قراءة في رواية «1984» للكاتب جورج أورويلالباب: مقالات الكتاب
رنا القفاري كاتبة وشاعرة - القصيم – بريدة |
"كان يومًا باردًا من أيام نيسان"
يستفتح جورج أورويل رائعته من خلال هذه الجملة التي قد تشعر إزائها بلسعة برد ناعمة ولكنك لن تجد في الرواية سوى "دقيقتي الكراهية، الأخ الأكبر، شرطة الفكر، غرفة 101..." وغيرها الكثير من المصطلحات التي أصبحت دارجة ومستخدمة في ديدن القراءة عامةً.
بدايةً لنسأل أنفسنا ما هو المعيار المحدد للنجاح في الرواية؟
من وجهة نظري عندما ترتدي الرواية لباس الحقيقة لتصبح جزءًا منها، بل وإنها تتجاوز ذلك في بعض الأحيان لتصبح مقنعة أكثر من الواقع ذاته يمكن تحقيق ذلك من خلال الشخصيات، فمثلاً في شخصية زوربا اليوناني للكاتب نيكوس كازنتزاكى تجسدت لنا إلى الحد الذي جعل الكاتب جورج أمادو يحاكيها بشخصية زوربا البرازيلي أو أرشجانو كذلك الحال بالنسبة لشخصية لوليتا التي أصبحت عالمية بطريقة جعلت العلماء والأطباء النفسيين يأخذونها على محمل الجد من خلال الاستعانة بها في التشخيص والدراسة بالحديث عن رواية 1984، فهي ذات طابع ديستوبي... تقع أحداثها في بريطانيا العظمى، وقد تم نشرها في منتصف القرن العشرين الجدير بالذكر ترجم الرواية لأكثر من 60 لغة بل إنه لا تكاد تخلو لغة من عدة ترجمات مختلفة لها أيضًا تعد من أجود كلاسيكيات الأدب الفكري السياسي تتحدث الرواية عن النظام القمعي الشمولي الخاضع للرقابة بشكل كامل، حيث إن جريمة الفكر والكتابة قد تكلفك السجن 25 سنة مع الأعمال الشاقة أو الموت "إن جريمة الفكر لا تفضي إلى الموت: جريمة الفكر هي الموت نفسه" النظام يتجاوز ذلك ليصل إلى فبركة الحقائق وتغيير الماضي ومسح السجلات وتعديلها، أي (طمس الحقيقة)، حيث لا وجود إلا للحاضر هناك شعارات الحزب الثلاثة هي:
الحرب هي السلم
الحرية هي العبودية
الجهل هو القوة
ولم يتوقف النظام هنا فحسب وقام باختراع "لغة جديدة" تحمل فيها المفردات معنًى متضادًا لتفعيل التفكير المزدوج ويقومون بشكل دوري بحذف مفردات لغوية واستبدالها لتحجيم اللغة وتفادي قدرة التعبير أيضًا يقومون بمعاملة الزواج على أنه مؤسسة اجتماعية تنتج الأطفال لدعم المنظمة فقط تعمل المنظمة هناك على إنتاج كم هائل من الموارد، لكي ترفع اقتصادها وسيطرتها، ومن ثم تأخذ الحرب كذريعة لإتلاف هذه الموارد.. الشعب هنا ممنوع من الرفاهية، بل وحتى من مذاق الشوكولاته، وهي تقوم باختلاق منظمة معادية تدعى الأخوية تعمل على إسقاط الأخ الأكبر الذي هو غير موجود إلا بالاسم، ولكنها في الحقيقة منظمة تابعة للحزب عملها هو القبض على المشتبه بهم، ولكن لا تقوم بقتلهم إلا بعد ما تكسبهم الولاء الكامل للحزب هنالك ثلاث مراحل يجب أن تمر بها حتى يتم إعادة تأهيلك من جديد، وهي التعلم ثم الفهم ثم القبول من خلال استخدام أفظع أنواع التعذيب، لكي تقبل بعدها بأي حقيقة يلقنونك إياها وبوعي وقناعة كاملة.
يتكون جهاز الدولة من 4 وزارات:
وزارة الحقيقة المسؤولة عن تزوير التاريخ.
وزارة السلم المختصة بالحرب.
وزارة الوفرة المعنية بتحجيم الموارد والشح بها.
وزارة الحب، والتي من عملها نشر الكراهية.
بالضبط هذا المقصود بازدواجية التفكير.
تعد هذه الرواية مثل صفعة لمن يدعي أن الرواية مجرد تذوق أدبي ومضيعة للوقت، أنا هنا أود التعليق على هذا الجدل من واقع تجربتي الأدبية، انتشرت مؤخرًا الكثير من الروايات والدواوين ذات الأغلفة الجميلة، التي تستخدم للتصوير بجانب كوب قهوة أكثر منه للقراءة، وباعتبار إن هناك قصورًا واضحًا لدور المكتبة العربية في تصنيف كتب الناشئين تنتج عنها حالتين للقراءة غير السليمة:
الحالة الأولى: القارئ المغرور وهو عادة يكون مبتدأ لا يقبل بمثل هذه الكتب، بل إنه يتجاوزها ليختار القراءة في مجالات أدبية دسمة ومتخصصة، مما يؤدي إلى اكتئاب ومشكلات نفسية أخرى قد يترتب عليها كره القراءة.
الحالة الثانية: القارئ المؤهل للمرحلة التالية الذي بدوره ينجرف مع التيار الأدبي المذكور سلفًا، ليجد نفسه بين أكوام من السطور، التي لا تثري المحتوى الأدبي، وهي في الحقيقة مجرد مرحلة انتقالية مؤقتة كوني كاتبة، والكاتب وإن حاول فهو لا يستطيع التعبير بحيادية مطلقة وبشكل موضوعي، فمن خلال تجربتي مع الأدب الروسي توصلت إلى اعتقاد مفاده أن الرواية مجرد قالب لإيصال الفكرة، فعلى سبيل المثال لا الحصر دوستويفسكي إن لم يكن كاتبًا متخصصًا بعلم النفس، فهو عالم نفس بالفطرة، ويتضح ذلك من خلال رواياته الوجودية والفلسفية التي أبدع فيها بالغوص في خبايا النفس البشرية، ووصف انفعالاتها أيضًا أحلام مستغانمي كتبت الكثير من الروايات، التي لا تحتوي على قصة أو أحداث، فهي كما يقال بلا رأس وذيل ومقطوعة الأحداث، لأنها تركز على لغة أدبية بحتة عن طريق النثر لكونها شاعرة وأديبة، لذلك قلت سلفًا: إن الكاتب لا يستطيع أن يكون حياديًّا وإن حاول بفرض إننا اتفقنا أن الرواية ليست ذات قيمة إلا أن الجمال له قيمة، بل وإنه ضرورة لا أحد يسأل عن فائدة صوت الكمنجة الجميل.
أخيرًا
لماذا عليك أن تقرأ رواية 1984؟ يقول أحد الأصدقاء -لأنها مربكة فكريًّا، لأنها أكثر الأعمال رعبًا- أنهي حديثي باقتباس جميل من الكتاب.
"سوف نلتقي في مكانٍ حيث لا ظلمة".
تغريد
التعليقات 1
مقال رائع جدا . ربما كشف لنفسى بعض الغيبيات الفكرية . دوما موفقة الى الأفضل دائما . أحمد ياسو
اكتب تعليقك