المعالجة الآلية للغة العربية معناها ومبناهاالباب: مقالات الكتاب

نشر بتاريخ: 2016-08-19 03:16:57

أ. د. سلوى السيد حمادة

جامعة طيبة – المدينة المنورة

إن اللغة العربية لغة القرآن الكريم الذي تمثلت معجزته في البلاغة اللغوية، وكفاها وكفانا فخرًا أن رب الكون اختارها لتستوعب دستوره إلى البشر ليعلمهم ما لا يعلمون. ولقد انكب عليها الغربيون دراسةً وفهمًا وأشاد بها المستشرقون، كما أن قدرة اللغة العربية على استيعاب العلوم لتوفر جميع شروط اللغة العلمية بها وتعدد مفرداتها ومرونتها في صوغ المصطلحات العلمية عكس ما يشاع عنها من أعدائها دفعنا دفعًا للحفاظ عليها؛ حفاظاً على وجودنا وكياننا. لقد حافظت اللغة العربية على دورها عبر التاريخ وفرضت نفسها كلغة عالمية تأثرت بها أغلب الدول الأجنبية واقتبست من ألفاظها. وكل ذلك مرجعه لدور القدامى في المحافظة عليها بتهيئتها لمواجهة أي صراع أو هجمات أجنبية معادية. أما بالنسبة للعصر الحديث فاللغة العربية تلاقي غربة في وطنها وتعاني من محنة في عقر دارها، وذلك أنها تتقلص تقلصًا ملحوظًا في التعليم والإعلام والبيئة الحياتية العامة بشكل لا يمثل خطرًا عليها وحدها، ولكن على الكيان العربي كله، إذ إن العرب لن يمكنهم أن يصنعوا فكرًا وإبداعًا وثقافة وحضارة بعيدًا عن لغتهم الأم.

 

يقول أستاذنا الدكتور أحمد مختار: محنة العربية ليست فقط في طرق تدريسها وزحف اللهجات المحلية عليها وتأخر التقائها بالتقنيات الحديثة والهجمات الشرسة عليها من أعدائها، التي تدعي أنها لغة أدب وليست صالحة لاحتواء العلوم وغير ذلك، بل في استسلام أبنائها وانهزامهم أمام الزحف الموجه عليهم. إن عجز اللغة العربية وتدهورها لهو مؤشر على مدى تدهور الحضارة العربية والعلوم.

إن نهضة العربية لن تتأتى إلا بنهضة حضارية علمية قوية تعيدها لسابق عهدها كما أعادت نهضة إسرائيل العلمية الحديثة اللغة العبرية للمحافل العلمية وهى لغة ميتة.

 أولاً: نبذة عن اللغة العربية

1. الاتصال اللغوي: هو الوسيلة التي يتبادل ويتناقل بها الناس المعلومات والخبرات على مستوى الشعوب والأجيال، ومن أبرز أدواته اللغة؛ مكتوبةً أو منطوقةً. ولا شك أن هناك جوانب مشتركة بين اللغات فكل لغات العالم - بلا استثناء - مجموعة من الأصوات تنتظم في أسلوب معين يستطيع المتحدث والسامع أن يفرقا بينهما دون جهد أو عناء، وللغات جميعًا مجموعة من الكلمات تعبر عن الأشياء والأفعال والمفاهيم والأفكار، ولكل لغة أشكال نحوية وتغييرات في الكلمة تغير من أصل معناها1.

 2. نبذة عن اللغة العربية: اللغة العربية لغتنا الأم شأنها شأن أي لغة أم، فاللغة الأم وعاء للفكر ومفتاح الابتكار وأداة الإبداع. ولعل مما حَمَّلَ اللغة العربية دورًا إضافيًّا عن غيرها من اللغات الأم أنها الرباط الذي يربط أبناء الأمة العربية في قناة اتصال واحدة تمتد حتى تشمل الدول الإسلامية في بقاع شتى من العالم؛ لأنها لغة الإسلام. بل إن نفوذها قديمًا وحديثًا لم ينحصر في هذه الدول فقط بل امتد نفوذها من المحيط إلى الخليج، فقد أصبحت إحدى اللغات العالمية. وقد استفادت أوربا عبر التاريخ من المصطلحات العربية والعلمية في مجالات الفلسفة والهندسة والرياضيات والفلك والعلوم الطبيعية. كما تركت آثارًا على اللغتين الأسبانية والتركية، وكانت تدرس في الجامعات الأوربية 2. وهناك بحث عن تأثير اللغة العربية في غيرها من اللغات الحية الأخرى يوضح كيف غزت اللغة العربية أنحاءً شتى من العالم ودخلت أممًا مختلفة وأثرت في لغاتها3. 

