الحقائق سواء على مستوى الحفريات والآثار أو على مستوى تحليل الشخصيات الصهيونية ووظائفها من خلال التواجد بينها والحوار معها مستترا مع كافة أفراد البعثة وبعلنية مع أور الذي كانت تتراوح شخصيته بين اليهودي والصهيوني ليكشف لنا عن فراغ معرفتهم بالكثير من الحقائق التاريخية.. ولا أ دل على ذلك من الحوار التالي مع أور:

ص234

حوار نور وأور:

أور: أنتَ أصبحْتَ إنسانًا خلال هذه المدّة بفضلي أنا ... بفضل هويّتي.

نور: فإذا ما نزعْتُ قناعَكَ الآن، أفلا أصيرُ إنسانًا؟

أور.....:

نور: أجبني ... أرجوك ...

أور: حسنًا ... لا أعلم ... ربّما ... لكنّني أخشى من اختفائي أنا إذا ما أصبحتَ أنتَ إنسانًا

إذا أور لم يخرج من المشهد وإنما كان الأخر الذي يحادثه نور. 

يقول في رده على رسالة من مراد الذي يطلب منه مصارحة سماء اسماعيل بحقيقته: ص165

معك حق يا مراد لكنني هنا لأغراض بحثيه روائية تاريخية مجدلية محددة ولا أريد التورط في مهاترات قد تسبب بالقضاء على هويتي المزيفة حائر أنا الآن كيف سألتقيها غدًا كيف سأراها بأي لغة سألقي عليها تحية الصباح.

لكن المدهش أنه في النهاية تخلى عن المشروع قائلاً في رسالته إلى مراد: حين أسررت لها أسباب وجودي المجدليّة هنا. هزأت منها كما تهزأ، أنت دوما: فلسطينيٌّ، يهرب من الأزقة والمخيم والاحتلال والالتباسات، ليكتب رواية يرد بها على دان براون صاحب رواية شفرة دافنشي. أي تفاهة متقوقعة هذه. ليكتشف الآن أكثر من أي وقت مضى، أن سماء إسماعيل هي مريم المجدلية النورانية.

مريم المجدلية لم تكن شخصية من شخصيات الرواية بل كانت حاملاً فكريًا اعتمد عليه الكاتب ليكشف من خلالها الوجه الآخر للمدينة والذي بدأ يختفي تحت الحفريات التي هي في الواقع طمس لوجه الأرض وللحقائق..

فمريم المجلية كانت قضية في الرواية وقد تصدى الكاتب الى تحريرها كما ذكر من براثن بروان كاتب شيفرة دافنشي. وكلاهما باسم وبروان قرأا التاريخ لكتابة الرواية فكان الغرض مختلفًا ما بين طمس الحقائق وما بين إعادة قراءتها؟؟

بما كانت الرواية توحي لنا بداية أنها ستحرر مريم المجدلية وهذا التحرير لأنه هناك خطأ تاريخي وربما تفسيرات وتأويلات أحدثتها الحركات الدينية المختلفة وهناك إشارات متعددة حول هذا الأمر في المتن الروائي ولكن ظل هذا الموضوع هو المحور الروائي إلى أن أصبح الأمر يخرج عن السيطرة ليصل  الماضي بالحاضر ويعيد للحقيقة وجهها منذ حاول الصهيوني طمس حتى أسماء الأشجار في المدن  والشوارع وصولاً إلى طمس حقائق تتعلق بالتاريخ حول/وقرى مهجرة تمامًا ومحاولة إخفاء معالمها وصولاً إلى قضية حي الشيخ جراح وهذا في نسبته يعود طبيب إلى صلاح الدين الايوبي الذي حرر القدس من الفرنجة.

الأبعاد السياسية والإنسانية في العمل:

إذا حاولنا تتبع هذا الجانب أعتقد أن باسم كان أذكى من أن يكون مباشرًا في طرحه فقد تمكن ببراعة من تشرب المخطوطات التي تسربت إليه والكتب التي خبرها سابقًا في كتبة أهله الذين يمتلكون واحدة من أقدم وأكبر المكتبات في نابلس. ومراسلته مع د. جوني المنصور والذي اكتنز مخطوطات عن قرية اللجون المهجرة ومستوطنة مشمار هيمعق والتي قامت على أنقاض تلك القرية في واحد من أشرس معارك التهجير في العام 1948.

ورفاق الأسر الذين أنارت ذاكرتهم فعل المعرفة عند باسم الذي بدور منحها لنور. وكأنه نور مزيج من تلك الشخصيات التي شكرها باسم في نهاية روايته وهم ممدوح عميرة الذي كان خريجًا لمعهد الآثار الإسلامية. وبالتالي كل ذاكرته هي ذاكرة نور. الشهدي. وسند الطرمان خبير التفاصيل الصغيرة في أحياء القدس. كما ذكر باسم خندقجي في رسالة الشكر في خاتمة الرواية. 

من هنا تأتي إجابة باسم إذ حوّل سجنه المؤبد لثلاث مرات إلى عالم متسع ونقل معرفة الخارج إلى الداخل فهل كان التوثيق بصالح القضية الفلسطينية أم أعاد توثيق معتقد الوجود اليهوي؟ لإعادتها فكرًا مضيئًا كاشفًا. يعجز سجانه عن ضبط تلك المعرفة أو تحجيمها أو إخفائها..

