فرسان .. والحريد .. حكاية من الزمن الغابرالباب: ثقافة شعوب

نشر بتاريخ: 2015-11-17 14:39:15

حسن محمد النعمي

لكل شعوب الدنيا تراثها وإرثها الثقافي الخاص بـها، وهي فقط من تتميز به خلاف غيرها من الشعوب الأخرى، ولهذا الإرث الثقافي ارتباط بثقافة كل شعب من هذه الشعوب , ويشكل الماضي دائمًا حضوره برغم الصور العصرية المختلفة التي تتمثّل في العديد من الأنماط الحياتية. ويعد صيد سمك الحريد (ببغاء البحر) في فرسان إرثًا ثقافيًّا يتم الاحتفاء به كل سنة؛ إن هذه المناسبة لا يشهدها أي مكان آخر في العالم، حيث يتهيأ سكان فرسان سنويًّا مع ضيف الجزر الذي يأتي كل عام بنفس الموعد ويحدث ذلك عادة في يوم واحد من السنة وعادة في نـهايات شهر آذار/مارس وأول شهر نيسان/أبريل من كل عام.

جزر فرسان هي أرخبيل جزر تقع في جنوب البحر الأحمر، تابعة لمنطقة جازان جنوب غرب المملكة العربية السعودية، تتكون من عدة جزر، أهمها جزيرة فرسان.

تبعد عن المدينة نحو 40 كيلومترا تقريبًا،  مساحتها نحو 1050 كلم مربعًا، طول شواطئها نحو 300 كيلومتر.

ويحتفي أهالي جزر فرسان بصيد سمك الحريد (ببغاء البحر)، من خلال إقامة فعاليات ورقصات تراثية وأهازيج مصاحبة يشهدها خليج الحصيص، كما جرت العادة وفق ما تعارف عليها الفرسانيون وتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد. ومع ساعات الصباح الأولى ليوم الصيد تشرق الشمس والبحر في حالة الجزر (العراء) كما يسميه أهالي فرسان يتوافد محبو هذا النوع من السمك والمحافظة على هذه العادة والتراث في تجمع للأهالي لصيد السمك وعندما يصل الصيادون إلى (خليج الحصيص)، حيث موقع مرور الحريد يقومون بنصب شباكهم (الدور)، كما يعرف لديهم على مجموعات الأسماك التي تجوب الخليج في مجموعات تصل لمئات الآلاف، التي يعرفها الصياد عن بعد، إذ تمثل بقعه سوداء عائمة في مياه الخليج، وبعد أن يحكم الصيادون إغلاق الشباك على مجموعات الأسماك الوديعة، التي لا تؤذي الصيادين أو تبدي أي نوع من المقاومة يقومون بجرها إلى موقع قريب من الشاطئ حيث ينتظر على طرفه أهالي الجزيرة متأهبين للظفر بما يستطيعون من هذه الأسماك وعند الانتهاء من عملية تجميع الأسماك يقوم الأشخاص الموكل إليهم عملية الصيد ومدّ الشباك بوضع أغصان من شجر النبق أو الكسب كما يطلق عليه الفرسانيين ليتوجه السمك إليه، ويسهل اصطياده في الوقت الذي يقف فيه الأهالي على ضفاف الشاطئ في عجلة واستعداد تام لإطلاق إشارة الانطلاق المدوية، والتسابق لدخول البحر التي عادة لا تسمح للعاملين على وضع أغصان الكسب بإنـهاء مهمتهم التي يقومون بـها, وما أن تصدر إشارة الانطلاق حتى يتسابق الجميع إلى حيث تجمع الأسماك حاملين معهم الأكياس والمصائد، ليخرج كل منهم بنصيبه والحصول على أكبر كمية من الحريد داخل القفص الذي بيده، وتختلف الكمية من شخص إلى آخر، فهناك من يحصل على بضع سمكات، وهناك من يحصل على كميات كبيرة، يأكل بعضه مع أفراد أسرته، ويهدي البعض الآخر إلى أعز الأصدقاء، ولا يقتصر الاحتفال على الرجال في الساحل في ممر ببغاء البحر في الجزيرة، بل يتعداه إلى البيوت، حيث تحتفل النساء وتقدمن السمك هدايا للمتزوجين الذين لم يمضوا عامًا على زواجهما، ويعزو الأهالي سبب تواجد هذا النوع من السمك الذي لا يتجاوز طوله الـ(40 سم) ويخلو من الأشواك إلا إنه سمك مهاجر, ويصل إلى الجزيرة خلال هذه المدة الزمنية من العام بحثًا عن الدفء ووضع البيض خصوصًا وأن الموقع الذي يوجد به عبارة عن جبال ومياه ضحلة دافئة تساعد على عملية وضع بيضه فيها. والذي أصبح يشكل تظاهرة اجتماعية كبرى لأهالي المنطقة.

ومن فعاليات المهرجان مسابقة لمن يمسك أكبر كمية من الأسماك.

تعود تسمية المهرجان بالحريد إلى نوع من الأسماك المرجانية التي تشبه في شكلها الخارجي طيور الببغاء (Parrot Fish)، وتعود التسمية العلمية للحريد (سمك الببغاء) إلى شكل الفم الخارجي وتنوع الألوان التي يظهر بها هذا النوع من الأسماك، وتعد مناطق الحيد البحري (Coral Reefs) هي المناطق التي يعيش فيها الحريد ويتكاثر ويحصل على غذائه.

يعيش سمك الحريد عادة بين المرجان ويقوم، ومن خلال فمه الذي يشبه المنقار بقضم غذائه، وهو عبارة عن براعم المرجان التي تحتوي على كمية كبيرة من الطحالب البحرية (المكون الحيوي الداخلي للمرجان) (Algae)، وتضم البحار والمحيطات أكثر من 90 نوعًا من أنواع الحريد بأشكال مختلفة.

تتنوع فعاليات المهرجان السياحية، فهناك فعاليات الطيران الشراعي، وتأدية الرقصات الفرسانية القديمة والشعبية، أما قديمًا فكان أهل فرسان يحتفلون بيوم الحريد في بيوت العرائس الجدد اللواتي تزوجن خلال العام، حيث تلبس العروس كامل زينتها وتأتي النساء والأطفال للاحتفال في بيتها.

ويشارك الآلاف من الأهالي والزوار في هذه المناسبة من كل عام, وفي ذلك دعوة مجانية إلى ماضٍ تـهادى بثقله على موروثات ثقافية تراثية تروي بصمتها العميق ألف حكاية وحكاية من حكايات ذلك الزمن الغابر، وهذه الأيام الحاضرة بكل ما بـها من تغيرات وتقدم وحضارة.


عدد القراء: 6489

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-