ومن مميزات اللغة العربية كلغة عملية أنها لغة اشتقاقية وهذا أمر يميزها عن غيرها من اللغات مثل اللغة الهندية والجرمانية، ومع أنه توجد لغات اشتقاق في المجموعة الأوربية مثل الإنجليزية والفرنسية إلا أنه لو عرفنا أن عدد كلمات الفرنسية خمسة وعشرون ألف كلمة وكلمات الإنجليزية مئة ألف كلمة أما اللغة العربية فعدد مَوادِّها أربع مئة ألف مادة كل مادة تتفرع إلى اشتقاقات متعددة وذلك يضمن للعربية الوفاء بحاجات العلوم والمعارف المختلفة من أدب أو فنون أو غيرها. ولو أخذنا معجم لسان العرب مثلاً لوجدناه يحتوي على ثمانين ألف مادة ويؤدي تعريف نصف هذه المواد وشرحها إلى الحصول على نصف مليون كلمة مما يدل على أن العربية لغة غنية لا تنافسها أي لغة أخرى وعلى الرغم مما قيل من أن المستعمل من هذه المواد عشرة آلاف مادة فقط. هذا بالإضافة إلى أن هناك علاقة عضوية متناسقة بين كلمات المجال الدلالي الواحد بمعنى أن مادة الأخوة مثلاً في عائلتها : أخ وأخت وابن أخ وابن أخت وذلك يجعل بين هذه الكلمات حروفًا أصلية مشتركة مما يسهل استيعابها ويفتح بابًا من العلاقات المباشرة التي تساعدنا على التعبير عن أي علاقة داخل هذا الإطار"الأخوة". أما بالنسبة للإنجليزية مثلاً، وهى أكثر لغات العالم تداولاً، فلا يوجد مثل هذه القواعد مما يصعب استيعابها، انظر مثلاً الأخ brother والأخت sister وابن الأخ  cousin وبنت الأخت niece وساق كاتب النص مثالاً آخر من مادة "كتب".

3. لماذا نحافظ على اللغة العربية؟

أ‌- اللغة العربية ودورها كلغة أم :

1) التواصل بين المرسل والمستقبل (المتكلم والسامع، المحاضر والطالب،…) وسهولة تبادل المعلومات

2) تَضَاعُف قدرة الإنسان على الاستيعاب والفكر والإبداع عند استخدام اللغة الأم.

3) ضياع جهدٍ ووقتٍ وطاقة في استيعاب المعنى الأجنبي قبل استيعاب المعنى والمفهوم المقصود. هذا الوقت والجهد والطاقة يمكن استثماره في قراءة مراجع أو أي استثمار مفيد.

ب‌- اللغة العربية وقدرتها على استيعاب العلوم ومواجهة العولمة.

4. من سمات العربية الحديثة  Aspects of modern Arabic

يمكن القول بأن في اللغة العربية من الخصائص والميزات ما يجعلها من أصلح اللغات للعلم والمصطلحات العلمية. وأصالة اللغة العربية حفظت ألفاظها وتعابيرها من التشويه والطمس والضياع، ونحوها وصرفها من التذبذب والتغيير على مر الزمن. كل ذلك مع استمرار نماء ألفاظها ومصطلحاتها واعتنائها بالمفاهيم والمعاني العلمية والحضارية. ولا شكّ في أن أصالة العربية فاللغة العربية أصيلة من حيث إنّ أصولها تجذّرت ونبتت كلها في أرض الجزيرة العربية وبعض تخومها، ولم تكن خليطًا من لغاتٍ لأقوام مختلفة كما هي الحال في بعض اللغات الأوروبية. فكان ذلك مما جعل لها قواعد ثابتة تقريبًا في نطق أصوات حروفها وكتابة ألفاظها، عدا شواذّ معروفة لعدد محدود جدًّا كما يقول د. جميل الملائكة. 

وأسرد بعضًا من خصائص اللغة العربية وسماتها موضحة روعتها والميزات التي تجعلها من أصلح اللغات للعلم والمصطلحات العلمية.

