بين العمل والنص.. وبين السيميائية والتأويليّةالباب: مقالات الكتاب
د. سُميّة عزّام كاتبة لبنانية |
النص، كما تراه السيميولوجيا، نظام من العلامات يشكّل مجموعة من البنى، وهو متناسج مع الدلالة؛ والنص الأدبي بمقتضى "سيميولوجيا هرمينوطيقية" للأدب" يتكلّمنا حين نقرأه. وهكذا، فنحن، بوصفنا قرّاء أو مؤوّلين، والنص، بوصفه قراءة أو تأويلاً، فعاليتان ذواتا معنى ضمن الدراسة العامة للأدب". فالعمل موضوع تأويل ينتجه فنان، أما النص فليس ذلك الذي يؤوَّل، إنما هو الميدان الذي يحدث التأويل، فهو يروغ من أي معنى أحادي، هو نتاج سلسلة دالّة تمتدّ إلى ما وراء تخوم الدائرة الهرمينوطيقية الجمالية. وفي السياق عينه، يصف موكاروفسكي (من علماء مدرسة براغ ومن أقطاب سيمياء الثقافة) العمل الفني بأنه يملك كيانًا مستقلاً بذاته، لكنه في الوقت نفسه على علاقة جدلية دائمة بالتطورات في حقول الثقافة الأخرى.
ويشير تيري إيغلتون إلى رؤية ما بعد البنيويّة إلى "الكتابة" أو "النصّيّة"؛ فإنّ "النقلة من البنيوية إلى ما بعدها هي، كما يقول بارت، نقلة من "العمل" إلى "النص" ،إنها انتقال من رؤية الرواية ككِيان مغلق تشغله معانٍ محدّدة إلى رؤيتها بوصفها تعدّديّة على نحو لا يقبل الاختزال".
كما يعلن أمبيرتو إيكو، في هذا الصدد، أن "النص يُبنى كعالم مغلق ومكتفٍ بذاته من حيث التحديد الدِلالي المسبق الذي يسقطه المؤلف؛ لكنه يُبنى أيضاً كعالم مفتوح على محيطه لارتباطه الوثيق بقارئ لا يذعن دائمًا لأهواء المؤلّف النموذجي". وعليه، يجب أن يكون الكتاب بناءً مفتوحًا ومتحوّلاً: "فالآثار المفتوحة والمتحوّلة تتميّز بالدعوة إلى إنتاج الأثر مع المؤلّف. كل أثر فنّي يبقى مفتوحًا على سلسلة لا منتهية من القراءات الممكنة، وكل قراءة من هذه القراءات تعيد إحياء الأثر وفق منظور أو ذائقة أو تنفيذ شخصي"... "فالتفكير الجمالي والمعاصر منه ارتبط بلا نهائية الأثر المكتمل". يتقاطع هذا الطرح مع نظرية تيري إيغلتون في أن "كل قراءة لعمل ما هي في الحقيقة إعادة كتابة".
ينظر إيكو إلى التأويل على أنه نشاط سيميائي تحكمه قواعد ومعايير، موليًا أهمية للاستعارة وعلاقتها بتجربتنا الداخلية وسيروراتنا الوجدانية، وتأويلها يجعلنا نرى إلى العالم رؤية مغايرة، ويوجب التساؤل "كيف تجعلنا نرى العالم بهذه الكيفيّة الجديدة، وليس لمَ ترينا العالم بتلك الطريقة"، جاعلاً مفهوم التشاكل مكوّنًا أساسيًّا من إستراتيجية تأويل النص (وهو كما يعرّفه غريماس مجموعة متواترة من المقولات الدلالية، تمكّننا من قراءة النص قراءة منسجمة)؛ فيصوغ مفهومًا جدليًّا وديناميًّا يدمج قصدية القارئ وقصدية النص في نسق تفاعلي، ملغيًا بذلك التعارض القائم بين الاتجاه البنيوي (قصدية النص) والاتجاه ما بعد البنيوي (قصدية القارئ) مطلقًا على هذا النسق تسمية "التعاضد النصّي".
يذهب سلفرمان، في الاتجاه ذاته، قائلاً باقتران المناهج الفكرية بعضها ببعض، موضحًا ذلك بأن "السيمياء قد اقترنت بالهرمينوطيقا كيما تدل على مكان علم علامات هرمينوطيقي، كما اقترنت هرمينوطيقا هيدجر وغادامير بمنهج ميرلوبونتي في الاستنطاق الفلسفي، وهذا الأخير اقترن بتفكيكية دريدا".
من هنا، فإن المناهج للمقاربات النصية لا تلغي بعضها البعض، إنما تحتوي سابقتها تستوعبها، وتتمايز في بعض المناحي عنها. وفي أي مقاربة نصّيّة لرواية ما لا تُستبعد السيميولوجيا، كما لا يمكن الاكتفاء بالسيميائية السردية وحسب؛ إذ إنّ آليات التفكيك للرموز والألوان المستخدمة، والأحلام والعوالم المؤثّثة للنصوص الروائية، بوصفها استعارات، من أساسيات المقاربة التأويليّة.
تغريد
اكتب تعليقك