 لذلك هو يطرح قضية الحرية من بعدين الداخلية والخارجية وينتصر لحريته الداخلية التي لم يقو عليها السجان.

الكاتب يناقش مسألة الحرية الداخلية والحرية الخارجية بمعنى آخر هي مسألة القيد الداخلي والقيد الخارجي لماذا قال عن مراد أنه يعيش قيدًا صغيرًا أو سجنًا صغيرًا وهو يعيش في السجن الأكبر ما الفرق هل يريد أن يعطي مساحة من الحرية أكثر لمراد بمعنى آخر هل يعطي لنفسه هو داخل السجن مساحة من الحرية لا عيها سجانه مهما أثقل قيده؟

ويثير مسألة أخرى إذ يقول في ص 186 وفي بطاقة صوتية لم يعطها رقمًا وحدد تاريخًا لها وهو الأربعاء 28 نيسان ولم أعرف المغزى:

مراد أين أنا؟.. أيالا كانت في دبي.. أنا أن فلم أكن؟

ماذا أراد من هذا التساؤل؟ أنا أتركه للقارئ..

القضية التي لاحظتها في الرواية هي أحداث الرؤية البصرية والبصيرية لمريم المجدلية.

كنت احتار بينهما!! فالكاتب كان دقيقًا جدًا في تناول التفاصيل ولكنه عندما تحدثت مريم المجدلية عن رؤيتها اشتبك الأمر عليّ ما بين الرؤيا والرؤية وكلاهما كان يخدم غرضًا مخالفًا لما جاء به.

مثال: يقول في ص 155 "ثم شرعت بخطاب تروي فيه تجلي يسوع لها في رؤية غنوصية، وماذا أفادها؟ وعلمها إلى أن صمت وتنهدت معلنة لنهاية الرؤية. ثم يأتي الحدث اللافت الذي سينبثق بإقصاء واضطهاد المجدلية من بطرس وبعض التلاميذ،.." إلى آخر القول في الصفحة.

***

في الحركة الغنوصية/الحقائق هي إلهام وتأويل وليست رؤية بصرية.

عندما قال: تحاور معها سرًا اعتقد هذا يشير إلى لقاء بينهما فحين سابق القول يشير إلى دلالة تتعلق برؤيا/تأويلية مما يعني أن الرؤية هنا ألف ممدودة وليست تاء مربوطة؟

بعد هذا الحديث الذي بدا وكأنه مأخوذ عن اقتباس تاريخي أو من مصدر ما.

كتب ملاحظة يتحدث فيها إلى مراد عن الحركة الصهوينة .. هنا شعرت انقطاع واقحام بهذه الملاحظة.

في نهاية الرواية لا أدري "أه" خطأ مطبعي أم هكذا قصد الكاتب فإذا كان قد قصد ذلك هل انتصر لأور بالنهاية؟

 وهنا أعتقد يوجد لدي خلل تقني فقد ذكر الكاتب ص 236 ص 236 رفع أور يده مشيرًا بإبهامه إشارة استعداد لفعل ذلك.

 في إشارة إلى رده على ناتان الذي طلب منه تجديد هويته، ولكن لاحظ معي هنا فهو لم يكن خائفًا كما دخل المستوطنة أول مرة إذ يخرج منها الآن واثقًا مطمئنًا...

هنا هذه العلامات لشخصية نور. نور وحده الذي أصبح الآن أكثر قوة وأكثر ثقة.. لذلك اعتقد كان الأجدر أن يذكر أن نور من رفع يده؟

ص 223 قال: كلا وكلا هي أداة زجر أو حرف يفيد الردع والزجر والاستنكار، يجوز الوقوف عليه، والابتداء بعده أكثر منها رفض لأنه اتبعها بالكلام قائلاً أرجوك

يقول في الصفحة 223 في حواره طبعًا عندما كشف عن حقيقة شخصيته لسماء اسماعيل يقول لها: أجابها بصوت مجروح متوسلاً مصرًا على حقه بالعربية:

 كلا أرجوك صدقيني أنا عربي فلسطيني لاجئ وأسكن مخيمًا في رام الله أصلي من اللد..

 صرخت بوجهه بالعبرية من جديد: توقف لا تقترب مني هل جننت ما الذي تهدي به أين تعلمت العربية هل أنت ضابط شابك ثم يعود مرة ثانية يقول همسًا طبعًا انظر همس قائلاً على وشك الانهيار: كلا أرجوك خاطبيني بالعربية أنا اسمي نور نور مهدي الشهدي ولست أور شابيرا.

ختامًا الرواية فيها مغامرة ولكن إصرار الكاتب على إيراد وتوثيق المعلومات التاريخية أفقدها عنصر التشويق في الكثير من المفاصل. وأعتقد أنها أدت في بعض النقاط هدفا يخالف المراد منها.. 

ولكنها نجحت بأن تعيد لنا إشارات الاستفهام في الكثير من الحقائق وإعادة النظر في مغزى روايات متناقلة ومنها رواية شيفرة دافنشي.. فيما يتعلق بالحقائق التي طرحها وتبدو إلى حد ما تمرير من تحت الطاولة..


عدد القراء: 1945

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-