1. سمات اللغة العربية الوصفية Descriptive:

1.1. الخطوط العربية Arabic Calligraphy

تختلف عن غيرها من الخطوط في اللغات الأخرى ولها العديد من الأشكال والصور مما يصعب التعرف على الحروف حاسوبيًّا. وتتعدد صيغ كتابة الحرف العربي Letter polymorphism  واختلاف تلك الصيغ بحسب موقع الحرف في الكلمة (أول الكلمة، وسطها، آخرها) مثل حرف العين عندما يأتي في أول الكلمة يكون على شكل (عــ) مثل "عسكري"، ويكون على شكل (ــعـــ) مثل "سعادة" عندما يأتي في وسط الكلمة وعلى شكل (ع) في أخر الكلمة مثل "سباع".

1.2. اتجاه الكتابة:

 في اللغة العربية من اليمين للشمال.

1.3. ترتيب الجملة:

تتميز العربية ببعض الحرية في ترتيب الكلمات في الجملة عكس الإنجليزية مثلاً.

1.4. صور الجملة العربية

هناك صورة اسميةNominal pattern  للجملة العربية خالية من الفعل، بالإضافة للصورة الفعلية Verbal pattern  والصورة الاستفهامية Interrogative pattern.

1.5. الصور الصرفية:

اللغة العربية لغة صرفية متعددة الصور Morphological Polymorphism Language.

1.6. التشكيل وعلامات الترقيم

تمثل علامات التشكيل Diacritics جزءًا من الكلمات ولذلك فإن إسقاطها يسبب اللبس، وعلى الرغم من ذلك فإن علامات الترقيم Punctuation، والنقاط التي توضع على الحروف (تقارب من صيغها، وتعددها). والنقط جزء من الحرف العربي وعلى الرغم من أن بعض النقط يكون استخدامها اختياريًّا والبعض الآخر له وظائف مزدوجة كالنقطة في آخر الجملة التي يمكن أن تشير لنهاية الجملة أو لمزيد من الكلام (إلخ...).

1.7. التقدير

تتميز العربية بأنها تقديرية حيث تسقط بعض مكونات الجملة التي تفهم تقديريًّا من المعنى.

1.8. الإلصاق

تتميز اللغة العربية بالإلصاقات affixes التي  تتعدى الحروف الإلصاقية لحروف العطف Conjunction والجر Preposition  مما يعقد عملية التحليل الآلي.

1.9. مرونة العربية

- إمكانية حذف الفقرة الحرفية مثل: ذهب أيمن إلى المدرسة - ذهب أيمن.

- إمكانية استخدام حرف الجر نفسه مع الفعل بمعانٍ مختلفة:

 مثال: أكل محمد بالملعقة -  أكل محمد بسرعة – أكل محمد بالنادي.

- التطابق بين الفعل والفاعل يعتمد على ترتيب الجملة Sentence order:

 مثال: لعب الأولاد ---  الأولاد لعبوا.

- وجود مشتقات تقوم بعمل الفعل. مثال: هو كاتب الدرسَ.

1.10.- مقارنة بين العربية والإنجليزية

ويسوق د. سعد بعض السمات الأخرى مقارنة باللغة الإنجليزية مثل:

(أ‌) عندما يكون الفاعل ضميرًا Pronoun فإنه يتصل بالفعل، ويكون في هذه الحالة لاحقة Suffix، وليس كلمة منفصلة كما هو الحال في اللغة الإنجليزية.

(ب‌) هناك كلمات استدراكية في اللغة العربية مثل"لكن" و"لأن" والتي تتطلب وجود الفاعل قبل الفعل، ومن ثم فإن ترتيب الجمل التي تبدأ بهذه الكلمات يختلف عن القاعدة التي أشير إليها آنفًا. كما أن الأفعال العربية تتفق مع الفاعل Verbs agreement with Subject من حيث العدد  والجنس بعكس اللغة الإنجليزية إذ إن الفعل يبقى مجرداً Abstract verb .

(ت‌)  يدل الضمير  Pronoun في اللغة العربية على الفاعل، الذي سبق ذكره في بداية الجملة في نحو "جاء الولد الذي رأيته" فالهاء تعود على" الولد"، أما في اللغة الإنجليزية فلا يوجد مثل هذه الخاصية.

(ث‌) تتوافق الصفات مع الأسماء Adjectives agreement with nouns في العربية من حيث الجنس والعدد، أما في الإنجليزية فالصفات مجردة Abstract adjectives.

(ج‌) إن معظم المعاجم الأجنبية المصنفة بالحاسوب مصنفة حسب الصيغة المبنية (أي صيغة الفعل، أو الاسم المجرد Abstract noun) وليس بالجذر   Rootكما في المعاجم العربية. وتصنَّف السوابق Prefixes واللواحق Suffixes كمدخلات أساسية Main entries في المعاجم الحديثة فيما لا تصنف كذلك في المعاجم العربية. ولأن اللغة العربية تحتوي على صيغ صرفية داخلية Internal morphological forms (تحدث داخل الكلمة نفسها) وليست سوابق أو لواحق؛ فإنه يتحتم التعامل مع الجذر وليس مع كل صيغة على حدة. وهذه الخصائص التي تختص بها العربية.  

سمات أخرى:

• السمات الصرفية: Morphological aspects

• لها أوزان صرفية Morphological metrics واشتقاقات Derivations مبنية على الجذر.

• ذات عمليات صرفية معقدة تعتمد على العدد "مثنى Dual ومؤنث Feminine وجمع Plural" والضمائر المتصلة والمنفصلة.

• تتغير صورة الفعل العربي عند اتصاله بالضمير "كتبت/كتبنا/كتبوا" فيما تكون الضمائر باللغة الإنجليزية منفصلة         "I,  He, They " وتكتب مع صورة ثابتة من الفعل write   فتصبح ( I write, She writes) .

• السمات النحوية:

- تستغني عن أفعال الكينونة Entity verbs في علاقات المبتدأ Inchoative  والخبرPredicate . فيمكننا مثلاً في العربية أن نقول: هم أذكياء أما الإنجليزية فنقول: "They are clever".

- تعدد صور الجمل. وتعدد أشكال الترتيب.

مثال: أكل محمد الطعام. محمد أكل الطعام.

- عمليات التقديم

الفعل في اللغة العربية يسبق الفاعل Verb proceeds subject ومن ثم فإن ترتيب الجملة الفعلية العربية هو فعل Verb، فاعل Subject، مفعول به(VSO) Object  ولكن قد يحدث:

1 - تقديم الخبر على المبتدأ  :- في المدرسة تلاميذ.

2 - تقديم المفعول على الفاعل :- أكل الطعام محمد

1.11. سمات العربية كلغة حية

يحدد منها الجيوشي ما يلي 4 :

(أ‌) لغة القرآن الكريم Qur'an.

(ب‌) الوضوح والسهولة والمرونة والتطور.

(ت‌) درجة التنظيم.

(ث‌) الاقتصار والإيجاز Concise لقد عمدت العربية إلى اصطناع بعض الوسائل التي تمكنها من تحقيق هذه الخاصية:

• تعدد المعنى المعجمي مثل ضرب:  ضرب له موعدًا، ضرب الوالد ابنه، ضرب له قبة، ضرب الله مثلاً، ضرب في الأرض وغيرها.

• ظاهرة تعدد المعنى الواحد (تعدد المعنى النحوي) Syntactical multi-meaning

كأن تصلح "استفعل" للطلب كاستخرج ، والصيرورة كاستحجر، والمطاوعة  كاستقام، والاتخاذ كاستشعر. 

(ج‌) ظاهرة النقل Quotation :-  النقل في النحو    -  النقل في المعجم

• ظاهرة الميل للتركيز:- نحو "في الدار رجل"، "أين زيد".

• إمكانية الاستغناء بالأصناف عن المفردات.

• الاقتصاد في الجهد كالإدغام.

• توفر وسائل النمو العقلي، وهي:

– الاشتقاق.

– الإلصاق.

ويسوق د/كارم السيد غنيم 5 سمات متعددة للعربية توافق سمات اللغة العلمية سنحاول سردها دون أي تفصيلات إلا ما نجده ضروريًّا.

أ‌- الوضوح.

ب‌- سلامة البنيان اللغوي والإيجاز.

ت‌- تقبل المصطلحات.

– القصد إلى حقيقة الأمور.

– المنطق.

– شمولية صفة العلم.

– وحدة  المفهوم التركيبي للجملة العلمية.

2. صور اللغات

(أ‌) اللغات المنطوقة:

تتسم اللغة المنطوقة بمصاحبة عوامل عدة تضفي عليها أجزاء أخرى من المعنى بالإضافة للمعنى الأصلي للوحدة اللغوية. فالعبارة نفسها يمكن أن تكون لها مقاصد ومعانٍ مختلفة تبعًا للمناسبة التي قيلت فيها أو حال القائل بل وحال السامع أيضًا بل إن هناك مؤثرات مختلفة على اللغات المنطوقة كالبيئة المحيطة التي قد تسبب خللاً في السمع مما يؤدي لاختلاف المعنى المراد أو عدم وضوحه. كذلك تؤثر الحالة النفسية لكل من المرسل والمستقبل ... وغير ذلك.

(ب‌) اللغات المكتوبة:

اللغات المكتوبة وسيلة التواصل Communication الحضاري والتوارث الثقافي بين الأمم والأجيال، وتفتقر اللغات المكتوبة إلى الكثير من الخصائص التي تتميز بها اللغات المنطوقة وتُسهل فهمها. والرسم شكل (1) يوضح بعض السمات المشتركة والمختلفة في كلتا اللغتين.

وعليه فالنجاح في المعالجة الآلية يتطلب النجاح في فهم اللغة. وتتضمن مشكلات اللغات المنطوقة أكثر مشكلات اللغات المكتوبة. أما مشكلات المعالجة الآلية فتضمن جميع المشاكل؛ لأنها تتعامل مع المستويين معًا.

5. المشكلات التي تعانيها اللغة لتحقيق المرجو منها:

1) انغلاق اللغويين العرب على أنفسهم:

ما يزال علم اللغة الآن مقصورًا على دارسيه، وأصبح كثير من المتعلمين والمثقفين لا يعرفون شيئًا عن علوم اللغة وقواعدها وأصولها، وبدت كتابات اللغويين وقفًا عليهم قراءة وفهمًا. أما أكثر اللغويين فيوجهون اهتمامهم بدراسة أساليب بعض الشعراء والكتَّاب القدامى ويركزون على تأثيرهم وتأثرهم باللغة قديمًا. ومع عدم الاعتراض على هذا لأننا لسنا من أهل هذا المجال ونترك التقييم للمتخصصين، إلا أن الأولى بهؤلاء دراسة التراث اللغوي وفض خزائنه – وهذا ما يفعله اللغويون في الدول المتقدمة؛ يبحثون في التراث العربي- بما يتناسب مع متطلبات العصر الحديث والاطلاع على الدراسات اللغوية الحديثة أيضًا.

إن إنتاج اللغويين العرب ما يزال ضعيفًا لا يتناسب مع منتجات اللغويات في البلدان ذات الثقافة والفكر ويرجع ذلك إلى ما يلي:

2) عدم إلمام أغلبهم بتكنولوجيا اللغة وهندستها والنظريات الحديثة في هذا المجال، حتى إن بعضهم قد حاول تنظير اللغة العربية نفسها، كما يمكن أن نرى في كثير من المواقع الأجنبية على الشبكات.

3) عدم إلمام أغلبهم بما يتناقل عبر شبكات الاتصالات من منتجات التطور السريع سواء أكانت مصطلحات لفظية أم مصطلحات علمية أم مترجمات أم معربات تخدم اللغة وتدعمها.

4) قيود الجمود التي تحارب كل جديد وتشجبه بدلاً من البحث في صحته، وتأييده، أو محاولة تصحيحه؛ مما يثبط عزم شباب اللغويين عن البحث عن الجديد والاكتفاء بالحدود القديمة؛ طمعًا في الحصول على الدرجات العلمية وهربًا من خوض حروب غير متكافئة، غير أن هذا الاتجاه قد بدأ في الظهور ولكنه يحبو ببطء وحذر شديدين.

5) تحول الأعمال اللغوية لسلعة إنتاجية من خلال هيئات خاصة، وتحت الظروف الحياتية الحالية أصبح هدف الأبحاث اللغوية ماديًّا في المقام الأول، مع ملاحظة عدم نشر هذه الهيئات لتلك الأبحاث التي قطعت فيها شوطاً طويلاً؛ حرصًا على المكاسب المادية، أما بالنسبة للدول الأخرى فتلك الهيئات تنشر أبحاثها؛ لأنها لا تعاني من هذا الضغط المادي، والحقوق محفوظة لذويها على أي حال.

6) ندرة الكفاءات: كما تعاني اللغة العربية من ندرة الكفاءات القادرة على تحرير اللغة بمنظور علمي بمعناه العالمي المعاصر، ووجوب علاج هذا النقص لا يحتمل تأخيرًا أو إهمالاً؛ فتدريب الكوادر البشرية على هذا العمل الهندسي الدقيق يحتاج وقتًا وخبرة، وأي تأخير يقودنا إلى مزيد من التخلف الحضاري.

7) الازدواجية اللغوية : تعاني اللغة أيضاً من مشكلة الازدواج اللغوي Lingual Duplicity بين الفصحى standard Arabic والعامية Colloquial التي تنشأ  من تعلم الأطفال في المدارس، حيث يتعلمون بالفصحى في المدرسة، ويتحدثون العامية في المنزل، والسوق، والشارع، وليست مثل الازدواجية التي تنشأ بين الفصحى وغيرها من اللغات الأجنبية مثلاً، وبرغم ذلك فهي تمثل صعوبة.

8) النظرة الدونية للغة العربية:

أ‌- إن العوام في الأمة العربية وأغلب المتعلمين حتى مستوى الثانوية العامة لا يتقنون اللغة العربية - فصحى التراث أو حتى المعاصرة - فهماً أو كلامًا أو كتابةً، وفي الوقت ذاته فإن مستوى اللغة بين دارسي الجامعات والكليات العلمية ضعيف جدًّا مع صعوبة في التعبير عن أنفسهم باللغة العربية، أما مستوى المتخصصين من كليات التربية والآداب ودار العلوم فمرتفع مقارنة بغيرهم، ولو أن كثيرًا منهم لا يجيدون استخدام اللغة كما يجب ولهم عثراتهم وقصورهم المخجل في بعض الأحيان بصرف النظر عن الكادر الجامعي والتخصُّص على مستوى عال.

ب‌- بالنسبة للمذيعين ومقدمي البرامج واستخدامهم للغة العربية بطريقة مشوشة تفتقد القواعد والألفاظ الصحيحة. بالإضافة إلى ظاهرة التفرنج (في الملبس والنطق والثقافة) خاصة على القنوات الحديثة والفضائية. مع أننا لو لاحظنا غيرنا من القنوات الأخرى لوجدنا اعتزاز كل دولة بلغتها وحضارتها وحرصها على أن تُظهِرَ قنواتهُا هويَتها الثقافية والحضارية.

ت‌- تعلم اللغة الأجنبية في سن صغيرة قد يؤدي إلى انتماء الطفل لهذه اللغة وانجذابه إليها وكأنها لغته الأم، فالأسرة تخطئ بتشجيع الطفل عند نطق الكلمات الأجنبية وتبدي سرورها وكأنه اجتاز الحاجز الحضاري والثقافي بنطقها. وبالطبع الشيء نفسه لا يحدث بالقدر نفسه عند النطق باللغة الأم مما يولد لدى الطفل أهمية لهذه اللغة عن لغته الحقيقية، ويضيع منه انتماؤه وولاؤه غير مدرك لنفسه هوية. ثم يأتي دور مدارس اللغات التي تعد في حقيقة الأمر بلاء لا يستهان به، ففي هذه المدارس يتوفر للدرس اللغوي باللغة الأجنبية ما لا يتوفر للعربية انظر6.

ث‌- من أهم ما يهدد اللغة اجتماعيًّا ارتباط فرص العمل الجيدة بإجادة تعلُّم إحدى اللغات الأجنبية مما يزعزع ثقة الفرد في لغته.

9) عدم الوعي بأهمية البحث العلمي: يجب علينا أن ندرك أنه لكي تكون هناك نهضة لغوية لابد من وجود نهضة علمية والعكس؛ ولذلك فالوعي بأهمية البحث العلمي أحد الطرق للحفاظ على اللغة.

10) عدم الاهتمام بالترجمة: لا يخفى على أحد دور الترجمة في نقل العلوم والتكنولوجيا للوطن العربي. وإن الغالبية العظمى من المتعلمين العرب ليسوا على تمكن جيد من اللغات الأجنبية بطريقه تتيح لهم الاطلاع الفوري على الإنجازات العلمية والتكنولوجية في العالم الخارجي. ولذا يتوجب علينا نقل هذه العلوم والتكنولوجيا باللغة العربية وبطريقة سريعة حتى يتسنى لهم ذلك.

11) فن التعريب :Arabaization  يجب عند نقل المادة عن طريق الترجمة أن نضيف اللمسة العربية عليها وأن نراعي الابتعاد عن الاتجاهات الأجنبية التي لا تناسبنا.

ثانيًا التعريف بمشكلة المعالجة الآلية للغة العربية وأهميتها

يجب علينا الآن إنقاذ اللغة العربية وإخراجها من عزلتها أسوة باللغات الأخرى التي لها تراث أدبي وحضاري مثل الإنجليزية والفرنسية، وعلى الرغم من ذلك لم تحاول فرض هذه العزلة على نفسها. ولقد انتشرت التطبيقات اللغوية ودخلت في جميع المجالات، ولن تمر حقبة بسيطة إلا وستصبح ضرورة من ضروريات دعم اللغة، ومن ثم علينا الخوض في هذا المجال حتى نصل بلغتنا العربية للمكانة التي تستحقها عالميًّا. وكفانا دليلاً على حاجة اللغة للتقنيات الجديدة والاستفادة منها دخول الدول المتقدمة سباق تطور هندسة اللغة Language Engineering منذ أكثر من أربعين عامًا واشتعال التسابق بينها في محاولات التطوير خاصة في مجال الترجمة الآلية لكشف علوم الدول الأخرى ونقلها إليها.

6. المعالجة الآلية للغة Automatic Language Processing

مما لا شك فيه أن تهيئة لغتنا العربية للمعالجة الآلية لجديرة بأن تمنحها ارتقاء وكفاية ومنطقية على المستويين النظري والتطبيقي إلى جانب دعمها بعوامل القوة والصمود لتقلبات الزمن أسوة بما تم إنجازه في كثير من لغات الأمم الأخرى كالإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، واليابانية، والعبرية، والفنلندية والروسية، والسويدية. ولا يخفى على أحد منا ما للسانيات الحاسوبية Computational Linguistics من دور فاعل مؤثر في الخروج بنا من أزمتنا الثقافية الطاحنة التي أفقدت الكثير منا ثباتهم وتماسكهم، فعلى مستوى التنظير لا يخفى دور استخدام التكنولوجيا الآلية المتقدمة في التعامل مع النصوص في النهوض بأبحاثنا اللغوية بشتى فروعها، وإخراجها من سذاجتها وسطحيتها . أما على المستوى التطبيقي Applied Approach فدور اللسانيات الحاسوبية فاعل وشامل، فعلى المستوى التربوي لا يخفى دور الحاسوب إذا ما أحسن استغلاله في تعليم اللغة العربية لأبنائها: صغارًا وكبارًا، ولغير أبنائها أيضًا Computer-based Training .

7. دور الحاسب ودعمه للغة

للعقل البشري قدرات متعددة ولكنها في الوقت نفسه محدودة الإمكانيات  Abilities بعكس إمكانيات الحاسب غير المحدودة ومنها:   

أ‌- ذاكرة لاستيعاب الحقائق والأحداث events، فقدرات العقل البشرى مهما بلغت مهارات Skills  أصحابها محدودة. أما الحاسب فحد استيعابه يمكن أن يصل لأكبر مدى ممكن مع التقدم العلمي.

ب‌- القدرة على اكتشاف الأخطاء وتصحيحها، أما الحاسب فيمكن أن ننفذ به هذه العمليات بصور أكثر تعقيدًا وعلى نطاق غير محدود.

ت‌- قدرة على استعادة البيانات Data retrieval ولكنها محدودة بعملية أو اثنتين في الوقت نفسه في العقل البشرى. أما قدرات الحاسب على استعادة البيانات والمعلومات فهي غير محدودة وتستخدم أعقد العمليات وشروط الاستعادة الممكنة.

ث‌- قدرة على الاستنتاج والاستنباط لحقائق ومعلومات جديدة عن طريق المحاكاة Simulation أو الأمثلة  By example أو التعلم By learning، وهي محدودة في العقل البشرى أما الحاسب فيمكن أن ننفذ به هذه العمليات بصور أكثر تعقيدًا وعلى نطاق غير محدود.

ج‌- قدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة بناء على الإدراك الحسي والعقلي لجوانب المشكلة، حيث يمكن نقل هذه القدرات للحاسب أيضًا وتنفيذها بلا حدود.

ح‌- التمييز بين أنواع المعرفة المختلفة والقدرات والمهارات بالفطرة ( حسية إبداع ملاحظة ). ولو تم وضعها في قواعد يمكن أن تبرمج، ومن ثم يقوم الحاسب بها أيضًا.

خ‌- قدرة على التعلم واكتساب مهارات وهي محدودة في العقل البشرى وتتفاوت من شخص لآخر، ويمكن نقل هذه القدرات للحاسب أيضًا وننفذها بلا حدود.

د‌- قدرة على التفكير والإبداع. فلو استطعنا تحويل التفكير والإبداع لقواعد لتمكن الحاسب من أن يبدو مفكرًا ومبدعًا.

وعلى هذا نطلق على الحاسب "العقل الاصطناعي"، لأن تعقله وتفكيره مصطنع مرتبط بالمعلومات المخزنة فيه، فلو خزنت فيه معلومات صحيحة لأبلى البلاء الحسن أما لو تم تخزين معلومات خطأ لأدى ذلك لحدوث كوارث.

8. ما الإضافات التي يتجاوزها الحاسب بالمقارنة مع العقل البشرى؟

أ‌- يمكن أن يؤدى عمليات متعددة في الوقت نفسه.

ب‌- يمكن أن يعمل لوقت غير محدود.

ت‌- يحتفظ بقدرته على الدقة والأداء من بداية العمل حتى نهايته.

ث‌- يمكن أن يتابع أكثر من عملية في أكثر من جهاز أو ماكينة تحت سيطرته في الوقت نفسه.

9. النظم الحاسوبية:

عند حوسبة أي نظام  فإنه يجب:

– دراسة هذا النظام بدقة (تحليل النظام) System Analysis.

– تقسيم أدائه لمراحل وتحديد مدخلات Input ومخرجات Output كل مرحلة وتحديد الهدف من العمل وكيفية الوصول إليه.

– اختبار المخرجات وتقييمها للتأكد من الوصول إلى الهدف وغيرها.

وخضوع النظام لمثل هذه الدراسة - حتى ولو لم نتطرق للتطبيق الحاسوبي - يضفى على أداء النظام:1- الوضوح 2 - الدقة 3- التمخض عن مفاهيم وحقائق وعلاقات لم تكن قيد البحث من قبل، ومن ثم الوصول بالنظام لأفضل أداء واستغلال مدخلاته للوصول لأقصى مخرجات ممكنة منه. والحاسب حينئذ لا يرتبط بمهارات عقل بشرى واحد - المبرمج - بل يجمع بين المهارات المثلى لأفضل العقول. ولن يحدث هذا إلا إذا تمت البرمجة من قبل محترفي برمجة بالتعاون مع المعنيين بتفاصيل الأمور لهذه النظم. فليس كل نظام حاسوبي يتميز بالقدرات السابقة. ولا يفوتنا هنا أن نوضح أن هناك حدوداً فيزيائية لعمل الحاسب فهو جهاز إلكتروني عرضة لتلف أي جزء منه بل لتلفه ككل وعرضه لحدوث مشكلات غير واضحة الأسباب عند تنفيذه لأي عملية. وكذلك عرضة لأخطاء غير واضحة الأسباب عند تنفيذه لأي عملية.

المراجع:

1 - تركي رابح، "دراسات في التربية الإسلامية والشخصية الوطنية"، المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، 1982.

2 - د.نجاة عبدالعزيز المطوع، "آفاق الترجمة والتعريب" عالم الفكر، المجلد التاسع عشر، العدد الرابع، يناير- مارس، 1989، الكويت، ص.5-14.

3 - د. سامية أسعد، "ترجمة النص الأدبي"، عالم الفكر، المجلد التاسع عشر، العدد الرابع، يناير- مارس، 1989، الكويت، ص. 15-36.

4 - د. محمد إبراهيم الجيوشي، "خصائص اللغة العربية"، الأخبار، 24/8/1998، ص.4.

5 - د.كارم السيد غنيم، "اللغة العربية والنهضة العلمية المنشودة" عالم الفكر، المجلد التاسع عشر، العدد الرابع، يناير- مارس، 1989، الكويت، ص.37-80.

6 - د. سلوى حمادة، "تجهيز اللغة العربية لمواجهة عصر المعلومات والعولمة "، الندوة الخامسة للتعليم والتدريب في مجال الحاسبات باللغة العربية، الجامعة الأمريكية، القاهرة، 2005.


عدد القراء: 13571

اقرأ لهذا الكاتب أيضا

اكتب تعليقك

شروط التعليق: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.
-